العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

القياس أحد نوعي التوقيف و أنه تمسك بعموم المعنى من كلام الإمام الغزالي

إنضم
24 يناير 2012
المشاركات
1,296
الجنس
ذكر
الدولة
سريلانكا
المدينة
كولومبو
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
فائدة أصولية في باب القياس

يقول الإمام الغزالي في كتابه "أساس القياس" في "فصل في بيان م عنى لفظ القياس لا على وجه يقابل التوقيف"

و قال رحمه الله : إنا بينا في أول الكتاب أن
لفظ القياس مشترك ، قد يفهم منه الرأي المحض الذي يقابل التوقيف حتى يقال "الشرع إما توقيف و إما قياس" و هذا الذي ننكره و هو الذي يتعرض لتشنع الظاهرية و التعلمية.

و
أما إذا لم يرد به هذا المعنى فلا ننكره و هو أن يقال: الأحكام الشرعية تنقسم إلى تعبدات و تحكمات جامدة لا تعقل معانيها كرمي الأحجار إلى الجمرات في الحج و إلى ما تعقل معاني و مقاصد الشرع منها كما يعقل من استعمال الأحجار في الاستنجاء و أن المقصود منه تخفيف النجاسة و كما يعقل من صرف المال إلى الفقراء ، إذ المقصود إزالة حاجاتهم و فاقاتهم و هذا توقيف كما أن الرمي في الحج توقيف و لكن ذلك توقيف مجرد لا يقترن به فهم مقصود الشرع من ذلك التوقيف و هذا يقترن به فهم مقصود معقول فيسمى هذا النوع - و هو أحد نوعي التوقيف - قياسا لما انقدح فيه من المعنى المعقول و يخص اسم الآخر باسم التوقيف و إن كان اسم التوقيف عاما و لكن خصص هذا الاسم بما هو توقيف فقط.

فقد تخصص اسم الطرد من جملة أنواع القياس بما هو طرد فقط و إن كان المخيل أيضا مطردا و تخصص اسم الشبه بما هو شبه فقط و إن كان المخيل أيضا شبها ، إذ يشبه الفرع الأصل في المعنى المخيل كما يشبه في المعنى الذي لا يخيل.
تخصيص الأسامي العامة كثيرة إذ تخصص اسم الإلحاد بالميل عن الحق بالباطل و اسم الارتداد بالارتداد من الحق إلى الباطل و اسم الإخلاص بتمحيص الحق و إن كان الاسم في الوضع عاما للجانبين و القياس إذن أحد نوعي التوقيف فليس مقابلا له.

و قال رحمه الله في إحابة أحد الإيرادات في آخر "فصل في تحقيق معنى لفظ القياس و ما يتصل به " :

فإن قيل : ف
إن لم يدل الدليل على أن الإسكار مناط التحريم لم يجز الإلحاق و إن دل على أن المناط مجرد صفة الإسكار فيكون قد دل الدليل على أن كل مسكر حرام و تبين به أن ذكر الخمر خاصة وقع وفاقا كذكر الدينار في قوله عليه السلام "القطع في ربع دينار" إذ معناه : مال قيمته تعدل ربع دينار و يصير كذكر التأفيف و العبد و الرجل في الأمثلة السابقة و إذا كان المدلول عليه أن المسكر هو الحرام ، كان دخول النبيذ و الخمر و كل شراب تحت اللفظ بحكم العموم و ليس بعضها أولى من بعض. فليكن كقوله "لا تبيعوا الطعام بالطعام" فإنه يشمل السفرجل والتمر شمولا واحدا فلا يجوز أن يتوهم فيه قياس للبعض على البعض.

فالجواب
أن حقيقة الحق ترجع إلى هذا و هو أنه لا قياس و إنما رجع حاصل العمل في آخره إلى التمسك بالعموم الذي صار مدلولا عليه و لكن لإطلاق اسم القياس عليه سبب واحد و هو أن النبيذ عرف تحريمه لأنه مسكر و المسكر عرف تحريمه لأنه نص على تحريم الخمر فالأصل الأول لهذا العلم العلم بتحريم الخمر و مستند هذا العلم النص ثم هذا النص نبه على علة الإسكار و أن التحريم إجابة لما تتقاضاه مناسبة الإسكار فتحريم النبيذ ترتب على العلم بكون الإسكار مناطا و كون مناطا ترتب على العلم بتحريم الخمر الذي ترتب على النص المحرم للخمر فلما حصل على هذا الترتيب كان الحاصل أولا كالمنبع الذي يتفجر منه الماء فيجري في نهر إلى حوض حتى يستوي الماء في الحوض و النهر و المنبع على استقامة واحدة بحيث لا ينفصل البعض عن البعض فيمكن أن يقال : المنبع أصل و الحوض فرع و النهر واسطة إذ فيه ظهر الماء أولا و بواسطته انتهى إلى الحوض حتى ساواها فكذلك الأصل للقياس كالمنبع و منه تعدى العلم بالحكم إلى الفرع فسمي قياسا بهذا القدر من الاعتبار و به خالف قوله "لا تبيعوا الطعام بالطعام" فإنه لا يتميز فيه سابق عن لاحق.

و على الجملة ف
الحق الصريح من غير مداهنة أن الحكم في الفرع و الأصل منوط بعموم العلة لا بخصوص وصف الأصل و الفرع و عموم العلة معلوم بالدلالة الشاعدة للعلة كما سبق.

و هذا ما أردنا بيانه من حقيقة القياس في اللغة و العقل و الشرع و أن
جميع ذلك يرجع إلى التمسك بالعموم و أن ما ظن من أن القياس مقابل للتوقيف و أن بعض الشرع توقيف و بعضه قياس ليس بتوقيف- خطأ بل الكل توقيف لكن بعضه يمسى قياسا لترتب حصوله فقط و بعضه لا يسمى لتساوقه و عدم ترتبه. ....
 
أعلى