د. ملفي بن ساير العنزي
:: متخصص ::
- إنضم
- 25 مارس 2011
- المشاركات
- 1,035
- الكنية
- أبو محمد
- التخصص
- فقه
- المدينة
- مكة المكرمة والشمال
- المذهب الفقهي
- أصول المذهب الأحمد
الحمد لله.
مقدمة:
تعريف الحاجة لغة:
الحاجة والحائجة : الماربة.
وقيل إن الحاجة تُطلق على نفس الافتقار . وعلى الشيء الذي يفتقر إليه....
وتحوّج إلى الشيء : احتاج إليه وأراده. وجمع الحاجة: حاج. قال الشاعر:
وأُرضعُ حاجةً بلبانِ أُخرى..... كذاك الحاجُ تُرضعُ باللِّبانِ ([1]).
والحاجة في الاصطلاح على ضربين:
1-حاجة عامة قد تنزل منزلة الضرورة (وهي الحاجة الأٌصولية). وسماها بعضهم بالضرورة العامة.
2-حاجة فقهية خاصة: حكمها مؤقّت, تعتبر توسيعا لمعنى الضرورة.
[مع ان مفهوم الحاجة قال فيه إمام الحرمين الجويني في الغياثي 479 يقول: " فإذا تقرر أن المرعي الحاجة؛ فإن الحاجة لفظة مبهمة لا يضبط فيها قول" ؟].
أولاً: الحاجة الأُصولية:
قال إمام الحرمين -رحمه الله- في المعنى الأول: « والضرب الثاني ما يتعلق بالحاجة العامة ولا ينتهي إلى حد الضرورة, وهذا مثل: تصحيح الإجارة؛ فإنها مبنية على [مسيس] الحاجة إلى المساكن مع القصُور عن تملكها, وضنة ملّاكها بها على سبيل العارية, فهذه حاجة ظاهرة غير بالغة مبلغ الضرورة المفروضة في البيع وغيره, ولكن حاجة الجنس قد تبلغ مبلغ [الـ]ـضرورة للشخص الواحد, من حيث إن الكافّة لو منعوا عما تظهر الحاجة فيه للجنس؛ لنال آحاد الجنس ضرار لا محالة, تبلغ مبلغ الضرورة في حق الواحد, وقد يزيد أثر ذلك في الضرر الراجع إلى الجنس ما ينال الآحاد بالنسبة إلى الجنس, وهذا [ما] يتعلق بأحكام الإيالة. والذي ذكرناه مقدار غرضنا الان»([2]).
وقال: « ونحن نرى أن ننبه قبل تبيين القول فيه على أمر؛ وهو أن الإجارة جازت خارجة عن الأقيسة التي سميناها جزيئة في القسم الأول, فإن مقابلة العوض الموجود بالعوض المعدوم خارج عن القياس المرعي في المعاوضات؛ فإن قياسها ألّا يتقابل إلا موجودان, ولكن احتمل ذلك في الإجارة لمكان الحاجة. وقد ذكرنا أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الاشخاص»([3]).
وسلك تلميذه أبو حامد الغزالي مسلكه, في كتابه (شفاء الغليل ص 246) .
وتأثر بالغزالي تلميذه أبو بكر بن العربي في (القبس 2/ 790).
وبعض الفقهاء : كابن نجيم الحنفي والسيوطي [في أشباههما] نقلوا الحاجة من مفهومها الأصولي, إلى القواعد الفقهية, دون تقديم ضوابط.
مما أوهم بعض الباحثين المعاصرين ؛ أنه كلما لاحت لوائح مشقة, أو عرضت حاجة يعلن الإباحة, وكأنه يستند إلى قاعدة قطعية ! [يبحث هذا الأمر في حجية القاعدة الأصولية ومدى الاستدلال بها] تدل على الحكم بلا واسطة, شأن الضرورة الفقهية بمعناها الأخصّ لا فرق بينهما...
ثانيا : (الحاجة الفقهية): هي الملحقة بالضرورة الفقهية, وذلك من باب التوسّع في معنى الضرورة والاضطرار...
وهو كليّ يكون معناه أشد من بعض أفراده...
فمن توسّع أطلق على الحدّ الوسيط (الحاجة) . ومن لم يتوسّع اقتصر على الحدّ الأعلى (الضرورة).
وليس هذا من باب القياس, وإنما هو من باب الدلالة اللفظية.
وهذه الحاجة الفقهية : لا تحدث أثراً مستمرا, ولا حكما دائما بل هي كالضرورة تقدر بقدرها... مثل : بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها مع الأصل... وشرط الاستثناء من المنع... (على شرط قطعه)...
وهذه حاجة فقهية؛ تثبت حكما في محل الاحتياج , وهي شخصية, فلا تجوز لغير المحتاج, ولا تتجاوز محلها..
وهذا ما يفرق الحاجة الفقهية عن الحاجة الأصولية؛ التي لا تثبت حكما مستمرا, ولا يطلب تحققها في آحاد أفرادها؛ فالسلم يجوز للمحتاج وغير المحتاج...
هذا هو الفرق بين الحاجة الاصولية العامة التي تثبت بها الأحكام بالنصّ, أو الاستحسان, والاستصلاح. وبين الحاجة الفقهية الخاصة التي تعتبر توسّعا في معنى الضرورة.
وبذلك ندرك وجود نوعين من الحاجة.
أحدهما: حاجة عامة.
والأخرى: حاجة شخصية .
وحيث إن الحاجة الفقهية ؛ ملحقة بالضرورة, فقد يُختلف في بعض الفروع.
هل تشترط فيها الضرورة القصوى. أو الحاجة؟
مثال:
في مسألة إيجاب بيع الأقوات على من هي عنده وقت الغلاء يختلف في الضرورة التي توجب ذلك.
فعند القرطبي؛ إنما يجب البيع إن خيف بحبسه إتلاف المُهَج [الأنفس] (أي ضرورة).
فإن مسّت الحاجة ولم يكن الخوف المذكور, بل دونه؛ وجب عند ابن رشد؛ فألحقها بالضرورة....
-----------
الإفادة لكل ماتقدم -بتصرف يسير واختصار- من كتاب: صناعة الفتوى وفقه الأقليات . للشيخ العلامة عبدالله بن بيّة. ط1. 1434هـ ص 264- 282.
وفقكم الله.
([1]) تاج العروس للزبيدي 5/ 495. والنقل من المرجع الآتي في آخر المشاركة.
([2]) البرهان في أصول الفقه 2/ 602 . ط د. الديب, و/ط. دار الأنصار القاهرة ص 924
([3]) البرهان في أصول الفقه 2/ 606 . ط د. الديب, و/ط. دار الأنصار القاهرة ص 931.
مقدمة:
تعريف الحاجة لغة:
الحاجة والحائجة : الماربة.
وقيل إن الحاجة تُطلق على نفس الافتقار . وعلى الشيء الذي يفتقر إليه....
وتحوّج إلى الشيء : احتاج إليه وأراده. وجمع الحاجة: حاج. قال الشاعر:
وأُرضعُ حاجةً بلبانِ أُخرى..... كذاك الحاجُ تُرضعُ باللِّبانِ ([1]).
والحاجة في الاصطلاح على ضربين:
1-حاجة عامة قد تنزل منزلة الضرورة (وهي الحاجة الأٌصولية). وسماها بعضهم بالضرورة العامة.
2-حاجة فقهية خاصة: حكمها مؤقّت, تعتبر توسيعا لمعنى الضرورة.
[مع ان مفهوم الحاجة قال فيه إمام الحرمين الجويني في الغياثي 479 يقول: " فإذا تقرر أن المرعي الحاجة؛ فإن الحاجة لفظة مبهمة لا يضبط فيها قول" ؟].
أولاً: الحاجة الأُصولية:
قال إمام الحرمين -رحمه الله- في المعنى الأول: « والضرب الثاني ما يتعلق بالحاجة العامة ولا ينتهي إلى حد الضرورة, وهذا مثل: تصحيح الإجارة؛ فإنها مبنية على [مسيس] الحاجة إلى المساكن مع القصُور عن تملكها, وضنة ملّاكها بها على سبيل العارية, فهذه حاجة ظاهرة غير بالغة مبلغ الضرورة المفروضة في البيع وغيره, ولكن حاجة الجنس قد تبلغ مبلغ [الـ]ـضرورة للشخص الواحد, من حيث إن الكافّة لو منعوا عما تظهر الحاجة فيه للجنس؛ لنال آحاد الجنس ضرار لا محالة, تبلغ مبلغ الضرورة في حق الواحد, وقد يزيد أثر ذلك في الضرر الراجع إلى الجنس ما ينال الآحاد بالنسبة إلى الجنس, وهذا [ما] يتعلق بأحكام الإيالة. والذي ذكرناه مقدار غرضنا الان»([2]).
وقال: « ونحن نرى أن ننبه قبل تبيين القول فيه على أمر؛ وهو أن الإجارة جازت خارجة عن الأقيسة التي سميناها جزيئة في القسم الأول, فإن مقابلة العوض الموجود بالعوض المعدوم خارج عن القياس المرعي في المعاوضات؛ فإن قياسها ألّا يتقابل إلا موجودان, ولكن احتمل ذلك في الإجارة لمكان الحاجة. وقد ذكرنا أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الاشخاص»([3]).
وسلك تلميذه أبو حامد الغزالي مسلكه, في كتابه (شفاء الغليل ص 246) .
وتأثر بالغزالي تلميذه أبو بكر بن العربي في (القبس 2/ 790).
وبعض الفقهاء : كابن نجيم الحنفي والسيوطي [في أشباههما] نقلوا الحاجة من مفهومها الأصولي, إلى القواعد الفقهية, دون تقديم ضوابط.
مما أوهم بعض الباحثين المعاصرين ؛ أنه كلما لاحت لوائح مشقة, أو عرضت حاجة يعلن الإباحة, وكأنه يستند إلى قاعدة قطعية ! [يبحث هذا الأمر في حجية القاعدة الأصولية ومدى الاستدلال بها] تدل على الحكم بلا واسطة, شأن الضرورة الفقهية بمعناها الأخصّ لا فرق بينهما...
ثانيا : (الحاجة الفقهية): هي الملحقة بالضرورة الفقهية, وذلك من باب التوسّع في معنى الضرورة والاضطرار...
وهو كليّ يكون معناه أشد من بعض أفراده...
فمن توسّع أطلق على الحدّ الوسيط (الحاجة) . ومن لم يتوسّع اقتصر على الحدّ الأعلى (الضرورة).
وليس هذا من باب القياس, وإنما هو من باب الدلالة اللفظية.
وهذه الحاجة الفقهية : لا تحدث أثراً مستمرا, ولا حكما دائما بل هي كالضرورة تقدر بقدرها... مثل : بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها مع الأصل... وشرط الاستثناء من المنع... (على شرط قطعه)...
وهذه حاجة فقهية؛ تثبت حكما في محل الاحتياج , وهي شخصية, فلا تجوز لغير المحتاج, ولا تتجاوز محلها..
وهذا ما يفرق الحاجة الفقهية عن الحاجة الأصولية؛ التي لا تثبت حكما مستمرا, ولا يطلب تحققها في آحاد أفرادها؛ فالسلم يجوز للمحتاج وغير المحتاج...
هذا هو الفرق بين الحاجة الاصولية العامة التي تثبت بها الأحكام بالنصّ, أو الاستحسان, والاستصلاح. وبين الحاجة الفقهية الخاصة التي تعتبر توسّعا في معنى الضرورة.
وبذلك ندرك وجود نوعين من الحاجة.
أحدهما: حاجة عامة.
والأخرى: حاجة شخصية .
وحيث إن الحاجة الفقهية ؛ ملحقة بالضرورة, فقد يُختلف في بعض الفروع.
هل تشترط فيها الضرورة القصوى. أو الحاجة؟
مثال:
في مسألة إيجاب بيع الأقوات على من هي عنده وقت الغلاء يختلف في الضرورة التي توجب ذلك.
فعند القرطبي؛ إنما يجب البيع إن خيف بحبسه إتلاف المُهَج [الأنفس] (أي ضرورة).
فإن مسّت الحاجة ولم يكن الخوف المذكور, بل دونه؛ وجب عند ابن رشد؛ فألحقها بالضرورة....
-----------
الإفادة لكل ماتقدم -بتصرف يسير واختصار- من كتاب: صناعة الفتوى وفقه الأقليات . للشيخ العلامة عبدالله بن بيّة. ط1. 1434هـ ص 264- 282.
وفقكم الله.
([1]) تاج العروس للزبيدي 5/ 495. والنقل من المرجع الآتي في آخر المشاركة.
([2]) البرهان في أصول الفقه 2/ 602 . ط د. الديب, و/ط. دار الأنصار القاهرة ص 924
([3]) البرهان في أصول الفقه 2/ 606 . ط د. الديب, و/ط. دار الأنصار القاهرة ص 931.