العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ضوابط إجراء عقد الزواج في المسجد

إنضم
26 فبراير 2010
المشاركات
596
الكنية
أبو الفضل
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
الخليل
المذهب الفقهي
فقه مقارن
ضوابط إجراء عقد الزواج في المسجد أ.د. حسام الدين عفانة
يقول السائل: ما الحكم الشرعي في "مشروع عقد القران في المسجد الأقصى" وهل من السنة عقد النكاح في المساجد،أفيدوني؟
الجواب: يقول الله تعالى في شأن المساجد:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}سورة النور الآيتان36-37.
والبيوت المذكورة في الآية الكريمة هي المساجد،كما قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري ورجحه القرطبي في تفسيره 12/265،
وقد قرر أهل العلم أن الأصل في المساجد أنها تُبنى لذكر الله تعالى وإقام الصلاة،كما قال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}أي تُعظم ويُرفع شأنُها وتُطهر من الأنجاس والأقذار كما قال القرطبي في تفسيره.
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}أي:أمر الله تعالى برفعها،أي:بتطهيرها من الدنس واللغو،والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها...وقال قتادة:هي هذه المساجد،أمر الله سبحانه،ببنائها ورفعها،وأمر بعمارتها وتطهيرها]تفسير ابن كثير 6/62.
وقال الجلال السيوطي:[في هذه الآية الأمرُ بتعظيم المساجد وتنزيهها عن اللغو والقاذورات]تفسير القاسمي12/214،وقال العلامة السعدي:[{أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}هذان مجموع أحكام المساجد،فيدخل في رفعها،بناؤُها،وكنسها،وتنظيفها من النجاسة والأذى،وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة،وعن الكافر،وأن تصان عن اللغو فيها،ورفع الأصوات بغير ذكر الله{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}يدخل في ذلك الصلاة كلها،فرضها، ونفلها،وقراءة القرآن،والتسبيح،والتهليل،وغيره من أنواع الذكر،وتعلم العلم وتعليمه،والمذاكرة فيها،والاعتكاف،وغير ذلك من العبادات التي تُفعل في المساجد،ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين:عمارة بنيان،وصيانة لها،وعمارة بذكر اسم الله،من الصلاة وغيرها،وهذا أشرف القسمين،ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد،وجوباً عند أكثر العلماء،أو استحبابا عند آخرين] تفسير السعدي ص354.
ويؤخذ من الآية السابقة ومن نصوص أخرى،أن المساجد لها أحكام خاصة بها وآداب لا بد من المحافظة عليها كي تبقى للمسجد هيبته وحرمته في نفوس المسلمين،لذا يمنع المسلم من فعل أمورٍ كثيرةٍ في المساجد مع أنه يجوز فعلها خارج المساجد،وقد ثبت في الحديث عن بريدة رضي الله عنه(أن رجلاً نشد في المسجد–أي طلب ضالةً له-فقال النبي صلى الله عليه وسلم:من دعا إلى الجمل الأحمر؟لا وجدت،إنما بُنيت المساجدُ لما بُنيت له)رواه مسلم.
قال الإمام النووي:[في هذين الحديثين فوائد منها:النهي عن نشد الضالة في المسجد،ويُلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود،وكراهة رفع الصوت في المسجد...وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما بُنيت المساجد لما بُنيت له)معناه لذكر الله والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها... وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا وجدت)وأمر أن يقال مثل هذا،فهو عقوبة له على مخالفته وعصيانه وينبغي لسامعه أن يقول:لا وجدت فإن المساجد لم تبن لهذا.أو يقول:لا وجدت إنما بُنيت المساجد لما بُنيت له.كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم]شرح النووي على مسلم 2/215.
وقال الإمام القرطبي بعد أن ذكر حديث بريدة السابق:[وهذا يدل على أن الأصل ألا يُعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن.وكذا جاء مفسراً من حديث أنس قال:(بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد،فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:مه مه؛فقال النبي صلى الله عليه وسلم:لا تزرموه دعوه.فتركوه حتى بال،ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن)...وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوتَ رجلٍ في المسجد فقال:ما هذا الصوت؟أتدري أين أنت!]تفسير القرطبي12/269.
وورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:(اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال:ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذي بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة)رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي وصححه العلامة الألباني.
وقد همَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعزير من يرفعون أصواتهم في المسجد فقد روى البخاري عن السائب بن يزيد قال:(كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل-أي رماني بحصاة -فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال:اذهب فائتني بهذين،فجئته بهما،فقال:ممن أنتما؟قالا:من أهل الطائف،قال:لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما،ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ونقل العينى عن المحب الطبري قوله:[إن الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص]عمدة القاري 6/270.
وهذه النصوص والآثار وغيرها تدل على أن المسجد له أحكامه الخاصة التي تميزه عن المباني الأخرى،ومن القواعد المقررة شرعاً وجوب تعظيم شعائر الله،يقول الله تعالى:{ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}سورة الحج الآية 32.
ويقول تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}سورة الحج الآية 30.قال الإمام القرطبي:[{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}الشعائر جمع شعيرة،وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم...فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك] تفسير القرطبي12/56.
ولا شك أن المساجد داخلة في عموم شعائر الله.
إذا تقرر هذا فإن جمهور الفقهاء قالوا باستحباب عقد النكاح في المساجد،وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وآخرين،واستدلوا بما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد)رواه الترمذي وقال:هذا حديث غريب حسن.وقد ضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير4/201،وقد ضعف كثيرٌ من المحدثين جملة(واجعلوه في المساجد)،قال العلامة الألباني:[وهو بهذه الزيادة-واجعلوه في المساجد-منكرٌ كما بينته ‏في الأحاديث الضعيفة 982]إرواء الغليل7/50.
وقال الشوكاني:[قوله وندب عقده في المسجد،أقول إن انتهض حديث(واجعلوه في المساجد)للحجية فأقل أحوال هذا الأمر الندب وإلا فالمساجد إنما بنيت لذكر الله والصلاة فلا يجوز فيها غير ذلك إلا بدليل يخصص هذا العموم كما وقع من لعب الحبشة بحرابهم في مسجده صلى الله عليه وسلم وهو ينظر وكما قرر من كانوا يتناشدون الأشعار فيه]السيل الجرار/248.
وقال العلامة محمد العثيمين:[وذكر ابن القيم أنه ينبغي أن يكون في المسجد أيضاً-عقد النكاح-لشرف الزمان والمكان،وهذا فيه نظرٌ في المسألتين جميعاً،إلا لو ثبتت السنة بذلك،فبها ونعمت،لكني لا أعلم في هذا سنة]الشرح الممتع5/132.
ولكن جمهور الفقهاء يستندون إلى حديث آخر لقولهم باستحباب عقد النكاح في المسجد وهو عن سهل بن سعد الساعدي قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت أهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم...فقام رجلٌ من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها...قال أملكناكها بما معك من القرآن)رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن حجر:[وفي رواية سفيان الثوري عند الإسماعيلي"جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد" فأفاد تعيين المكان الذي وقعت فيه القصة] فتح الباري 9/206.
وهذه الرواية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجرى عقد الزواج في المسجد.
وبناءً على ما سبق أقول:يجوز إجراء عقدُ الزواج في المساجد،ولكن هذا ليس سنة مطردة،حيث لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من سنته إجراء عقود الزواج في المسجد،فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات وهو في المدينة،ولم يعقد نكاحه في المسجد،وكذا تزوج عددٌ كبير من الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعقد نكاحهم في المسجد،وعليه فيجب ضبط إجراء عقود النكاح في المسجد بالضوابط التالية:
أولاً:عدم اعتقاد أنه من السنة النبوية وعدم المداومة عليه وأن له فضلاً خاصاً،فإن حدث ذلك فهو بدعة،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)رواه مسلم.
ثانياً:المحافظة على الأحكام والآداب الشرعية للمسجد،فيمنع رفع الأصوات،وتجب المحافظة على نظافة المسجد ويمنع تلويثه بالمأكولات والمشروبات والحلويات.
ثالثاً:تمنع زفةُ العريس في المسجد،لما فيها من المخالفات،فالمسجد ليس صالة أفراح.وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إنما بنيت المساجد لما بُنيت له)رواه مسلم.
رابعاً:منع الاختلاط بين الرجال والنساء في المسجد،ومنع النساء المتبرجات ومنع أخذ الصور التذكارية للعروسين وأهليهما في المسجد.
خامساً:منع الموسيقى والطبول والمعازف والأغاني والأناشيد.
سادساً:يشترط ألا يترتب على عقد النكاح في المسجد أي امتهان للمسجد.
وخلاصة الأمر أن المساجد هي بيوت الله عز وجل وقد{أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}وذلك بتطهيرها من الدنس واللغو،وتنزيهها عن القاذورات وعن الأفعال والأقوال التي لا تليق فيها،
ويجب تعظيم المساجد لأنها من أعلام دين الله عز وجل وشعائره{ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}
ولا شك لديَّ أن"مشروع عقد القران في المسجد الأقصى" له أهداف سامية ونبيلة،منها ترسيخ مكانة المسجد الأقصى المبارك في نفوس وأذهان الناس وزيادة الإقبال عليه،
ويجب أن تتحقق هذه الأهداف الشريفة بالوسائل المشروعة وفق الضوابط التي ذكرتها.
وقد شاهدت على الشبكة العنكبوتية بعض المواقف التي لا تليق بأي مسجدٍ فضلاً عن المسجد الأقصى المبارك.
والواجب علينا أن ننمي احترام المسجد وتعظيمه والالتزام بآدابه وأحكامه في نفوس الناس.
والله الهادي إلى سواء السبيل
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 أكتوبر 2009
المشاركات
475
التخصص
الثقافه الاسلاميه
المدينة
القرين
المذهب الفقهي
الحنبلي

المرفقات

  • 13257542582.jpg
    13257542582.jpg
    13.2 KB · المشاهدات: 0
أعلى