العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الأحكام الفقهية لخدمة ببلي الصوتية

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل

الأحكام الفقهية لخدمة ببلي الصوتية
هناك قاعدة فقهية نافعة تعلَّمناها قديماً على مقاعد الدراسة وهي : الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان، وتطبيقات هذه القاعدة في العصر الحديث لا حصر لها، ومنفعة الاتصالات اليوم لا يختلف فيها اثنان .

شركات الاتصالات في كل بلاد المسلمين ملزمة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط" أخرجه ابن ماجه باسناد صحيح .
والمستخدم لتقنية الاتصالات ملزم أيضا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" البيِّعان بالخيار مالم يتفرقا" متفق عليه .

والمعضلة التي طرأت اليوم أن هناك خدمات جديدة في بعض شركات الاتصالات تُسوِّغ للمستخدم المسلم الاستحسان الباطل لترجيح بعض الأحكام التي يجب على المسلم الوقوف عندها والنظر في مضامينها .

ليست المعضلة في الخدمات التي تُقدِّمها شركات الاتصالات ، إنما المعضلة في الحيل التي تُستنزف بها أموال المستخدمين ويقبل بها الناس ومحدودي الفقه والوعي بلا سؤال لأهل العلم .
في البنوك الاسلامية وغيرها من المؤسسات توجد هيئات شرعية لتصحيح مسار العمليات المصرفية وتقويمها ، حفظاً لمصالح المسلمين واقامة للمعاملات الشرعية التي أمر الله بها .
وشركات الاتصالات التي ظهرت اليوم على الساحة: طلعها هضيم ، فالحاجة ملحة ، والشكاوى متزايدة ، وشواهد الحال تُثبت أنه لا توجد لها هيئات شرعية تحاسبها على عقود المستخدين والحيف فيها ، والتعويض لِمُلَّاكِها .

وصدق الامام الشافعي(ت:204هـ ) رحمه الله تعالى حين قال : "لا أعلم أحداً من أهل العلم رخص لأحد من أهل العقول أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالماً بالذي تدور عليه أُمور القياس من الكتاب والسنة والاجماع والعقل " .
قبل عام ظهر برنامج ( الكيك ) وهو خدمة فيديو للحالة التي يكون عليها المستخدم في أوقات مختلفة ، وهو نسخة مصغرة من موقع اليوتيوب ، وقد أثمر تجاوزات أخلاقية لا حصر لها ، فأين المصالح الشرعية المُقنِّنة له ؟! .

وقبل مدة ظهرت إعلانات واسعة لخدمة( ببلي ) في بعض البلاد العربية، ومضمونها :
أنها خدمة مجانية فكرتها تسجيل الصوت لمدة لاتزيد عن( 90) ثانية ثم مشاركتها على تويتر والفيسبوك, وهي متاحة للمستخدم .

الغريب أن تطبيق الخدمة تم حجبه في بعض البلاد، لفتح المجال للخدمة المدفوعة برعاية بعض شركات الاتصالات وعدد من المشايخ والفنانين والإعلاميين واللاعبين ! ، فإذا أراد المستخدم سماع الشخص المعلن عنه، فيلزمه الاشتراك بمبلغ معلوم شهرياً, أما المستخدم العادي فصوته تم حجبه واحتكاره على عدد من النجوم وأهل الإعلام .

• الأحكام الفقهية لخدمة ببلي الصوتية :

1- الاحتكار التقني:
الخدمة الصوتية ل(ببلي) في حقيقتها مجانية لكل المستخدمين، لكن بعض شركات الاتصالات احتكرت الخدمة على أهل الإعلام ومن في حكمهم لأغراض تجارية وللتربُّح من ورائها .
والاحتكار وإن كان لا يجري في غير المأكولات عند بعض الفقهاء ، لكن معناه مُتحقِّق في هذه الخدمة بتجييرها لمنافع الشركة المزوِّدة للخدمة وحرمان الناس من خدماتها المجانية . وفي المرفوع:" لا يحتكر إلا خاطىء" أخرجه مسلم في صحيحه . والأصل هو العمل بالعمومات ، والخطأ الذي يترتب عليه ظلم وغرر للمستخدمين لا شك في حرمته وإثمه .

2 – الغش والتدليس:
استطاعت بعض شركات الاتصالات التدليس على المستخدم بتأمين هذه الخدمة له للتواصل مع المشاهير مع أن هذه الخدمة متوفرة أصلا في برامج مماثلة ل(ببلي) ، مثل برامج (كيك ) و(الفايبر) – وقد تم حجبها مؤخراً- و(التانجو) و(تويتر )و (الفيسبوك ) . وفي الحديث :" من غشنا فليس منا" أخرجه مسلم في صحيحه . والغش الالكتروني كالغش في البيع والشراء والتدليس في البضائع . والغش مانع شرعي يؤثر في صحة العقود .

3- استحسان مالا دليل على استحسانه :
وهو بِخُطة الشركة المزوِّدة للخدمة بالتغرير على البعض بتأمين هذه الخدمة مع وجودها أصلا لكن بهيئات مختلفة . ومما زاد الطين بلة اشتراط بعض المحتسبين من أهل الخير على أخذ مبلغ مُحدَّد للتواصل مع المشتركين صوتياً ، أو الرضا بذلك للتكسب الدعوي . ولا يخفى أن هذا ذريعة إلى المتاجرة بالقربات والتربُّح بالأعمال الصالحة ، وهو من خطوات الرياء وهجر التعفُّف ، ومخالف لسمت أهل العلم وسيرتهم ، وإلى الله المشتكى . وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : "واتخذ مُؤذِّنا لا يأخذ على أذانه أجرا" . رواه الخمسة واسناده صحيح .
والأصوليون يوجبون الأخذ بالحكم الشرعي إذا خلا من معارض راجح ،ولا معارض هنا لهذا الأصل الثابت .

4- الاحتيال لتجفيف جيوب الناس :
فهذه الشركات التي تختلس أموال الناس بذرائع وهمية فاسدة لا شك أنها بقصد أو بغير يقصد ،تحتال لتجفيف جيوب المستخدمين واستنزاف أموالهم ، إماً طمعا في المال والتكسُّب لخدمات هي متوفرة أصلا في الهواتف الذكية ، أو استغفالًا للمستخدم المغلوب على أمره .

وقصة امرأة أبي اسحاق السبيعي مشهورة لما دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم وامرأة أُخرى فقالت لها أم ولد زيد ": إنِّي بعتُ من زيد غلاماً بثمان مائة نسيئة ، واشتريته بست مائة نقداً ، فقالت : أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن يتوب ، بئسما شريتِ ، وبئسما اشتريتِ " رواه الامام أحمد في مسنده بسند حسن .

5- المتاجرة بأهل الخير والفضل :
تسعى بعض شركات الاتصالات إلى استقطاب أهل الخير والفضل للتسويق لمنتجاتها وإلزام المستخدمين الراغبين بدفع رسوم إضافية على الخدمات المجانية التي يستخدمونها ، وهم بهذا يضرون بسمعة أهل الخير والصلاح ويوغرون صدور الناس عليهم بقصد أو بغير قصد ، وهذا لا ريب أنه يؤثِّر على حب الناس لدعوة المحتسبين ويُقلِّل من سمتهم وورعهم في النفوس .والعلم واتباع الهوى لا يجتمعان لحديث:"يحمل هذا العِلم من كل خَلفٍ عُدوله" أخرجه البيهقي بإسنادصحيح . وهذه شبهة قلَّ من يتفطن لها من الناس ، لأنها متعلقة بالمقاصد ، والله المستعان .قال الله تعالى:" فمن جآءه موعظةٌ من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله"( البقره: 275 ) . ورحم الله أنسا (ت: 93هـ )رضي الله عنه حين قال : " إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر ، وإن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات " .

كثير من المستخدمين لا يُدركون أن الخدمات الالكترونية خاضعة للعقود الشرعية وهي ملزمة للطرفين: الشركة المُشغِّلة للخدمة والمستخدم الموقِّع على عقد الخدمة . فالواجب على المستخدم للخدمات الالكترونية في الهواتف الذكية سواءاً كانت مجانية أو بثمن مدفوع- حتى لا يقع في فخ الشركات التي تُجفِّف سيولة المستخدم بطرق ملتوية لا يُدركها البعض- أن يتأمل شروط الاستخدام وصيغة العقد ، ومعرفة الضمان على الخدمة ، وشروط التعويض عليها عند حدوث التقصير في تشغيلها ، وهذه النقاط الأربعة هي التي تُفرِّق الطرفين وتجمعهم في كثير من الشركات التجارية ، وبعض شركات الاتصالات لا تُعير هذه المسائل أهمية للتغرير بالمستخدم . وغني عن القول أن الوسائل لها أحكام المقاصد ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . والله ولي التوفيق .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

 
أعلى