رد: هل للحاكم المسلم ان يكره النساء على لبس الحجاب ؟
الحمد لله :
حكم الحاكم يرفع الخلافَ فيما تجري فيه الدّعاوى والخصومات فحسب[ أي الأمور التّنظيميّة ] كالحقوق، والجنايات، والحدود،ونحوها.
بخلاف ماله علاقة بالاعتقاد، أوالعبادات المحضة: كالطّهارة، والصّلاة، والصّيام، فحكمُ الحاكم في هذه المسائل غيرُ ملزِمٍ، ولا يرفع الخلاف.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- كما مجموع الفتاوى (3/238-239)-:
"والأمّة إذا تنازعت في معنى آية أو حديث،أو حكم خبريّ أو طلبيّ،لم يكن صحّة أحد القولين وفساد الآخر ثابتاً بمجرّد حكم حاكم،فإنّه إنّما ينفذ حكمه في الأمور المعيّنة [يعني ما تدخله الدّعاوى والخصومات] دون العامّة.
ولو جاز هذا لجاز:
أن يحكم حاكم بأنّ قوله تعالى:{وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] هو الحيض والأطهار ! ويكون هذا حكماً يلزم جميع النّاس قوله.
أو يحكم بأنّ اللّمس في قوله تعالى:{أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ} [النساء:43] هو الوطء، والمباشرة فيما دونه.
أو بأنّ الذي بيده عقدة النكاح هو الزّوج أو الأب والسيّد، وهذا لا يقوله أحد.
وكذلك النّاس إذا تنازعوا في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، فقال: هو استواؤه بنفسه وذاته فوق العرش، ومعنى الاستواء معلوم، ولكن كيفيته مجهولة، وقال قوم: ليس فوق العرش ربّ ولا هناك شيء أصلاً، ولكن معنى الآية: أنه قدر على العرش ونحو ذلك،لم يكن حكم الحاكم لصحّة أحد القولين وفساد الآخر ممّا فيه فائدة..." اهـ
وقال رحمه الله في موضع آخر كما في (27/296):
"الحاكم فيما تنازع فيه علماء المسلمين أو أجمعوا عليه:قوله في ذلك كقول آحاد العلماءإن كان عالمًا،وإن كان مقلدًاكان بمنزلة العامّة المقلّدين.
والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالمًا مجتهدًا عالمًا مجتهدًا، ولو كان الكلام في العلم والدين بالولاية والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحقّ بالكلام في العلم والدّين، وبأن يستفتيه النّاس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين ...
بل هذه يتكلم فيها من علماء المسلمين: من يعلم ما دلت عليه الأدلة الشرعية، والكتاب والسنّة.
فكلّ من كان أعلمَ بالكتاب والسنّة فهو أولى بالكلام فيها من غيره، وإن لم يكن حاكمًا، والحاكم ليس له فيها كلام لكونه حاكمًا، بل إن كان عنده علم تكلم فيها كآحاد العلماء ... ".
حتّى قال رحمه الله:
"الأحكام الكلّية التي يشترك فيها المسلمون سواء كانت مجمعًا عليها،أو متنازعًا فيها،ليس للقضاة الحكم فيها،بلالحاكم العالم كآحاد العلماء يذكر ما عنده من العلم،وإنما يحكم القاضي في أمور معينة"اهـ.
تنبيه :
شاع عند بعض الباحثين تعميم القاعدة : حكم الحاكم يرفع الخلاف.
بل هي مقيده بما سبق اعلاه.