العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المتوارون خلف شيوخهم

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل

المتوارون خلف شيوخهم
التواري خلف الشيوخ صفة كاشفة ابتلي بها فِئام من الناس منذ قرون الى يومنا هذا . وهو داء ثقيل طال أمده في المجتمعات المسلمة ، وقد صفق الهمج الرعاع لشيوخهم واحتموا بظهورهم، وأفسحوا لهم المنابر وقدموهم على الأفاضل الأكابر .
وقد يكون التواري لعلة قلبية، أو لظرف زماني أو مكاني، أو للملازمة أو لعائق لا يعلم سببه الا صاحبه .
والتواري خلف الشيوخ ضد الاصطفاف خلف الشيوخ . وهذه الصفة الاخيرة هي من نصرة الحق وتكثير سواد أهل العلم وتقوية لنفوذ المصلحين .
والتواري خلف الشيوخ غايته غمط الحق والتحزُّب المقيت ومغالبة الخصم، ولو كان نور الحق ساطعا في جبينه . وقد قال الله تعالى عن اخوان المتوارين : " فمن بدَّلهُ بعدما سمعه فإنما إثمهُ على الذين يبُدِّلونه " ( البقرة : 181) .
• مقاصد التواري خلف الشيوخ :
1--التقليد والمحاكاة :
يعمد البعض الى التواري خلف الشيوخ من أجل تقليدهم ومحاكاتهم، إما بسبب الانبهار والاعجاب بهم أو بسبب نفوذ شيوخهم عليهم ورغبة في عدم الافتئات عليهم . وقد شرح العلامة ابن خلدون( ت: 808هـ ) رحمه الله تعالى ، هذا المعنى بعبارات لا مزيد عليها
حين قال : " إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيِّه و نحلته و سائر أحواله و عوائده ، و السبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها و انقادت إليه، إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أولما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك و اتصل لها اعتقاداً فانتحلت جميع مذاهب الغالب و تشبهت به و ذلك هو الاقتداء ،أو لما تراه و الله أعلم من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية و لا قوة بأس ، إنما هو بما انتحلته من العوائد . و المذاهب تغالط أيضاً بذلك عن الغلب ، و هذا راجع للأول، و لذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه و مركبه و سلاحه في اتخاذها و أشكالها بل و في سائر أحواله . و انظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائماً و ما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم. وانظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية و جند السلطان في الأكثر ، لأنهم الغالبون لهم حتى أنه إذا كانت أمة تجاور أخرى و لها الغلب عليها، فيسري إليهم من هذا التشبُّه و الاقتداء حظ كبير، كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة ، فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم و شاراتهم و الكثير من عوائدهم و أحوالهم ،حتى في رسم التماثيل في الجدران و المصانع و البيوت، حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء و الأمر لله .
و تأمل في هذا سر قولهم : العامة على دين الملك، فإنه من بابه، إذ الملك غالب لمن تحت يده و الرعية مقتدون به لاعتقاد الكمال فيه، اعتقاد الأبناء بآبائهم و المتعلمين بمعلِّميهم " .

2-ضعف اليقين :
يعمد البعض الى التواري خلف شيوخهم، بسبب ضعف يقينهم واعتمادهم على ظواهر الامور دون تحري صحة الدليل والطمأنينة الى الحجة . ومن الأمثلة على ذلك العلامة الزمخشري ( ت: 538هـ ) الذي صمد في التواري خلف شيخه العلامة الجشمي( 494هـ) عاملهما الله بعدله ، وجدَّد الدعوة الى المذهب الاعتزالي بكل جلد وتفاني .
وقد صنف تفسيره ( الكشاف ) لهذا الغرض . وقد قال العلامة البلقيني ( ت: 868هـ ) رحمه الله تعالى : " استخرجت من الكشاف اعتزالا بالمناقيش " !! .
وقد كان الزمخشري يُقدم العقل على الاجماع والقياس، ويعرض عن صحيح الأدلة ،وينبز أهل السنة بأنهم حشوية ومُشبِّهة . وقد قال في هجاء أهل السنة :
لجماعة سموا هواهم سنة وجماعة حمُر لعمري موكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفه .

3- التعلُّق بالذوات :
من أدواء الناس العجيبة التعلق بالذوات والهيام بهم وبمنطقهم وسمتهم، ولو كان ذلك مجانبا للحق ومخالفا للدليل . ومن الأمثلة على ذلك تعلق القبوريين والصوفيين بشيوخهم كابن عربي(ت: 638هـ ) والحلاج(ت: 309هـ) والسهروردي(ت : 586هـ ) عاملهم الله بعدله ، المحادِّين لدين الله المدنسين لجناب التوحيد ، وأتباعهم كثير في هذا العصر لا كثرهم الله . وكذلك التعلق بالمشايخ المنتسبين الى أهل بيت النبوة وأوليائهم من الغلاة المبتدعة ممن خالفوا الدليل ، نسأل الله العافية .

4-التعصُّب للمذهب :
التواري خلف الشيوخ من أجل التعصب للمذهب، سمة بارزة في التأريخ الا من عصمه الله . ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في ترجمة "أصبغ بن خليل المالكي"(ت:
273هـ ) سامحه الله، أنه كان يقول : " لئن يكون في كتبي رأس خنزير، أحب إليّ من أن يكون فيها مصنف أبي بكر بن أبي شيبة " . فقد كان معروفا بتعصبه للمالكية
ونافرا عن صحبة أهل الحديث . وقد كان ذلك بسبب المنافسة بين المدارس الفقهية التي قلَّ فيها الانصاف وما زال أثرها قائما الى اليوم .


5- التفرد بالغرائب :
يتوارى البعض خلف شيوخهم من أجل تفردهم بالغرائب وتنميقهم العبارات والمصطلحات واستحداث طرائق جديدة في معالجة مسائل العلم والفقه .
والتحديث بالغرائب يورث الجرأة على نقد المسائل الشرعية والتكلف في فهمها
والنيل من العلماء بلا بينة أو برهان . وقد حدث هذا للفقيه الأصولي : محمد بن احمد ابن رشد (ت: 595هـ) رحمه الله تعالى ، الذي عكف على كلام أرسطو وترجمه الى العربيه وزاد عليه زيادات كثيرة . وكان قد نشأ بين الكُلابية المبتدعة ، وقرأ كتب الفلاسفة وتأثر بهم .
وقد قال الامام الذهبي ( ت: 748هـ ) رحمه الله تعالى :" لا ينبغي أن يُروى عنه".
وقد كان السلف يُمنعون من الإكثار من الحديث في دولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد - بل هو غَضٌّ لم يشب - ، فما الظن بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا ، مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط ؟ .
ومن التواري خلف الشيوخ ما نراه اليوم من التفاخر بمن يطلق عليهم" المفكرين الاسلاميين" ممن تخرجوا في مدارس الاستعمار واحتضنهم المستشرقون المستعربون ، فعادوا الى ديار المسلمين بوجه كالح مظلم لتنفيذ مآرب المدارس الغربية العفنة، وجذب الهمج الرعاع لمحاضراتهم وندواتهم .
وعلاج ذلك الداء لا يكون الا بالتعلق بالله تعالى وكثرة المناجاة واللهج بالاستغفار ثم الخلوة بالنفس ومحاسبتها على النيات والمقاصد . ولا ريب أن من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له .

فيا من له عقل وقلب : الزم غُرز العلماء وأقبل على المحجة البيضاء، فإن الليل قصير والصبح قريب . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

المصادر :
1- المسائل الاعتزالية في تفسير الزمخشري/ لصالح الغامدي .
2- مقدمة ابن خلدون/ ص/ 114 .
3- سير أعلام النبلاء /الذهبي / 21/307 .
4- منهاج السنة النبوية / ابن تيمية / 1/354 .
5- الثقات الذين ضُعفوا في بعض شيوخهم / للرفاعي / ص/ 33 .



 
إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
رد: المتوارون خلف شيوخهم


حدث خلل فني اثناء انزال المادة . بارك الله في الجميع .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,508
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: المتوارون خلف شيوخهم

ما معنى هذا الموضوع ؟
 
إنضم
31 أكتوبر 2009
المشاركات
475
التخصص
الثقافه الاسلاميه
المدينة
القرين
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: المتوارون خلف شيوخهم

وصنو هؤلاء المتوارون خلف شيوخهم الخنفشاريون وماأكثرهم غثاء كغثاء السيل !!!؟؟؟​
وأصل قصة الخنفشاريون أن رجلاً كان يجيب على كل سؤال، ويدعي معرفة كل شيء، فتآمر عليه أصحابه، وقالوا: لنخلق كلمة من خيالنا، لا وجود لها في قاموس، فنسأله عنها، فإن أجاب فقد وقع في حبائلنا، فليس بعد ذلك ادعاء، وهو يكون حينها وقع في شر أعماله.
فوضع كل واحد منهم حرفاً غريباً حتى جمعوا حروفهم فأصبحت كلمة (
خنفشار)، فسألوه عنه، فقال على الفور: هو نبات يزرع في اليمن، ينبت في الجبال، ويعقد به الحليب، قال الشاعر:
لقد عقد حبكم فؤادي ********** كما عقد الحليبُ الخنفشار
وقال صلى الله عليه وسلم، فقال له صحبه: حسبك! كذبت على هؤلاء، فلا تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم!
فأسموه بعدها
الخنفشاري، وذهبت مثلاً لمدعي العلم أو المتعالمين، أعاذنا الله وإياكم منهم!
وقريبا من هذه القصة ما وقع للإمامين يحيى بن معين وأحمد بن حنبل كما ذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ عن الزبير بن عبد الواحد الحافظ ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الواحد البكرى ، قال : سمعت جعفر بن محمد الطيالسى يقول : صلى أحمد بن حنبل و يحيى بن معين فى مسجد الرصافة ، فقام بين أيديهم قاص ، فقال : حدثنا أحمد بن حنبل و يحيى بن معين ، قالا : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله خلق من كل كلمة منها طير منقاره من ذهب و ريشه من مرجان " .
و أخذ فى قصة نحو من عشرين ورقة ، فجعل أحمد ينظر إلى يحيى و يحيى ينظر إلى أحمد فيقول : أنت حدثته ؟ فيقول : والله ما سمعت به إلا الساعة . قال : فسكتا جميعا حتى فرغ من قصصه و أخذ قطاعهم ، ثم قعد ينتظر بقيتها ، فقال له يحيى بن معين بيده أن تعال ، فجاء متوهما لنوال يجيزه ، فقال له يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال : أحمد بن حنبل و يحيى بن معين . فقال : أنا يحيى بن معين و هذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان و لابد و الكذب ، فعلى غيرنا . فقال له : أنت يحيى بن معين ؟ قال : نعم . قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ، ما علمته إلا الساعة . فقال له يحيى : و كيف علمت أنى أحمق ؟ قال : كأنه ليس فى الدنيا يحيى بن معين و أحمد بن حنبل غيركما ، كتبت عن سبعة عشر ، أحمد بن حنبل و يحيى بن معين غيركما ! قال : فوضع أحمد كمه على وجهه ، فقال : دعه يقوم . فقام كالمستهزىء بهما .
وما زال الناس فى زماننا هذا وغيره لهم الأسوة بهذا
الخنفشارى ، إذ يكون الواحد منهم لا علم له بأى شىء ويفتى ويكابر مع جهله ، فليته اكتفى بجهله البسيط ، بل راح يكابر ويزعم لنفسه العلم فاضاف لنفسه جهلا لجهله ، وهو ما عبر عنه بالجهل المركب .
وهذا الجهل المركب هو الذى ولد الكذب والإفك عند كثير ممن يزعم العلم والدين .

{وقد قيل إعرف الحق تعرف أهله}
attachment.php
 
أعلى