رد: حكم من أعان الكفار علي المسلمين
السلام عليكم
اتّفق مع الأخت الفاضلة والأستاذة/
أم عبد الله السرطاوي.
-وينبغي اعتبار
التفرقة بين موالاة الكافرين بمحض الفعل وبين موالاتهم بالقلب أو بكليهما، فهذا
منحى مُعتبر في تحديد المناط المُكفّر في قضية الموالاة عمومًا.
-وينبغي أيضًا
تقييد الولاء والبراء هنا بقيد الديني،
لأن غيره قد يختلف، فقد يتقاتل المسلمون ويتعادون على زعامة ولُعَاعَة من الدنيا مثلاً، وقد يُحبّ بعضهم أحدًا من الكافرين لقرابة أو لمصلحة، وقد ينصره في موقف غضبًا أو حمية، وكل ذلك يوجب نقص الإيمان فحسب، ولا يفضي بالضرورة إلى نقضه،
إلا أن المحكم هنا هو الولاء والبراء الديني، فمن والى كافرًا لكفره أو عادى مسلمًا لإسلامه فذلك يوجب نقض الإيمان.
قال أبو حيّان (الأندلسي) في البحر المحيط (3/ 507):
(( ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ الْكُفْرِ ; أَيْ : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فِي الدِّينِ .)) انتهى.
وهو قول عامّة المفسّرين؛ راجع في ذلك:
تفسير الطبري (3/ 228)، (6/ 179)،
وتفسير المنار (6/ 430-431)،
تفسير الماوردي،
والقرطبي (6/ 254)،
وتفسير ابن عطية (4/ 478)،
ومحاسن التأويل للقاسمي (4/ 80-82)،
والرسائل المفيدة لعبداللطيف آل الشيخ (1/ 151)،
وتفسير الخازن [مجموعة من التفاسير (2/ 30)]،
وروح المعاني للألوسي (6/ 157)، وقال _الألوسي_
: ((فصار تحقيق المذهب؛ أن الذي يوجب الكفر من الموالاة: أن يحصل من الموالي الرضا بالكفر، والذي يوجب الفسق: أن يحصل الرضا بالفسق)) . اهـ.
ويُراجع كذلك:
زاد المسير لابن الجوزي (2/ 52)،
ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/ 522-523).
قال
الدكتور صلاح الصاوي في كتابه النفيس
"الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر" (ص 149):
((ولا يسعنا بعد هذا العرض، إلا أن نُقرّ ابتداءً بأن المناط المكفر بذاته في قضية الموالاة، من الدقائق التي تحتاج إلى تدبر وإمعان نظر، وقد تحاشت في الدخول في تحديده كثير من الدراسات المتخصّصة، التي أفردها بعض فضلاء المعاصرين لدراسة هذه القضية)) . انتهى.
فالمسألة تحتاج لتفصيل وتحرير بالنسبة لي على الأقل! .
وهذا..
بحث قيم عن تحديد (مناط الكفر بموالاة الكفار) للدكتور عبدالله القرني - من ملتقى أهل التفسير
أنصح الجميع بالإطلاع عليه للفائدة.
قلتُ: وفيما يخصّ
التحالف معهم؛ فهذه مُشاركة لي فيها تفصيل مُختصر من إحدى المنتديات:
ينبغي اعتبار التفرقة بين موالاة الكافرين بمحض الفعل وبين موالاتهم بالقلب أو بكليهما! .. فهذا منحى معتبر في تحديد المناط المُكفّر في قضية الموالاة.
وهذا المنحى الذي ذهب إليه الكاتب مُنكر ظاهري مرجوح، لا يمتّ للتحرير الفقهي للمسألة بصِلة.
فمسألة ((التحالف مع غير المسلمين لمصلحة المسلمين)) فيها تفصيل وتوجيه..
فقد جاءت النصوص بالنهي عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
والولاية في هذه النصوص هي ولاية التناصر والمحالفة، وهي مقيّدة بما كان منها من دون المؤمنين، أو ضد جماعة المسلمين،
كما قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}، قال: "قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَىَ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ يَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَنْصَارًا وَحُلَفَاءَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَغَيْرَهُمْ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنِ اتَّخَذَهُمْ نَصِيرًا وَحَلِيفًا وَوَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فِي التَّحَزُّبِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ . ". ["جامع البيان" للطبري (6/ 276)].
فهذا النهي -إذن- متوجّه لأفراد المسلمين وجماعتهم دون جُملتهم، ويكون المحظور إذن في باب الولاية أمران:
1_ أن يُوالي أفرادٌ أو جماعاتٌ من المسلمين اليهودَ والنصارى، ويتعاهدون على التناصر من دون المؤمنين، رجاء نصرتهم إذا دارت على المسلمين الدوائر.
وفي ذلك يقول صاحب المنار في بيان المقصود بهذه الآية: "عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنِ الْمُرَادَ بِالْوِلَايَةِ وِلَايَةُ التَّنَاصُرِ وَالْمُحَالَفَةِ ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِأَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ دُونَ جُمْلَتِهِمْ ، وَأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ وَغَيْرَهُمْ ; لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةٌ لِلْإِنْكَارِ عَلَى مَرْضَى الْقُلُوبِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ لَهُمُ الْيَدَ عِنْدَهُمْ لِعَدَمِ ثِقَتِهِمْ بِبَقَاءِ الْإِسْلَامِ وَثَبَاتِ أَهْلِهِ . وَلَوْلَا هَذَا لَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا ، لَا لِأَنَّ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ أَلَّا يُحَالِفَ أَهْلُهُ مَنْ يُخَالِفُهُمْ فِيهِ . كَيْفَ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَفَ يَهُودَ الْمَدِينَةِ عَقِبَ الْهِجْرَةِ ؟ بَلْ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا فِي حَنَقٍ شَدِيدٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَحَسَدٍ لِلْعَرَبِ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، فَلَا يُوثَقُ بِوَفَائِهِمْ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْ خِيَانَتِهِمْ وَغَدْرِهِمْ ، وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ مِنَ الْآيَةِ ، بَلِ السِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ؛ وَهُوَ أَنْ يُوَالِيَ أَفْرَادٌ أَوْ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُولَئِكَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الْمُعَادِينَ لِلنَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَيُعَاهِدُونَهُمْ عَلَى التَّنَاصُرِ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ؛ رَجَاءَ أَنْ يَحْتَاجُوا إِلَى نَصْرِهِمْ إِذَا خُذِلَ الْمُسْلِمُونَ وَغُلِبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ". ["تفسير المنار" (6/ 425-426)].
2_ أن يوالي أفرادٌ أو جماعاتٌ من المسلمين اليهودَ والنصارى، ويتحزب معهم ضد بقية المسلمين.
أما أن يقع التحالف بين جماعة المسلمين وبين غير المسلمين، لأجل فائدة المؤمنين، بجلب مصلحة لهم أو دفع ضرّ عنهم، فهو موضع الاجتهاد. والجمهور على الجواز.
قال النووي رحمه الله: "قَالَ الْقَاضِي : قَالَ الطَّبَرِيُّ : لَا يَجُوزُ الْحِلْفُ الْيَوْمَ ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ ، وَالْمُوَارَثَةَ بِهِ وَبِالْمُؤَاخَاةِ كُلَّهُ مَنْسُوخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ وَقَالَ الْحَسَنُ : كَانَ التَّوَارُثُ بِالْحِلْفِ ، فَنُسِخَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ . قُلْتُ : أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِرْثِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُحَالَفَةُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، وَأَمَّا الْمُؤَاخَاةُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْمُحَالَفَةُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّنَاصُرُ فِي الدِّينِ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَإِقَامَةُ الْحَقِّ فَهَذَا بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ فَالْمُرَادُ بِهِ حِلْفُ التَّوَارُثِ وَالْحِلْفُ عَلَى مَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ". ["صحيح مسلم بشرح النووي" (16/ 81-82)]. [وورد في "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للآبادي].
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : "أَصْلُ الْحِلْفِ: الْمُعَاقَدَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّسَاعُدِ وَالِاتِّفَاقِ ، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْفِتَنِ وَالْقِتَالِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَالْغَارَاتِ فَذَلِكَ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى نَصْرِ الْمَظْلُومِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ كَحِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَيَّمَا حِلْفٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً ، يُرِيدُ مِنَ الْمُعَاقَدَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَنُصْرَةِ الْحَقِّ ، وَبِذَلِكَ يَجْتَمِعُ الْحَدِيثَانِ ، وَهَذَا هُوَ الْحِلْفُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْإِسْلَامُ وَالْمَمْنُوعُ مِنْهُ مَا خَالَفَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ ، وَقِيلَ : الْمُحَالَفَةُ كَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ ، وَقَوْلُهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَهُ زَمَنَ الْفَتْحِ ; فَكَانَ نَاسِخًا". [نقلاً من كتاب "التحالف السياسي في الإسلام لمنير الغضبان" (9)]، [وورد في "لسان العرب" أيضًا].
وقال صاحب المنار: "وَقَوْلُهُ : إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ ; أَيْ إِنَّ تَرْكَ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتْمٌ فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ الْخَوْفِ مِنْ شَيْءٍ تَتَّقُونَهُ مِنْهُ ، فَلَكُمْ حِينَئِذٍ أَنْ تُوَالُوهُمْ بِقَدْرِ مَا يُتَّقَى بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ ; لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ ، وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ تَكُونُ صُورِيَّةً ; لِأَنَّهَا لِلْمُؤْمِنِينَ لَا عَلَيْهِمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تُوَالُوهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَكِنْ لَكُمْ أَنْ تَتَّقُوا ضَرَرَهُمْ بِمُوَالَاتِهِمْ ، وَإِذَا جَازَتْ مُوَالَاتُهُمْ لِاتِّقَاءِ الضَّرَرِ فَجَوَازُهَا لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ أَوْلَى ; وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِحُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحَالِفُوا الدُّوَلَ غَيْرَ الْمُسْلِمَةِ لِأَجْلِ فَائِدَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِدَفْعِ الضُّرِّ أَوْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُوَالُوهُمْ فِي شَيْءٍ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ رَعِيَّتِهِمْ ، وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتِ الضَّعْفِ ، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ". ["تفسير المنار" (3/ 280)].
قلتُ: ولو كان التحالف -بمعنى التناصر- من أصول التوحيد ما بقي مشروعًا منذ البيعة حتى نزول هذه الآية في المدينة. والتوحيد أول ما دعا إليه الرسل، وفاصلوا عليه أقوامهم. ولا تدرج في شأنه ولا هوادة.
ويُراجع في ذلك: كتاب "الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر" للدكتور/ صلاح الصاوي، الصفحات (158-161).
والله أعلم.