العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مقاييس المخالفات العقدية

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
مقاييس المخالفات العقدية
المتأمل لواقع المخالفات العقدية في المصنفات الاسلامية ، يلحظ أن الافادة منها إما مهجورة بسبب النبذ والامتعاض ، وإما معمورة بسبب الميل والشغف بها . والانصاف أن تُبيَّن المخالفات العقدية وتوزن بالمقاييس الشرعية التي يناط بها صحة الحكم وموافقته للدليل ، ثم ينتفع بما فيها من مسائل ودلائل تعب فيها العلماء .

والقائم على المخالفات العقدية والواقع فيها كقوم استهموا في سفينة ، والأوفر غرقا من خالف الانصاف وحاد عن الحق .
وكثير من الدارسين اليوم يتحرَّجون من التعريج على الافاضة في المخالفات العقدية ، إما لتوحيد الصف بزعمهم ، وإما لحفظ جاه العلماء والمصنفات التي وقعت في المخالفات . ومن العجب العجاب أن يُفزع في تعبير الأحلام الى أهل التعبير كما وقع ليوسف عليه السلام ،حين دخل معه السجن فتيان ، ولا يُفزع الى بيان المخالفات العقدية وموضوعها التوحيد ، التي كانت الخصومة بين الرسل والامم في مسائله .
وهذه المقاييس ملزمة لكل من اعتقد عقيدة الايمان والاسلام . والطوائف والأعلام الذين حادوا عن الامتثال لها ، إما متبعون للهوى كما قال الله تعالى : " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم " ( الجاثية : 23 ) ، أو محادِّين لنصوص الشرع . وقد ثبت عن الامام الشافعي( ت: 204هـ ) رحمه الله تعالى ، أنه قال لبشر المريسي( ت: 218هـ ) عامله الله بعدله ، في بدعته المشهورة : " أخبرني عما تدعو اليه ؟ أكتاب ناطق ،وفرض مفترض ، وسنة قائمة ، ووجدت عن السلف ؟ فقال بشر : " لا، إلا أنه لا يسعنا خلافه " ! .
وثبت عن الامام أحمد( ت: 241هـ ) رحمه الله تعالى ، أنه قال لابن أبي دؤاد( ت: 240هـ ) عامله الله بعدله ، في بدعته المشهورة :" خبِّرني عن هذا الأمر الذي تدعو الناس اليه : أشيء دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، فقال : لا ، قال الامام : ليس يخلو أن تقول : علموه أو جهلوه ، فإن قلت علموه وسكتوا عنه، وسعنا وإياك من السكوت ما وسع القوم ، وإن قلت : جهلوه وعلمته أنت ! ، فيا لكع ابن لكع ، يجهل الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون شيئا ، وتعلمه أنت واصحابك . أهـ . وهذه مقاييس تضبط المخالفات العقدية ، ولا يمكن خروج غيرها عنها ، وبالله التوفيق .


*مقاييس المخالفات العقدية :
1-دفع أدلة الوحيين بالأصول والاعتقادات الباطلة :
مثال ذلك تأصيلات الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والفرق الأخرى المخالفة ، كانكار او تحريف صفات الله تعالى . وأغلبها متلقاة عن مصادر لم تأنس بالوحي .

2-القُرب الممنوعة:
كالتقرب الى السحرة أو الكهنة أو المشعوذين أو الاولياء او الأضرحة . وقد وجدت عند بعض الفرق والطوائف البدعية، بسبب الجهل والخرافة وشيوخ الاستعمار .

3-تدوين العلوم والآراء العقدية المخالفة لهدي السلف :
مثال ذلك الآراء الفلسفية والعقلية التي لا تشفي عليلا ولا تروي غليلا . والتي تجرَّد عنها أساطين الفلاسفة والمتكلمين عند احتضارهم .

4-استعمال العقل والقياس لابطال الأدلة الصحيحة :
مثال ذلك انكار عذاب القبر والصراط والميزان ورؤية الله في الآخرة . ويلحق بهذا : الليبراليون والعلمانيون اليوم في نظرتهم الى الاسلام ، و سعيهم الى تحرير المرأة وتغريبها ، وجلدهم في السعي الى طمس معالم الشريعة .

5-الاعتراض على أدلة الوحيين :
مثال ذلك : القول بالتحسين والتقبيح العقليين . وإنكار العمل بالسنة مطلقا وعدم العمل بخبر الواحد . وردِّ بعض الأحاديث الصحيحة ، كحديث نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، وردِّ حديث الذباب اذا سقط في الاناء . ونحوها من الاحاديث الصحيحة .

6-استحسان ما لا دليل يوجب استحسانه :
مثال ذلك الذوق والكشف وأعمال القلوب المبتدعة عند الصوفيه مع مريديهم ، واحداث بعض الحوادث المنافية لاصل الدين كالاعياد والموالد البدعية .

7-الخوض فيما سكت عنه الشرع :
مثال ذلك الخوض في بعض الاصطلاحات المجملة ، كالجهة والجسم والعَرَض والجوهر والتحيز . ونحوها من الألفاظ المجملة الموهمة ، في باب الأسماء والصفات ، والاستدلال بطريقة الأعراض وحدوثها على اثبات الصانع . والتفتيش فيما وقع بين الصحابة من فتن مما لا يجوز نبشه وتحديث العوام عنه .

8-الاتيان بالأعمال الجاهلية :
كالتعلق بالنجوم والكهانة، والتبرك بالأضرحة والأحجار والاشجار .

9-اتِّباع العوائد والمشايخ :
مثال ذلك : ما يحدثه تلاميذ الصوفية والطرقية مع مشايخهم وأوليائهم ، من التعلق والرقص ، وادعاء الكشف واتخاذ الخِرقة والأوراد والأحزاب المخالفه للشرع . ويضاف الى ذلك تعلق بعض الطلبة اليوم بمشايخهم الداعين الى بعض البدع ، دون النظر في صحة أدلتهم التي يتعلقون بها .

10--مناقشة مسائل العقيدة بالتأويل والتفويض والتعطيل :
مثال ذلك ما وقع "لمحمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة" ( ت: 733هـ) رحمه الله تعالى ، فقد كان أشعري العقيدة ، يدافع عن أهل السنة والجماعة على طريقة الاشاعرة ، وكان له معرفة بطرائق الصوفية . من أشهر مؤلفاته ( تذكره السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم )و (إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ) .وفى كتابه ( ايضاح الدليل ) نفس أشعري حاد ، فقد أول العلو والاستواء وبقية الصفات الفعلية والخبرية ، كالمجىء والوجه و اليدين والساق و العين والقدم والنزول و الضحك و الفرح و العجب وغيرها . وقد ضعَّف الحديث الذي في الصحيحين ( حديث النار ) ( إن الله يضع قدمه أو رجله .. الخ ) قائلا : " واعلم أن من العلماء من جزم بضعف هذا الحديث ، وإن خرَّجه الامامان، لأنهما ومن روياه عنه غير معصومين " !! .ولابن جماعة قصيده صوفية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أبياتها غلو ، مطلعها :
ياسائق العيس تطوى البيد في الظُّلم سلم سلمت على سكان ذي سلم .

ومن المخالفات ما وقع " لمحمد بن احمد بن سالم السفاريني " ( ت: 1188هـ) رحمه الله تعالى ، في منظومته ( الدرة المضية ) و ( غذاء الالباب) من مواضع لم يوفق فيها لتحرير بعض المسائل العقدية ، منها : القول بالتفويض ، والاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم .

ويلحق بهذين المثالين تأويلات بعض المفكرين الاسلاميين اليوم ، ممن يجاهرون بمخالفة عقيدة السلف ،إما بعلم بالمخالفة ،أو بجهل ، ويتعسفون في ليِّ الأدلة لموافقة أهوائهم في تجديد نصوص الشريعة كما يزعمون .
والخلاصة أن المخالفات العقدية باب واسع مشرع ، لكن ليس من الحكمة أن يزاد في اتساعه ، وقد اقتضت سنة الله أن يجعل هذا الباب موضعا لامتحان القلوب في الاذعان للتسليم لنصوص وحيه ، أو الإمتعاض منها ، كما هو مشاهد اليوم في المنابر والمحابر . والله أعلم وأحكم ، وإليه المصير .

المصادر :
1-الاعتصام / للشاطبي / 1/ 144وما بعدها .
2-الاستقامة / لابن تيمية / 1/ 233- .
3-اعلام الموقعين / ابن القيم / 1/ 69 .
4
4-مذهب اهل التفويض / للقاضي / 242 .
5-الاصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات / لعبد القادر صوفي / 2/ 64 .
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مقاييس المخالفات العقدية

الشيخ الفاضل أحمد وفقه الله
بارك الله فيكم على هذا الطرح وقد أجدتم وأفدتم فيما ذكرتم فجزيتم خيرا ، وإن كان لم يتبين لي وجه تسمية مثل ذلك بالمقاييس فالمقاييس هي الموازين أو القواعد التي يعرض عليها الأمر ليعلم موافقته ومخالفته وهذا لم يظهر لي في بعض ما ذكرته ضمن المقاييس فهي أقرب إلى مجالات أو صور للمخالفات أو مصادر تلقي ونحو ذلك .
وأنبه إلى أن التحسين والتقبيح العقليين هو مذهب أهل السنة كما هو معلوم وكما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما وربما كان ذلك سبق قلم من فضيلتكم .
وأما بالنسبة للمؤلفات فينبغي التفريق بين الكتب الذي ألفت على بدعة وبين الكتاب الذي يحوي بعض المخالفات العقدية وهو من كتب أهل العلم في التفسير أو شروح الأحاديث أو الأصول ونحو ذلك فالنوع الثاني لا مانع من الاستفادة مما فيه من العلم مع الحذر من المخالفات العقدية والتنبيه عليها كما أشرتم لحماية جانب العقيدة مع حسن الأدب مع أهل العلم .
والمخالفون للعقيدة أجناس فيفرق بين المبتدع الضال الداعي لبدعته وبين العالم الرباني الذي وقع في بعض المخالفات وقد أقر بعلو منزلته ومكانته أهل العلم فمثل هؤلاء يستفاد من مصنفاتهم وينبه على ما وقع في كتبهم من مخالفة مع الدعاء لهم بالعفو والمغفرة والاعتذار لهم كما هو شأن أهل العلم قديما وحديثا .
 
إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
رد: مقاييس المخالفات العقدية

جزاكم الله خيرا وسددكم وزادكم علما وايمانا .
1- نعم هي مقاييس وقواعد مجملة مختصرة ، لمعرفة ما بني على أصل منقول عن الوحيين ، أو منقول عن اصول مختلف فيها . وكتاب الاعتصام يقع في مجلدين ، جله مقاييس وقواعد ، بحث الشاطبي فيه الاصول المتفق عليها والمتنازع فيها .
2-مسألة التحسين والتقبيح ليست سبق قلم مني ، بل عمدا ذكرتها لان المعتزلة قديما وافراخهم من اتباع المدرسة العقلية اليوم جعلوا ما ادركته عقولهم اصلا قاطعا في الترويج لشبهاتهم ، والشرع عندهم انما هو كاشف عن حكم العقل . والفرق العقدية المخالفة رتبوا على تحسين العقل وتقبيحه ان اوجبوا على الله فعل الاصلح . وهي بدعة قديمة ويقول بها بعض المفكرين اليوم .
والاشاعرة قديما ، وبعضهم اليوم نفوا عن الله الحكمة والتعليل في أفعاله ، وهو نفي للتحسين والتقبيح . ثم ان بعض اهل الاقلام اليوم يستدلون بهذه القاعدة في تقرير ان العقل له علاقة في اثبات الاحكام الشرعية . وقد بين الامام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الرد على هذا الزعم في اكثر من موضع من مصنفاتهما . ولو تأملت فانني قد قيدت مسالة التحسين والتقبيح بالاعتراض على الوحيين .
3- لم اصنف المؤلفات الى ما يجوز النظر فيه وما لا يجوز النظر فيه ، انما كان البيان مثالا على الكتب التي خلطت بين مقياس النظر في الادلة الصحيحة وما خالف ذلك مما بني على اصول كلامية او تقليدا لمن سلف ممن لم يتحرَّ الدليل .
4- لم اقسم اهل البدع ولم اتعرض الى انواعهم . انما كان الحديث عن القواعد العامة في النظر الى الادلة .
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مقاييس المخالفات العقدية

الشيخ الكريم أحمد بارك الله فيكم
التحسين والتقبيح العقليان له نظران :
الأول : إدراك حسن الأشياء وقبحها وهذا يقر به أهل السنة فيرون ان العقل يحسن ويقبح وهذا أمر دلت عليه نصوص الكتاب والسنة والعقل .
الثاني : بناء الأحكام الدنيوية والأخروية على ذلك من تحريم وإيجاب وثواب وعقاب فهذا هو الذي يقول به المعتزلة وينفيه أهل السنة ويرون أن الحاكم هو الله عز وجل وان العقل لا يوجب ولا يحرم .
والإطلاق الذي ذكرتموه غير دقيق بارك الله فيكم .
 
أعلى