العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دلائل وإشارات من فضيحة لحوم الخيل في أوروبا

إنضم
26 فبراير 2010
المشاركات
596
الكنية
أبو الفضل
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
الخليل
المذهب الفقهي
فقه مقارن
دلائل وإشارات من فضيحة لحوم الخيل في أوروبا
أ.د.حسام الدين عفانة
يقول السائل:ما تعليقكم على فضيحة لحوم الخيول في أوروبا،حيث انطوت على الغش والتدليس على جمهور المستهلكين،وما الذي يمنع أن تشمل اللحوم المستوردة على لحومٍ محرمة في شريعتنا،أفيدونا؟
الجواب:لحومُ الخيل مباحةٌ في شريعتنا على الراجح من أقوال أهل العلم،حيث يرى جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة وهو قول للمالكية أن الخيل مباحٌ أكلُها.ويرى الحنفية في الراجح عندهم وهو قول ثان للمالكية أن أكلها حلالٌ مع الكراهة التنزيهية،وبه قال الأوزاعي وأبو عبيد،وفي رواية عن أبي حنيفة مع الكراهة التحريمية ونحوه قول للمالكية أيضاً،قال الإمام النووي:[اختلف العلماء فى إباحة لحوم الخيل،فمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه مباحٌ لا كراهة فيه،وبه قال عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن سليمان وأحمد واسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وداود وجماهير المحدثين وغيرهم،وكرهها طائفة منهم ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة،قال أبو حنيفة:يأثم بأكله ولا يُسمَّى حراماً]شرح النووي على صحيح مسلم13/95.وانظر المغني11/66،بداية المجتهد1/379،المجموع 9/4،الموسوعة الفقهية الكويتية5/138.
ومما يدل على حل أكل لحوم الخيل ما ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال:(
نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية،ورخَّص في الخيل)رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى قال جابر رضي الله عنه:(
أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل،ونهانا عن لحوم الحمر)رواه النسائي والترمذي وقال:هذا حديث حسن صحيح.
وفي رواية أخرى:(
أكلنا زمن خيبر الخيلَ وحُمرَ الوحش،ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي)رواه مسلم.
وعنه أيضاً قال:
(سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا نأكل لحم الخيل ونشرب ألبانها)رواه الدارقطني والبيهقي،قال الإمام النووي:إسناد صحيح،المجموع 9/5.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:
(نحَرْنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه)رواه البخاري ومسلم.
وقد بيَّن الإمام النووي ضعفَ الحديثَ الوارد في النهي عن لحوم الخيل فقال:[عن خالد بن الوليد قال:(
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير،وكل ذي نابٍ من السباع)رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية تقية بن الوليد...واتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم على أنه حديثٌ ضعيفٌ،وقال بعضهم هو منسوخٌ،روى الدارقطني والبيهقي بإسنادهما عن موسى بن هارون الحمَّال الحافظ قال:هذا حديثٌ ضعيفٌ...وقال البخاري هذا الحديث فيه نظر،وقال البيهقي:هذا إسنادٌ مضطربٌ ومع اضطرابه هو مخالفٌ لأحاديث الثقات،يعنى في إباحة لحم الخيل.وقال الخطابى في إسناده نظر...وقال أبو داود هذا الحديث منسوخ،وقال النسائي حديثُ الإباحة أصح،قال:ويشبه إن كان هذا صحيحاً أن يكون منسوخاً،لأن قوله في الحديث الصحيح أذن في لحوم الخيل،دليلٌ على ذلك.قال النسائي ولا أعلم رواه غير تقية]المجموع9/4-5.
وقد صحح العلامة الألباني أحاديث إباحة أكل لحم الخيل في السلسلة الصحيحة1/358.كما أنه ضعَّفَ ما ورد في تحريمه في السلسلة الضعيفة3/148.
إذا تقرر أن أكل لحوم الخيل مباحٌ،فليست المشكلة في أكلها،ولكن الإشكال في فضيحة لحوم الخيل في أوروبا يظهر من عدة وجوه:
الأول:الغشُ والتدليسُ الذي حصل،حيث بيعت لحومُ الخيل على أنها لحومٌ بقرية،وفرقٌ كبيرٌ عند المستهلكين بين الصنفين،كما أن بعض الشعوب لا تتناول لحوم الخيل!وهذا الغش يؤكد على ضرورة وجود مراقبةٍ دقيقةٍ على اللحوم المستوردة بمختلف أنواعها.
الثاني:ما دام الغش موجوداً في صناعة اللحوم الأوربية وغيرها،فما الذي يمنع من إدخال لحوم الخنزير في هذه اللحوم؟وقد ذكرت بعض وسائل الإعلام الأوربية وجود شك في وجود لحوم خنازير في بعض منتجات اللحوم الأخرى،والعجيب في ثقافة الأوربيين أن بيع لحوم الخيل فضيحة،وأما بيع لحوم الخنزير القذرة فليست فضيحة!
الثالث:ثبت من خلال الفحوصات المخبرية التي أجريت في عددٍ من الدول الأوربية،اشتمال لحوم الخيل على مواد ضارة بالإنسان،بل مواد مسرطنة حيث[كشفت تحاليل أُجريت على لحوم ثمانية خيول عثر عليها مذبوحة في بريطانيا عن وجود مادة"فينيلبيوتازون"المسكنة للألم.ويُعتقد أن ستةً من تلك الخيول قد دخلت السوق الفرنسية،حسب ما نقلته وكالة معايير سلامة الاغذية البريطانية]ونقلت صحيفة ''الاقتصادية'' عن عضو إحدى جمعيات حماية المستهلك في بريطانيا قوله:إن المشكلة لا تكمن في استهلاك لحوم الخيول،لأن 37%من المنتجات في بريطانيا تضم لحم الخيل بين مكوناتها،فلحوم الخيول صالحة للاستهلاك الآدمي،لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن الخيول تتناول عقار"الفنيلبوتازون"المضاد للالتهابات التي تُصاب بها الخيول،والحيوانات التي تتناول هذا العقار للعلاج لا يسمح بدخولها السلسلة الغذائية للإنسان،هنا مكمن الخطر،فهذا العقار يصيب البشر بمرض السرطان،والمحظور استخدامه في سلسلة الطعام البشري.
الرابع:طريقة الذبح،فمن المعلوم أن الذكاة الشرعية(الذبح على الطريقة الإسلامية)فريضةٌ شرعيةٌ لا يحل الحيوان الذي اشتُرطت فيه التذكيةُ إلا بها،بلا خلافٍ بين العلماء؛يقول الله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}سورة المائدة الآية 3،وما لم يُذَكَ فهو ميتة،ولقوله تعالى:{وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}سورة الأنعام الآية121،ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ما أنهر الدمَ وذُكر اسمُ الله عليه فكلوا)رواه البخاري.ويجب أن يُعلم[أن قضية الذبح ليست من القضايا العادية التي لا تتقيد بأحكام مثل طرائق الطبخ،وإنما هي من الأمور التعبدية التي تخضع لأحكام مشروعة في الكتاب والسنة،بل هي من شعائر الدين وعلاماته التي تميز المسلم من غيره،حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا،وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم،الذي له ذمةُ الله ورسوله)رواه البخاري]مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد العاشر.
فالذكاة الشرعية سببٌ لإباحة أكل لحم الحيوان المباح،والذي من شأنه أن يُذكى،ومن المعروف أن الطرق الغربية في الذبح لا تتفق مع الذكاة الشرعية،ففي الغرب يستعملون الصعق الكهربائي والوقذ والخنق والذبح الآلي ونحوها من الطرق المحرمة شرعاً،التي تجعل الذبيحة محرمةً حتى لو كان الحيوان أصلاً من الحيوانات المباحة.ولا بدَّ من التذكير بأن الأصل في اللحوم وذبائح الحيوانات المأكولة اللحم هو التحريم،ما لم تتحقق شروط الإباحة وحتى يغلب على الظن الجواز،كما هو قول جماهير الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم.
قال الخطابي:[البهيمةُ أصلها على التحريم حتى نتيقن وقوع الذكاة؛فهي لا تُستباح بالأمر المشكوك]معالم السنن4/282.
وقال ابن العربي المالكي:[قال علماؤنا:الأصل في الحيوان التحريم،لا يحل إلا بالذكاة والصيد؛فإذا ورد الشكُّ في الصائد والذابح بقي على أصل التحريم]أحكام القرآن2/35.
وقال الإمام الشاطبي:[ والحيوانات الأصلُ في أكلها المنعُ حتى تحصل الذكاة المشروعة]الموافقات1/401.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[الأصل الحظر،والحلُ موقوفٌ على شرط وهو التذكية مِن هو مِن أهل الذكاة أو صيده]المغني13/18.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:[اللحوم قبل التذكية حرام،فلا تُباح إلا بما أباحه الله من التذكية]الفتاوى الكبرى3/314.
وقال العلامة ابن القيم:[إن باب الذبائح على التحريم إلا ما أباحه الله ورسوله،فلو قدِّرَ تعارض دليلي الحظر والإباحة،لكان العملُ بدليل الحظر أولى لثلاثة أوجه:أحدها:تأييده الأصل الحاظر.الثاني:أنه أحوط.الثالث:أن الدليلين إذا تعارضا تساقطا ورجعا إلى أصل التحريم]أحكام أهل الذمة 1/538-539.
وقال الشيخ محمد العثيمين:[الأصل في الذبائح والذكاة التحريم حتى نعلم كيف وقع الذبح،وكيف وقعت الذكاة،وذلك لأن من شروط الحل أنه ذُكي أو ذُبح على وجه شرعي]فتاوى الصيد ص26-27.
الخامس:إن الشبهات والشكوك ليست قاصرةً على منتجات اللحوم المستوردة من الدول الغربية،بل تتعداها إلى منتجاتٍ غذائية كالحلويات والشوكلاتة والعصيرات ونحوها،ومنتجات غير غذائية كالأدوية ومواد التجميل ونحوها،لاشتمالها على مواد مضافة متنوعة،كالمواد الحافظة والمثبتة والملونة الطبيعية والصناعية،ومضادات الأكسدة وغيرها،وكثيرٌ من المصانع المنتجة للأطعمة والأشربة المصنعة لا تُفصح دائماً عن حقيقة المواد المضافة في منتجاتها،فمثلاً يذكرون الدهن الحيواني ولا يذكرون أنه من دهون الخنزير أو من الأبقار مثلاً،ويذكرون الجيلاتين،ولا يبينون هل هو جيلاتين نباتي أو حيواني؟وعددُ هذه المواد كبيرٌ جداً مما يجعل معرفة حقيقة هذه المواد المضافة ومصدرها أمراً صعباً للغاية،فمنها ما هو مأخوذٌ من مصادر محرمة شرعاً كالجلاتين الخنزيري،ومنها ما هو مصنوعٌ من مواد مجهولة للمستهلك،وكثيرٌ من هذه المواد المضافة صدرت تحذيراتٌ من جهاتٍ علميةٍ وصحيةٍ بأن لها أضراراً على صحة الإنسان،والمواد المضافة موجودة في أعداد كبير من المنتجات الغذائية والمشروبات المختلفة والأدوية الموجودة في الأسواق.
وخلاصة الأمر أن لحوم الخيل مباحةٌ في شريعتنا على الراجح من أقوال أهل العلم،وقد دلت أدلةٌ كثيرةٌ على إباحتها،وأن المشكلة في فضيحة لحوم الخيل في أوروبا أنها انطوت على الغش والتدليس بدافع الربح المادي،حتى لو لحق الضرر بالمستهلكين حيث ثبت من خلال الفحوصات المخبرية اشتمال لحوم الخيل على مواد ضارة بالإنسان،بل مواد مسرطنة،وهذه ثمرةٌ من ثمار إفلاس الحضارة الغربية الرأسمالية،وأن العجيب في ثقافة الأوربيين أن بيع لحوم الخيل فضيحةٌ،وأما بيع لحوم الخنزير القذرة فليست فضيحة!!وأن من الإشكالات على اللحوم في العالم الغربي طريقةُ ذبحها التي لا تتفق مع الذكاة الشرعية،ففي الغرب يستعملون الصعق الكهربائي والوقذ والخنق والذبح اللآلي ونحوها من الطرق المحرمة شرعاً.وأن الأصل المقرر شرعاً في اللحوم وذبائح الحيوانات المأكولة اللحم هو التحريم،ما لم تتحقق شروط الإباحة.
وأن الشبهات والشكوك ليست قاصرةً على منتجات اللحوم المستوردة من الدول الغربية،بل تتعداها إلى منتجاتٍ غذائية وغير غذائية،لاشتمالها على مواد مضافة،مجهولة المصدر أو محرمة شرعاً-. والله الهادي إلى سواء السبيل
 
أعلى