رد: متعة المطلقة بين النص الشرعي والاجتهاد القضائي
نزولا عند رغبتك اخي الكريم اليك هذا المقطع وهوجزء من البحث التكميلي لنيل الماجستير وهو بعنوان :التطليق للشقاق والضرر بين الفقه المالكي ومدونة الاسرة المغربية
مفهوم الشقاق
الشقاق لغة:
أصل الشقاق داء يكون بالدواب وهو تشقق؛ يأخذ في الحافر، أو الرسغ يكون فيهما منه صدوع، وشقَّ الحافر والرسغ أصابه شقاق، وكل شق في جلد عن داء، فهو شِقاق: وهو في مصطلح أهل اللغة يدور على عدة معاني منها:
[1]
1- النصف: يقال الشق بالكسر نصف الشيء
[2] ومنه قوله تعالى: ﴿
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ﴾
[3]وأصله من الشقِّ: نصف الشيء، كأنه قد ذهب بنصف أنفسكم حتى بلغتموه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النَّار ولو بِشِقِّ تمرةٍ " أي بنصف تمرة
2- الجهة، أو الناحية
[4]: ففي حديث أم زرع (وجدنِي فِي أَهلِ غنيمةٍ بِشِقٍّ)
[5] وقال أبو عبيد هو اسم موضع أو الناحية من الجبل
[6].
3- المشقة: شقَّ علي الأمر يشقُّ شقا ومشقَّة أي ثقلَ علي، والاسم الشقّ بالكسر، قال الأزهري، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَولا أَن أَشُقَّ على أُمتِي لَأَمرتُهم بِالسواكِ عِنْد كُلِّ وضوء."
[7]
والمعنى لولا أن أثقل على أمتي من المشقة وهي الشدة
[8].
وقال آخرون؛ لأن كل واحد منهما يحرص على ما يشق على صاحبه ويؤذيه قال تعالى: ﴿
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾
[9] أي فراق بينهما في الاختلاف حتى يشق أحدهما على الآخر
[10].
· الصدع، والخلاف، والعداوة: الشِّق الصدع في عود، أو حائط، أو زجاجة، شقه يشقه شقا فانشق، وشققه فتشقق، والشقاق تشقق الجلد من برد أو غيره في اليدين والوجه
· وقال الأصمعي: الشقاق في اليد والرجل من بدن الإنسان، والحيوان، وفي اللسان: الشقاق غلبة العداوة والخلاف شاقةَّ مشاقَّة وشقاقا خَالَفَه.
· وقال الزجاج:
[11] في قوله تعالى:
﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾[12] الشقاق العداوة بين فريقين والخلاف بين اثنين سمي ذلك شقاقا؛ لأن كل فريق من فرقتي العداوة قصد شقا أي ناحية غير شق صاحبه
[13].
4- المفارقة: شق أمره يشقه شقا فانشق، انفرق وتبدد اختلافا، وشق فلان العصا أي فارق الجماعة.
وأما قولهم شق الخوارج عصا المسلمين، فمعناه أنهم فرقوا جمعهم وكلمتهم، قال الليث: يقال انشقت عصاهما بعد التئامها إذا تفرق أمرهم
[14]، وشق النبتُ يشق شقوقا وذلك في أول ما تنفطر عنه الأرض، وشق ناب الصبي يشق شقوقا في أول ما يظهر، وشق بصر الميت شقوقا شخص ونظر إلى شيء لا يرتد إليه طرفه، وهو الذي حضره الموت، وشق الصبح يشق شقا إذا طلع كأنه شق موضع طلوعه وخرج منه
[15].
والملاحظ أن الشقاق يدور حول هذه المعاني كلها، وإن أقرب هذه المعاني هو ما جاء في المعنى الرابع والخامس- الصدع، والخلاف، والعداوة، والمفارقة – لأنه يوافق المعنى الاصطلاحي كما سيتضح بإذن الله تعالى.
الشقاق اصطلاحا:
ليس للشقاق تعريف خاص في اصطلاح الفقهاء، غير أن المفسرين تناولوه بتعريفات تُقارب تعريفه في اللغة، فقد قال زيد بن أسلم:
"الشقاق: المنازعة"[16].
وقيل: الشقاق: المجادلة، والمخالفة، والتعادي، وأصله من الشق، وهو الجانب، فكأن كل واحد من الزوجين في شق غير شق صاحبه، وقيل إن الشقاق مأخوذ من فعل ما يشق ويصعب، فكأن كل واحد من الزوجين يحرص على ما يشق على صاحبه، فصار كل واحد منهما في شق بالعداوة والمباينة
. [17]
وهذا ما يدل على قوة الترابط بين الزوجين ومنة الله عليهما بالمودة، والرحمة، فإذا وجد الشقاق؛ ضاعت هذه المودة والرحمة، ولذلك لما كان ارتفاع أحدهما على الآخر دون صاحبه مختصا باسم النشوز، ناسب أن يخص التعدي من كل منهما باسم الشقاق؛ لأنهما تشاركا في التعدي، والتباعد، فكأن كلا منهما صار في شق، أي جانب غير جانب الآخر، وقيل: هو الاختلاف وعدم الاجتماع على رأي واحد.
[18]
وهذا لا يوافق الشَّرع الذي طلب الإسراع في التحكيم للشقاق بين الزوجين، من أجل إزالة هذا العارض الذي قد يؤثر على سلامة هذه الأسرة.
وتدل كلمة الشقاق، على أن الزوجين التحما بالزواج وصارا شيئًا واحدًا، فأي شيء يبعد بين الاثنين يكون شقاقا
[19]؛ وذلك في قوله تعالى:
﴿...
وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ﴾
[20].
والمشرع المغربي في مدونة الأسرة لم يُعْط تعريفا للشقاق وذلك لسببين:
الأول: أنه من أدق الأمور وأصعبها في نفس الوقت، وضع التعاريف، نظرا لما يتطلبه وضع التعاريف من الإلمام بجميع العناصر المكونة للشيء المراد التعريف به.
الثاني: أن مهمة وضع التعاريف هي من اختصاص الفقه، وليس من اختصاص المشرع، وقد حاول الأستاذ محمد الكشبور[SUP]د[/SUP] إعطاء تعريف للشقاق بقوله: "انعدام كل ما يربط عادة بين الزوجين من حب ووئام وود واحترام "
[21]
وجاء في الدليل العلمي لتعريف الشقاق وتقريب مدلوله إلى الفهم واعتباره هو الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية.
[22]
[1] - ابن منظور: لسان العرب مادة (شقق) 8/ 112و113
2- مختار الصححاح1/240 .
3- سورة النحل آية رقم7
4- مختار الصحاح1/240 .
[5]- رواه البخاري كتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل حديث 5189/ا10/318 فتح الباري دار الفكر1414/1993
[6]- الرازي: مختار الصحاح دار الفيحاء/ دار المنهل دمشق 1/241 ط/12010).
[7]- التمهيد لابن عبد البر حديث 169/33/ 388 دار الكتب العلمية ط3/2010. رواه احمد وصححه الألباني مصنف بن ابي شيبة كتاب الطهارة باب السواك.وأخرجه مالك في الموطأ موقوفا على ابي هريرة
[8]- ابن منظور: لسان العرب مادة (شقق) (مرجع سابق)، ابن الأثير: النهاية في غريب الأثر للإمام الحافظ مجد الدين أبي السعادات الملقب بابن الأثير الجزء الثاني/تحقيق محمد الطناحي وطاهر أحمد /المكتبة الإسلامية الطبعة الاولى/1383/1963).491/2.
[9]- سورة النساء (آية35).
[10]- الرازي: مفاتيح الغيب).
http://tahasafeer.blogspot.com/2011/01/pdf_4159.
[11]- الزجاج (48/2عالم الكتب بيروت ط/1. 1408ه/19987م.
[12]- سورة الحج (آية53).
[13]- ابن منظور: لسان العرب مادة (شقق) (10/183)، ابن الأثير: النهاية في غريب الأثر (2/491) الرازي: مختار الصحاح (1/144) الصابوني: تفسير آيات الأحكام (1/464)، السايس: تفسير آيات الأحكام (1/100).
[14]- ابن منظور: لسان العرب مادة (شقق) 8/111).دار صادر للطباعة والنشر ط/4. 2005.
[15]- ابن منظور: لسان العرب مادة (شقق)) 10/184)، ابن الأثير: النهاية في غريب الأثر (2/491).
[16]- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن دارالفكر (1993/1414. 1/ 134).
[17]- الماوردي: الحاوي الكبير (12/245)، حققه علي محمد عوض/عادل أحمد الموجود /دار الكتب العلمية ط/1 اى 1414/1994.
[18]- الحلي: تحرير الأحكام (3/578) مجموعة فقه الشيعة من القرن الثامن /مطبعة اعتماد /مؤسسة الإمام (الصادق)الطبعة الاولى1420.
[19]- الشعراوي: تفسير الشعراوي (4/2203).
1- النساء (آية34و35).
2- شرح مدونة الأسرة، ذ محمد الكشبور، 2/102:، مطبعة النجاح الجديدة.
[22]- دليل عملي لمدونة الأسرة، ص: 71 منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدلائل، العدد 1 سنة 2004. ط:3/فبراير 2007.