العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حكم نتف الإبط والتوقيت فيه

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
مباحث فقهية في نتف الإبط


(حكمه – وتوقيته – وكيفيته – والوضوء منه)

الشيخ دبيان محمد الدبيان
مقالات متعلقة
حكم نتف الإبط والتوقيت فيه

تعريف الإبط:

الإِبط - بالكسر -: باطن المنكب، وقيل: باطن الجناج.
وهو مذكر، وقد يؤنث، قاله اللحياني، والتذكير أعلى، وحكى الفراء عن بعض العرب: فرفع السوط حتى برقت إبطه.

والجمع: آباط.

وتأبطه: وضعه تحت إبطه، ومنه تأبط شرًّا[1].

ونتف الإبط: هو إزالة ما عليه من الشعر عن طريق النتف.

حكمه والتوقيت فيه:
الخلاف فيه كالخلاف في الاستحداد، وتقليم الأظفار:فالجمهور على أنه سنة، حتى قال النووي: متفق على أنه سنة[2].واختار ابن العربي، والشوكاني أنه واجب.راجع أدلة كل قول في حكم الاستحداد وتقليم الأظفار.وأما التوقيت فيه، فالقول فيه كالقول في التوقيت في حلق العانة، وقد فصلنا الأقوال فيه والراجح، فارجع إليه غير مأمور.وملخص الأقوال فيه كالتالي:قيل: يستحب أن ينتف إبطه كل جمعة، وبعضهم قال في كل أسبوع مرة، وهو مذهب الحنفية[3]، والمالكية [4]، ورواية عن أحمد[5].وقيل: لا وقت له، ويقدر بالحاجة، وهو يختلف من شخص إلى آخر، والمعتبر طولها، فمتى طال الشعر نتفه، وهو مذهب الشافعية[6]، وقال ابن عبدالبر: إنه قول الأكثر[7].وأما ترك النتف أكثر من أربعين يومًا:فقيل: يحرم، وهو مذهب الحنفية[8]، ورجحه الشوكاني[9].وقيل: يكره كراهية شديدة، وهو مذهب الشافعية[10]، والمشهور عند الحنابلة[11].
كيفية نتف الإبط؟
تكلم الفقهاء في كيفية نتف الإبط:
فقيل: له إزالة الإبط بما شاء[12].
وقيل: لا تحصل السنة إلا بالنتف، وإن كان غيره جائزًا، فالنتف أفضل[13].

تعليل من أجازه بأي شيء:
قال: إن المقصود النظافة، وهذا حاصل إذا زال بأي مزيل.

دليل من قال بأن السنة النتف:
(531-95) استدل بالخبر، فقد روى البخاري، قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط))[14].قال ابن دقيق العيد: نتف الآباط: إزالة ما عليها من الشعر بهذا الوجه: أعني النتف، وقد يقوم مقامه ما يؤدي إلى المقصود، إلا أن استعمال ما دلت عليه السنة أولى، وقد فرق لفظ الحديث بين إزالة شعر العانة، وإزالة شعر الإبط، فذكر في الأول: (الاستحداد)، وفي الثاني: (النتف)، وذلك مما يدل على رعاية هاتين الهيئتين في محلهما، ولعل السبب فيه أن الشعر بحلقه يقوى أصله، ويغلظ جرمه، ولهذا يصف الأطباء تكرار حلق الشعر في المواضع التي يراد قوته فيها، والإبط إذا قوي فيه الشعر وغلظ جرمه، كان أفوح للرائحة الكريهة المؤذية لمن يقاربها، فناسب أن يسن فيه النتف المضعف لأصله، المقلل للرائحة الكريهة، وأما العانة فلا يظهر فيها من الرائحة الكريهة ما يظهر في الإبط، فزال المعنى المقتضي للنتف، فرجع إلى الاستحداد؛ لأنه أيسر وأخف على الإنسان من غير معارض[15].وقال ابن دقيق العيد أيضًا: "من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف، ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل؛ لكن بين أن النتف مقصود من جهة المعنى، فذكر نحو ما تقدم، ثم قال: وهو معنى ظاهر لا يهمل، فإن مورد النص إذا احتمل معنى مناسبًا يحتمل أن يكون مقصودًا في الحكم، لا يترك، والذي يقوم مقام النتف في ذلك التنور، لكنه يرق الجلد؛ فقد يتأذى صاحبه به، ولا سيما إن كان جلده رقيقًا"[16].وقد صرح الشافعي بأن السنة النتف فقط، فقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي، عن يونس بن عبدالأعلى، قال: دخلت على الشافعي، ورجل يحلق إبطه، فقال: إني علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع. قال الغزالي: هو في الابتداء موجع، ولكن يسهل على من اعتاده[17].
الوضوء من نتف الإبط:
الخلاف في الوضوء من نتف الإبط كالخلاف فيه من تقليم الأظفار وحلق الشعر.وقد ذكرنا هناك ثلاثة أقوال:الأول: ليس عليه شيء، وهو الراجح.الثاني: عليه إعادة الوضوء.الثالث: عليه غسل موضعه فقط أو مسحه إن كان ممسوحًا. وقد نسبنا كل قول إلى قائله، وذكرنا أدلة كل قول، فارجع إليه غير مأمور. ونذكر من الآثار ما لم نذكره هناك، منها:(532-96) روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا ابن علية، عن عبيدالله بن العيزار، عن طلق بن حبيب، قال: رأى عمر بن الخطاب رجلاً حك إبطه أو مسه، فقال: قم فاغسل يديك أو تطهر[18].[رجاله ثقات إلا أنه مرسل؛ طلق لم يدرك عمرَ][19].

(533-97) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبدالله بن عمرو أنه كان يغتسل من نتف الإبط[20].[إسناده صحيح، والأعمش عده الحافظ ممن تقبل عنعنته].والاغتسال هنا كالاغتسال للتبرد، فلعله فعله طلبًا للنظافة من أثر الشعر، كما يغتسل الإنسان بعد حلق شعره، وليس هذا كالاغتسال للجنابة أو للجمعة؛ إذ لو كان واجبًا لبيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم.(534-98) وروى ابن أبي شيبة أيضًا، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ليس عليه وضوء في نتف الإبط[21].[إسناده ضعيف] [22].(535-99) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن أنه سئل عن الرجل يمس إبطه، فلم ير به بأسًا إلا أن يدميه[23].[إسناده صحيح].(536-100) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن عون، عن محمد، قال: هؤلاء يقولون: من مس إبطه أعاد الوضوء، وأنا لا أقول ذلك، ولا أدري ما هذا[24].[إسناده صحيح].قال ابن حزم: برهان إسقاطنا الوضوء من كل ما ذكرنا، هو أنه لم يأتِ قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء في شيء من ذلك، ولا شرع الله تعالى على أحد من الإنس والجن إلا من أحد هذه الوجوه، وما عداها فباطل، ولا شرع إلا ما أوجبه الله - تبارك وتعالى - وأتانا به رسوله - صلى الله عليه وسلم[25].

[1] تاج العروس (10/183، 184).
[2] المجموع (1/341).

[3] قال في الفتاوى الهندية (1/357): "يحلق عانته في كل أسبوع مرة، فإن لم يفعل ففي كل خمسة عشر يومًا، ولا يعذر في تركه وراء الأربعين، فالأسبوع هو الأفضل، والخمسة عشر الأوسط، والأربعون الأبعد، ولا عذر فيما وراء الأربعين، ويستحق الوعيد؛ كذا في القنية".اهـ وقال مثله في مجمع الأنهر (2/556)، وفي بريقة محمودية (4/90).

[4] قال القرطبي في المفهم (1/515): "قوله في حديث أنس: "وقت لنا في قص الشارب... إلخ" هذا تحديد أكثر المدة، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، وإلا فلا تحديد فيه للعلماء إلا أنه إذا كثر ذلك أزيل" اهـ.

[5] قال في الفروع (1/131): " ويفعله - يعني: حلق العانة - كل أسبوع، ولا يتركه فوق الأربعين" اهـ. وانظر الإنصاف (1/123).

[6] وقال النووي في المجموع (1/339): "وأما التوقيت في تقليم الأظفار، فهو معتبر بطولها، فمتى طالت قلمها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، وكذا الضابط في قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقد ثبت عن أنس - رضي الله عنه - قال: وقت لنا في قص الشارب... وذكر الحديث. ثم معنى هذا الحديث أنهم لا يؤخرون فعل هذه الأشياء عن وقتها، فإن أخروها فلا يؤخرونها أكثر من أربعين يومًا، وليس معناه الإذن في التأخير أربعين مطلقًا، وقد نص الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - على أنه يستحب تقليم الأظفار، والأخذ من هذه الشعور يوم الجمعة، والله أعلم".

وقال الدمياطي في إعانة الطالبين (2/85): "والمعتبر في ذلك أنه مؤقت بطولها عادة، ويختلف حينئذٍ باختلاف الأشخاص والأحوال" اهـ.

[7] قال ابن عبدالبر في التمهيد (21/68): "ومن أهل العلم من وقت في حلق العانة أربعين يومًا، وأكثرهم على أن لا توقيت في شيء من ذلك" اهـ.

[8] قال ابن عابدين في حاشيته (6/407): "وكره تركه تحريمًا؛ لقول المجتبى: ولا عذر فيما وراء الأربعين، ويستحق الوعيد"، وانظر الفتاوى الهندية (1/357).

[9] نيل الأوطار (1/169).

[10] وقال في روضة الطالبين (3/234): "ولا يؤخرها عن وقت الحاجة، ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يومًا" اهـ.
وقال الهيتمي في المنهج القويم (2/25): "وأن يزيل شعر العانة، والأولى للذكر حلقه، وللمرأة نتفه، ولا يؤخر ما ذكر عن وقت الحاجة، ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يومًا" اهـ. وقال مثله في روض الطالب (1/551).

[11] قال في كشاف القناع (1/77): "ويكره تركه فوق أربعين يومًا" اهـ. وقال في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/440): "نعم إنما يكره تركه فوق أربعين؛ لحديث أنس عند مسلم، قال: "وقت لنا في قص الشارب..." وذكر الحديث، وانظر مطالب أولي النهى (1/87).

[12] قال في الإنصاف (1/122): "وينتف إبطه، ويحلق عانته، وله قصه وإزالته بما شاء" اهـ.

[13])قال النووي في المجموع (1/341): "ثم السنة النتف، كما صرح به الحديث، فلو حلقه جاز" اهـ وانظر المغني (1/64).

[14] صحيح البخاري (5891)، ومسلم (257).

[15] إحكام الأحكام (1/125).

[16] فتح الباري (10/344).

[17] المرجع السابق.

[18] المصنف (1/54) رقم 565.

[19] قال أبو زرعة: طلق بن حبيب عن عمر مرسل، جامع التحصيل في أحكام المراسيل (315). ورواه ابن أبي شيبة أيضًا (1/126) رقم 1451حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، قال عمر: من نقَّى أنفه أو حك إبطه، توضأ.
وهذا إسناد ضعيف أيضًا؛ فيه علتان: ضعف ليث، والانقطاع؛ فإن مجاهدًا لم يسمع من عمر، ولعله لو ثبت عن عمر، فإنه يقصد بالوضوء غسل اليد، لا أنه حدث ناقض للوضوء، كما في الأثر الأول، فإنه قال: قم فاغسل يديك أو تطهر، والله أعلم.
ورواه الدارقطني (1/151) قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، نا الحسن بن يحيى، نا عبدالرزاق، أنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن عمر بن الخطاب، قال: إذا مس الرجل إبطه، فليتوضأ.
ورواه الدارقطني أيضًا (1/150) من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار به.

[20] المصنف (1/55) رقم 570.

[21] المصنف (1/55) رقم 567.

[22] خلف بن خليفة:
قال عبدالله بن أحمد: سمعت أبي قال: رأيت خلف بن خليفة، وهو كبير، فوضعه إنسان من يده، فلما وضعه صاح - يعنى: من الكبر - فقال له إنسان: يا أبا أحمد، حدثكم محارب بن دثار، وقص الحديث، فتكلم بكلام خفي، وجعلت لا أفهم، فتركته، ولم أكتب عنه شيئًا. الضعفاء الكبير (2/22).
وقال ابن سعد: كان ثقة، ثم أصابه الفالج قبل أن يموت، حتى ضعف، وتغير لونه واختلط. الطبقات الكبرى (7/313).
قلت: روى له مسلم من حديث ابن أبي شيبة عنه، إلا أن الحاكم ذكر في المدخل أن مسلمًا إنما أخرج له في الشواهد، وهو كما قال؛ فقد أخرج له مسلم ثلاثة أحاديث، وهي:
الأول: حديث عمرو بن حريث، قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفجر، فسمعته يقرأ ﴿ فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس ﴾ [ التكوير: 15، 16] وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجدًا.
وقد أخرجه مسلم من حديث البراء من طريق آخر.
الحديث الثاني: رواه مسلم من طريق خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ((ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟))، قالا: الجوع يا رسول الله، قال: ((وأنا والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما....)) ثم ذكر قصة طويلة.
وقد أخرجه مسلم من طريق عبدالواحد بن زياد، حدثنا يزيد بن كيسان به.
الحديث الثالث: رواه مسلم ( 2844) من طريق خلف بن خليفة، حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تدرون ما هذا؟))، قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)).
ورواه مسلم من طريق مروان، عن يزيد بن كيسان به.
وفي الإسناد أيضًا: ليث بن أبي سليم، ضعيف.

[23] المصنف (1/55) رقم 568.

[24] المصنف (1/55) 569.

[25] المحلى (مسألة: 169).


 
أعلى