رد: زواج القاصرات بين الدين والعادات
لا حرج من تحديد الحد الأدنى للزواج كأن يكون 19 عاما كما هو معمول به في كثير من قواني الأسرة العربية، وهو سن البلوغ من الناحية القانونية، وسن تحمل المسؤولية
المقصود من تشريع القانون منع نكاح القاصرات في العرف الشرعي لا القانوني ، وهي التي لا تطيق مع عجز في العقل كجنون وسفه متى أضر بها النكاح، أما أن يأتي على بنتِ سبعة عشر سنة ويمنعها من زواج كفءٍ لها ، لأن بنت خمس سنين تتضرر من النكاح، فالظاهر أنه لا يجوز لأنه تفويت مصلحة وولي الأمر مأمور بتحصليها ، بل الحكم على فعله بالصحة والبطلان منوط بتحصيل المصلحة ودرء المفسدة.
ولو حصل هذا من أبيها لجاز للبنت أن تشتكي عليه وترفع ولايته عنها للتزوج ، فكيف نجيزه للحاكم .
بل هذا عضل.
وهذا المط مما يخوف من التقنين المدني، أحياناً يشعر الإنسان بالندم على تسليط يد المقننين.
للمرأة في هذا الزمان واجب وحق الدراسة، وبدونها مفسدة عظيمة في زمن العلم، وهذا لا يتأتى مع زواجها قبل هذا السن، أما بعده فيمكنها أن تجمع بينه وبين العلم إذ ستكون في الجامعة بشرط موافقة الزوج على ذلك ووفائه لما شرط
الدراسة النظامية ليست واجباً ، وإطلاق الوجوب هنا مجرد شعار ، وما كان هذا حاله فلا تأثير له في الحكم الشرعي.
وكان المقصود بالموضوع رفع يد الأولياء عن القاصرات المتقدم ذكرهن فقط.
لا تسليط يد المقنن على تضييع مصالح غير القاصرات.
وأخيراً لا بُد من مراعاة حقوق البنات في البوادي وفي القرى وغير المتعلمات والبنات المتعلمات اللاتي لا يرغبن في الإستمرار في الدراسات العليا ، والبنات المتعلمات إذا استشعرن في أنفسهن عدم التفوق في الدراسة النظامية واللاتي يشعرن أنه لا يتحقق بدراستها شيء يذكر لأي سبب كان، بل وحتى المتعلمات المتفوقات اللاتي لا يرين تعارضاً بين النكاح والتعليم ، بل حتى لو رغبت بترك التعليم النظامي لغير سبب إلا للرغبة في النكاح ، فإن نفس النكاح مصلحة.
فلا يترك من أجل المتعلمات اللاتي يرغبن في التعلم ويرين في النكاح تعارضاً معه ، إذ يسهل على هذه أن تمتنع عن النكاح فقط. فما الداعي للإضرار بجميع من تقدم؟
فما دامت البنت عاقلة رشيدة ـ ولا يحدد هذا القانون لأن الكلام في الرشد الحقيقي لا في سن الرشد القانوني ـ لم يجز لأحد أن يمنعها من الإختيار إلا الولي المجبر عند من يرَ له الإجبار.
أما سن البلوغ من الناحية القانونية فلا تأثير له ، لو أن بنت قالت : لن أصلي لأني لا زلت بنت ثمانية عشر سنة ، مش بالغة لسة حتى اسألوا المحامي.
لاستحقت الإيجاع ضرباً.
والسن التي تبلغ فيها المرأة تتحمل فيه المسؤولية بقدر طاقتها وقدرته البدنية والعقلية.
لكن فيما يتعلق بالقدرة البدنية والعقلية يرجع فيه اللعرف العام.
مع علمي بأن سن تسعة عشرة سنة لم يوضع هنا إلا مثالاً ، فإني أردت التنبيه على أن المقنن وضيفته في هذا الموضوع خاصة دفع الضرر لا تحصيل المصالح ، لأن ترك المصالح المعينة إن لم يحصل معه ضرر حق من حقوق الناس.
فلو كان في سفرة ما مصلحة لي ، لكن لم يكن في تركه مضرة ، لم يجز لأحد أن يجبرني عليه.
وأنا أتصور أنه لا توجد بنت بلغت الستة عشر والسبعة عشر ترفض النكاح إلا أن يكون لسبب لا تعلق له بالسن ، فإن وجدت فقليل.
والله أعلم