العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر
مراعاة للعوائد والبيئة المصرية
الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

يزعم بعض الناس أن الإمام الشافعي كان يفتي في العراق بفتاوى ولما ذهب إلى مصر أصبح يفتي بخلاف ذلك لاختلاف البيئة بين مصر والعراق وبالتالي أصبحت له فتاوى تناسب أهل العراق وفتاوى تناسب أهل مصر؟ وهذا الزعم ليس بصحيح فلم يثبت أنه كان للإمام الشافعي رحمه الله فتاوى تناسب أهل العراق وأخرى تناسب أهل مصر، ولكن المقرر في كتب المذهب الشافعي هو أن الإمام الشافعي كان له مذهبان مذهب في العراق وهو المذهب القديم تلقاه عنه تلاميذه هناك وألَّف فيه كتباً ثم إنه عندما انتقل إلى مصر مروراً بمكة التقى بعدد من العلماء ونقلة الأحاديث وتراجع عن كثير مما كان عليه بالعراق، وهو ما أصبح يُعرف بالمذهب الجديد، ولم يكن آنذاك يُعرف بمذهب العراق ومذهب مصر. وهذا المذهب الجديد قيل إنه تشكَّل قبيل مغادرته العراق إلى مكة، وقيل قبل مغادرته مكة، لكن من المقطوع به أنه كتبه وأصَّله في مصر، فهو إذن لا علاقة له بكونه في مصر أو في العراق

ومما يدل على ذلك:
1- أنه لو كان الأمر مجرد فتاوى تناسب كل بلد لما أمر رحمه الله بشطب كتبه التي ألَّفها في العراق وحرَّم على الناس روايتها، فقد كان يقول: (ليس في حلٍّ من روى عني القديم) (البحر المحيط) للزركشي (4/584)، بل لجعل لكل بلد فتاواه التي تناسبه.
2- ولو كان الأمر كما يزعم هؤلاء لأفتى أصحابه بالعراق بأقواله القديمة والواقع خلاف ذلك.
3- أن أئمة المذهب الشافعي والذين هم أدرى به لم يذكر أحدٌ منهم هذا السبب، فهل هؤلاء المتأخرون أعلم بذلك منهم؟!. بل عندما اختار بعضهم شيئاً من أقواله القديمة لم ينسبوها إليه، بل اختاروها لرجحان أدلتها من وجهة نظرهم.
4- أن أئمة المذهب الشافعي صرَّحوا بأنه لا يجوز تقليد الشافعي في مذهبه القديم ولو كان المقلِّد من أهل العراق، فكيف يزعم هؤلاء أن السبب اختلاف البيئة واختلاف المكان.
5- لو صح أن سبب تغيير الإمام الشافعي لمذهبه في مصر اختلاف المكان لما قلَّده الشافعية في غير مصر والمعلوم لدى طلاب العلم أن أئمة الشافعية أين ما كانوا قد أخذوا بمذهبه الجديد الذي أسسه في مصر حتى أهل العراق أنفسهم، وكتاب الأم وهو العمدة في المذهب الشافعي إلى الآن؛ ألَّفه في مصر، لذلك قال النووي في المجموع (1/66): (كل مسألة فيها قولان للشافعي رحمه الله قديم وجديد، فالجديد هو الصحيح وعليه العمل)، وقال (1/68): (ليس للمفتي ولا للعامي المنتسب إلى مذهب الشافعي رحمه الله في مسألةِ القولين أو الوجهين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر بل عليه في القولين العمل بآخرهما) ولم يفرق بين كون هذا المفتي في العراق أو مصر أو غيرهما.
والعجيب في الأمر أن الذين يزعمون أنه غيَّر مذهبه لتغير عوائد الناس وطبائعهم إنما يريدون بهذا الزعم إصدار فتاوى تيسر على الناس ولو خالفت الدليل زاعمين أن الإمام الشافعي أفتى بفتاوى تناسب أهل مصر تيسيراً عليهم، وجهل أولئك أن فتاوى الإمام حسب أصوله في مصر أشد من فتاواه في العراق، ومذهبه في العراق أقرب إلى التيسير، وأنه بنى مذهبه الجديد على الاحتياط، وعدم القول بالمصالح المرسلة التي يدندن حولها القوم، ولا عبرة بالعرف عنده بل العبرة بالنص والالتزام بظاهر النصوص كما سيظهر ذلك من خلال بعض الأمثلة التي سأوردها لك بعد قليل، ولا توجد مسألة واحدة تراجع عنها الإمام لتغير الظروف بين مصر والعراق، والبينة على المدعي، وهيهات!.

ومن أمثلة الفتاوى التي أفتى بها في مصر وكان رأيه فيها أشد من رأيه في العراق كما هو مبثوث في كتب الشافعية:
1- استعمال أواني الذهب والفضة، في القديم: يكره كراهة تنزيه، وفي الجديد: يكره كراهة تحريم.
2- المسح على الخفّ المخرق، في القديم: إن كان الخرق لا يمنع المشي عليه جاز، وفي الجديد: إن ظهر من الرِّجل شيء لم يجز.
3- ترك الفاتحة نسياناً، في القديم: تسقط عنه القراءة بالنسيان، وفي الجديد: لا تسقط.
4- الغسل من ولوغ الكلب، في القديم: لا يجب غسله، وفي الجديد: يغسل ستاً.
5- ترك الترتيب في الوضوء ناسياً، في القديم: صحيح، وفي الجديد: باطل.
6- النوم في الصلاة، في القديم: لا ينقض الوضوء، و في الجديد: ينقض.
7-امرأة المفقود، في القديم: تتربص أربع سنين من وقت انقطاع خبره، ثم تعتد عدة الوفاة: أربعة أشهر وعشرة أيام، وفي الجديد: لا تعتد ولا تنكح أبداً حتى يأتيها يقين وفاته، فأخذ في القديم بقول ابن عباس رضي الله عنهما الأيسر، وأخذ في الجديد بقول علي رضي الله عنه الأشد.
والأمثلة كثيرة يمكن الرجوع إليها في مظانها، ويلاحظ أنه لا أثر لاختلاف المكان والبيئة في اختلاف قولي الإمام الشافعي القديم والجديد في هذه المسائل كلها، وإنما يرجع سبب الاختلاف إلى إحكام مذهبه وضبطه بالأدلة الشرعية كما قال تلميذه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لما قيل له: (ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين أحب إليك أم التي عند المصريين؟، قال: عليك بالكتب التي وضعها بمصر، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم ذلك).(مناقب الإمام الشافعي للبيهقي 1/263(
فهذا تلميذه وأعرف الناس به أرجع سبب تغير مذهب إمامه إلى الإحكام والضبط، ولو كان للبيئة والمجتمع سبب في ذلك لذكره.
فالقول بأن هذا هو السبب قول باطل وعري عن الصحة ولا يستقيم مع التحقيق العلمي ولا يقوله إلا جاهل أو صاحب هوى.
وليس معنى ذلك أن الفقيه لا يجوز له أن يغير فتواه بتغير الزمان والمكان، بل هذا ممكن في المسائل الاجتهادية المبنية على العرف والمصالح ورفع الحرج، أما المسائل المبنية على الأدلة الشرعية الصحيحة، فهي ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان .


والله أعلم.

المصدر
http://www.google.iq/url?sa=t&rct=j...NlyzTBz6xYxnDYiCw&sig2=RP9N7xHOxmNRT_aHBx3h1Q
 
إنضم
21 ديسمبر 2009
المشاركات
52
الجنس
ذكر
التخصص
شريعة وقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
البويرة
المذهب الفقهي
المالكي
رد: خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

بارك الله فيكم على هذا الموضوع الجيد الماتع والدقيق في الوقت نفسه،
الكثير ممن ينتسبون إلى الشريعة لا يراعون التدقيق في مثل هذه الأمور، الفرق شاسع -كما أبرزتم ذلك- بينالقول إن الامام الشافعي له مذهب قديم وآخر جديد لما تبين له الدليل -هنا الدليل هو الذي به غير رأيه-؛ وبين أن نتقول إن الامام له مذهبين نتيجة تغير البيئة الاجتماعية، وهنا البيئة هذه هي التي أثرت في الامام أن يغير في رأيه، وهو مخالف للصواب. والله أعلم
فبارك الله فيك عن هذه اللفتة المباركة
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

وفيكم بارك الله أخي الكريم
 
إنضم
3 سبتمبر 2008
المشاركات
43
التخصص
أداب
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
المالكي
رد: خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

بسم الله الرحمان الرحيم جزاكم الله خيرا
 

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

وجزاكم الخير أخي الكريم
 
إنضم
4 ديسمبر 2011
المشاركات
100
التخصص
المذهب الشافعي
المدينة
دمشق ، درعا
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

إن الامام الشافعي له مذهب قديم وآخر جديد لما تبين له الدليل -هنا الدليل هو الذي به غير رأيه-

وهذه هي الدعوة الثانية التي يُقال : إن الإمام غيَّر مذهبَه بسببها ، وهي أنه اطلع على أدلة أخرى ، وهي دعوى باطلة كما لا يخفى

والصحيح أن سبب تغيير الإمام مذهبه هو تغير طريقة الاستنباط عنده وتغير قواعده في الأصول ، وما أجمل نص الإمام أحمد المنقول آنفا في ذلك
وما ذكرته هو ما ذكره بعض مشايخنا وإليه أشار في التحفة بقول :
ومن الخوارق التي لم يقع نظيرها لمجتهد غيره استنباطه وتحريره لمذهبه الجديد على سعته المفرطة في نحو أربع سنين .ا.هـ.
 
إنضم
4 ديسمبر 2011
المشاركات
100
التخصص
المذهب الشافعي
المدينة
دمشق ، درعا
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

إن الامام الشافعي له مذهب قديم وآخر جديد لما تبين له الدليل -هنا الدليل هو الذي به غير رأيه-

وهذه هي الدعوة الثانية التي يُقال : إن الإمام غيَّر مذهبَه بسببها ، وهي أنه اطلع على أدلة أخرى ، وهي دعوى باطلة كما لا يخفى

والصحيح أن سبب تغيير الإمام مذهبه هو تغير طريقة الاستنباط عنده وتغير قواعده في الأصول ، وما أجمل نص الإمام أحمد المنقول آنفا في ذلك
وما ذكرته هو ما ذكره بعض مشايخنا وإليه أشار في التحفة بقول :
ومن الخوارق التي لم يقع نظيرها لمجتهد غيره استنباطه وتحريره لمذهبه الجديد على سعته المفرطة في نحو أربع سنين .ا.هـ.
 

محمد إبراهيم صبري

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 يوليو 2011
المشاركات
125
الكنية
ابو إبراهيم
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
القدس
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: خطأ القول بأن الإمام الشافعي غير مذهبه في مصر مراعاة للعوائد والبيئة المصرية الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف

بارك الله في الجميع على هذه المداخلات المفيدة الماتعة.
وكل ما ذكر هو صحيح ، أي أن المجتهد المطلق بشكل عام وبما امتلكه من ملكة فقهية وقدرة على الاستنباط والاجتهاد ، يستطيع أن يغير فتواه ، سواء أكان هذا التغيير بدليل ترجح عنده أم بتغير طرق الاستنباط عنده أم بتغير العرف السائد في البلد. ولكل اجتهاد نظر ، والذي يراجع فقه الإمام الشافعي يجد ذلك جليا واضحا. والله تعالى أعلم.
ومع ذلك يجب التأكيد على أن الأحكام الشرعية المبنية على العرف ، تختلف بطبيعتها من بلد إلى آخر وفق ما يقتضيه عرف البلد ، فما يفتى به في فلسطين يختلف عما يفتى به في مصر ، والذي يفتى به في أرض الحجاز يختلف عما يفتى به في العراق ، وهذا طبعا متعلق بالأحكام التي تبنى على العرف ، وأهل كل بلد أدرى وأعلم بما يصلح معاشهم ويلائم حالهم. والله تعالى أعلم.
 
أعلى