العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فقه مقاليد الحُكم

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل

تزخر المكتبة الإسلامية بمئات الكتب والمطبوعات عن نظام الحكم في الإسلام ، أكثرها نفيس وقليل منها غثيث لا جودة فيه . وبعض المثقفين اليوم في محاضراتهم ومقالاتهم يتصدّرون لتأصيل السياسة الشرعية والأحكام السلطانية، ولا يعتنون بفقه مقاليد الحُكم الذي برع فيه ملوك الإسلام وسلاطينه وأمراؤه . والمقصود بفقه مقاليد الحُكم : طريقة تولّي الحكم ، وسيرة الحاكم . وهو باب عزيزٌ يندر من يسلكه وينبّه عليه .

وفوائد هذا المسلك في هذا العلم : أن فيه تنشيط للبليد الذي لا يفقه من نظام الحكم سوى أساليبه وطرائقه ، وتقوية لهمّة جنود المسلمين الذين يرابطون على ثغور الإسلام ، وتكميل لمن استهّل في الحكم على ولاية من ولايات الناس . وفي قصة يوسف عليه السلام إشارة إلى هذا المعنى البديع كما في قول الله تعالى : "وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلّمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ، قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" ( يوسف : 54 - 55 ) . فيستفاد من هاتين الآيتين أن المهارة والكفاءة العلمية أو الإدارية سبب في تحصيل المراتب العالية ، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلمانه قال : "إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة " أخرجه ابو داود وصححه الالباني . فالحاكم المسلم إذا كان بهذه الصفات الظاهرة و الباطنة كان حريّا أن يُقتدى به ويُوفق ويسدّد في حكمه .

وإذا أيقن الحاكم المسلم أن المُلك لله وحده ، وأنه تعالى النافع الضار ، كما في قول الحق سبحانه : " أم اتخذوا من دونه أولياء، فالله هو الولي " ( الشورى :9 )

وقوله : " ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون "

(المائدة 56 ) : أورثه ذلك :هضماً لنفسه وتقرباً إلى ربّه وعطفاً على خلقه وبذلاً لما استخلفه الله من الأموال عنده . وفي قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس المرأة الذكية الفطنة من الحِكم والفوائد ما لا يمكن الاحاطة بها في هذا الموضع ، فقد استطاعت بدهائها ونور عقلها أن ترث عرش أبيها دون غيرها من الرجال . وكان أعيان مملكة سبأ يهابونها ويعظّمونها لذلك .

ولما جاءت لسليمان عليه السلام وأسلمت ، أقرّها على ملكها ، لحسن تدبيرها وصحة رأيها . وفي القرآن المجيد شواهد كثيرة على فقه مقاليد الحُكم سوى ما تقدّم كما في قصة طالوت ، وذي القرنين ، وآل إبراهيم ، وآل يعقوب ، عليهم السلام ، ففيها نفائس عن تدبير الرئاسة والدقة في إدارة الحكم والبلاد .

والمتأمل لسيرة ملوك الإسلام كـ "معاوية بن أبي سفيان " رضي الله عنه( ت: 60 هـ ) يلحظ التيقظ والوعي والدهاء الممزوج بنور الوحي ، وفي "سيرة صلاح الدين الأيوبي " ( ت : 89 5هـ ) من الثبات على العقيدة ، والصلابة في رفع راية الجهاد ، وإحياء ذلك في قلوب الناس ، ما يحتمل مجلدات . وفي سيرة الملك العادل "نور الدين زنكي"

( ت: 569 هـ ) العابد المجاهد التقي ، ما يصلح أن يكون مدرسة لأبنائنا ، فقد علّم جنده الإلحاح في الدعاء مع الورع والخشية ، فقد روي عنه أنه لما رأى جموع الصليبين قبيل معركة "حارم" انفرد بنفسه تحت تلّ ، وسجد ومرّغ وجهه وتضرّع قائلاً : " يا ربّ هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك ، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك ، فانصر أولياءك على أعدائك .. إيش فضول محمود في الوسط ، من محمود الكلب حتى ينصر " !! يحقر نفسه ويتذلّل إلى ربّه . وفي سيرة السلطان "سليمان القانوني"

( ت : 973 هـ ) الذي حكم ( 48 سنة ) وكان خليفة لثلاث قارات ، من تعظيم السنة وقمع البدعة ومجاهدة النصارى و الروافض ، ما يصلح أن يكون منهجاً يُحتذى به في معاهدنا وجامعاتنا ، فقد كان يوم وفاته عيداً من أعياد النصارى . رحمهم الله جميعاً ، وجزاهم الله خيراً على دعوتهم وجهادهم ورفعهم لراية الإسلام .

وقد كان إمام أهل السنة والجماعة "أحمد بن حنبل " ( ت : 241 هـ ) يستدرك على أهل زمانه من أصحاب النفوذ الذين تدنّست أيديهم بخدمة أئمة الظلم ، فقد روى المروذي أن الإمام أحمد لما سجن ، جاءه أحد عمّال السجن وقال له : يا أبا عبد الله الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟! قال: نعم ، فقال السجّان : وأنا من أعوان الظلمة ؟ قال الإمام : أعوان الظلمة : من يأخذ شعرك ،ويغسل ثوبك ،ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك ، أما أنت فمن الظلمة أنفسهم !! .

والمقصود أنّ غربلة التاريخ واستخراج فقه مقاليد الحُكم من سير الملوك والحكام ، وسبر أحوالهم وولاياتهم ، كل ذلك مما ينتفع به جنود الإسلام وأهل الثغور وأفراد الأمة . وهو خير لهم مما تلوكه بعض وسائل الإعلام في بعض البلاد من تمجيد لرموز الثورات العربية أو القومية ، ممن تلطّخوا بوسخ الفكر العربي وظلمته .

والله الهادي وهو خير الحاكمين .
 
أعلى