العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح الحلقة الثانية: النادر هل يلحق بجنسه أو بنفسه؟ قاعدة فقهية تطبيقية

إنضم
24 يناير 2013
المشاركات
14
الكنية
الخطاط
التخصص
الشريعة الإسلامية (الفقه وأصوله)
المدينة
كوالا لامبور
المذهب الفقهي
سني
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد التحية والاحترام والتقدير:


إخوتي وأخواتي القراء الكرام، قد سبق أن قلنا في آخر حلقة يوم أمس، (وفي المحاضرة القادمة، سنبدأ تفصيل المباحث الأربعة -مع المبحث الأول الذي هو تعريف النادر- واحدا تلو الآخر بإذن الباري) وهذه هي الحلقة الثانية من سلسلة المسائل النادرة المختلف فيها عند الشافعية وإن كانت مسائل منصوصة في الفقه الإسلامي ككل، وفي كل المذاهب؛ إلا أن بحثنا هذا يركز توضيح اختلاف الشافعية والأوجه الواردة في هذه القاعدة المهمة (النادر هل يلحق بجنسه؟ أو بنفسه؟) مع ذكر الوجه الصحيح أو الأصح المعتمد لدى المذهب، انطلاقا من كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي رحمه الله -كما مر- ونقول وبالله وحده نستعين:-


تــــــــــــــابــــــــــــع:

المبحث الأول:
معنى النادر، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: معنى النادر لغة.
المطلب الثاني: معنى النادر اصطلاحا.

_________________________التفصيل:__________________________________________

المبحث الأول: معنى النادر، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: معنى النادر لغة.
النادِر، بكسر الدال، اسم فاعل من ندر يندر ندرا: سقط وشذّ ومنه النوادر، وأندره غيره، أي أسقطه، ويقال: أندر من الحساب كذا[SUP]([1])[/SUP].
ونوادر الكلام: ما شذ وخرج من الجمهور[SUP]([2])[/SUP]، وأندر: أي أتى بنادر من قول أو فعل[SUP]([3])[/SUP].

المطلب الثاني: معنى النادر اصطلاحا.
واصطلاحا: النادر ما قل وجوده وإن لم يخالف القياس[SUP]([4])[/SUP].
وفي اصطلاح الفقهاء : النادر ما قل وجوده وإن لم يخالف القياس ، فإن خالفه فهو شاذ[SUP]([5])[/SUP].
وفي كتاب المزهر: {قال ابنُ هشام: اعلم أنهم –أي أهل اللغة– يستعملون غالبا وكثيرا ونادرا وقليلا ومطردا فالمطرد لا يتخلف والغالب أكثر الأشياء ولكنه يتخلف والكثير دونه والقليل دون الكثير والنادر أقل من القليل فالعشرون بالنسبة إلى ثلاثة وعشرين غالبُها والخمسة عشر بالنسبة إليها كثير لا غالب والثلاثة قليل والواحد نادر فعلم بهذا مراتبُ ما يُقالُ فيه ذلك}[SUP]([6])[/SUP].
قال الباحث: بعد هذا كله، يتبن لنا أن كل ما قلّ وجود نظيره فهو نادر، إذا لم يخرج مخرج القياس، فإن خرج فهو شاذ، فمثلا إذا قيل: هذا شيء نادر بمعنى قل مثيله ونظيره، وهذا شاذ بمعنى ليس له نظير ولا مثيل.

* * * *​
_________________________________________________________________________


المبحث الثاني:
المسائل التي يعطى النادر حكم جنسه
__________________________________________________________________________

المبحث الثاني: المسائل التي يعطى النادر حكم جنسه:
التوضيح:
فكل هذه المسائل الآتية، يعطى حكم جنس النادر قطعاً، فيكون هذا الشيء النادر القليل كغيره من الشيء الغالب الأعم تماما، ولا فرق بين هذا وذاك في الحكم.

المسألة الأولى: من خُلق له وجهان لم يتميز الزائد منهما، يجب غسلهما قطعاً.
المعنى:
إذا كان هناك إنسان مشوّه، خلقه الله وله وجهان، ولم يتبين لنا الوجه الأصلي والوجه غير الأصلي، وليس كل واحد فاقد الحواس، وهما من جهة واحدة نحو القبلة أو نحو الدبر، فهل يجب غسلهما معا إلحاقا بجنسه، أو يكتفى بأحدهما دون الآخر إلحاقا بنفسه؟.

التطبيق:
فهذه مسألة نادرة الوقوع، وإذا وجد من له وجهان يجب غسل كلا الوجهين عند الوضوء، والجنابة، وغيرهما جزما، فيلحق بجنسه لا بنفسه، قال سليمان البجيرمي الشافعي –رحمه الله–: {تحقيق هذه المسألة أن يقال من خلق له وجهان تارة يكونان أصليين ، والمراد بأصالتهما أن ينزل الولد بهما فإنه يجب غسلهما إن تساويا في جميع الحواس، فإن زاد أحدهما عن الآخر فالعبرة به، وتارة يكون أحدهما أصلياً والآخر زائداً ، والمراد به ما ينبت بعد انفصال الولد، وعلى هذا إما أن يتميز الزائد عن الأصلي أو يتشبه به والمتميز إما أن يكون مسامتاً للأصلي أم لا. فإن سامت وجب غسلهما وإن لم يسامت فالأصلي فقط يجب غسله كما قرره شيخنا}[SUP]([7])[/SUP].
وما حكم الوجهين إذا كان أحدهما من جهة صدره، والآخر من جهة القفا، وهما متساويين من حيث الحواس؟.
وإذا كان أحدهما من جهة قبله ، والآخر من جهة دبره وجب غسل الأول ما لم يكن فاقد الحواس، والثاني فيه ذلك، فالعامل هو الواجب غسله، كذا قاله البجيرمي[SUP]([8])[/SUP].

قال الباحث: ليس في هذه المسألة خلاف بين الفقهاء الشافعية. والله أعلم.

* * * *

المسألة الثانية: من خُلقت بلا بكارة لها حكم الأبكار قطعاً.
المعنى:
إن البنت تخلق –غالبا– ببكارة، فإن خلقت بلا بكارة، وهو شيء نادر، فهل يلحق بحنسها فتكون بكرا، أم يلحق بنفسها فيعتبر –حينئذ- أنها ثيبة؟.

التطبيق:
يلحق المخلوقة بلا بكر بسائر الأبكار؛ فإن الخلقة بلا بكارة مسألة نادرة فيلحق بالأعم الغالب، فتكون المعاملة معها كمعاملة العذراء البكر، من حيث الاستئذان عند التزويج، والمكث عندها سبعا عند الزفاف..إلخ. قال الزركشي: {ينقسم هذا –أي النادر- على أربعة أقسام: أحدها- ما يلحق قطعا، كمن خلقت بلا بكارة داخلة في حكم الأبكار قطعا في الاستئذان في الزواج}[SUP]([9])[/SUP]
قال ابن السبكي: { قال الصيمري : "لو خلقت بلا بكارة فهي بكر"[SUP]([10])[/SUP].
وكذا إذا زالت بكارتها لسقطة وحدة حيض، ووطء في دبرها فهي في ذلك كالبكر لأنها لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة وهي على غباوتها وحيائها[SUP]([11])[/SUP] ، أو وطئت في قبلها ولم تزل بكارتها بأن كانت غوراء كسائر الأبكار.. كذلك إذا زالت بذكر حيوان غير آدمي كقرد مع أن الأوجه أنها كالثيب[SUP]([SUP][12][/SUP][/SUP]).

قال الباحث: إعطاء البنت المخلوقة بلا بكارة حكم البكر هذا إجماع بين أهل العلم، والله أعلم.

* * * *
المسألة الثالثة: من أتت بولد لستة أشهر ولحظتين من الوطء، يلحق به قطعا.
المعنى:
غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر، فإذا وضعت المرأة لستة أشهر ولحظتين من الوطء، هل يلحق هذا الولد بالزوج، أم لا يلحق به، مظنة أنها كانت حاملا قبله؟.

التطبيق:
يلحق به قطعا –كما قطع السيوطي وغيره، مع أن الغالب خلاف ذلك، ولكن يعطى النادر حكم الغالب رحمة بالعباد، وتسترا لهم، وهذا موضع إجماع بين العلماء[SUP]([13])[/SUP].
وأصل هذه المسألة أن عمر –رضي الله عنه– "أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر، فهمّ برجمها، فبلغ ذلك عليا –رضي الله عنه، فقال: ليس عليها رجم، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فأرسل إليه فسأله، فقال:"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ"، وقال: "وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا" فستة أشهر حمله حولين تمام لا حد عليها أو قال: لا رجم عليها، قال: فخلى عنها ثم ولدت)[SUP]([14])[/SUP].
وكذا قاله الإمام العز بن عبد السلام: {إذا أتت بولد لستة أشهر من حين تزوجها فإن الولد يلحقه مع ندرة الولادة بهذه المدة}[SUP]([15])[/SUP].

* * * *​

المسألة الرابعة: من أتت بولد لأربع سنين، يلحق به قطعا.
المعنى:
فهذه المسألة كالتي قبلها، والقاسم المشترك بينهما هو: أن المرأة إذا أتت بستة أشهر أي تقدمت عن وقت الغالب، وهذه تأخرت عن المدة المعتادة.
ومعنى هذه المسألة: غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر، فإذا أتت المرأة لأربع سنين، هل يلحق هذا الولد بالزوج، أم لا يلحق به، مظنة أنه لم يكن منه؟.

التطبيق:
إن المرأة إذا أنجبت الجنين بعد أربع سنوات من حين فارقت الزوج إما بغيبة أو بطلاق لحقه قطعا عند المذهب، مع أن بقاء الولد في بطن أمه أربع سنين نادر جدا ولكن لا نعتبر الغلبة في أمثاله، وأجمع العلماء كلهم على أنها إذا وضعت بعد سنتين من حمله يلحق به، ولكنهم اختلفوا في أقصاه أي أكثر مدة الحمل[SUP]([16])[/SUP].


وإلى هنا انتهى الجزء الأول من القاعدة، فبقي لنا ثلاثة أجزاء.
والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب



* * * *




وهنا: رابط الحلقة السابقة:


https://feqhweb.com/vb/threads/.15799
__________________________________________

وفي الحلقة القادمة، سنبدأ -بإذن الباري- توضيح مبحثين أيضا، وهما:
أ) المسائل التي يعطى النادر حكم نفسه.
ب) المسائل التي يرجح فيها إلحاق النادر بجنسه.

كتبت وقد أيقـنــت يوم كتـــابتي * بأنّ يــدي تفنى ويبقى كتابهــا
فإن عملت خيرا ستجزى بمثله * وإن عملت شرّا عليّ حسابها


الهوامش:

[1] -انظر: الصحاح في اللغة لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، المتوفى: 393هـ، جـ2/825، دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة الرابعة 1407 هـ‍ - 1987 م ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. مادة [ندر].

[2] - انظر: القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، المتوفى: 817هـ، جـ1/480، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة الثامنة، سنة: 1426هـ - 2005م، بتحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، تحت إشراف: محمد نعيم العرقسُوسي.

[3] - راجع: المعجم الوسيطـ، لإبراهيم مصطفى، وآخرين، جـ2/910، دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية، التاريخ (دون).

[4] - انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، لمحمد عبد الرؤوف المناوي، جـ1/689، دار الفكر المعاصر , دار الفكر - بيروت, دمشق، الطبعة الأولى ، 1410هـ، بتحقيق : د. محمد رضوان الداية.

[5] - انظر: التعريفات، لعلي بن محمد بن علي الجرجاني، ص:307، دار الكتاب العربي – بيروت، ط 1، عام: 1405هـ، تحقيق: إبراهيم الأبياري.

[6] - المزهر في علوم اللغة وأنواعها لجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، جـ2/186، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى ، 1998، بتحقيق : فؤاد علي منصور.

[7] - انظر: تحفة الحبيب على شرح الخطيب، المعروف بـ (البجيرمي على الخطيب)، سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي، جـ1/212، دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان، طـ: 1، عام: 1417هـ -1996م.
مسامتا أي شاملا للأصلي والمشتبه والزائد الغير المشتبه، وعلى سننه ومحاذاته ، نفس المصدر بتصرف.

[8] - المصدر السابق، نفس الصفحة.

[9] - المنثور في القواعد، للزركشي، جـ3/243.

[10] - الأشباه والنظائر للسبكي، جـ2/295.

[11] - حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين، لأبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، جـ3/309، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، تاريخ: (دون).

[12] - انظر: الاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، للعلامة محمد الشربيني الخطيب المتوفى: 977هـ، جـ2/416، دار الفكر، عام: 1415هـ، تحقيق مكتب البحوث والدراسات للدار.

[13] - انظر تطبيق المسألة الرابعة من هذا المبحث.

[14] - السنن الكبرى ، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، المتوفى: 458هـ، جـ7/442، مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند، الطبعة الأولى: 1344هـ، وفي ذيله: الجوهر النقي لعلاء الدين علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني.

[15] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لأبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي، الملقب ب(سلطان العلماء)، المتوفى :660هـ، جـ2/104، دار المعارف بيروت – لبنان، تحقيق: محمود بن التلاميد الشنقيطي.

[16] - اتفق العلماء –رحمهم الله– على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر -كما نبه الباحث في تطبيق المسألة الثالثة من هذا المبحث-، واختلفوا في أكثر مدته، أي مدة تأخر الجنين في الحمل، ويلحق الولد بالزوج فذهب أبو حنيفة إلى أن أكثر مدة الحمل سنتان فقط، وأما الشافعي وأحمد ذهبا إلى أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، وعند مالك خمس سنين، وقال عباد بن العوام: خمس سنين، وقال الزهري: قد تحمل المرأة ست سنين، وسبع سنين وقال أبو عبيد: ليس لأقصاه وقت يوقف عليه. المغنى لابن قدامة، جـ9/117، وكلها روايات عن الإمام مالك كما قال القرافي في الفروق، جـ6/133. المبسوط لشمس الدين السرخي، جـ13/270، روضة الطالبين للنووي، جـ8/377، مطالب أولي النهى لمصطفى الرحيباني، جـ5/561.
 

المرفقات

  • إلهى لا تعذبني.jpg
    إلهى لا تعذبني.jpg
    38.9 KB · المشاهدات: 0
أعلى