العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دليل النوادر الفقهية

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
دليل النوادر الفقهية
سبر المُدوَّنات الفقهية ونخل فوائدها ، من الطرائق المتينة في استجلاب العلوم والمعارف الشاردة . وتُعدُّ النوادر الفقهية من أهمِّ الذخائر في المُدوَّنات الفقهية ، ومن المعالم التي يعتزُّ بها التراث الفقهي الاسلامي .

والمقصود بالنوادر الفقهية : الحكايات والأخبار الفقهية وما اتصل بها ، وكُّل ما خرج عن المألوف منها وبعث على الدهشة والاستنكار ، سواء في المسائل أو الدلائل .

ومن الأخطاء الشائعة في العصر الحاضر استجلاب النوادر الفقهية وقصرها على الاستغراب أو الاستظراف أو الابتذال .

والنوادر الفقهية في السنة النبوية أو في المُدوَّنات الفقهية أو في مصنفات التراجم ، مكنزٌ عظيم لم يُوفَّ حقَّه من المطالعين والعاكفين على التراث الاسلامي .

ومن أمثلة النوادر الفقهية :
أ- زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة(ت: 58هـ ) رضي الله عنها ، وهي بنت تسع سنين .

ب- قول الشافعي ( ت: 204هـ) رحمه الله تعالى :" رأيتُ بصنعاء جَدَّه بنت إحدى وعشرين سنة "

ج- موسى بن عبد الله بن الحسن القرشي(ت: 180هـ) ولدته أُمُّه ، وعمرها ستون سنة .

والعرب تقول : لا تحمل لستين سنة إلا قرشية ، ولا تحمل لخمسين سنة إلا عربية .

د - أراد عمر (ت: 23هـ ) رضي الله عنه رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر، فقال له عليُّ (ت: 40هـ ) رضي الله عنه : إن الله تعالى يقول : "وحمله وفصالُه ثلاثون شهرا" ( الأحقاف: 15) وقال تعالى : "وفِصالهُ في عامين"( لقمان: 4 ) . فالحمل ستة أشهر، والفِصال في عامين. فترك عمر رجمها وقال :" لولا عليُّ لهلك عمر ".

هـ- دفنُ ميِّتٍ – في أرض الحرمين – قبل أيام في المقبرة ، ودفن سيارته بجواره ! ، لتعلُّق بعض جثمانه فيها .

هذه الأمثلة المختصرة للنوادر الفقهية، تحمل في ثناياها أحكاماً وأصولاً ، ويمكن الافادة منها للمتفقِّه والمتأمِّل للتراث الفقهي .بل إن المُتيَّم بقرآءة التراث الفقهي يستطيع أن يجعل هذه النوادر وغيرها من النوادر الفقهية ، نواةً للبحث الفقهي أو البحث الأصولي أو البحث اللُّغوي المقيد بالشرع .

ولهذا كان العلماء قديماً يسبرون الوقائع والقصص النبوي ، ويستخرجون منها النوادر والضوابط الشرعية التي تُعين الطلبة على فهم المسائل الشرعية . كالامام أحمد بن أبي أحمد الطبري (ت: 335هـ ) رحمه الله تعالى ،المعروف بابن القاصَّ الفقيه الشافعي ، حين انكبَّ على نوادر الفوائد من حديث أنس رضي الله عنه : " يا أبا عُمير ما فعل النُّغير " .أخرجه الشيخان .

لو تأمل المُتيَّم بالفقه الاسلامي كثيراً من صفحات التاريخ والسنة ،لتيقن أن كثيراً من القواعد والأصول ولدت في رحم تلك الصفحات . وعلى سبيل المثال قِطعة من قصة الافك الشهيرة : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبريرة : هل علمتِ على عائشة شيئاً يُريبكِ ، أو رأيتِ شيئاً تكرهينه ؟ " . أخرجه الشيخان .

لو قيل لِمُتوسِّمٍ من المتوسِّمين في العلم ، إنَّ هذا النص الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبريرة ، استدل به العلماء على جواز تعديل المرأة للراوي ، لقال إنه احتمال راجح مع احتمال الخطأ ! ، لكن الصحيح خلاف ما قال من رأى الاحتمال ، والعلماء فرَّقوا بين حال المرأة في الروايات وحالها في الشهادات .

• وهذه بعض الوسائل الحاصرة للافادة من النوادر الفقهية :
1- قنص الفرص والمواسم لاستخراج النوادر منها ، واستنباط التكيِّيفات الفقهية من مسائلها ، وإذا كانت العامة تقول :ضياع الفرصة غُصَّة ! ، فكيف بغيرهم ؟! ، وقد كان عبد الله بن مسعود(ت: 32هـ) رضي الله عنه يبكي إذا أصابه المرض ويقول :" إنِّي لا أبكي لأجل المرض ، وإنما أبكي لأنه أصابني في حال فترةٍ ، ولم يصبني في حال اجتهاد " .


2- دراسة مسالك التوقُّع كالحدس والفراسة ومعاني القرائن الشرعية وقياس الشَّبه، ومطالعة أحكام الغالب والنادر، والنظر في قرائن الحال ومآلات الأفعال . ولهذا فرَّق الفقهاء بين عورة النظر وعورة الصلاة ، وقعدوا أنَّه لا علاقة بين عورة النظر وعورة الصلاة لا طرداً ولا عكساً . ومن القواعد الفقهية المفيدة في هذا الباب : أن حُكم القضاء لا يستلزم أن يُطابق حكم الديانة .


3- ادمان النظر في مُدوَّنات الأصول ، ففيها من تقريب النوادر ما يُرغِّب الطالبين في معرفة لطائف الأحكام والتخريجات ، وانظر إلى فِطنة العلماء في تأمُّلهم لنوم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، حين كانوا ينامون قعوداً ينتظرون الصلاة ، وهذا الفعل منهم جِبلِّي ، لكن لتعلُّق الفِعل بأمر تكليفي احتج العلماءُ بصحة الفعل ، لاقرار الرسول صلى الله عليه وسلَّم على فِعلهم ، والاقرار النبويُّ حجة شرعية كما بيَّن الأصوليون .


4- مطالعة تفاسير الرؤى المنامية لمعرفة رموز الأحداث ومعانيها من المعبِّرين الثقات ، وحشد معانيها لتقوية الأدلة المساندة ، ومن خلالها يُمكن معرفة كثيٍر من النوادر المطوية . قال الشعبي(ت: 103هـ ) رحمه الله تعالى : " رأيتُ في النوم كأن رجالاً نزلوا من السماء معهم حِراب يتتبعون قتلة الحسين (ت: 61هـ ) رضي الله عنه، فما لبثتُ أن نزل المختار الثقفي (ت: 67هـ ) فقتلهم ". أخرجه الطبراني في الكبير باسناد حسن .

5- النظر في المصنفات المعنيَّة بمعرفة الأوائل والأواخر ، ففيها من النوادر ما يُسلي الفؤاد الحزين ، ويُجلي العِلم الدفين . وكثير من المخترعات العصرية لم تظهر إلا بعد النظر في القرون الماضية والتفكُّر في أوائلها وأواخرها .فلن تظهر نوادر الأوآخر إلا بعد التأمُّل في أحوال الأوائل . وأهل العلم تواضعوا على مقولة : التكريس بعد التأسيس .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
 
أعلى