العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تقويم أقاويل الثقات

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل

المصنفات في معتقد الرعيل الأول ، والحزب الذي عليه المُعوَّل ، هي ما وافق الدليل من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة . ومن الكتب التي شاعت وذاعت في
باب الاسماء والصفات ، وهي منسوبة لأهل السنة والجماعة كتاب : ( أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشبهات ) . صنفه العلامة
مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي ( ت: 1033هـ ) ، وهو مؤرِّخ ،وأديب ، وفقيه . ولد في ( طور كرم ) بفلسطين ، وانتقل الى القدس، ثم الى القاهرة ، فتوفي فيها . رحمه الله تعالى .


  • تقويم أقاويل الثقات :
    1-ابتدأ العلامة الكرمي كتابه بمقدِّمة مختصرة ، ذكر فيها أن الأفهام تخبَّطت في أسمائه وصفاته ، ثم قال إنَّ الأولى ترك الخوض في باب الأسماء والصفات . لكنه اضطر الى ذلك لأجل التعليم والإرشاد .
    لغة الكتاب سهلة وجزلة ، وفيها اقتباس لكثير من نصوص الكتاب والسنة ، وأقوال الائمة من السلف والأشاعرة وغيرهم .ثم بنى كتابه على مناقشة المسألة التي هي أصل كتابه ، وهي هل الأسماء والصفات من المحكم أم من المتشابه ؟ وأطال في هذه المسألة ، واستطرد فيها كثيرا . ثم ناقش عبارة الامام مالك بن أنس( ت: 179هـ ) رحمه الله تعالى ، : " الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " ، واضطرب تفسير كلامه لها ، تارة يميل إلى ترجيح معناها ، وتارة يميل إلى تغييرها عن مرادها . ثم ختم كتابه بالنقل عن أقوال ابن الجوزي ( ت: 597هـ ) رحمه الله تعالى ، في غمز مذهب بعض الحنابلة ، ونقل أقوال غيره من الأئمة .

    2-وافق العلامة الكرمي القائلين بالتفويض بنوعيه : الأول : هم من يزعمون أن ظواهر نصوص الصفات تقتضي التمثيل ، ويحكمون بأن المراد بها خلاف ظاهرها ، ثم لا يُعيِّنون المراد . والثاني : من يقولون إن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها ، ولها تأويل لا يعلمه الا الله ، خلاف الظاهر منها ، وهؤلاء متناقضون .

    3-وافق الكرمي أهل التفويض في أن آيات الصفات من المتشابه في معناه ، بسبب فهمهم لآية المحكم والمتشابه في قول الله تعالى : " وما يعلم تأويله إلا الله " (آل عمران : 7) . والذي عليه اجماع السلف أن آيات الصفات من المحكم معناه ، المتشابه في كيفيته وحقيقته .

    4- الأسلوب التحريري في كتاب أقاويل الثقات ، ينحو الى أن معاني الأسماء والصفات ، لا يراد بها حقيقتها التي دلت عليها الألفاظ في اللغة العربية ، وهو معنى باطل يوافق مقالة أهل التجهيل .

    5- يستدل الكرمي بأدلة توافق منهج السلف في اثبات الأسماء والصفات ، ثم يعارضها بأدلة التأويل والتفويض ولا يُرجِّح بينهما . وهذه طريقته من أول الكتاب الى آخره .

    6-سوَّد الكرمي صفحات في سرد أقوال أهل التأويل المذموم ، واحتج بأن ذلك لقصد التعليم ، مما أوقعه بقصد أو بغير قصد في تفويض معاني الأسماء والصفات .

    7-قعَّد الكرمي قواعد في كتابه أقاويل الثقات ، يقصد بها أن مذهب السلف لا يقوم على ايمان بمعانٍ معلومة ، وانما حظُّهم من المعاني الكفُّ عن تعيينها . وزعم أن آيات الصفات من المتشابهات . وهذه القاعدة بنى عليها كتابه كله ، وصرح بتعذُّر الوقوف على معاني الصفات . والصحيح عكس عباراته .

    8-من عثراته الغريبة توضيحه لمقولة الامام مالك الشهيرة في الاستواء: بأن الاستواء معلوم بطريق القطع بالتواتر ، وقصده أن الاستواء كغيره من صفات الله تعالى لا يُفسَّر معناها ولا يتكلم فيها . وهذا الخطأ هو الذي جنح به الى القول بالتأويل والتفويض . وقد تابعه في هذا الخطأ العلامة السفاريني( ت:1188هـ ) رحمه الله تعالى في منظومته (الدُّرة المضية ) حين قال :
    فَمِرها كما أتت في الذِّكر
    من غير تأويل وغير فِكر

9- الكرمي تابع أبا المعالي الجويني( ت:478هـ )رحمه الله تعالى ، في كتابه (العقيدة النظامية ) التي نقل فيها كلام الامام مالك وخلص فيها الى اعتماد القول بتفويض معاني الصفات .

10- الكرمي قلَّد القرطبي ( ت: 671هـ ) رحمه الله تعالى ، في تأويل الأسماء والصِّفات ، وقد نقل قوله في آخر كتابه أقاويل الثقات حين قال " أظهر الاقوال وإن كنتُ لا اقول به ولا اختاره ، ما تظاهرت عليه الآي والأخبار والفضلاء الأخيار أن الله سبحانه على عرشه، كما أخبر في كتابه بلا كيف ، بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح " .

11- الكرمي نقل وتابع اختيارات القاضي أبي يعلى( ت: 457هـ ) رحمه الله تعالى ، في كتابه ( ابطال التاويلات) في تفويض معاني الأسماء والصفات كما في قوله : " فقد صرحت بالقول بالاستواء غير معقول ، وهذا يمنع تأويله على العلو والاستيلاء " . وهو خلاف لغة العرب وفهم السلف .

12- الكرمي يساوي بين اعتقاد أهل السنة والجماعة واعتقاد الاشاعرة ، وكأنه يعتقد أن لا خلاف بينهما في المسائل الاعتقاديه . وطريقته في اعتقاد الصفات هي طريقة مُتأخِّري الأشاعرة ، الذين يجمعون بين التأويل والتفويض .

13- موارد الكرمي في التأويل والتفويض نقلها عن : السيوطي( ت:911هـ ) في الاتقان ، وابن الهمام( ت:861هـ ) في المسايرة في العقائد المنجية من الآخرة ، والبيهقي( ت: 458هـ ) في الأسماء والصفات، والخطابي( ت:388هـ ) في معالم السنن ، والقرطبي( ت:671هـ ) في الشرح الأسنى ، والبيضاوي (ت: 685هـ ) في تفسيره ، وابن فورك( ت:406هـ ) في غريبه ، وابن اللبَّان( ت: 749هـ ) في ازالة الشبهات ، والجويني( ت:478هـ ) في الاستواء والفوقية ، وابن الجوزي( ت: 597هـ) في صيد الخاطر . وهم علماء أخيار، رحمهم الله وعفى عنهم ، لكن وقعوا في التأويل ، وعلم الكلام ، ونفي بعض الصفات .

14- طريقة الكرمي في موازنة االنقاش ، هي تلفيق نصوص التأويل وتجويز التفويض في الصفات دون تعقُّب منه أو امتعاض . وهذا يدل على اضطرابه في باب الأسماء والصفات . وفي آخر كتابه أطلق لقب أهل السنة والجماعة على فرقة الأشاعرة .

15- درس الكرمي في الأزهر ودرَّس فيه ، والتقى في مِصر بعلماء من مذاهب مختلفة ، والبيئة لها تأثير على المُتعلِّم والعالم، في نظره الى المسائل والبحوث . وهو وإن كان من المنتسبين الى المدرسة السلفيه ، لكن يبدو تأثير البيئة الأزهرية عليه في تصنيف كتابه أقاويل الثقات . وقد صرَّح في خاتمة كتابه أنه قيَّده في جمادى الاخرة سنة (1032هـ ) بمِصر المحروسة .
هذا ما تيسر تحريره وتصحيحه ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


المصادر :
1- أقاويل الثقات / للكرمي /انظر الصفحات : 23- 239
2-خلاصة الأثر / للمحبي / 4 /358 .
3-الأعلام / للزركلي 7/ 203 .
4-الأثر المشهور عن الامام مالك / للبدر .
5-الأسماء والصفات / لعمر الأشقر .
6- مذهب أهل التفويض / للقاضي /241-244 .

 
أعلى