العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

منهج العلامة الدجوي

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
منهج العلامة الدجوي
يوسف بن أحمد بن نصر الدجوي ( ت : 1365هـ ) ، عالم أزهري ، مالكي المذهب . ولد في دجوة في القليوبية . كُفَّ بصره في طفولته بسبب الجدري . توفي بالقاهرة . رحمه الله تعالى . كان رئيسا لتحرير مجلة الأزهر . له مؤلفات من أشهرها : مقالات الدجوي ، والرد على كتاب الاسلام واصول الحكم ، ورسائل السلام ، والرد على مُدِّعي التحريف في الكتاب الشريف .
ومناسبة الحديث عن منهجه ، هي ظهور بعض المفكرين المعاصرين الذين يستدلون بفكره ومقالاته وتقعيداته في القضايا الشرعية .

منهج العلامة الدجوي :
1-العلامة الدجوي ضليع في المسائل العقلية والكلامية ، وله ردود جيدة على الملحدين والزنادقة في وقته ،وقد أسس جمعية النهضة الاسلامية لمقاومة الالحاد ، لكنها توقفت لقلة الدعم المادي .

2-منهجيته في الفقه ، هي الترجيح بين الأدلة من مصنفات المالكية المتقدمين ، ويقول : اختياري كذا ، والراجح عندي كذا . لكنه في المسائل العقدية خالف منهجيته ، فلم يسلك طريقة سد الذرائع ، ولم يُخيِّر السائل في الأخذ بالأحوط لدينه ، ولم يستدل بالراجح في اصول المذهب ، بل يفتي بما خالف عليه جمهور المذاهب الأربعة ، كفتاويه في التوسل ، والاستغاثة بالأموات ، والشفاعة ، وبدع التصوف . وهذه المسائل الأربع أفنى عمره في الاحتجاج لها .

3-تأثر بالدِّعاية العثمانية التركية التي نشرها بعض المغرضين في مِصر، من الخرافيين والصوفيين والمعمَّمين ، وهي تخويف الناس وارهابهم من أتباع الدعوة النجدية الحجازية، خشية قيام دولة تُزيل سلطان العثمانيين .
فظهرت بعض الاصوات تُحذِّر من الوهابية في مصر وبلاد المغرب العربي . ولأجل ذلك سوَّد مقالات كثيرة في نبز الوهابية السلفية ، والتهجُّم على رموزها في التراث الاسلامي . وقد كان لصوته صدى عند البعض من علماء الهند والشام ، ممن استهوتهم العصبية والتقليد الأعمى . وقد تصدى لتلك الحملات التي كان القصد منها تفريق المسلمين واضعافهم، كثير من علماء الاسلام كما هو مدوَّن أدناه .

4-كرَّس قلمه في الطعن في الامام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى ، بدعوى ابتداع تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات . وله في ذلك مقالات نُشرت في مجلة الأزهر، وفي كتابه الذي جمعه الكوثري بعد وفاته ، بعنوان مقالات الدجوي .
ويقصد الدجوي بهذه الدعوى ، التقليل من خطر الشرك والتبرك والاستغاثة بالأموات التي تنافي توحيد العبادة ، وأن توحيد الربوبية يكفي لتحقق العبادة . وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، قال به قبل ابن تيمية ، الامام ابن جرير الطبري( ت: 310هـ ) في تفسيره ، وابن بطة( ت: 387هـ ) في الابانة ، وقال به غيرهما من السلف والخلف ، حتى المتكلمين من الأشاعرة لم ينكروا هذا التقسيم ، كأبي منصورالماتريدي(ت: 333هـ )
في كتابه التوحيد مع فارق يسير في الاصطلاح ، فيه هنات ، والشهرستاني( ت: 548هـ ) في الملل والنحل ، وصالح الهاشمي( ت: 668هـ ) في تخجيل من حرَّف التوراة والانجيل ، والبيضاوي(ت: 685هـ ) في تفسيره ، والبقاعي( ت: 885هـ ) في نظم الدرر، وابن أبي شريف ( ت: 906هـ ) في المسامرة شرح المسايرة ، والبيجوري( ت: 1276هـ ) في شرح جوهرة التوحيد ، والملا علي القاري( ت: 1014هـ ) في ضوء المعالي، والغنيمي( ت: 1298هـ ) في شرح الطحاوية ، والمراغي( ت: 1364هـ ) في تفسيره ، وابو زُهرة ( ت: 1394 هـ) في تفسيره ، والزحيلي(على قيد الحياة) في تفسيره . رحمهم الله تعالى ، كلهم درجوا على تقسيم التوحيد مع فوارق يسيره .
فأولئك الأعلام منهم من صنف قبل ابن تيمية ، ومنهم من صنف بعده ، ومنهم من كان في زمن الدجوي ، أو قريبا منه . فلماذا التشنيع على ابن تيمية دون سواه من العلماء ؟! .
وللعلامة الدجوي سلف في خصومته مع الامام ابن تيمية ، فقد كان قاضي المالكية في عصر ابن تيمية علي بن مخلوف( ت: 718هـ ) من أشدِّ القضاة تضيِّيقا على ابن تيمية ، لكنه ندم في آخر أمره وتأسَّف بقوله : " ما رأينا أتقى من ابن تيمية ، إذ لم نُبْق ممكنًا في السعي فيه ، ولما قدر علينا عفا عنا " .
وخلاصة ذلك أن خصومه في مصر اجتمعوا ضِّده ، بعدما وصلها في رمضان سنة (705هـ) حيث جُمِعَ له القضاة وأكابر الدولة بالقلعة ، وادُّعى عليه عند القاضي ابن مخلوف المالكي خصمٌ بأنه يقول: إن الله فوق العرش حقيقة ، وأن الله يتكلم بحرف وصوت ، وأن الله يشار إليه الإشارة الحسية ، وطلب عقوبته على ذلك . وقد حُبس على ذلك في الجُبِّ ثمانية عشر شهرًا .
وفي شوال سنة ( 707هـ) شكا مشايخ الصوفية وأتباعهم من ابن تيمية ، ورأيه في ابن عربي (ت: 638هـ) وغيره ، إلى الدولة ، فخيَّروه بين الإقامة بدمشق أو الإسكندرية بشروط ، أو الحبس ، فاختار الحبس ، وقال: أنا أمضي إلى الحبس ، وأتبع ما تقتضيه المصلحة . والربط بين هذه الحادثة التاريخية وبين مقالات الدجوي في ابن تيمية يتبين له حقيقة الحال .

5-صدرت منه فتاوى عقدية تخالف الاجماع في المذاهب الأربعة ، فكان يتعصَّب لآرائه وينتقد مخالفيه بردود لاذعة قوية . وكثير منها مخالف لصحيح الأدلة الشرعية . ومن تلك الفتاوى اجازته لتعظيم القبور والاستغاثة بالأموات . وهي عند السلف من الشرك . فكان يتأول ذلك بأن أتباعه أشاعرة يعتقدون أن لا فعل لغير الله تعالى ولا تأثير . وهو وإن كان كفيفا، سامحه الله ، لم يلتفت لأدلة المذهب المالكي التي يتمذهب بها . فقد أثبت الامام مالك بن أنس ( ت: 179هـ )في فتاويه ومصنفاته ، وجوب حماية السنة وحفظ جناب التوحيد . فقد صح عنه :" من أحدث في هذه الامة شيئا لم يكن عليه سلفها ، فقد زعم أن رسول الله خان الرسالة ، لأن الله تعالى يقول: اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " . وللامام مالك أدلة في تحريم التبرك وتعظيم القبور والطواف حولها والاستغاثة بالأموات ، وصح عنه أنه قال بمنع قول القائل : زرنا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأجل لفظة القبر ، خشية الافتتان بقبر النبي ، فيجر الى عبادته .
ودرجت مصنفات المذهب المالكي على التنبيه من خطر البدع العقدية ، وممن نبَّه على ذلك وشدَّد : ابن زروق المالكي( ت:899هـ) وابن الحاج المالكي (ت: 737هـ) رحمهما الله تعالى .
فكانت اجازة الدجوي لتلك البدع ، اقرار للخرافيين والمبتدعين لتدنيس دعوة التوحيد في أرض الكنانة . فمُلئت بالقِباب والأضرحة والقرابين . وقد قال الله تعالى : يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون"( المائدة : 35 ). وقال سبحانه : " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا " ( الاسراء: 56) .

6-العلامة الدجوي ينتسب الى المذهب المالكي في الفروع ، هذا الذي يظهر من فتاويه وردوده . فلماذا حاد عن الانتساب اليه في الاصول ؟! وألزم نفسه الخروج عن أقواله وتقعيداته في حماية جناب التوحيد ، كما يظهر من ردوده على المدرسة السلفية في مصر والشام وبلاد الحرمين
وقد وقفت على نص نفيس لأبي الحسن الكرجي( ت:532هـ) رحمه الله تعالى فيه تعليل لحيدة أمثاله . قال :" إن في النقل عن هؤلاء- الأئمة الاربعة - الزاما للحجة على كل من ينتحل مذهب امام يخالفه في العقيدة ، فإن أحدهما لا محالة يضلل صاحبه او يُبدِّعه او يُكفِّره ، فانتحال مذهبه مع مخالفته له في العقيدة مستنكر والله شرعا وطبعا ، فمن قال أنا شافعي الشرع ، أشعري الاعتقاد، قلنا له هذا من الاضداد ،لا بل من الارتداد، اذ لم يكن الشافعي أشعري الاعتقاد . ومن قال أنا حنبلي في الفروع معتزلي في الاصول ، قلنا قد ضللت اذا عن سواء السبيل فيما تزعمه، اذ لم يكن أحمد معتزلي الدين والاجتهاد " .

7-التراث المصري قديما سرت فيه لوثة الباطنية ، إبَّان ظهور الدولة الفاطمية ، ووجد أرضا خصبة فيما بعد في عروق المبتدعة ، نقلوها الى الأجيال جيلا بعد جيل . وكان للصوفية قصب السَّبق في رفع لوائها . وقد رأيتُ بعيني في القاهرة وبجوار الأزهر، ما يشيب منه الرأس من استئساد المبتدعة وهوان أهل السنة .

8-أهل العلم في عصر العلامة الدجوي ، كتبوا ردودا على مخالفاته العقدية ، منهم : عبد الله القصيمي ( ت: 1417هـ ) وهو من بلدياته، لكنه عاش في نجد وذاع صيته فيها ، فُنسب اليها . وهلك في مصر . عامله الله بعدله . ورد عليه أيضا : الشيخ علي الطنطاوي ( ت: 1420هـ ) ومحمد رشيد رضا ( ت: 1354هـ ) ومحمد بخيت المطيعي( ت: 1354هـ ) والمولود الحافظي الازهري الجزائري ( ت: 1367هـهـ ) والعلامة ابن باديس ( ت: 1358هـ ) ، وأبو يعلى السعيد الزواوي (ت: 1371هـ ) رحمهم الله تعالى .

9-الواجب على طلبة العلم اذا قامت عليهم شبهة من خصومهم أن يناظروهم في أصل مذهبهم . فإن استجابوا فللله الحمد المنة ، وإن أعرضوا سقطة شبهتهم . وقد قيل اعرف الحق ، تعرف رجاله .

10-العلامة الدجوي يُعذر في بعض المسائل التي خالف فيها أصل مذهبه ، إذا كان لم يقف على صحة الدليل ، او لم يبلغه الدليل في عين المسألة الاصلية . نسأل الله أن يُعلِّمنا ما ينفعنا ، وأن يثبتنا على الهدى والرشاد . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

المصادر :
1-الغيث المروي في ترجمة الدجوي / لعبد الرافع الدجوي .
2- مسائل العقيدة التي قرَّرها المالكية / لمحمد الحمادي / وهو مهم في بابه .
3-مقالات الدجوي / لزاهد الكوثري . طبعة دار البصائر .
4-مذكرات حسن البنا /ص/ 11 . وفيه أنه كان يقرأ على الدجوي بعض الكتب .
5-جؤنة العطار/ لأحمد الغماري / وفيه نقد لأخلاقه .
6-آثار ابن باديس / طبعة الشركة الجزائرية .
7-البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية / للقصيمي / طبعة مؤسسة دار الانتشار العربي .
8-مجلة الأزهر/ العدد( 7)السنة الخامسة عشرة / مقال لزاهد الكوثري
9-جريدة الشهاب / العدد( 98) 1345هـ . وفيه رد على على الجزائريين الذين يقولون إن الوهابيين معتزلة !! .
10-مجلة المنار/ صفر/ 1350هـ . وفيه مناقشات عنيفة حول تجويز الدجوي للزيادة في الأذان ، وردود رشيد رضا عليه .

 

قنوان دانية

:: متابع ::
إنضم
28 مارس 2012
المشاركات
21
الكنية
ام عبد البر
التخصص
فقه و اصوله
المدينة
reo
المذهب الفقهي
مالكي
رد: منهج العلامة الدجوي

بورك فيكم
 
أعلى