العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حكم من أعان الكفار علي المسلمين

شريف شعبان محمد

:: مطـًـلع ::
إنضم
17 مارس 2012
المشاركات
130
التخصص
طب بشري
المدينة
كفر الشيخ
المذهب الفقهي
مالكي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. تكلمت في حكم من أعان الكفار علي المسلمين مع واحد ممن يتبنون فكر القاعدة فذكرت له أن من ناصر الكفار علي المسلمين لا يكفر بمجرد ذلك ما لم يكن مريدا لإظهار الكفر علي الإسلام و استدللت بحادثة سيدنا حاطب بن أبي بلتعة_ رضي الله عنه_ و قلت له أن أهل العلم و إن تنازعوا في قتل الجاسوس إلا أن أحدا لم يحكم بكفره فأرسل لي رسالة تتضمن كتاب لشيخ يدعي ناصر بن حمد الفهد ينتصر للقول بكفر من قاتل في صف الكفار ضد المسلمين و تتضمن ذلك الكتاب بعض النقول عن السادة المالكية التي ظاهرها يؤيد القول بالتكفير و بعض الإستدلالات من حوادث التاريخ فأردت منكم المشاركة و البيان للأهمية و جزاكم الله خيرا
 

شريف شعبان محمد

:: مطـًـلع ::
إنضم
17 مارس 2012
المشاركات
130
التخصص
طب بشري
المدينة
كفر الشيخ
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حكم من أعان الكفار علي المسلمين

النقول عن السادة المالكية نقلا عن الكتاب المذكور: 1.في كتاب "القضاء" من "نوازل" الإمام البرزلي رحمه الله؛ أن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللمتوني رحمه الله استفتى علماء زمانه - وهم من المالكية - في استنصار ابن عباد الأندلسي "حاكم أشبيلية" بالكتابة إلى الإفرنج على أن يعينوه على المسلمين، فأجابه جلهم بردته وكفره، وهذا في حدود عام 480 تقريباً، كما في "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" [2/75].
2.وتكرّرت نحو هذه الحادثة عام [984] من "محمد بن عبد الله السعدي" حاكم "مراكش" الذي استعان بملك "البرتغال" ضد عمه "أبي مروان المعتصم بالله"، فأفتى علماء المالكية بكفره وردته، كما في "الاستقصا" [2/70].
 

شريف شعبان محمد

:: مطـًـلع ::
إنضم
17 مارس 2012
المشاركات
130
التخصص
طب بشري
المدينة
كفر الشيخ
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حكم من أعان الكفار علي المسلمين

  • الإستدلالات من حوادث التاريخ نقلا عن الكتاب المذكور: 1.الحادثة الأولي؛ في بداية سنة 201: خرج "بابك الخرمي" وحارب المسلمين وهو بأرض المشركين، فأفتى الإمام أحمد وغيره بارتداده.

    فقد روى الميموني أن الإمام أحمد قال عنه: (خرج إلينا يحاربنا وهو مقيم بأرض الشرك، أي شيء حكمه؟ إن كان هكذا فحكمه حكم الارتداد) [الفروع: 6/163]. 2. الحادثة الثانية؛ بعد عام 480:

    قام المعتمد بن عباد - حاكم أشبيلية - وهو من ملوك الطوائف في "الأندلس" بالاستعانة بالإفرنج ضد المسلمين، فأفتى علماء المالكية في ذلك الوقت بارتداده عن الإسلام [الاستقصا: 2/75].



    3.الحادثة الثالثة؛ في سنة 661:

    قام صاحب الكرك "الملك المغيث عمر بن العادل" بمكاتبة "هولاكو" والتتار على أن يأخذ لهم "مصر"، فاستفتى "الظاهر بيبرس" الفقهاء فأفتوا بعزله وقتله، فعزله وقتله. [البداية والنهاية: 13/238، الشذرات: 6/305].



    4.الحادثة الرابعة؛ في حدود سنة 700:

    هجم التتار على أراضي الإسلام في "الشام" وغيرها، وقد أعانهم بعض المنتسبين للإسلام، فأفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بردة من أعانهم [الفتاوى: 28/530].

    * * *

    5.الحادثة الخامسة؛ في عام 980:

    استعان "محمد بن عبد الله السعدي" أحد ملوك "مراكش" بملك "البرتغال" ضد عمه "أبي مروان المعتصم بالله"، فأفتى علماء المالكية بارتداده [الاستقصا: 2/70].
    6.الحادثة السادسة؛ في أوائل القرن الرابع عشر:

    أعانت بعض قبائل الجزائر الفرنسيين ضد المسلمين، فأفتى فقيه المغرب أبو الحسن التسولي بكفرهم [أجوبة التسولي على مسائل الأمير عبد القادر الجزائري: ص 210].

    * * *

    7.الحادثة السابعة في منتصف القرن الرابع عشر:

    اعتدى الفرنسيون والبريطانيون على المسلمين في مصر وغيرها، فأفتى الشيخ أحمد شاكر بكفر من أعان هؤلاء بأي إعانة [كلمة حق: ص 126 وما بعدها].

    * * *

    8.الحادثة الثامنة في منتصف القرن الرابع عشر أيضاً:

    استولى اليهود على فلسطين، وأعانهم بعض المنتسبين للإسلام، فأفتت لجنة الفتوى بالأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم عام 1366 بكفر من أعانهم.

 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: حكم من أعان الكفار علي المسلمين

لولا الخشية من إيقاف العضوية في الملتقى لذكرت الحادثة التاسعة
 

شريف شعبان محمد

:: مطـًـلع ::
إنضم
17 مارس 2012
المشاركات
130
التخصص
طب بشري
المدينة
كفر الشيخ
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حكم من أعان الكفار علي المسلمين

أرجو المشاركة من السادة المشايخ
 
إنضم
13 سبتمبر 2008
المشاركات
246
التخصص
تجاره
المدينة
القاهره
المذهب الفقهي
الدليل
رد: حكم من أعان الكفار علي المسلمين

لولا الخشية من إيقاف العضوية في الملتقى لذكرت الحادثة التاسعة

انا مثلك اعرفها وخائف من الايقاف فقد طردت من منتدى آخر لكتابتى فيها
 

أم عبد الله السرطاوي

:: نائبة فريق طالبات العلم ::
إنضم
13 يونيو 2010
المشاركات
2,308
التخصص
شريعة/ هندسة
المدينة
***
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم من أعان الكفار علي المسلمين

بارك الله بالجميع

عني أفضل ذكر المسألة:
صورة المسألة وإن كان فيها تفصيل فيتم ذكره، ثم إن كان هناك خلاف أو اتفاق فيتم ذكره مع الأدلة الشرعية
ثم الفتاوى والحوادث التاريخية، أما الاستدلال بالحوادث وفتاوى العلماء مباشرة دون تفصيل صورة المسألة فهذا لا شك خطأ، لأن كل حادثة لها صورتها التي يتنزل عليها الحكم
وينظر إليها الفقيه أو عالم ذلك الزمان وعلى أساسه أنزل الحكم

ولينظر هذا الكلام للشيخ عبد الرزاق البدر فهو مفيد في عمومه إن شاء الله
http://www.youtube.com/embed/dEdhMVyXJQc?rel=0
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: حكم من أعان الكفار علي المسلمين

السلام عليكم

اتّفق مع الأخت الفاضلة والأستاذة/ أم عبد الله السرطاوي.

-وينبغي اعتبار التفرقة بين موالاة الكافرين بمحض الفعل وبين موالاتهم بالقلب أو بكليهما، فهذا منحى مُعتبر في تحديد المناط المُكفّر في قضية الموالاة عمومًا.

-وينبغي أيضًا تقييد الولاء والبراء هنا بقيد الديني، لأن غيره قد يختلف، فقد يتقاتل المسلمون ويتعادون على زعامة ولُعَاعَة من الدنيا مثلاً، وقد يُحبّ بعضهم أحدًا من الكافرين لقرابة أو لمصلحة، وقد ينصره في موقف غضبًا أو حمية، وكل ذلك يوجب نقص الإيمان فحسب، ولا يفضي بالضرورة إلى نقضه، إلا أن المحكم هنا هو الولاء والبراء الديني، فمن والى كافرًا لكفره أو عادى مسلمًا لإسلامه فذلك يوجب نقض الإيمان.
قال أبو حيّان (الأندلسي) في البحر المحيط (3/ 507):
(( ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ الْكُفْرِ ; أَيْ : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فِي الدِّينِ .)) انتهى.
وهو قول عامّة المفسّرين؛ راجع في ذلك:
تفسير الطبري (3/ 228)، (6/ 179)، وتفسير المنار (6/ 430-431)، تفسير الماوردي، والقرطبي (6/ 254)، وتفسير ابن عطية (4/ 478)، ومحاسن التأويل للقاسمي (4/ 80-82)، والرسائل المفيدة لعبداللطيف آل الشيخ (1/ 151)، وتفسير الخازن [مجموعة من التفاسير (2/ 30)]، وروح المعاني للألوسي (6/ 157)، وقال _الألوسي_: ((فصار تحقيق المذهب؛ أن الذي يوجب الكفر من الموالاة: أن يحصل من الموالي الرضا بالكفر، والذي يوجب الفسق: أن يحصل الرضا بالفسق)) . اهـ.
ويُراجع كذلك: زاد المسير لابن الجوزي (2/ 52)، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/ 522-523).
قال الدكتور صلاح الصاوي في كتابه النفيس "الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر" (ص 149): ((ولا يسعنا بعد هذا العرض، إلا أن نُقرّ ابتداءً بأن المناط المكفر بذاته في قضية الموالاة، من الدقائق التي تحتاج إلى تدبر وإمعان نظر، وقد تحاشت في الدخول في تحديده كثير من الدراسات المتخصّصة، التي أفردها بعض فضلاء المعاصرين لدراسة هذه القضية)) . انتهى.
فالمسألة تحتاج لتفصيل وتحرير بالنسبة لي على الأقل! .
وهذا..
بحث قيم عن تحديد (مناط الكفر بموالاة الكفار) للدكتور عبدالله القرني - من ملتقى أهل التفسير
أنصح الجميع بالإطلاع عليه للفائدة.

قلتُ: وفيما يخصّ التحالف معهم؛ فهذه مُشاركة لي فيها تفصيل مُختصر من إحدى المنتديات:

ينبغي اعتبار التفرقة بين موالاة الكافرين بمحض الفعل وبين موالاتهم بالقلب أو بكليهما! .. فهذا منحى معتبر في تحديد المناط المُكفّر في قضية الموالاة.
وهذا المنحى الذي ذهب إليه الكاتب مُنكر ظاهري مرجوح، لا يمتّ للتحرير الفقهي للمسألة بصِلة.
فمسألة ((التحالف مع غير المسلمين لمصلحة المسلمين)) فيها تفصيل وتوجيه..
فقد جاءت النصوص بالنهي عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
والولاية في هذه النصوص هي ولاية التناصر والمحالفة، وهي مقيّدة بما كان منها من دون المؤمنين، أو ضد جماعة المسلمين،
كما قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}، قال: "قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَىَ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ يَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَنْصَارًا وَحُلَفَاءَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَغَيْرَهُمْ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنِ اتَّخَذَهُمْ نَصِيرًا وَحَلِيفًا وَوَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فِي التَّحَزُّبِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ . ". ["جامع البيان" للطبري (6/ 276)].
فهذا النهي -إذن- متوجّه لأفراد المسلمين وجماعتهم دون جُملتهم، ويكون المحظور إذن في باب الولاية أمران:
1_ أن يُوالي أفرادٌ أو جماعاتٌ من المسلمين اليهودَ والنصارى، ويتعاهدون على التناصر من دون المؤمنين، رجاء نصرتهم إذا دارت على المسلمين الدوائر.
وفي ذلك يقول صاحب المنار في بيان المقصود بهذه الآية: "عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنِ الْمُرَادَ بِالْوِلَايَةِ وِلَايَةُ التَّنَاصُرِ وَالْمُحَالَفَةِ ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِأَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ دُونَ جُمْلَتِهِمْ ، وَأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ وَغَيْرَهُمْ ; لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةٌ لِلْإِنْكَارِ عَلَى مَرْضَى الْقُلُوبِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ لَهُمُ الْيَدَ عِنْدَهُمْ لِعَدَمِ ثِقَتِهِمْ بِبَقَاءِ الْإِسْلَامِ وَثَبَاتِ أَهْلِهِ . وَلَوْلَا هَذَا لَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا ، لَا لِأَنَّ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ أَلَّا يُحَالِفَ أَهْلُهُ مَنْ يُخَالِفُهُمْ فِيهِ . كَيْفَ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَفَ يَهُودَ الْمَدِينَةِ عَقِبَ الْهِجْرَةِ ؟ بَلْ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا فِي حَنَقٍ شَدِيدٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَحَسَدٍ لِلْعَرَبِ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، فَلَا يُوثَقُ بِوَفَائِهِمْ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْ خِيَانَتِهِمْ وَغَدْرِهِمْ ، وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ مِنَ الْآيَةِ ، بَلِ السِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ؛ وَهُوَ أَنْ يُوَالِيَ أَفْرَادٌ أَوْ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُولَئِكَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الْمُعَادِينَ لِلنَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَيُعَاهِدُونَهُمْ عَلَى التَّنَاصُرِ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ؛ رَجَاءَ أَنْ يَحْتَاجُوا إِلَى نَصْرِهِمْ إِذَا خُذِلَ الْمُسْلِمُونَ وَغُلِبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ". ["تفسير المنار" (6/ 425-426)].
2_ أن يوالي أفرادٌ أو جماعاتٌ من المسلمين اليهودَ والنصارى، ويتحزب معهم ضد بقية المسلمين.
أما أن يقع التحالف بين جماعة المسلمين وبين غير المسلمين، لأجل فائدة المؤمنين، بجلب مصلحة لهم أو دفع ضرّ عنهم، فهو موضع الاجتهاد. والجمهور على الجواز.
قال النووي رحمه الله: "قَالَ الْقَاضِي : قَالَ الطَّبَرِيُّ : لَا يَجُوزُ الْحِلْفُ الْيَوْمَ ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ ، وَالْمُوَارَثَةَ بِهِ وَبِالْمُؤَاخَاةِ كُلَّهُ مَنْسُوخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ وَقَالَ الْحَسَنُ : كَانَ التَّوَارُثُ بِالْحِلْفِ ، فَنُسِخَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ . قُلْتُ : أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِرْثِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُحَالَفَةُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، وَأَمَّا الْمُؤَاخَاةُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْمُحَالَفَةُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّنَاصُرُ فِي الدِّينِ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَإِقَامَةُ الْحَقِّ فَهَذَا بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ فَالْمُرَادُ بِهِ حِلْفُ التَّوَارُثِ وَالْحِلْفُ عَلَى مَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ". ["صحيح مسلم بشرح النووي" (16/ 81-82)]. [وورد في "عون المعبود شرح سنن أبي داود" للآبادي].
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : "أَصْلُ الْحِلْفِ: الْمُعَاقَدَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّسَاعُدِ وَالِاتِّفَاقِ ، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْفِتَنِ وَالْقِتَالِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَالْغَارَاتِ فَذَلِكَ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى نَصْرِ الْمَظْلُومِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ كَحِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَيَّمَا حِلْفٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً ، يُرِيدُ مِنَ الْمُعَاقَدَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَنُصْرَةِ الْحَقِّ ، وَبِذَلِكَ يَجْتَمِعُ الْحَدِيثَانِ ، وَهَذَا هُوَ الْحِلْفُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْإِسْلَامُ وَالْمَمْنُوعُ مِنْهُ مَا خَالَفَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ ، وَقِيلَ : الْمُحَالَفَةُ كَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ ، وَقَوْلُهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَهُ زَمَنَ الْفَتْحِ ; فَكَانَ نَاسِخًا". [نقلاً من كتاب "التحالف السياسي في الإسلام لمنير الغضبان" (9)]، [وورد في "لسان العرب" أيضًا].
وقال صاحب المنار: "وَقَوْلُهُ : إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ ; أَيْ إِنَّ تَرْكَ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتْمٌ فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ الْخَوْفِ مِنْ شَيْءٍ تَتَّقُونَهُ مِنْهُ ، فَلَكُمْ حِينَئِذٍ أَنْ تُوَالُوهُمْ بِقَدْرِ مَا يُتَّقَى بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ ; لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ ، وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ تَكُونُ صُورِيَّةً ; لِأَنَّهَا لِلْمُؤْمِنِينَ لَا عَلَيْهِمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تُوَالُوهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَكِنْ لَكُمْ أَنْ تَتَّقُوا ضَرَرَهُمْ بِمُوَالَاتِهِمْ ، وَإِذَا جَازَتْ مُوَالَاتُهُمْ لِاتِّقَاءِ الضَّرَرِ فَجَوَازُهَا لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ أَوْلَى ; وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِحُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحَالِفُوا الدُّوَلَ غَيْرَ الْمُسْلِمَةِ لِأَجْلِ فَائِدَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِدَفْعِ الضُّرِّ أَوْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُوَالُوهُمْ فِي شَيْءٍ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ رَعِيَّتِهِمْ ، وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتِ الضَّعْفِ ، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ". ["تفسير المنار" (3/ 280)].
قلتُ: ولو كان التحالف -بمعنى التناصر- من أصول التوحيد ما بقي مشروعًا منذ البيعة حتى نزول هذه الآية في المدينة. والتوحيد أول ما دعا إليه الرسل، وفاصلوا عليه أقوامهم. ولا تدرج في شأنه ولا هوادة.


ويُراجع في ذلك: كتاب "الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر" للدكتور/ صلاح الصاوي، الصفحات (158-161).


والله أعلم.
 
أعلى