العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مقصد الاجتماع وأثره في الترجيح الفقهي عند شيخ الاسلام ابن تيمية

إنضم
4 مارس 2009
المشاركات
35
التخصص
شريعة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلى
مقصد الِاجْتِمَاعِ و أَثَرُه في الترجيح الفقهي عند شيخ الإسلام ابْن تَيْمِيَّة
أحمد عبد المجيد مكى – باحث دكتوراه فى مقاصد الشريعة
كاد الفُقهاء يقطعون بأنَّ التأكيد على مقصدالاجْتِماع والائْتِلاف ونَبْذِ التفرق والاختلافِ كان دَيدن النبي - صلى الله عليه وسلم - عَبَّرَ عن ذلك الإمام الشوكاني (المتوفى سنة 1250هـ) بقوله:" وقد كان ديدنه - صلى الله عليه وسلم - وهِجِّيرَاه - أي: دأبه وعادته -الإرشاد إلى التيسير دون التعسير، وإلى التبشير دون التنفير، فكان يقول: ((يسِّروا ولا تُعسروا، وبشِّروا ولا تنفروا))، وكان - صلى الله عليه وسلم - يُرشد إلى الأُلفة واجتماع الأمر، ويُنفِّر عن الفُرقة والاختلاف؛ لما في الألفة والاجتماع من الجلب للمصالح والدفع للمفاسد، وفي الفُرقة والاختلاف من عكس ذلك"؛،« أَدَب الطَّلَب و مُنْتَهَى الْأَربِ » (ص :188) .
وقد كان لهذا المقصد حضور بارز عند تقرير الراجح من الأحكام، تستطيع أَنْ تقف على هذا بسهولة ويُسر من ترجيحات الأئمة الراسخين في العلم.
-ويُعَدُّ شيخ الإسلام ابن تيمية ) المتوفى سنة728هـ (صاحب القِدْح المُعَلَّى والنَّصيب الأوفى في تقرير هذا المقصد قولاً وعملاً، تطبيقًا وتنظيرًا، وسأقف في هذه الدراسة المختصرة على بعض الأمثلة مِنْ مجموع فتاواه - رحمه الله -
- وسبب اختياري لفقه شيخ الإسلام على وجه الخصوص دون غيره، أَنَّه من أكثر الفقهاء إعمالاً لهذا المقصد في سلوكه وتعامله مع الموافق والمخالف بصفة عامة، وفي الفروع الفقهية بصفة خاصة، يظهر هذا من تعبيراته:
-فهو يرى أَنَّ هذا المقصد من أعظم أصول الإسلام، فيقول: "وهذا الأصل العظيم، وهو الاعتصام بحبل الله جميعًا وألاَّ نتفرق - هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمُّه لمن ترَكَه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي- صلى الله عليه وسلم - في مواطن عامة وخاصة"؛ (مجموعالفتاوى (22/ 359).
- ويرى - رحمه الله - أَنَّ الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين، والفرع المتنازع فيه غالبًا ما يكون مِن الفروع الخفيَّة، فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع ؟! فيقول: "فمن شفع الإقامة -أي: للصلاة -فقد أحسن، ومن أفردها فقد أحسن، ومن أوجب هذا دون هذا، فهو مخطئ ضال، ومن والى من يفعل هذا دون هذا بمجرد ذلك، فهو مخطئ ضال، وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرةُ التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها، وكل هذا من التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعين الظن وما تهوى الأنفس المتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله - مستحقُّون للذم والعقاب،وهذا باب واسع لا تحتمل هذه الفتيا لبسطه؛ فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين، والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية، فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع؟!"؛ (مجموع الفتاوى (22/ 254).
-كما يرى أَنَّ أهل هذا الأصل هم أحق الناس بِمُسَمَّى الجماعة، فيقول: "وتعلمون أَنَّ مِنالقواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البَين؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: 1]، ويقول: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَاتَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، ويقول: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105]، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف، وتنهى عن الفُرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة، كما أَنَّ الخارجين عنه هم أهل الفُرقة؛ (مجموع الفتاوى (28/ 51).
- وكان- رحمه الله - يُصْلِحُ بَيْنَ المختلفين حتى وإِنْ كان بعضهم من المخالفين له، فيقول: "والناس يعلمون أَنَّه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفًا لقلوب المسلمين، وطلبًا لاتفاق كلمتهم، واتِّباعًا لما أُمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلتُ عامة ما كان في النفوس من الوحشة"؛ (مجموع الفتاوى (3/ 227).
- ومِنْ حُسْنِ خُلُقِه، وسلامة صدره، وصفاء نفسه أنه كان يُسامح مَنْ أخطأ في حقِّه وتسبب في أذاه، فيقول: "وأول ما أبدأ به من هذا الأصل: ما يتعلق بي، فتعلمون - رضي الله عنكم - أني لا أحب أن يُؤذى أحدٌ من عموم المسلمين - فضلاً عن أصحابنا - بشيء أصلاً، لا باطنًا ولا ظاهرًا، ولا عندي عَتب على أحد منهم، ولا لوم أصلاً، بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان، كلٌّ بحسبه، ولايخلو الرجل: إما أن يكون مجتهدًا مُصيبًا، أو مخطئًا، أو مذنبًا، فالأول: مأجور مشكور، والثاني: مع أجره على الاجتهاد، فمعفو عنه مغفور له، والثالث: فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين"؛ (مجموع الفتاوى (28/ 52).
-بل ويذهب - رحمه الله - إلى أبعد مِنْ هذا، فيلوم اتباعه ومحبيه على استعمالهم بعض الكلمات التي فيها مذمة لمخالفيه، فيقول: "فإني لا أسامح من آذاهم - أي: آذى مخالفيه - مِنْ هذا الباب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل مثل هذا يعود على قائله بالملام... وقد عفا الله عما سلف" (مجموع الفتاوى (28/ 52).
-ويرى - رحمه الله - أَنَّ النقد البنَّاء إِنَّمَا هو لصالح المؤمنين، وأَنَّ النقد لا يُغير من قدر المُنتَقَدِ شيئًا، بل يرتفع ذكره ويعلو قدره بعد النقد، فيقول في نفس الموضع السابق: "وتعلمون أيضًا: أَنَّ ما يجري من نوع تغليظ أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان، فليس ذلك غضاضة ولا نقصًا في حق صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغيُّر منَّا ولا بغض، بل هو - بعدما عومل به من التغليظ والتخشين - أرفع قدرًا وأنبه ذكرًا وأحب وأعظم، وإِنَّمَا هذه الأمور هي من مصالح المؤمنين التي يُصلِح الله بها بعضهم ببعض؛ فإن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى".
-ويلتمس - رحمه الله - العُذر للمخالفين في الفروع الفقهية بأنهم ما اختاروا ذلك الرأي إلا لمناسبته لحالهم، فيقول: "فهذه الأمور وإن كان أحدها أرجح من الآخر، فمن فعل المرجوح فقد فعل جائزًا، وقد يكون فعل المرجوح أرجح للمصلحة الراجحة، كما يكون ترك الراجح أرجح أحيانًا لمصلحة راجحة، وهذا واقع في عامة الأعمال... وقد يكون العمل المفضول أفضل بحسب حال الشخص المُعيَّن؛ لكونه عاجزًا عن الأفضل، أو لكون محبته ورغبته واهتمامه وانتفاعه بالمفضول أكثر، فيكون أفضل في حقه؛ لما يقترن به من مزيد عمله وحبه وإرادته وانتفاعه، كما أن المريض ينتفع بالدواء الذي يشتهيه ما لا ينتفع بما لا يشتهيه، وإن كان جنس ذلك أفضل، ومن هذا الباب صار الذكر لبعض الناس في بعض الأوقات خيرًا من القراءة، والقراءة لبعضهم في بعض الأوقات خيرًا من الصلاة، وأمثال ذلك؛ لكمال انتفاعه به، لا لأنه في جنسه أفضل"؛ (مجموع الفتاوى(24/ 198).
-كما يقرر أَنَّ فعل المرجوح إنما هو رحمة من الله لهذه الأمة، وأَنَّ إلزام الناس برأي واحد - وإِنْ كان راجحًا - على الدوام و في كل حال إِنَّمَا هو من الآصار والأغلال التي وضعها الله عن هذه الأمَّة، فيقول: "إن في ذلك وضعًا لكثير من الآصار والأغلال التي وضعها الشيطان على الأمَّة بلا كتاب من الله ولا أثارة من علم، فإن مداومة الإنسان على أمر جائز مرجحًا له على غيره ترجيحًا يحب من يوافقه عليه، ولايحب من لم يوافقه عليه، بل ربما أبغضه بحيث ينكر عليه تركه له، ويكون ذلك سببًا لترك حقوق له و عليه، يوجب أن ذلك يصير إصرًا عليه، لا يمكنه تركه، وغلاًّ في عنقه يمنعه أن يفعل بعض ما أُمر به، وقد يوقعه في بعض ما نُهي عنه، وهذا القدر الذي قد ذكرته واقع كثيرًا، فإن مبدأ المداومة على ذلك يورث اعتقادًا ومحبة غير مشروعين، ثم يخرج إلى المدح و الذم و الأمر والنهي بغير حق، ثم يخرج ذلك إلى نوع من الموالاة والمعاداة غير المشروعين من جنس أخلاق الجاهلية كأخلاق الأوس والخزرج في الجاهلية"؛ (مجموع الفتاوى (24/ 248).
- ويرى - رحمه الله - أَنَّ التعصب لهذه التَّرجيحات الفقهية فتح بابًا من أبواب التفرق على الأمة، فيقول: "فجاء في الخَلَف من يريد أن يجعل اختياره لما اختاره لفضله، فجاء الآخر فعارضه في ذلك،ونشأ من ذلك أهواء مُردية مُضلة، فقد يكون النوعان سواءً عند الله ورسوله، فترى كلُّ طائفة طريقَها أفضل، وتحب من يوافقها على ذلك، وتُعرِض عمن يفعل ذلك الآخر،فيفضلون ما سوَّى الله بينه، ويسوُّون ما فضَّل الله بينه، وهذا باب من أبواب التفرق والاختلاف الذي دخل على الأمة، وقد نهى عنه الكتاب والسنة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم - عن عين هذا الاختلاف في الحديث الصحيح، كما قررتُ مثل ذلك في"الصراط المستقيم" حيث قال: اقرؤوا كما علمتم"؛ (مجموع الفتاوى(24/ 246).
أما إعماله لهذا المقصد في الفروع الفقهية،فظاهر وكثير جدًّا، أقتصرُ منه على ما يأتي:
-يؤكد في غير موضع من فتاواه على أَنَّ المفضول قد يصير فاضلا لمصلحة راجحة كتأليف القلوب ونحوه فيقول: "وقد استحب أحمد أيضًا لمن صلى بقوم لا يقنتون بالوتر، وأرادوا من الإمام ألا يقنت لتأليفهم، فقد استحب ترك الأفضل لتأليفهم...ويستحب الجهر بها - أي: البسملة - إذا كان المأمومون يختارون الجهر لتأليفهم...وهذا كله يرجع إلى أصل جامع: وهو أن المفضول قد يصير فاضلاً لمصلحة راجحة، وإذاكان المحرم - كأكل الميتة - قد يصير واجبًا للمصلحة الراجحة ودفع الضرر، فلأَنْ يصير المفضولُ فاضلاً لمصلحة راجحة أولى"؛ (مجموع الفتاوى (22/ 345).
- كما أسس- رحمه الله -قاعدة : "يستحب ترك المستحب تأليفا للقلوب" ، ثم نسج المتأخرون مِنْ العلماء على منواله فيقول: "ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات؛ لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي- صلى الله عليه وسلم - تغيير بناء البيت؛ لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه مُتمًّا، وقال:الخلاف شر"؛ (مجموع الفتاوى (22/ 407).
-وفي الصلاة قبل الجمعة يرى أَنَّ مَنْ كان متبوعًا مُطاعًا وغلب على ظنه أَنَّالناس سيقبلون كلامه ويطيعون أمره دون مفسدةٍ، فله أَلا يصليهما، ومَنْ كان غير ذلك فعليه أَنْ يصليهما حتى يتيسر له الأمر ببيان السنة، فيقول: "وحينئذٍ فمنفعل ذلك لم يُنكَر عليه، ومن ترك ذلك لم ينكر عليه، وهذا أعدل الأقوال، وكلام الإمام أحمد يدل عليه... وإن كان الرجل مع قوم يصلونها فإن كان مطاعًا إذا تركها -وبيَّن لهم السُّنة - لم ينكروا عليه، بل عرفوا السنة، فتركها حسن، وإن لم يكن مطاعًا ورأى أَنَّ في صلاتها تأليفًا لقلوبهم إلى ما هو أنفع أو دفعًا للخصام والشر لعدم التمكن مِنْ بيان الحق لهم وقبولهم له ونحو ذلك، فهذا أيضًا حسن"؛(مجموع الفتاوى (24/193).
- ولم يقتصر إعماله لهذا المقصد على فروع العبادات فقط، بل امتدَّ ليشمل أبواب المعاملات والأخلاق والسلوك، فقد سُئل عن أكل ما في طعامه شُبهة، فأجاب بقوله : "فإن علم الرجل أنه ليس بمباح، لم يأكل منه، وإن اشتبه أمره، فلا بأس بتناول اليسير منه إذا كان فيه مصلحة راجحة، مثل تأليف القلوب ونحو ذلك، والله أعلم"؛ (مجموع الفتاوى (24/ 381).
-وفي مسألة هَجر المخالف يُعلِّق - رحمه الله - الحكمَ على المآل، فيقول:"وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يُفضي هجره إلى ضعف الشرِّ وخفيته، كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألف قومًا ويهجر آخرين..."؛ (مجموع الفتاوى (28/ 206).
-وفي مسألة القيام للقادم - بعد أَنْ بيَّن أَنَّه ليس من هَدي السلف، وأَنَّ الخير في اتِّباعهم، قال: "وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام ولو تُرك لاعتقد أن ذلك لترك حقِّه أو قصد خَفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسُّنة، فالأصلح أن يُقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البَين وإزالة التباغض والشحناء، وليس هذا القيام المذكور في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سرَّه أن يَتمثَّل له الرِّجالُ قِيامًا، فليتبوأ مَقعده من النَّار))؛ فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعدٌ، ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء"؛ (مجموع الفتاوى (1/ 375).
-ومما ينبغي التنبيه إليه: أَنَّ مراعاة هذا المقصد لا تَعني أَنْ يَغضَّ العلماء والدُّعاة الطَّرْفَ عن بيان الرَّاجح والصواب، ولا أَنْ يصمُّوا آذانهم عما يَسمعون بحُجَّة الاجتماع والائتلاف، وخوف الفُرقة والاختلاف، ولكن عليهم أَنْ يتحينوا الفرصة ويتخيروا اللَّفظ، وأَنْ يُراعوا حال المستمعين والمدعوِّين، وأَنْ يَدرسوا المسألة دراسةً جيدة من جميع جهاتها، وأَنْ يستشيروا غيرهم، مُراعين في كل ذلك كلامَ أهل الاختصاص في الفقه والدعوة، فإذا بدا لهم أَنَّ الكلام أولى، توجَّب عليهم بيان الحق والصواب؛ ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفًا من إثم الكتمان، وإلا كان السكوت أولى، اللَّهم اجعلنا ممن يَجْمَعُونَ الخَلْقَ على الحق وبالحق وللحق، آمين.
 
أعلى