العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ابن صاحب الصلاة..المعروف بابن المناصف

إنضم
14 يونيو 2012
المشاركات
307
الكنية
أبو محمد
التخصص
فقه و أصوله
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
------------------
أبو عبد الله محمد ابن صاحب الصلاة بالمسجد الجامع بقرطبة ، بن أصبغ، الأزدي المعروف بابن المناصف



محمد إبراهيم بن أحمد بن جعفر الكتاني الحسني
* * *الولادة والنشأة
أبو عبد الله محمد ابن الفقيه أبي الأصبغ عيسى ابن قاضي الجماعة بقرطبة أبي عبد الله محمد ابن كبير المفتين بقرطبة أبي القاسم أصبغ ابن صاحب الصلاة بالمسجد الجامع بقرطبة أبي عبد الله محمد بن محمد، بن أصبغ، بن عيسى، بن أصبغ، الأزدي عرف بابن المناصف، وابن أصبغ.
ولد بالمهدية في رجب سنة 563هـ -1168م.
وكان أبوه قد انتقل من قرطبة موطن أسلافه، زمن الفتنة التي عمت الأندلس ضد الدولة المرابطية منذ أوائل سنة 539هـ فتجول في بلاد إفريقيا واستوطن القيروان.
وكان روجار الثاني ملك الفرنج النورمان قد احتل ثغر المهدية في صفر سنة 543هـ (يونيه 1148) وفي الثامن عشر من شهر رجب سنة 554هـ 5 غشت 1159 وصل أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي الموحدي إلى المهدية وحاصرها زهاء ستة أشهر، ثم دخلها في صبيحة يوم عاشوراء من المحرم سنة 555هـ (21 يناير 1160).
وقد انتقل أبو الأصبغ عيسى الأزدي إلى سكنى المهدية بعد تحريرها، وإن كنا لا نعرف سنة انتقاله إليها، حيث ولد له أبو عبد الله محمد، وأخوه أبو عمران موسى.
ونشأ أبو عبد الله بتونس فأخذ عن أعلامها. ولكنا لا ندري متى انتقل من المهدية إلى تونس.
ثم انتقل إلى تلمسان حيث أقام كثيراً، متلبساً بعقد الشروط، ولكنا لا ندري متى انتقل إليها.
ثم استقضى ببلنسية، ولكنا كذلك لا ندري متى كان ذلك، غير أن ابن الآبار يذكر أنه لقيه بها سنة ثمان وستمائة.
ثم نقل منها إلى قضاء مرسية في سنة لا نعرفها فاستمرت ولايته القضاء بها كثيراً، مشكور السيرة.
ثم ألزم سكنى قرطبة في سنة لا نعرفها أيضاً، إثر غلظة ظهرت منه في تأديب بعض أهلها، لإفراط حدة كانت فيه -حسب تعبير ابن الآبار وابن عبد الملك المراكشي.
وسيأتي أن ابن المناصف فرغ من نظم أرجوزته (الدرة السنية) بقرطبة في مستهل صفر من سنة أربع عشرة وستمائة.
وذكر ابن سعيد في (المغرب) أنه حج وأقام بمصر قليلاً، وكر راجعاً فمات، ولكنه لم يذكر في أي سنة كان ذلك.
ونحن نجده في ختام معلم السيرة من (الدرة السنية) التي قلنا إنه فرغ من نظمها في صفر سنة أربع عشرة وستمائة يتمنى زيارة القبر الكريم قبل مماته، فيقول مخاطباً الرسول (صلى الله عليه وسلم):
ا ليتني إذ كنت لما أشهد منك الحياة لا تخار المولد وفاتني عيان ذاك المشهد رزقت من قبل الحمام المرصد زيارة القبر الكريم الأمجد والسعي في عراصه والمسجد ألثم آثار النبي الأسعد! ومهما يكن، فقد استقر أخيراً بمدينة مراكش عاصمة الأمبراطورية الموحدية في تاريخ لم يعينه مترجموه مناوباً أئمة صلاة الفريضة حسبما عند ابن الآبار، وخطيباً بجامع بني عبد المؤمن الأقدم، أي جامع الكتبيين، حسبما عند ابن عبد الملك المراكشي، ولا مانع من أنه كان إماماً وخطيباً في نفس الوقت.
إلى أن توفي بها غداة يوم الأحد لثمان عشرة خلت من شهر ربيع الآخر سنة عشرين وستمائة، الموافق حادي وعشري ماي سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف ميلادية، ودفن خارج باب تاغزوت، وشهد جنازته خلف كثير، وأسفوا لموته، وأثنوا عليه صالحاً رحمه الله.
وهكذا عاش أبو محمد ابن المناصف حياته كلها في ظل الخلافة الموحدية فولد على عهد يوسف بن عبد المؤمن وعاصر خلافة يعقوب المنصور وولده أبي عبد الله محمد الملقب بالناصر لدين الله وقد احتفظ لنا ابن سعيد في المغرب بيت من قصيدة لابن المناصف في مدحه:
دانت لك العرب طوع الحق والعجم وأصبح الدهر عن علياك يبتسم وقد كان ابن المناصف قاضياً ببلنسية في السنة التي محص الله فيها المسلمين في غزوة العقاب.
كما عاصر عهد ولده أبي يعقوب يوسف الذي أشرفت الدولة الموحدية فيه على الهرم، وظهر بنو مرين.
وهكذا نرى أن أبا عبد الله ابن المناصف قد حقق في حياته صفة المواطن المغربي على أكمل الوجوه، فقد ولد بالمهدية، ونشأ بتونس وعاش مدة بتلمسان، واستقر أخيراً بمراكش إلى أن توفي وأقبر بها.
وذلك ما جعل ابن عبد الملك المراكشي يثور ثورة عنيفة -هو فيها على حق -بكل من ابن الآبار الذي ترجمه في الأندلسيين، ضنانة بعلمه على بر العدوة كما قال!
وبابن الزبير الذي تبع ابن فرتون السلمي -مع علمه بخطئه! متعللاً بأتباع الشيخ وغيره، وبتأصله الأندلسي وعراقته!
فقال عن ابن الآبار: وقبح الله الحسد المذموم! فقد حمل أبا عبد الله بن الآبار على ذكره في الأندلسيين تشيعاً لهم!
وقال عن ابن الزبير: وتبعيته للشيخ -مع علمه بخطئه -أقبح من الخطأ! مع شدة عنايته بإصلاح أخطائه!
ولا عبرة بالتأصل والعراقة بالنظر إلى ما تقرر الاصطلاح عليه في الغرباء، والله يعصمنا من الزيغ والزلل، ويحمينا من مواقعة الخطأ والخطل!
* * * شيوخه
روى أبو عبد الله بتونس عن أبيه عن جده.
وعن أبي الخطاب عمر بن الحسن المعروف بابن جميل وبابن دحية السبتي نزيل مصر.
وكان قد حدث بتونس عند مروره بها سنة 595.
وتفقه بأبي الحاج يوسف المخزومي ولازمه كثيراً.
وحلاه ابن الآبار في التكملة أثناء ترجمة أبي عبد الله ابن المناصف بقاضي تونس، ولم يحله ابن عبد الملك بذلك.
وترجم ابن الآبار في التكملة (رقم 2080) لأبي الحجاج يوسف بن إسماعيل المخزومي القرطبي، يعرف بابن المرادي وهو من أهل القرن السادس، وقال عنه إنه كان حافظاً للعربية واللغة شديد العناية بها، واستقضى ببعض الكور، ولم يقل إنه كان قاضياً بتونس.
وقال ابن الآبار في ترجمة ابن المناصف: إنه سمع بتونس من أبي عبد الله بن درقة.
وقال ابن عبد الملك إنه تفقه أيضاً بقاضي تونس أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد القحطاني بن أبي درقة.
وقد ترجمه ابن الآبار في التكملة (834 مجريط) وقال إنه قرطبي سكن تونس وولي القضاء بها، وتوفي سنة 595.
وزاد ابن عبد الملك المراكشي أن ابن المناصف تفقه أيضاً بأبي إسحاق الكانمي وتأدب به.
وكان أبو إسحاق عالماً بالآداب شاعراً مفلقاً، قدم المغرب قبل الستمائة بيسير، وسكن مراكش، ودخل الأندلس فيما بلغ ابن الآبار، وتوفي بمراكش سنة ثمان أو تسع وستمائة ترجمه ابن الآبار في التكملة، (1/177 القاهرة) وفي تحفة القادم (رقم 71 مجلة المشرق).
ولم يذكر أنه مر بتونس في طريقه إلى مراكش واستقر بها مدة يمكن لابن المناصف فيها أن يتأدب به، كما لم يذكر أنه كان فقيهاً لدرجة يمكن لابن المناصف أن يتفقه به أيضاً.
وزاد ابن عبد الملك ممن تأدب بهم ابن المناصف أبا بكر عتيق بن علي الفصيح، ولم يلقب ابن عبد الملك أحداً ممن اسمه علي بن عتيق بالفصيح، ولا ذكر أن ابن المناصف أخذ عن واحد منهم.
وأخذ ابن المناصف بتلمسان عن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن التجيبي الأندلسي نزيل سبتة ثم بجاية ثم تلمسان المتوفى بها سنة عشر وستمائة، وكان حافظاً للحديث محافظاً على إسماعه كما قال ابن الآبار.
هؤلاء هم شيوخ ابن المناصف الذين ذكرهم ابن عبد الملك المراكشي وذكر بعضهم ابن الآبار.
* * * مصادر ترجمته
بين يدينا من مصادر ترجمة أبي عبد الله بن المناصف:
1 -ترجمة تلميذه أبي عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي المعروف بابن الآبار، في كتابه (التكملة، لكتاب الصلة) (رقم 962 ج 1 ص 325 -326 طبع مجريط، رقم 1606 ج 2 ص 611 -612 ط القاهرة).
2 -ترجمة تلميذه أبي الحسن علي بن محمد الرعيني في برنامج شيوخه المسمى كتاب (الإيراد، لنبذة المستفاد، من الروايات والإسناد، بلقاء حملة العلم في البلاد...) ص 128 -129 ط دمشق.
3 -ترجمة ابن سعيد في (المغرب) ناقلاً عن والده الذي اجتمع بأبي عبد الله ابن المناصف كما اجتمع بأخويه أبي إسحاق إبراهيم، وأبي عمران موسى وذاكرهم (ج 1 ص 105).
-ترجمة أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي في قسم الغرباء من كتابه (الذيل والتكملة، لكتابي الموصول والصلة) الذي توجد من نصفه الثاني نسخة فريدة في قسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم (د 3784 ص 121 -125).
هذه هي التراجم الأصلية التي بين أيدينا، وتعتبر ترجمة ابن الآبار وابن عبد الملك أهم هذه الأربعة، وقد استفاد ابن عبد الملك من ترجمة ابن الآبار وأضاف إليها معلومات كثيرة، وتلافى بعض أخطاء ابن الآبار ونبه على بعضها.
5 -6 -ترجمة أحمد بابا السوداني في (نيل الابتهاج، بتطريز الديباج) (ص 223 ط فاس ص 228 -229 ط القاهرة) ناقلاً عن صلة الصلة لابن الزبير، وتحرفت في المطبوع إلى (الرحلة)! كما ترجمه أحمد بابا في (كفاية المحتاج) التي هي اختصار لنيل الابتهاج.
7 -ترجمة محمد بن محمد الأندلسي الوزير السراج، في الحلل السندسية في الأخبار التونسية (ج 1 ص 197) ناقلاً عن أحمد بابا.
8 -ترجمة تقي الدين ابن قاضي شهبة أبي بكر بن أحمد الدمشقي، في الجزء الرابع من تاريخه، (مخطوط) خ ع (شريط رقم 97 عن نسخة في ملك الأستاذ خير الدين الزركلي، ولعلها مبيضة المؤلف وهي ترجمة مختصرة عن ابن الآبار).
9 -ترجمة محمد بن محمد مخلوف التونسي في (شجرة النور الزكية) (رقم 574 ص 177 -178) معتمداً على ابن الآبار.
10 -ترجمة عباس بن إبراهيم قاضي مراكش في (الإعلام، بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام) (ج 3 ص 95 -97) ناقلاً عن ابن الآبار وابن عبد الملك وأحمد بابا وفهرسة ابن خير رحلة العبدري وصبح الأعشى ونفح الطيب.
11 -ترجمة خير الدين الزركلي في (الإعلام) ج 7 ص 114.
12 -ترجمة عمر رضا كحالة في (معجم المؤلفين) ج 11 ص 107 -108.
-ترجمة كتبها الشيخ عبد الحي الكتاني بأول نسخة من (الدرة السنية) وهي بقسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط كـ 1075.
14 -ترجمة عبد الله عنان في (عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس) ج 2 ص 691 عن ابن الآبار.
تراجم مفقودة
نقل ابن الآبار في ترجمته لابن المناصف عن ابن غالب وابن فرتون ونقل الرعيني عن كتاب أبي الحسن بن القطان في (شيوخه) ونقل ابن سعيد عن أبي العباس بن عمر القرطبي، ونقل ابن عبد الملك عن ابن الزبير.
وذكر ابن عبد الملك من تلامذة ابن المناصف أبا الخطاب محمد بن أحمد بن خليل، وذكر في ترجمته أن له كتاب (التذكرة) ضمنه التعريف بشيوخه وبمداركهم في العلوم وتبيين أحوالهم وكيفية أخذه عنهم، (5 ص 631).
فلا شك أنه ترجم لابن المناصف.
وكل هذه التراجم لم تصلنا.
* * * أقوال مترجميه في حقه
وصفه تلميذه ابن الآبار -الذي لقيه ببلنسية عندما كان قاضياً بها -بأنه (كان عالماً متفنناً نظاراً صاحب استنباط وتدقيق واقفاً على الاتفاق والاختلاف، معللاً مرجحاً).
مع الحظ الوافر من علم اللغة والآداب، والتصرف في قرض الشعر. وأنه (في قضائه) كان ذا سيرة عادلة وأبهة وشارة جميلة، حامد اليد، صليباً في الحق، وكانت فيه حدة مفرطة، وغلظة في تأديبه.
وقال: ولم يكن له علم بالحديث، ولا عناية بالرواية!
وحلاه تلميذه أبو الحسن الرعيني في (برنامج شيوخه) (بالشيخ الفقيه القاضي الجليل) وقال: هو من أهل العلم والفطن والاجتهاد.
(وعنايته بالنظر أغلب عليه من الرواية).
ولعل هذه العبارة أكثر دقة من عبارة ابن الآبار.
وزاد الرعيني (وهو يميل إلى الشافعي في أغلب نظره، ويقطع نفسه رتبة الاجتهاد!)
ووصفه ابن عبد الملك المراكشي بأنه: (كان فقيهاً نظاراً، جانحاً إلى الاجتهاد. مائلاً إلى القول بمذهب الشافعي، ناصراً له مناظراً عليه!) وأنه (كان حافظاً للغات، ريان من الآداب شاعراً مجيداً، مرجزاً مطبوعاً، من بيت علم ورياسة فيه، وتنقل في خططه السرية، بارع الخط: يكتب ثلاث عشرة طريقة هو فيها كلها مجيد! وكتب الكثير، وكان مقلاً من الرواية، ضابطاً لما يحدث به، ثقة فيه) وأنه (كان مبرزاً في معرفة الشروط، بصيراً بعللها)، (مشكور السيرة) في قضائه، (من قضاة العدل والجزالة، جميل الهيئة، بهي المنظر، تام المروءة).
(وهو كان خاتمة بيتهم النبيه) (د 7/3784 ص 121 -125).
ونقل ابن سعيد في (المغرب) عن والده أنه اجتمع ببني المناصف الثلاثة -يعني أبا عبد الله هذا، وأخويه عمران موسى ت 627 بمراكش، إسحاق إبراهيم المتوفى بسجلماسة 627 وذاكرهم وقال عنهم: إنه لم ير منهم إلا نجيباً، لأنه تفنن في العلوم، وولي أكبر خطط القضاء، وإن كان موسى أرق شعراً، فإنه -يعني أبا عبد الله أمتن علماً فيما يتعلق بالأصول والفروع. (ج 1 ص 105 -106).
* * * آثاره
ولأبي عبد الله ابن المناصف عدة آثار، منها:
1 -أرجوزته الشهيرة، (المذهبة في نظم الصفات، من الحلي والشيات).
ذكر فيها أعضاء الإنسان وصفاتها: من السن، والقامة، واللون والأنف والعين، والحاجب، والوجه، واللحية، والفم، وألوان الشفاه، والأسنان والرأس، والشعر، والأذنين، والأطراف، والمنكبين، وما اتصل بهما، واليدين، والبطن وما والاه، والفخذين، والساقين، والرجلين.
يقول في مقدمتها:
وقلت قولاً ليس بالمدفوع: أن إليها حاجة الجميع من طالب وكاتب وعاقد وشاعر وكل ندب ماجد فإنها عنوان نبل الهمه عناية الكل به مهمه إذ يستعيب ذو الحجا من نفسه إن لا يجيد علم وصف نفسه! ويقول في آخرها:
ألفاظها معسولة مستعذبة سميتها من أجل ذاك (المذهبه) تجلو حلاها عند كل واصف وتعتزى إلى بني المناصف! وتقع في 432 بيت.
2 -ثم أضاف إليها (المعقبة، لكتاب (المذهبة)، في الأنعام والظبا وحمر الوحش والنعام):
في قطعة مونقة مرجزة بوزنها وحسنها مميزه تكون ردفاً للحلي المرسومة وتغتدي في سمطها منظومه فيستوي معزاهما في المرتبة ويحتوي عليهما اسم (المذهبه) وتقع (المعقبة) في 568 بيت
قال ابن الآبار: حملت عنه، وسعت كثيراً منه.
وقال ابن سعيد: وله الرجز المشهور بالمغرب في الشيات.
وقال ابن عبد الملك المراكشي: وقفت عليهما بخطه المغربي مجموعين في مجلد واحد وقد خدم (المعقبة) منهما وطور حواشيها بخطه المشرقي.
وذكرها أحمد بابا في نيل الابتهاج وقال إنه نظمه بمراكش في جمادى الأولى عام عشرين وستمائة. وقد لاحظ القاضي عباس بن إبراهيم المراكشي على ذلك أنه مات قبل هذا التاريخ.
وذكر في صبح الأعشى (ج 1 ص 152) أن الكاتب يحتاج إلى معرفة غريب اللغة، وإن (كفاية المتحفظ) لابن الأجدابي والمذهبة والمقتضبة (كذا) لابن أصبغ كافلتان بالكثير من ذلك.
وذكر العبدري في رحلته أنه قرأها بتونس على ابن أبي هريرة ورواها عنه بسنده إلى ناظمها (ص 59 -60).
كما ذكرها إسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين (ج 2 ص 109).
وقال القاضي عباس بن إبراهيم المراكشي أن هذه المنظومة في ملكه في مجموع بخط اليد اشتملت على 33 ورقة من مسطرة 16. وقد آلت هذه النسخة إلى قسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم د 4/3748.
كما توجد منها بقسم المخطوطات نسخة أخرى تحت رقم د 1/1725 من ورقة 1 ب إلى 17 -ب ولكن الناسخ حذف منها 348 بيت!
وذكرها بروكلمان في تاريخ الأدب العربي ج 1 ص 497 وفي الذيل 1 910 وإنها توجد ببرلين، والأسكوريال وهذه مؤرخة بسنة 614 عن خط الناظم. ومنها نسخة في مكتبة نيل بالولايات المتحدة تحت رقم 238 كتبت سنة 621.
ذكر الأستاذ محمد المنوني في كتابه (العلوم والآداب والفنون) على عهد الموحدين (ص 61) أنها نشرت كاملة ضمن التقويم الجزائري لسنة 1330هـ -1912م فيما بين ص 73 -122.
3 -(فصل السلم) استدركه على (كتاب التلقين) في الفقه المالكي للقاضي عبد الوهاب البغدادي.
قال ابن عبد الملك المراكشي: وكان ابن المناصف شديد العناية بكتاب التلقين، جيد النظر في فقهه وتبيين غوامضه.
وقد أورد ابن عبد الملك فصل السلم المذكور أثناء ترجمة ابن المناصف وقال: أوردنا هذا الفصل هنا -وإن لم يكن من شرط الكتاب -لغزارته وللإفادة به، ولندل على جلالة محرره، وتمكن معرفته، وبراعة تصرفه.
4 -تنبيه الحكام، في الأحكام.
جمع فيه مؤلفه -كما في (برنامج المكتبة الصادقية) (ج 4 ص 283 رقم 2440/648 طبع تونس 1329هـ) -ما يحتاج إليه في مسائل القضاء على وجه الاختصار، وفيه خمسة أبواب:
في سيرة القضاء، وفي قبول الشهادات، وفي تلقي كتب القضاة وفي تنفيذ الأحكام، وفي الحسبة على تغيير المناكر.
نسخة بخط مغربي تقع في 106 أوراق. وذكره بروكلمان في الذيل 1/910.
ولعله الذي سماه ابن الآبار كتاب الأحكام.
ولعله الذي ينقل عنه فقهاء المالكية في كتب وأبواب فقه القضاء، مثل المسائل التي نقلها عن المناصف أبو عبد الله بن غازي الفاسي في تكميل التقييد وتحليل التعقيد، ونقلها عنه الشيخ ميارة الفاسي في شرح تحفة ابن عاصم أوائل فصل في خطاب القضاة، ج 1 ص 42 -44، وراجع أيضاً ص 65 من نفس الجزء.
وراجع أيضاً حاشية أبي علي بن رحال المغربي بالهامش ص 243.
ونقل عنده إبراهيم بن فرحون في (تبصرة الحكام، في أصول الأقضية ومناهج الأحكام) حوالي 12 مرة. وسماه في إحداها (تنبيه الحكام على مأخذ الأحكام) 1 -182.
ثم إني وقفت منه على ثلاث نسخ بتونس اثنتان بدار الكتب القومية تحت رقم 8241، ورقم 8892 وهذه كتبت سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وقد أخذت من هذه شريطاً لقسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط.
والنسخة الثالثة في مكتبة صديقنا العلامة الشيخ الشادلي النيفر حفظه الله.
والكتاب في فقه القضاء على المذهب المالكي، ليس فيه شيء من النزعة الاجتهادية التي في مؤلفات ابن المناصف الأخرى، وهو في حاجة إلى دراسة خاصة.
ثم علمت أن في مكتبة جامع القرويين المعظم بفاس مخطوطاً اسمه المختصر في فقه القضاء لابن المناصف ويحمل رقم ل 80/588 فلعله هو.
5 -8 -وأرجوزته (الدرة السنية، في المعالم السنية) وهي في أربعة معالم.
المعلم الأول في العقائد، عرف فيه بكلمات دينية كالإيمان والإسلام والكافر، والمنافق، والزنديق، والملحد، والفاسق، والظالم، والفاجر، وتأويل بعض الكلمات الواردة في الشرق تشكل ظواهرها، وشرح الألقاب الواقعة على أهل البدع، كالمرجئة والقدرية، والمعتزلة، والرافضة، والخوارج.
المعلم الثاني في متعلق النكث الأصولية، ومجاري الأدلة الشرعية.
وكتاب المعلم الثالث في مقتضى الألقاب الفقهية، والمسائل الفروعية.
وكتاب المعلم الرابع في السيرة النبوية والأعلام المصطفوية.
وهي في أزيد من سبعة آلاف بيت، نظمها في قرطبة وختمها مستهل شهر صفر من سنة أربع عشرة وستمائة. نسبها له ابن الآبار وابن عبد الملك وحاجي خليفة في كشف الظنون 740 والبغدادي في هدية العارفين ج 2 ص 109 وقال إنها في الفروع والأدلة والشرعية. وابن سعيد في (المغرب) ناقلاً عن المحدث أبي العباس بن عمر القرطبي، وقد ذكر الرحالة المغربي أبو سالم العياشي في (رحلته) أنه رأى بمكة المشرفة السفر التاسع من كتاب (منتهى السول، في مدح الرسول) صلى الله عليه وسلم لمحمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، مؤرخ بربيع الآخر عام ثلاث وسبعين وستمائة.
ومن جملة ما في هذا السفر (المعلم الرابع من كتاب الدرة السنية) هذه.
وتوجد من الدرة السنية في قسم المخطوطات بالخزانة العامة نسخة ضمن مجموع يحمل رقم كـ 1/1075 وتقع في 441 ص مسطرتها 17 ويظهر أن فيها نقصاً قبل (باب في الحدود) وهي بخط مغربي وسط وبها كثير من التحريف والتصحيف.
كما توجد نسخة بمكتبة الجامع الكبير بمكناس تحت رقم 404 في 180 ورقة وقد فتكت بها الأرضة فتكاً ذريعاً ويتخللها هي الأخرى نقص، وربما تممت إحداهما الأخرى ومنها شريط مصور في قسم المخطوطات بالخزانة العامة تحت رقم 1254.
كما توجد عدة شذرات منها بمكتبة القرويين بفاس بخط أندلسي تحت رقم 2648.
وقد وقفت في دار الكتب القومية بتونس على:
النكت الأصولية، ومجاري الأدلة الشرعية تحت رقم 998 في 73 ورقة بخط محمد المنوبي الغراتي غرة شوال 1326 وكتاب السيرة والأعلام المحمدية.
تحت رقم 234 في 58 ورقة. بخط المنوبي الغراتي في رمضان 1326.
ولم يذكر بروكلمان (الدرة السنية).
* * * المعلم الرابع من (الدرة السنية) في السيرة النبوية
وسنتحدث فيما بعد عن المعلمين الثاني والثالث عند ذكر آرائه الأصولية والفقهية. ولعل الصورة تبقى ناقصة إذا لم نقل كلمة عن معلم السيرة النبوية من (الدرة السنية).
فابن المناصف يرى أن معرفة حوادث السيرة النبوية تلي في الأهمية معرفة كتاب الله.
وإن أولى ما تحلى المسلم بعد كتاب الله إذ يقوم علم بأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن النشيء إلى التناهي وحفظ ما يحق إن لا يجهلا من أمره وحاله مفصلا وجعله هذا الموضوع قريناً للعقائد والأصول والفقه أمر له دلالته الخاصة.
وهو عظيم الحب لرسول الله الله صلى الله عليه وسلم لا يترك فرصة سانحة تمر دون أن يعبر عما تمتلئ به نفسه من هذا الحب والإجلال وبذلك يبتدىء هذا المعلم بعد الخطبة:
حُب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض أول به ندين وبه التوسل نجله نكبره نعززه نفديه بالآباء حين نذكره وبالبنين وحياة الأنفس محله أعلى المحل الأنفس به هدانا الله ذو الجلال من العمي وظلم الضلال وعندما يذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
نشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسوله اصطفاه نؤمن بالله الكريم المجمل وبالرسول الله صلى الله عليه وسلم والكتاب المنزل ونرتجي فضل الذي به هدى أن يحفظ الدين علينا أبدا وعندما ذكر غزوة أحد قال:
يا ليت أنا قد شهدنا المجلسا نبذل من دون النبي الأنفسا فإن نغب عن نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لم نكن من أهل ذاك الجيل فنشهد الله على البدار بالعز والتأميل والإقرار ويبلغ به التأثر منتهاه عندما يصل إلى ذكر شكوى رسول (صلى الله عليه وسلم)، وما اختار الله تعالى له من كرامته، والنقل إلى جناته فينظم سبعة وعشرين بيتاً يرثي فيها رسول الله ويندب حظ المسلمين بفقده ويختمها بقوله:
حب رسول الله أعلا عددي خالط لحمي وارتقى في كبدي يا رب حبا في رضاك فاشهد واختم لي اللهم ربي وزد بحبه وحسن عقبي المقتدى واجعل لي النجاة يوم الموعد
ويعبر عن هذا الحب في كل مناسبة، فيقول عند ذكر موت أبي طالب:
مات أبو طالب المناضح عن النبي أبدا والناصح ويقول:
ثم أبو طالب المحمود بحبه النبي لا أزيد! ويعبر عن عواطفه نحو فاطمة الزهراء البتول بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وولديها الحسنين ريحانتي الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيهما علي بن أبي طالب الذي يهتم بتعداد فضائله وبطولاته من غير أن يعتبره وصياً أو معصوماً أو أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر كما يشيد بنصرة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو يهتم بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وتفاصيل أحواله ويشيد بكمالاته الخلقية ومزايا الدعوة الإسلامية ولا يقتصر فقط على ذكر المعجزات والخوارق والغيبيات.
9 -(مقالة في الإيمان اللازمة).
نسبها له ابن عبد الملك المراكشي أثناء ترجمته له.
10 -قصيدة ختم آخر كل شطر من أشطار أبياتها بكلمة (العجوز) مستعملاً كل مرة في معنى من معانيه غير المعنى السابق.
ذكر الشيخ مرتضى الزبيدي في (تاج العروس) عن شيخه العلامة ابن الطيب الشرقي الفاسي، أنه كان رآها، ووصفها بالانسجام وكثرة الفوائد.
ثم أورد في (التاج) البيتين الأولين منها، ثم قال: من أدركها فليلحقها. (ج 4 ص 52 مادة عجز).
11 -كتاب (الإنجاد، في أبواب الجهاد، وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه، ولواحق أحكامه).
ذكر المؤلف في مقدمته أنه ألفه استجابة لاقتراح الأمير المجاهد في سبيل الله، أبي عبد الله بن أبي حفص، ابن أمير المؤمنين، يعني عبد المؤمن بن علي الموحدي.
وذكر ابن عبد الملك المراكشي في (الذيل والتكملة)، إن ذلك كان أيام ولاية أبي عبد الله بن أبي حفص ببلنسية وابن المناصف قاض بها.
ونحن نعلم أن أبا عبد الله ولى بلنسية سنة خمس وستمائة لابن عمه أمير المؤمنين الناصر لدين الله بن المنصور الموحدي، الذي جرت بينه وبين الإسبانيين حروب عديدة منها غزوة العقاب التي انهزم فيها هزيمة شنيعة في خامس عشر صفر تسع وستمائة.
وذكر ابن الآبار في (التكملة) أنه لقي المؤلف في بلنسية عندما كان قاضياً بها واستجازه فأجاز له لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة ثمان وستمائة.
ذكره ابن الآبار، وقال إنه ظهر فيه علمه وبان تقدمه.
وقال أبو الحسن الرعيني في (برنامج شيوخه): وكتابه في الجهاد من أجل الموضوعات، نفعه الله به.
وذكر أن ابن المناصف أهداه إلى تلميذه المحدث الناقد أبي الحسن بن القطان، وحمَّله إياه.
وقال بعد ذكره وذكر (المذهبة) و(المعقبة): وكل ذلك مما برز فيه، وأبان به عن معرفته ورسوخه.
وقال عنده ابن عبد اللمك المراكشي: وهو مما ظهر فيه حسن اختياره. وجودة نظره، وصحة فقهه واستنباطه، وقفت منه على نسختين بخطه المشرقي.
وقال عنه أحمد بابا: وهو كتاب مفيد، استوعب فيه فقه الجهاد، مع حسن اختياره، وإتقان تأليفه، لم يؤلف في بابه مثله.
وذكر عبد العزيز الملزوزي في (نظم السلوك) أن كتاب (الإنجاد) كان من بين الكتب التي كان يدرسها أمير المسلمين أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني -الذي ملك فيما بين سنة سبع وخمسين وستمائة وسنة خمس وثمانين وستمائة. -حيث قال (ص 77 -78):
يقرأ أولاً كتاب السير والقصص الآتي بكل خبر ثم (فتوح الشام) باجتهاد وبعده المعروف (بالإنجاد) وقد ورد البيتان في (الأنيس المطرب بروض القرطاس) فاس ص 215 وفي (الذخيرة السنية) ص 101.
وفي القرن الحادي عشر الهجري (17 م) نجد كتاب (الإنجاد) من بين مصادر كتاب (فلك السعادة، الدائر بفضل الجهاد والشهادة) الذي ألفه للحض على تحرير سبتة ومليلية وغيرهما من المدن التي كانت محتلة من المغرب، العالم الفقيه المتفنن الصالح المصنف أبو محمد عبد الهادي بن عبد الله بن علي بن طاهر الحسني السجلماسي نزيل المدينة المنورة ودفينها، ولكنه لم يسم الكتاب وإنما اكتفى بالنقل عن مؤلفه.
ولم يذكره صاحب كشف الظنون ولا البغدادي في ذيليه (إيضاح المكنون) و(هدية العارفين) كما لم يذكره بروكلمان.
وقد طال بحثي عن كتاب (الإنجاد) سنوات عديدة، إلى أن عثرت على نسخة منه في حالة سيئة بمكتبة ابن يوسف بمراكش، وهي النسخة الفريدة المعروفة منه لحد الآن -فأحضرتها لقسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط حيث وقع ترميمها وتجليدها وأخذ صورة منها على الشريط، ثم أرجعتها إلى مكتبة ابن يوسف بمراكش حيث هي الآن.
وتقع هذه النسخة في خمس وخمسين ومائة ورقة من الحجم الكبير، بخط مغربي جميل.
وهي نسخة أمر بنسخها الخليفة الإمام الواثق بالله المعتمد عليه، أمير المؤمنين أبو العلاء، ابن الأمير المجاهد في سبيل الله أبي عبد الله ابن المجاهد في سبيل الله أبي حفص، ابن الخليفة الإمام أمير المؤمنين.
وكان كمالها في عاشر جمادى الأولى، وأكلت الأرضة بقية التاريخ.
وأبو العلاء هذا هو إدريس المعروف بأبي دبوس، آخر ملوك الموحدين، الذي ملك مراكش من المحرم سنة خمس وستين وستمائة، إلى المحرم سنة ثمان وستين وستمائة.
وهو ولد أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن، الذي أشار على أبي عبدالله بن المناصف بتأليف الكتاب.
وعلى أول النسخة تحبيس يظهر أنه مريني على المدرسة بقصبة مراكش، وتحبيس على ضريح أبي العباس السبتي مؤرخ برابع وعشرين جمادى الآخرة عام ثمانية وخمسين ومائة وألف.
وكان الشيخ عبد الحي الكتاني قد وقف على هذه النسخة بالخزانة العباسية، قبل نقلها لمكتبة ابن يوسف، حسبما ذكره في الترجمة التي كتبها لابن المناصف أول نسخته من (الدرة السنية) قال: ولم أره بغيرها.
موضوعاته
وقد تكلم فيه على حد الجهاد ووجوبه، وتفصيل أحكامه، وحكم الهجرة. وعلى فضائل الجهاد، والرباط والنفقة في سبيل الله، وما جاء في طلب الشهادة.
وعلى شرط صحة الجهاد، وما يحق فيه من طاعة الإمام ومياسرة الرفقاء، وما جاء في آداب الحروب، والدعوة إلى القتال.
وعلى وجوب الثبوت والصبر عند اللقاء وحكم المبارزة، وما يحرم من الانهزام، وهل يباح الفرار إذا كثر عدد الكفار؟
وعلى ما يجب وما يجوز أو يحرم من النكاية في العدو والنيل منهم، ومعرفة أحكام الأسرى والتصرف فيهم.
وعلى الأمان وحكمه، وما يلزم من الوفاء به، والفرق بينه وبين مواقع الخديعة في الحرب، وهل تجوز المهادنة والصلح.
وعلى الغنائم وأحكامها، ووجه القسم، ومن يستحق الإسهام؟ وبم يستحق؟ وسهمان الخيل؟ وما جاء في تحريم الغلول.
وعلى النفل والسلب، وأحكام الفيء والخمس. ووجوه مصارفهما وتفصيل أحكام الأموال المستولى عليها من الكفار.
وعلى حكم ضرب الجزية، وشرط قبولها، وممن يحق أن تقبل من أصناف الكفر؟ ومقاديرها على الرؤوس وما يجب لأهلها وعليهم.
وعلى المرتدين، والمحاربين، وقتال أهل البغي، وتفصيل أحكامهم وذكر ما يتعلق بجناياتهم، ويلزم من عقوباتهم.
ويتجلى من هذا العرض أن هذه الموضوعات التي تناولها المؤلف تتصل:
بالعلوم القرآنية: من تفسير، وأسباب نزول، وناسخ ومنسوخ وفقه القرآن.
وبالعلوم الحديثية: من نصوص الأحاديث ومخرجيها، وتأويل مختلف الحديث، وفقه الحديث، وفضائل الأعمال، والوعظ والإرشاد.
وبالدراسات الفقهية: من أصول الفقه، والخلاف العالي المعبر عنه بالفقه المقارن، والقانون الدولي، العام والخاص، والقانون العسكري، والمالي.
ونسب له خير الدين الزركلي في (الأعلام) (7 -114) كتاباً في أصول الدين.
وآخر في السيرة النبوية.
ويظهر أنهما قسمان من (الدرة السنية) السابقة الذكر.
ونقل القاضي عباس بن إبراهيم المراكشي في (الإعلام) بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (ج 3 ص 97) عن نفح الطيب قول ابن مسدي:
أملى علينا ابن المناصف النحوي بدائية، على قول سيبويه: (هذا باب ما الكلم العربية) عشرين كراساً، بسط القول فيها في مائة وثلاثين وجهاً.
متوهماً أن المراد أبو عبد الله، مع أن ابن المناصف النحوي هو أخوه أبو إسحاق إبراهيم، وهو الذي كان قاضياً بدانية، وتوفي قاضياً بسجلماسة.
وقد ترجمه ابن الآبار والسيوطي في (بغية الوعاة) (ص 185) ونسب له العشرين كراساً المذكورة.
ومن الغريب أن عباس بن إبراهيم ترجم لأبي إسحاق هذا في الجزء السادس الذي ما يزال مخطوطاً من (الإعلام) (ص 264 نسخة خاصة) ناقلاً عن ابن الآبار، ولم يسمه بابن المناصف، ولم يشر إلى أنه أخو أبي عبد الله، كما لم ينسب له العشرين كراساً!.
هذا وقد روى أبو عبد الله محمد بن عبد الملك القيسي المنتوري المتوفى سنة 834 في (برنامج مروياته) تآليف القاضي أبي عبد الله محمد بن عيسى بن أصبغ بن المناصف الأزدي القرطبي ومنظوماته بسنده إلى مؤلفها.
لحالة الفقهية على عهد ابن المناصف
وقبل بيان منهجه في (الإنجاد) و(الدرة السنية) وإيراد أمثلة في اختيارات المؤلف الأصولية والفقهية نشير إلى الحالة الفقهية في عصره.
فمن المعلوم أن الغرب الإسلامي، في المغارب الأدنى والأوسط والأقصى وما والاها من الصحراء الكبرى وما يقع جنوبها من الأقطار الإسلامية وإلى الأندلس كلها، قد تمسك فقهاؤه وقادة الرأي فينه بالمذهب المالكي ونبذوا ما عداه من مذاهب الفقهاء المسلمين من سنيين ومبتدعين، وخاضوا معارك فكرية عنيفة في هذا السبيل ضد السلطة القائمة أحياناً، ومعها وبتأييدها أحياناً أخرى.
وقد قامت الدولة الموحدية -التي ولد المؤلف ونشأ وعاش في عهدها -على أساس الدعوة إلى العمل بالحديث النبوي ومحاربة فقه الرأي، والتقليد المذهبي، وفي عهد المؤلف أحرق الموحدون كتب الفقه المالكي، وامتحنوا فقهاء المالكية واضطهدوا بعضهم، ويقال إن خلفاء الموحدين كانوا يتجهون، في نطاق العمل بالحديث ومحاربة الرأي اتجاهاً ظاهرياً حزمياً، وقد عرفت هذه المنطقة على عهدهم جماعة من المحدثين الظاهريين.
ذكرت منهم في كتابي (طبقات المجتهدين وأعداء التقليد في الإسلام) ممن عاصروا ابن المناصف ممن هم أكبر منه سناً أو أصغر حوالي ثلاثين شخصاً.
منهم أمير المؤمنين أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الموحدي (ت 550هـ) صاحب المحادثة الشهيرة مع أبي بكر ابن الجد، التي أوردها عبد الواحد المراكشي في المعجب. والتي قال فيها لابن الجد: والله ليس إلا هذا، وأشار إلى المصحف، أو هذا، وأشار إلى سنن أبي داود، أو السيف!
وولده أمير المؤمنين أبو يوسف يعقوب المنصور بالله (ت 595) الذي أمر برفض فروع الفقه، وإحراق كتب المذاهب، وأن الفقهاء لا يفتون إلا من الكتاب والسنة النبوية، ولا يقلدون أحداً من الأئمة المجتهدين بل تكون أحكامهم بما يؤدي إليه اجتهادهم من استنباطهم القضايا من الكتاب والحديث والإجماع والقياس.
وامتحن جماعة من الفقهاء اتهموا بإقراء الفروع منهم أبو بكر الجياني محمد بن علي بن خلف التجيبي الإشبيلي (ت 596هـ) الذي سجن وكاد يقتل صبراً. كما سجن وأخيف أبو الحسين بن زرقون محمد بن محمد بن سعيد الإشبيلي (ت 621هـ) واختفى أبو محمد عبد الكبير ابن أبي بكر محمد بن عيسى بن محمد بن بقي الغافقي.
وليعقوب المنصور فتاوى مجموعة حسبما أداه إليه اجتهاده.
ومنهم أبو الوليد بن عفير: سعد السعود بن أحمد الأموي اللبلي المحدث الحافظ (ت 588هـ له كتاب حفيل في السنن سماه (السبيل).
ومنهم قاضي القضاة أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء اللخمي القرطبي (ت 592هـ) صاحب (الرد على النحويين).
وقاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مروان التلمساني (ت 601هـ) الذي مدح المنصور بقطعة. يقول فيها:
قطعتم فروعاً قد أضرت بأصلها!
إلا هكذا من كان بالعدل يشمل
والقاضي أبو محمد ابن حوط الله عبد الله بن سليمان الأنصاري (ت 612هـ: القائل):
عليك كتاب الله والسنن التي رواها رسول الله والعدل فالعدل هما الحق والبرهان والنور والهدى فما لهما عدل ولا عنهما عدل ودع عنك آراء الرجال فما لمشتر يها بدين الله صرف ولا عدل! والقاضي أبو الحسن ابن خطاب علي بن عبد الله المعافري الإشبيلي (ت 629هـ).
وأبو العباس ابن الرومية النباتي أحمد بن محمد الأموي الإشبيلي المحدث الحافظ صاحب المؤلفات العديدة (ت 637هـ).
وأبو علي الزبار: عمر بن أحمد الأنصاري الطرياني (ت 637هـ) اختصر صحيح مسلم وأضاف إليه زيادات البخاري.
وأبو بكر ابن سيد الناس اليعمري محمد بن أحمد الإشبيلي دفين تونس (659هـ).
وقد عرف الفكر الإسلامي وخصوصاً في الغرب الإسلامي صراعاً عنيفاً حول الأشخاص، فقد كان مقلدة المالكية يركزون على (مناقب) الإمام مالك مثلاً وأحقية مذهبه بالاتباع، مع التأكيد على أن الأمر قد استقر على التزام (تقليد) مذاهب معينة لا مجال للتفكير في الخروج عنها أو مخالفتها، وإنما المجال الوحيد الباقي هو المفاضلة بينها والنتيجة المحتومة التي لا محيد عنها لهذه المقارنة هي أفضلية (المذهب المالكي وأحقيته وحده) (بالتقليد) والاتباع، مثل ما نجد عند القاضي عياض في مقدمة (ترتيب المدارك)، بينما كان أعداء التقليد المذهبي من أنصار الحديث مثل عبد الله بن حزم وأتباعه ينكرون ادعاء القول بعصمة أحد غير الأنبياء كائناً من كان، ويلحون على تكامل الفكر الإسلامي السني وإمكانية إصابة أي مجتهد أو خطئه ولذلك كان كثير من فقهاء المالكية يغالون في الطعن في ابن حزم والنيل منه في إقذاع وفحش متناهيين في كثير من الأحيان، بينما يغلو بعض أنصار ابن حزم من جهتهم في تقديسه وتعظيمه، وكانت هذه المعركة على أشدها على عهد ابن المناصف.
وقد درس ابن المناصف فقه الرأي المالكي على أعلامه، حتى صار مبرزاً في معرفة الشروط، بصيراً بعللها، وكان شديد العناية بكتابة التلقين جيد النظر في فقهه، وتبيين غوامضه، كما قدمنا.
كما روى الحديث عن أعلامه، ومن بينهم أبو الخطاب ابن (دحية الظاهري).
آراؤه الأصولية والفقهية
وفي ضوء هذا الجو الفكري الذي نشأ فيه ابن المناصف وتعلم وتكون، نحاول التعرف على آرائه الخاصة.
ولما كانت الاختيارات الفقهية نتيجة لاختيارات أصولية سابقة، فمن الضروري التعرف أولاً على بعض اختياراته الأصولية التي نجدها في المعلم الثاني من (الدرة السنية).
1 -فخبر الآحاد -وإن كان لا يفيد علماً ضرورياً -فإن الله تعبد العباد به، خلافاً لمن أحال التعبد به عقلاً، ولمن منع التعبد به شرعاً.
2-والإجماع حجة قطعية، بظواهر الآيات الكثيرة، والأحاديث المتواترة المعنى.
3 -ولا يقدح في الإجماع خلال المبتدع الكافر ببدعته، أما إذا كانت بدعته لا تؤدي به إلى الكفر، فخلافه قادح في الإجماع.
4 -وذهب داود وأهل الظاهر إلى امتناع إجماع غير الصحابة ومذهب الجمهور جوازه في كل عصر:
لكنه يعود كالمظنون أما الصحابة فنص قاطع إجماعهم حقاً ولا منازع 5 -وإذا اختلف المجتهدون في مسألة على قولين فلا يجوز إحداث قول ثالث، خلافاً لبعض شذاد الظاهرية.
6 -وإذا لم يجد المجتهد دليلاً من قرآن أو سنة أو إجماع اعتمد البراءة الأصلية.
7 -وقول الصحابي غير حجة.
8 -وقال قوم باتباع المصلحة التي راعاها الشرع في حفظ الدين والأنفس والعقول والأموال.
وبعدما أورد عدة أمثلة قال: إن بعضها يمكن تسليمه، وبعضها لا يحسن.
ولكنه عاد فقال: إن الصحيح منع كل ما لا يشهد له دليل الشرع بالتعيين، وهو القرآن والسنة والإجماع.
8 -ويعزي للنعمان القول بالاستحسان.
وأنه يقضي به في حال وذاك قول ظاهر المحال ... وليس الاستحسان أصلاً فاعلم ولا له في الشرع من ترسم!
9 -وينكر اعتبار العرف والعادة:
إذ لا اعتبار في خطاب الشرع بعادة في الرفع أو في الوضع!
10 -وصيغة الأمر تدل على الوجوب، إلا إن وقع النص على أنها للندب فتصرف إذا ذاك عن الوجوب، وذلك ما تدل عليه الروايات المستفيضة عن الصحابة، وعليه جمهور الفقهاء.
وقال قوم: إنها تدل على الوجوب بالوضع أيضاً، وقال آخرون: لا تدل على الوجوب لا بالشرع ولا بالوضع!
والمرتضى عندي هنا في الشأن وجوبه بالشرع لا اللسان
11 -وبعدما حكي مذهبين في تعيين اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه قال:
والمذهبان في محل النظر والبحث للمجتهد المعتبر
12 -وأقل الجمع ثلاثة، وقد يستعمل في الاثنين مجازاً ووهم من قال: أقل الجمع اثنان.
وإنما زل عن الصواب من لم يمارس صنعة الإعراب!
13 -والمفهوم، أو دليل الخطاب، وهو الذي يفهم نفي الحكم عما عدى الموصوف، كقوله تعالى: { _ . ف ق } ]المائدة: 95[ ، فتخصيص العمد هل يدل على نفي الحكم عما عداه!
وبعدما ذكر أن الصحيح أنه ليس بدليل، عاد فذكر أن الناس اختلفوا في ذلك على ثلاث فرق: مثبت وناف، ومفصل، وقال: إن التفصيل هو الأرجح عند النظر، وهو على أربعة مراتب:
الأولى: ما يستبعد مفهومه، كالتعمد في قتل الصيد، وقد قال بالمفهوم في هذه جماعة من كبار الأئمة كمالك والشافعي.
وقال قوم منهم القاضي أبو بكر بن الطيب (الباقلاني) وابن شريح: أن ذكر الوصف لا يقتضي نفي الحكم عن غيره.
وهو الذي يبدو له الترجيح والمسلك المحقق الصحيح الثانية: الشرط، وقد ذهب شريح إلى اعتباره، وذهب القاضي لرفضه: وهو الأصح في طريق العلم!
الثالثة: الحصر بإنما والألف واللام، وقد أثبته قوم ونفاه آخرون وفصل القاضي أبو بكر بن الطيب فأنكره في الألف واللام، وقال في إنما: إنها ظاهرة في الحصر، محتملة للتأكيد.
ومذهب القاضي إلينا أعجب.
14 -15 -القياس والاجتهاد
وقد كانت المعركة عنيفة بين أهل الحديث وأهل الرأي وخصوصاً على عهد الموحدين، حول إثبات القياس واعتباره دليلاً شرعياً، أو إنكاره، وحول الاجتهاد أو تقليد مذهب معين.
ولذلك كان من المهم التعرف على موقف ابن المناصف من المسألتين: فأما القياس فإنه عقد باباً لدلالة الألفاظ من حيث المعنى والمعقول وهو المعبر عنه بالقياس، ابتدأه بالدعاء للقارىء ليبصر الحق ويتبعه ثم يستعيذ بالله من التقليد بغير برهان، فهو الذي يورط الإنسان في عمليات الخطأ.
نعوذ بالله من التقليد بغير برهان ولا تسديد ... وطالما استمر خبط الناس في المسلك المعروف بالقياس واختلفوا فيه اختلافاً طبق الآفاق، ما بين ناف ومثبت: ففرقة تزعمه واجباً شرعياً قطعياً أو تضيف إلى ذلك وجوبه عقلاً أو تدعي الإجماع عليه نقلاً.
* * * اتهامات مترجميه
وعلى ضوء هذه النتائج التي توصلنا إليها من آثاره، نعود إلى الاتهامات التي اتهمه بها مترجموه.
1 -فقد اتهمه ابن الآبار بأنه لم يكن له علم بالحديث، ولا عناية بالرواية، مع أنه قال: إنه سمع من أبي عبد الله بن أبي درقة ومن أبي عبد الله التجيبي، وله رواية عن أبيه عن جده، ولم يعل إسناده، وأنه استجازه فأجاز له.
وعبارة الرعيني: وعناية بالنظر أغلب عليه من الرواية.
وعبارة ابن عبد الملك: وكان مقلاً من الرواية، ضابطاً لما يحدث به ثقة فيه.
وزاد ابن عبد الملك كما تقدم: أنه روى أيضاً عن أبي الخطاب ابن دحية.
وأورد ابن عبد الملك ثلاثة وعشرين ممن رووا عنه: منهم الفقيه المحدث الحافظ أبو بكر ابن سيد الناس اليعمري، ومنهم الفقيه الحافظ المحدث المتقن أبو بكر محمد بن محرز الأندلسي نزيل بجاية، ومنهم أبو الخطاب محمد بن خليل اللبلي، وإن كان ابن عبد الملك لم يذكر ابن المناصف من شيوخه أثناء ترجمته.
قال: وحدثنا عنه من شيوخنا أبو الحسن الرعيني، وأبو محمد حسن بن القطان.
وقد رأيناه عارفاً بالحديث مفرقاً بين ما يصلح منه للاحتجاج به ومالا.
وبهذا يتبين تهافت ما قاله ابن الآبار.
2 -واتهمه ابن الآبار وابن عبد الملك بأنه كانت فيه حدة مفرطة، ونحن لا نجد في آثاره أي أثر لهذه الحدة. بل إننا نجد في كل من الإنجاد والدرة السنية هدوء أعصاب، أين منها ما نجده في كلام ابن حزم أو ابن العربي المعافري مثلاً، وفي النماذج والأمثلة التي أوردناها من كلامه فيما سيأتي ما يؤيد ذلك.
3 -واتهمه الرعيني بأنه يقطع نفسه رتبة الاجتهاد، فإن كان يقصد بذلك توقفه أحياناً عن ترجيح أحد الأقوال التي يوردها فهذا فيما نرى مظهر من مظاهر التحري والتثبت وترك المجال للمجتهد واحترام آراء المجتهدين.
وإن كان يقصد ضعف وجهة نظره فيما يختاره فتلك دعوى تحتاج إلى تمحيص.
4 -واتهمه ابن عبد الملك المراكشي بأنه كان مائلاً إلى القول بمذهب الشافعي، ناصراً له، مناظراً عليه!.
ونحن عند الرجوع إلى آثار ابن المناصف نجده -كما قدمنا وكما سيأتي -إذا كان يوافق الشافعي أحياناً، فإنه يخالفه أحياناً، وليس ذلك شأن الناصر له المناظر عليه.
5 -وأما ترجمة أحمد بابا السوداني ومحمد مخلوف له في (المالكية) فلعل مرجعه إلى أنه -وإن كان قد خالف في ترجيحه واختياراته المذهب المالكي في كثير من المسائل -فإنه لم يصدر منه في حق مالك والمالكية ما من شأنه أن يثيرهم أو يجرح عواطفهم.
وإلا فإن ابن المناصف لم يكن مجتهد مذهب يختار داخل نطاق المذهب وفي دائرة أصوله الخاصة، بل كان -كما يتبين من الأمثلة والنماذج التي أوردناها فيما بعد -فقيهاً مختاراً لا يلتزم أصول مذهب مالك كما لا يلتزمه في الفروع.
وعلى كل حال، فهو من باب ما قاله ابن السبكي عن ابن المنذر الذي لم يخرجه اجتهاده المطلق -في نظر ابن السبكي -عن أن يبقى مع ذلك شافعياً!
----------
الاجتهاد والمجتهدون بالأندلس والمغرب
المؤلف : محمد إبراهيم بن أحمد بن جعفر الكتاني الحسني
المحقق : الشريف حمزة الكتانى
مقتطف من كتاب الاجتهاد والمجتهدون بالأندلس والمغربالمؤلف : محمد إبراهيم بن أحمد بن جعفر الكتاني الحسني،تحقيق : الشريف حمزة الكتانى.

http://www.oloum-omran.ma/Article.aspx?C=10462
 
أعلى