العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,508
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين
أيمن الشعبان
@aiman_alshaban


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لتحقيق مصالح العباد والبلاد؛ المحافظة على الكليات والضروريات الخمس، من خلال تقرير أصول كلية وترسيخ قواعد مرعية وتثبيت أسس قوية، منها الأصل الشرعي؛ تحريم النيل أو الانتقاص من عرض المسلم.

ونتيجة للابتعاد عن الفقه في الدين، وضعف التأصيل الشرعي في إصدار الأحكام على الآخرين، والعدول عن أدب وسمت السلف الصالح من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين؛ انتشرت ظاهرة، وتفشَّت نابتة - بعد أن كانت حالة - بين شريحة لا يستهان بها من الشباب، سيما الدعاة وطلاب العلم وغيرهم، ألا هي ظاهرة " الاستغراق والمبالغة والمغالاة والإسراف" في التصنيف والتجريح والتبديع والانتقاص! من علماء أجلاء ومشايخ فضلاء، على سبيل الشك والريبة والظنون بعيدا عن اليقين!
حتى لا تذهب بنا الظنون بعيدا؛ لابد من التنويه أن أصل التقسيم موجود، فقد صنف الله سبحانه الناس إلى مسلم وكافر، والكفار أصناف كما أن المسلمين درجات، إما ظالم لنفسه أو مقتصد أو سابق بالخيرات، والنفاق أقسام، فإما يلحق بالكفار أو نفاقا عمليا يبقى ضمن إطار المسلمين، وهكذا باعتبار التمسك بالسنة ومدى قربهم منها أو ابتعادهم أقسام، فلننتبه لأصل القضية.

فالتصنيف موجود وله أصل، لكن لابد من ضبط في ميزان دقيق وثيق، حتى لا تنفلت الأمور، ومن هم المخوَّلين بالتصنيف وما هي أهليتهم لذلك والنظر العميق بحال المصنَّفين؟ فلا مانع من التصنيف المشروع، القائم على النصح والأمانة، والذي ينتظمه الكلام بعلم يقي من الجهل،
وبعدل يقي من الظلم، فبهذا يتحقق الاتزان في المسألة.

أما ما نحن بصدد الحديث عنه والتطرق إليه، هو المبالغة وعدم الضبط لحقيقة التصنيف والتقسيم، حتى وصل الحال بالبعض – هداهم الله – أن جعلوا هذا أصلا من أصول الدين، لا يستقيم معتقد ومنهج الشخص إلا به!
أصل الخلل في هذه الظاهرة؛ ابتعاد الطلبة والدعاة بل عامة المسلمين المنشغلين بهذا الجانب، عن التأصيل الشرعي والتقعيد الكلي، وسبر النصوص واستقراء الأحوال قبل إصدار الأحكام، وقبل ذلك ضعف الوازع التربوي، وقلة الأدب الذي بانعدامه لا يبقى للعلم قيمة ولا لحامله مكانة، ورحم الله عبد الله بن المبارك القائل: أنتم إِلَى قليل من الأدب أحوج منكم إِلَى كثير من العلم[1] ، فكيف لو رأى زماننا؟!
قال ابن القيم: وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات لا يبالي مايقول.[2]
ولأهمية الأدب في حياتنا - خصوصا في هذه الظاهرة – وتقدُّمه رتبةً على العمل يقول الإمام القرافي: ولذلك هلك إبليس وضاع أكثر عمله بقلة أدبه. وقال الرجل الصالح لابنه: يا بني اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا، أي ليكن استكثارك من الأدب أكثر من استكثارك من العمل لكثرة جدواه ونفاسة معناه.[3]
ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية أهمية إرجاع الجزئيات والفرعيات إلى كليات وأصول، إذ يقول: لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم.[4]
إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالعدل والإنصاف، فقال سبحانه ( وإذا قلتم فاعدلوا ) في جميع الأحوال حتى مع الكفار إذ يقول عز وجل ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )، حتى لا نقع بالحيف والإجحاف.
وتحقيق العدل يحتاج لعلم وفقه وشمولية واستقراء في القواعد الشرعية وأحوال المحكوم عليه، والإنصاف يحصل بتزكية النفوس من أمراض القلوب والتجرد والتربية الصحيحة وحسن السمت والأدب، وإخلاص النية في النصيحة والنقد، لا مجرد التشفي وإظهار النقائص وازدراء الآخرين وتتبع عوراتهم، وتحقيق مكاسب موهومة من خلال التعالي والترفع على الآخرين!
قال السراج البلقيني: لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض.[5]
لقد ضرب لنا سلفنا الصالح، أروع الأمثلة والمواقف في التعامل مع أخطاء الآخرين إن وجدت، وطُرُق النصيحة وتقديم إحسان الظن، متجردين عن أي خصومة أو اعتقاد مسبق أو تربص أو زلة، ويعظُمُ ذلك في أوقات الفتن واختلاط الأمور.
قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة.[6]
وعن عبد العظيم العنبري قال:كنت عند أحمد بن حنبل، وجاءه علي بن المديني راكباً على دابة، قال: فتناظرا في الشهادة وارتفعت أصواتهما، حتى خفت أن يقع بينهما جفاء، وكان أحمد يرى الشهادة وعلي يأبى ويدفع، فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه.[7]

بخلاف ما عليه كثير من الشباب للأسف الشديد، بمجرد خلاف صغير على مسألة جزئية أو فرعية، قد تحصل القطيعة والتشهير واتهام النوايا والطعن والشتائم، منتصرين بذلك للنفس وكأن لسان حالهم" لا معصوم عن الزلل والخطأ غيرنا " وما نعتقده هو الصواب بكل الأحوال دون أدنى نقاش أو حوار!!
وقديماً قيل:

أرى كل إنسان يرى عيب غيره *** ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفى عليه عيوبه *** ويبدو له العيب الذي لأخيـه
تتبع أخطاء الآخرين وتصيدها، وتضخيمها ونشرها بين العامة من صفات اللئام، فالكرام يسترون وينصحون سرا شفقة على من خالف وأخطأ، بعيدا عن التحامل والتجني ومجرد هتك الأستار والتشفي وإظهار النقائص!
وهذا والله من مكر الله عز وجل بهذا النصف من الناس، وقلة توفيق وسوء صنيعة، يقول بكر بن عبد الله المزني: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ مُولَعًا بِعُيُوبِ النَّاسِ نَاسِيًا لِعَيْبِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ مُكِرَ بِهِ.[8]
وروى الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان بالمدينة أقوام لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فأسكت الله الناس عنهم عيوبهم، فماتوا ولا عيوب لهم، وكان بالمدينة أقوام لا عيوب لهم، فتكلموا في عيوب الناس، فأظهر الله عيوباَ لهم، فلم يزالوا يعرفون بها إلى أن ماتوا .
وروى الجرجاني في تاريخ جرجان عن أحمد بن الحسن بن هارون أنه قال: أدركت بهذه البلدة أقواما كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فـنُـسيَت عيوبهم.
وشاهد هذا حديث أبي برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمينَ ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم ، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه.[9]
قال القرطبي في التفسير: قال بكـر بن عبد الله المزني: إذا أردت أن تنظـر العيوب جملة فتأمل عيّـاباً، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب.
وقيل: من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره.
المتسرِّعون في إصدار الأحكام على الآخرين؛ يُقدِّمون الظن على اليقين، والطارئ على الأصلي، والنادر على الغالب، وسوء الظن على حسن الظن، والتعمد على التأويل، والقصد على زلة اللسان، مع أن الأصل في المسلم - سيما من ظاهره السنة والخير والصلاح – خلاف ذلك كله!
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تعجبكم في الرجال طنطنته، ولكنه من أدى الأمانة، وكف عن أعراض الناس فهو الرجل.[10]
فلا يشترط للعالم والداعية وطالب العلم، أو القيادي والرمز والموجه، أن يكون معصوم من الخطأ والزلل، حتى يكون على الجادة والطريق، فهذه صفة عزيزة نادرة.
يقول الإمام الذهبي: ليس من شرط الثقة أن يكون معصوماً من الخطايا والخطأ، فالكامل الذي ليس فيه شيء عزيز نادر الوجود.[11]
ويقول ابن الأثير: إنَّما السيد من عدت سقطاته، وأخذت غلطاته، فهي الدنيا لا يكمل بها شيء.[12]
وما نود التنبيه والتنويه له لأهميته في هذا المقام؛ أن من عُرفَ بصلاحه وحسن معتقده ومتابعته للسنة، وحرصه على نشر الخير والدعوة إلى الله على بصيرة، ثم ظهر منه ما يخالف ذلك فلا نسارع للتضليل والتبديع والتجريح، بل ننصحه بحكمة وموعظة حسنة، ولا نتابعه على ما وقع فيه.
يقول الإمام الذهبي في معرض ترجمته للتابعي قتادة بن دعامة السدوسي وكان يرى القدر: إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه وأتباعه، يغفر له زلَلُه، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجوا له التوبة من ذلك.[13]
وقال السبكي: أن من ثبتت إمامته، وعدالته، وكثر مادحوه، ومزكوه، وندر جارحه، وكانت هناك قرينة دالة عَلَى سبب جرحه من تعصب مذهبي، أو غيره، فإنا لا نلتفت إِلَى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة، وإلا فلو فتحنا هَذَا الباب، أو أخذنا تقديم الجرح عَلَى إطلاقه، لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون.[14]
ينبغي أن لا يفتح هذا الباب – باب التشهير والتصيّد والتربص – وإلا لم يسلم منه أحد أبدا، فلا يوجد صنف إلا وله نقائص وعيوب فمن ذا الذي يسلم من الآفات والزلل؟!!

وأخيرا: نخلص برسائل سريعة وتوجيهات نافعة وقواعد مهمة، حتى لا نقع بشطط أو خلل، ولا نتلبس بهذه الظاهرة من غير أن نشعر، نقول وبالله التوفيق:

1- لا يشترط إذا اختلفنا أن نفترق، لأن الافتراق لا يكون إلا على أصول كبرى، ثبتت بنص أو إجماع، والاختلاف يكون فيما دون الأصول؛ وما يقبل وجهة النظر الأخرى وتعدد الرأي أو الاجتهاد.
2- في وقتنا الحاضر والفتن على أشدها، ينبغي أن نتجنب قدر الإمكان الفرقة والهجر، والمقاطعة والشحناء، ولتكن قاعدة" نتعاون فيما اتفقنا عليه وينصح بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" حاضرة في أذهاننا دوماً، بخلاف ما هو منتشر عند البعض من قولهم" ونعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" فهذا خطأ وبعيد عن أداء النصيحة واستمرارية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- من عُرِفَ بصلاحه واشتهر بعلمه وصدقه وتقواه، ثم أخطأ أو خالف بجزئية أو أمرٍ ما، أو صدرت منه زلة، فلا يجوز إظهار المثالب وإخفاء المناقب، من غير عصمة أو موالاة مطلقة ومحاباة، ولا جفاء أو تشهير وقطيعة وتنقص.
4- قبل الحكم على الشخص؛ لابد من التحري والدقة والتثبت، ثم معرفة مراد القائل وأحواله ومدلولات الألفاظ، وتصور ذلك، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وعدم الاستعجال وإطالة سلسلة الرجال، وضرورة التأنيوالتريث، وإعطاء كل ذي حقٍ حقه من المكانة، يقول ابن حجر: إن الذي يتصدى لضبط الأفعال والأقوال والرجال يلزمه التحري في النقل فلا يجزم إلا بما يتحققه لا يكتفي بالقول الشائع.
5- على المسلم أن يحفظ لسانه ويصونه من انتقاص أعراض المسلمين- سيما العلماء والدعاة وطلاب العلم-، ويبتعد عن تصنيف الناس وتبديعهم وتجريحهم، وأن يقدم حسن الظن على سوء الظن، واليقين على التأويلات والأهواء والشكوك، فنحن دعاة ولسناة قضاة.
6- الناس يقيَّمون بعلمهم وأفعالهم وسمتهم، لا بمجرد أنسابهم وأسمائهم وهيئاتهم.
7- إياك والتعصب لشخص أو اسم أو فئة أو تجمع أو حزب أو مؤسسة، وخذ الحق حيثما كان، واترك الباطل والمخالفة أيا كان صاحبها وقائلها، فهذا قمة الإنصاف والتجرد.
8- لا يعني التواصل مع بعض المؤسسات والشخصيات، والتعاون المشترك في بعض الأنشطة، الإقرار بما هم عليه من أخطاء ومخالفات، مع ضرورة النصح بالحكمة والموعظة الحسنة وعدم القطيعة.
9- اهتمام المسلم الآن بالأولويات مع تزاحم الفتن وتكاثر الشرور مهم جدا، واستحضار قاعدة ( خير الخيرين وشر الشرين ) باستمرار.
10- الانشغال بالعلم النافع والعمل الصالح، وتهذيب النفوس وتزكيتها، والدعوة إلى الله على بصيرة، والاهتمام بأحوال وجراحات المسلمين، والعمل الدؤوب لدفع كيد الكائدين؛ كل ذلك يقينا ويحجزنا عن الوقوع بآفة التسرع بإصدار الأحكام والمغالاة بالتجريح والمبالغة بالانتقاص من الآخرين، فنفسك إن تشغلها بطاعة شغلتك بمعصية.

نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، ويهدينا سواء السبيل.

مجلة الفرقان- العدد 742- الاثنين 3 ذو القعدة 1434هـ - الموافق 9/9/2013م


----------------------------------------------
[1] تاريخ دمشق.
[2] الجواب الكافي.
[3] الفروق للقرافي.
[4] مجموع الفتاوى( 19/203).
[5] محاسن الاصطلاح.
[6] سير أعلام النبلاء.
[7] جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر.
[8] الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا.
[9] صحيح الجامع.
[10] التوبيخ والتنبيه لأبي الشيخ الأصبهاني.
[11] مقدمة ميزان الاعتدال.
[12] اللباب في تهذيب الأنساب.
[13] سير أعلام النبلاء.
[14] طبقات الشافعية الكبرى.


المصدر
 
إنضم
18 ديسمبر 2012
المشاركات
39
الكنية
أبو عبد المهيمن
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
البليدة
المذهب الفقهي
أهل الحديث
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

800px-Basmala.svg.png


تَصْنِيفُ النَّاسِ
أَو
الرَّدُّ عَلَى مُنْكِرِي التَّصْنِيفِ

لفضِيلَة الشَّيخِ
عَبدُ السَّلاَمِ بنُ بَرْجَس آلْ عَبدُ الكَرِيم


قال الشيخ -رحمه الله- في مطلع رسالته : إن منة الله سبحانه وتعالى على عبده المسلم بتوفيقه إلى العمل بالسنة المطهرة وسلوك جادتها المستقيمة منة كبرى ونعمة عظمى تستحق أيها الإخوة شكراً وذكراً كثيراً إذ أن التمسك بالسنة اليوم عزيز والمتمسك بالسنة اليوم غريب أيضاً فالتمسك بالسنة مظهر من مظاهر الغربة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعها ، فأكثر المجتمعات الآن على غير السنة كما قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء"، وكما قال أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى: (السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان) ، ويقول يونس بن عُبيد رحمه الله تعالى: (ليس شيء أغرب من السنة وأغرب منها من يعرفها)، فإذا كان أيها الإخوة ، إذا كان هذا كلام أولئك الأئمة في زمانهم فما بالنا بزمننا هذا لا شك أن الغربة قد اشتد استحكامها، وعظم أمرها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فمن كان من أهل السنة فليحمد الله تعالى على هذا الفضل، وليسأل الله سبحانه وتعالى الثبات عليه، وأما من كان من غير أهلها فيا لخيبته ما أعظم مصيبته وما أشد خسارته فليَعُد إلى ربه جل وعلا وليُراجع دينه فإن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر، ومن فضل الله سبحانه وتعالى علينا أنه جل وعلا لم يُخلي زمناً من الأزمان من أهل السنة بهم تقوم حجته على الناس أجمعين فيبلغون شرع الله سبحانه وتعالى كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعون إلى لزوم السنة وترك البدع والأهواء ، وقد كنا نعهد أهل السنة والجماعة فيما نقل إلينا من سيرهم وأخبارهم وأحوالهم أمة واحدة تجمعهم السنة وإن نأت ديارهم وتباعدت أقطارهم يحنوا بعضهم على بعض ويحب بعضهم بعضا وإن لم يره حتى قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: (إذا بلغك عن رجل في المشرق صاحب سنة وآخر بالمغرب فابعث إليهما بالسلام وادع لهما ما أقل أهل السنة والجماعة) ويقول أيوب السختياني رحمه الله تعالى أيضاً: (إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة وكأني أفقد بعض أعضائي).

أما اليوم فقد كثُر المنتسبون إلى السنة وكثر اللابسون للباس أهل السنة، حتى لم يعد تمييز أهل السنة الحقيقيين من غيرهم بالأمر السهل الهين، وهؤلاء الذين تلبسوا لباس السنة وتظاهروا بالتمسك بها لم يفعلوا ذلك إلى لأجل القضاء على وحدة أهل السنة والجماعة، وتفريق صفوفهم، وضرب بعضهم ببعض، حتى تعلو راية البدعة وتسود جيوشها، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فأهل السنة مهما اندس بينهم مندس، ومهما تزيا بزيهم ماكر فإن الله سوف يهتك ستره ويفضح أمره، فما أسر عبد سريرة إلا أخرجها الله سبحانه وتعالى على فلتات لسانه وقسمات وجهه.

ولخطورة ذلك الأمر الذي أشرت إليه وهو تلبس كثير من الناس بالسنة في هذه الأزمان وهم ليسوا من أهلها، وشدة تفشي هذا الأمر وخوفي أن يندرس مذهب أهل السنة والجماعة، على أيدي أناسٍ يتسمون بهذا الاسم وليسوا من مسماه على نصيب ، فإننا في هذا المجلس نذكر بعض المسائل وبعض القضايا التي كثر طرحها في هذا الزمن وباسم أهل السنة والجماعة، وهذا الطرح الغالب الكثير ليس عليه أثارة من علم، وليس هو من مذهب السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وإنما هو إفتآت على منهج السلف الصالح وتلبيس وخداع إما لنصرة حزباً من الأحزاب التي انتشرت في هذا الزمن باسم الإسلام أو لمجرد هوى أو نحو ذلك من الأمور العظام. أقول لما كان هذا الطرح لمثل هذه المسائل باسم أهل السنة والجماعة وهو بعيد عن هذا المسمى وجب التنبيه ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلاً، ونحن في هذه العجالة نذكر بعض هذه المسائل وندلي فيها بدلونا عل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص، وتحقيق متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوفيق لمنهج السلف الصالح رضي الله عنهم. فمن هذه المسائل مسألة التصنيف، ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله ومسألة هل الكفر إنما يكون بالتكذيب أو يكون بالتكذيب وغيره، ومسألة الأحزاب والتحزب.

 
إنضم
18 ديسمبر 2012
المشاركات
39
الكنية
أبو عبد المهيمن
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
البليدة
المذهب الفقهي
أهل الحديث
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

لتوضيح الرسالة المرفقة هنا تقريبا رد على بعض جزئيات ما جاء في المقال الذي في الأعلى إذ لا يسلم له أو لهم كل ما في مقالاتهم وبالله التوفيق .
 
إنضم
27 سبتمبر 2012
المشاركات
332
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
رأس العين
المذهب الفقهي
المالكي
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

إذ لا يسلم له أو لهم كل ما في مقالاتهم وبالله التوفيق .
قلت: نعم، كما لايسلم لمنتقديهم الكثير من تخريجاتهم و ردودهم الموصوفة ( بالمفحمة) فعاد للمسألة أصلها الرصين في وجوب التحلي بأدب النصح والترفع عن الجور في التصنيف.
 
إنضم
18 ديسمبر 2012
المشاركات
39
الكنية
أبو عبد المهيمن
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
البليدة
المذهب الفقهي
أهل الحديث
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

قلت: نعم ، كما لا يسلم لمنتقديهم الكثير من تخريجاتهم و ردودهم الموصوفة ( بالمفحمة) فعاد للمسألة أصلها الرصين في وجوب التحلي بأدب النصح والترفع عن الجور في التصنيف .

الكلام المجمل هنا في هذا الموضع لا ينبغي بارك الله فيك ، وهذه مشكلة كثير من الناس أمور علمية هكذا تناقش بعمومات ، والبحث العلمي يقتضي غير هذا وهو التفصيل ، وأود من الأخ المكرم صالح - جعل الله اسمه علامة عليه أو جعل الله نصيب وافرا من اسمه - أن يجعل مثالا نتناقش فيه فإما أن يقنعني وإما أن أقنعه بالأدلة العلمية الشرعية .

وكما هو معلوم هذه من المسائل الشائكة التي اختلف فيها أراء الناس ، فتحقيق مناط الخلاف أمر مهم ، فتحقيق مناط الخلاف هو وضع اليد على الجرح فإما أن يشفى ذلك الجرح بأن يوفق الواحد فينا للحق الذي لا ريب فيه وهو واحد كما هو معلوم وإما أن يزداد المرض على مرض فلا يقوم من مرضه حتى .... .


وأود التنبيه إلى أن مرجع هذا الامور إلى كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والقرون المفضلة وكل من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

ومعلوم أنه في أصول الجدل والمناظرة والمناقشة الاتفاق على الأصول التي يرجع إليها ، وأنا متأكد أن كل ما قلته معلوم عند فضيلتك وفقني الله وإياك .

وأقول ابتداءا أن موضع الخلاف الجاري هي في الطريقة التي يسر عليها بعض مشايخنا في الردود ، ولكن أنا أوقف أخي الفاضل في وصف الردود بالجور فإما أنه يبين لنا من هو الجائر وبماذا جار وعلى من جار ونناقش كل ذلك نقطة نقطة ولا ننتقل من النقطة الأولى حتى نتفق على أمر نجعله دين ندين الله به .

ولا أريد الإطالة كثيرا حتى يتفضل الأخ الموفق بإذن الله بطرح ما عنده من علم ، حتى نستفيد وربما نفيد .

واعلم أن أصل كل هذا هو الوصول للحق .

وأسأل الله أن أكون وإياك ممن يدخلون في قول الشافعي رحمه الله : " ما ناظرت أحداً إلا لم أبال : بيَّن الله الحق على لساني ، أو لسانه " .
وأنصح نفسي وكل من يتكلم في الموضوع أن يتكلم بعلم أو ليصمت ، وأن يبتعد عما نصح به أخونا من الجور والتحلي بالصبر والنصح لله ورسوله ولعامة المسلمين .
وأني أقولها هنا أمامكم إذا سار الحوار إلى غير ما يرضي الله سأتوقف مباشرة على المشاركة .
وأرجو أن يكون الحوار منصب في موضوع واحد فلا نتشتت حتى يستفيد الجميع .
وإني أشهد الله وملائكته وأشهدكم أنتم أنه لو تبين لي الحق في غير ما أعتقد فإني لن أتردد ولو لحظة واحدة وأسأل الله الثبات على هذا ، فالرجوعُ إلى الحق خير من التمادي في الباطل .

هذا وإني أعتذر لكم عن الإطالة .
 
إنضم
18 ديسمبر 2012
المشاركات
39
الكنية
أبو عبد المهيمن
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
البليدة
المذهب الفقهي
أهل الحديث
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

أين أنت يا صالح .
 
إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

أحسن الله إليكم
لابن رجب رسالة ماتعة بعنوان :
الفرقٌ بين النصيحة والتعيير .
لم يؤلَّف في بابها مثلها .
وهي الميزان في هذا الشأن .
 
إنضم
18 ديسمبر 2012
المشاركات
39
الكنية
أبو عبد المهيمن
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
البليدة
المذهب الفقهي
أهل الحديث
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياك الله أخي في الله أحمد
أحسن الله إليكم آمين وإياك
لابن رجب رسالة ماتعة بعنوان :
الفرقٌ بين النصيحة والتعيير .
لم يؤلَّف في بابها مثلها .
أحسنت بارك الله فيك وستجدون في المرفقات الرسالة المباركة معها شرح لعالم فاضل رحم الله الإمام ابن رجب وحفظ الله مشايخنا ، وبارك الله في الأخ أحمد :
(الفرق بين النصيحة والتعيير) بشرح الشيخ صالح السحيمي -حفظه الله- (من دروس المسجد النبوي).
وهو في ست أشرطة.
http://www.archive.org/download/suhaimi-fark/1.rm
http://www.archive.org/download/suhaimi-fark/2.rm
http://www.archive.org/download/suhaimi-fark/3.rm
http://www.archive.org/download/suhaimi-fark/4.rm
http://www.archive.org/download/suhaimi-fark/5.rm
http://www.archive.org/download/suhaimi-fark/6.rm

وهي الميزان في هذا الشأن .
يا أخي الميزان هو الحق الذي في هذه الرسالة وليس الرسالة في حد ذاتها ولو لا الحق والآيات والأحاديث التي فيها لما تقبلها العلماء بقبول حسن .
والمشكل القائم الآن وفقك الله ليس في تأصيل هذه المسائل فلربما تجد كل الناس متفقة على الأصول ، لكن لما تأتي للتنزيل هنا يقع الخلاف وهذا يرجع لأمور كثيرة أذكر منها بعض الأمور :
تعصب بعض الأشخاص لمشايخهم .
عدم فهم قواعد وأصول المنهج السلفي .
عدم معرفة مراتب العلماء .
عدم معرفة تخصص العلماء وهذا أمر مهم جدا .
كثير من الأحيان لا يطلع المتعصب لشيخه على من رد عليه فهو يرد الكلام مطلقا من دون الاطلاع عليه وما يدل هذا إلا على التعصب .

وما زال الكثير والكثير فلو نحدد نربط الفرس ونتكلم بكل صراحة وشفافية وعلم وحلم وأدب وووو لأني أرى كثير من الناس لا تريد أن تقيم حوار نبين فيه آراءنا وهل هي موافقة لكلام العلماء للآيات القرآنية والأحاديث النبوية وآثار الصحابة من سلفنا ومن اتبعهم بإحسان .

والله الموفق وهو وراء القصد في انتظار تفاعل المشايخ وطلبة العلم والإخوة الأفاضل
 

المرفقات

  • الفرق بين النصي&#1.pdf
    204.9 KB · المشاهدات: 0
إنضم
18 ديسمبر 2012
المشاركات
39
الكنية
أبو عبد المهيمن
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
البليدة
المذهب الفقهي
أهل الحديث
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

[ شرح بعض جمل من كتاب الفرق بين النصيحة والتعيير ]



هذا الكتاب : الفرق بين النصيحة والتعيير .
أنت إذا نقدت شخصاً يجب أن تلتزم الحق والصدق والإخلاص ويكون قصدك بيان الحق والتنبيه على الخطأ الذي ينافي هذا الحق .
إذا كان هذا قصدك فهذا مقصد شريف وأمر عظيم تشكر عليه من الأمة كلها ولا يجوز لأحد أن يتهمك بسوء ، وإذا كان لك مقاصد سيئة وتبين بالسبر والدراسة إنك صاحب هوى فللناس الحق أن يتكلمون فيك .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : (الحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على إمام المتقين ، وخاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فهذه كلمات مختصرة جامعة في الفرق بين النصيحة والتعيير – فإنهما يشتركان في أن كلاً منهما : ذِكْرُ للإنسان بما يَكره ذِكْرَه ، وقد يشتبه الفرق بينهما عند كثير من الناس والله الموفق للصواب )[1] .
يعني : النصيحة تذكر إنساناً بشيء يكرهه – أليس كذلك – والتعيير أيضاً تذكر إنساناً بشيء يكرهه فقد يحصل إشتباه بين النصيحة والتعيير .
التعيير : أن تذكر العيب – أليس كذلك – والنصيحة تذكر العيب أيضاً حتى يحذره الناس إن كان عنده بدعة أو خطأ قصدك وجه الله تبارك وتعالى هذه هي النصيحة .
وإن ذكرت عيبه لتشفي غليلك منه مالك قصد شرعي أبداً وليس قصدك إلا أن تشفي غليلك ، هذا تعيير وذمٌّ وإثم .
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله - : (اعلم أنَّ ذِكر الإنسان بما يكره محرم إذا كان المقصود منه مجرد الذمِّ والعيب والنقص . فأما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين أو خاصة لبعضهم وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة فليس بمحرم بل مندوب إليه )
أقول :بل هو واجب لأن الله أوجب البيان وليس مندوباً فقط .
قال الحافظ ابن رجب– رحمه الله - : ( وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة ) .
الغيبة : ذكرك أخاك بما يكره لغرض شخصي ما تقصد وجه الله عز وجل ولكن قصدك الطعن فيه ، أما جرح الرواة فهذا حفاظ على دين الله تبارك وتعالى يعني كيف نميز بين الصحيح والضعيف إذا كان الرواة كلهم لم يتكلم فيهم أحد ، الرافضي والجهمي والكذاب وفاحش الغلط أليس في هذا ضياع الدين ؟ ألا يترتب على هذا ضياع الدين ؟ طيب أنت عندك كتب في الموضوعات وكتب في العلل مجلدات كبيرة ما هو سببها ؟ سببها : الجرح في الرواة والكلام على الأسانيد والكلام على المتون إذا كان فيها مُدْرَجات وفيها مراسيل وفيها كذا .
وقوله : ( وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة ) .
الغيبة ما تخدم الدين قد تهدم الدين والأغراض التافهة ، بينما الجرح له أغراض سامية للحفاظ على هذا الدين وحمايته وصيانته من أن يختلط فيه الحق بالباطل . لأنا إذا سكتنا عن الرواة عن الكذاب والمتهم والسيء الحفظ والفاحش الغلط وكذا ، ضاع الدين أليس كذلك ؟ لكن بهذا النقد وبهذا التجريح وبهذا التمييز بين هذا وذاك حفظ الله لنا هذا الدين ، وثمار هذا العلم واضحة ولله الحمد .
وجهل الصوفية الذين كانوا يودون أن يُغطُّوا أفواه الرواة والنقاد ويكموا أفواههم فلو كان استسلم لهم علماء الجرح والتعديل وعلماء النقد لضاع دين الله تبارك وتعالى لكن أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المبتدعون .
قال ابن جب – رحمه الله - : ( وردُّوا على من سوَّى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه ).
هم المتصوفة الذين كانوا ينكرون على علماء الحديث ويقولون لهم : أنتم تغتابون الناس فقال لهم أهل الحديث : هذه ليست غيبة هذه نصيحة وبيان ، طبعاً من لا يفهم الكتاب والسنة كثير جداً .
الآن هؤلاء السائرون على طريقة أهل البدع والصوفية في تحريم النقد والهيجان منهم على طريقة هؤلاء وليسوا على طريقة أهل السنة . ووالله نتمنى أن ينتقدونا لتبيين أخطائنا حتى نموت وقد تُبْنا من أخطائنا .
قوله : ( ولا فرق بين من الطعن في رواة ألفاظ الحديث ولا التمييز بين من تقبل روايته ومن لا تقبل وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأول شيئاً منها على غير تأويله ، وتمسك بما لا يتمسك به ، ليُحذّر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه ، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً ، ولهذا نجد في أنواع كتبهم المصنفة في أنواع العلوم الشرعية من التفسير وشروح الحديث والفقه واختلاف العلماء وغير ذلك ممتلئة من المناظرات ورد أقوال من تضعف أقواله من أئمة السلف والخلف ، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . ولم يترك ذلك أحد من أهل العلم ولا ادعى فيه طعناً على من ردَّ عليه قوله ، ولا ذماً ولا نقصاً ، اللهم إلا أن يكون المصنف ممن يفحش في الكلام ، ويسئ الأدب في العبارة فينكر عليه فحاشته وإساءته دون أصل ردِّه ومخالفته ، إقامة بالحجج الشرعية ، والأدلة المعتبرة . وسبب ذلك أن علماء الدين كلهم مجمعون على قصد إظهار الحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولأن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا)[2] .
يريد أن يقول ليس هناك فرق بين الطعن في الرواة وبين من يبين خطؤه في الدين في الفقه في الحديث في التفسير في الأصول في أي مجال ،أو عنده بدعة .
بعض الناس يقولون : هذا الجرح للرواة فقط للحفاظ على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم !! نقول لهم : وعقائد المسلمين إذا دخل أناس يشوشونها ويضيعونها لا ينتقدون ؟!
ما ننتقد الجهمية ما ننتقد الروافض وليس لهم علاقة بالرواية ن وهؤلاء جاءوا بعقائد تخالف عقائد الإسلام وتناقض عقائد الإسلام هل نسكت عنهم ؟! صوفية جاءوا بالحلول ووحدة الوجود والرقص والأناشيد والبدع والأذكار المبتدعة الضالة ، وهم ليسوا رواة ولكن يجب أن ننتقدهم .

وسُئِل القرضاوي عن الأشاعرة هل هم من أهل السنة ؟ فانفجر كالبركان : ( يقولون عن الأشاعرة أنهم ليسوا من أهل السنة ! إلى أين نذهب ؟! الأشاعرة ملأوا الدنيا ! الجامعات في الدنيا كلها أشعرية تقريباً ، الأزهر الذي خدم الإسلام من ألف سنة ، الزيتونة ، القرويين ، ديوبند ، كلهم أشاعرة ) [3].
لا أدري ما سبب هذا ؟! ولعلهم شباب سلفيون يريدون أن يغسلوا أدمغتهم وما وسع هؤلاء المساكين إلا الاستخذاء والاستسلام أمام هذا الانفجار البركاني ، لا يسعهم إلا الاستسلام ماذا يقولون ؟!
الأشاعرة الآن اعتقادهم اعتقاد الجهمية في تعطيل صفات الله تبارك وتعالى لهذا ألَّف شيخ الإسلام ابن تيمية في الردود عليهم كتباً كثيرة ومنها تلبيسات الجهمية . من هم هؤلاء الجهمية الذين عناهم ابن تيمية ؟؟! إنما هم الأشاعرة عنده : الرازي وأمثاله . حينما يذكر المناظرة التي جرت بينه وبين الأشاعرة في عهده يقول : قال الجهمية قال الجهمية وفيما قرره عن الأشاعرة أنهم جهمية ذكرهم في فروع الجهمية ذكر المعتزلة من فروع الجهمية وذكر الأشاعرة من فروع الجهمية ثم قال عن الأشاعرة : (من كان منهم على الإبانة التي ألفها أبو الحسن الأشعري في آخر حياته ولم يقل بخلافها فمن قال بما في هذه الإبانة فهو من أهل السنة شريطة ألا ينتسب إلى الأشعري لما في الانتساب من الضرر والتغرير بالناس )[4] إ.هـ.
فكان أكثر انتقاد السلف للجهمية إنما هو في تعطيلهم علو الله تبارك وتعالى يقولون في هذه القضية إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا ولا .. ، فيردون بذلك مئات النصوص في القرآن والسنة ، أو يقولون : إن الله في كل مكان .
يقول عبد الله بن المبارك : (إننا نستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى وغيرهم ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية ) ، نعم مثل هذا الكلام : الله لا فوق ولا تحت أو إن الله في كل مكان مع تعطيل هذه الصفة العظيمة وتحريف النصوص التي وردت بها وما أكثرها في القرآن والسنة .
فهذه التحفظات والاحتياطات والوصايا كلها إذا تكلمنا في أئمة الهدى نتكلم معهم بأدب وباحترام وبإخلاص لله تبارك وتعالى ولا يجوز أن نحكي كلامهم بقصد الذمِّ والتشهير والطعن فيهم فإن هذا لا يجوز أبداً ، لكن أهل الباطل وأهل البدع تبيِّن مخازيهم ولا تكون هذه الاحتياطات وكذلك الجهلة المتشبهين بأهل العلم وليسول بعلماء لا بد من كشف عوارهم وبيان جهلهم وضلالهم .
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – بعد كلام رصين في بيان أخطاء العلماء مع احترامهم : ( وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين ، فأما أهل البدع والضلالة ومن تشبه منهم بالعلماء وليس منهم ، فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم ، وليس كلامنا الآن في هذا القبيل ، والله أعلم ).
ثم قال : ( فصل ، ومن عرف منه أنه أراد بردِّه على العلماء النصيحة لله ورسوله فإنه يجب أن يعامَل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين الذين سبق ذكرهم وأمثالهم ومن تبعهم بإحسان .
ومن عرف أنه أراد بردِّه عليهم التنقيص والذم وإظهار العيب فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة )[5] .
وهذا الأخير هو الذي يفعله الآن خصوم أهل السنة والجماعة خاصة أهل التحزبات المضادة فعلاً لمنهج السلف والمنتصرة لأهل البدع والأهواء .
أما العلماء وأهل الهدى فإنهم – والله - يفرحون بإظهار الحق إذا انتقد أحدهم في خطأ أخطأه وبُيِّن للناس أن هذا الإمام أخطأ يفرح ولهذا رأينا تلاميذ هؤلاء الأئمة لا يترددون في بيان خطأ أئمتهم ولا يتحرجون من مخالفتهم في أقوالهم التي حصل فيها الخطأ وهم يعتقدون تمام الاعتقاد أن أئمتهم يحبون هذا ولا يرضون أبداً يتعبد الناس بأخطائهم ولا يرضون أبداً أن تنسب أخطاؤهم إلى الله تبارك وتعالى لا يرضون بها أبداً ن لأننا عرفنا صدقهم وإخلاصهم ونصحهم لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم – رضوان الله عليهم – أما أهل الأهواء : فسواء كانوا في حياتهم أو بعد مماتهم هم لا يرضون أن يقال : فلان أخطأ مهما ضل وأمعن في الضلال لا يتحمل النقد لهذا تراهم يعاندون رغم أن أهل السنة وأهل الحق دائماً يبينون لهم أنهم قد أخطأوا وضلوا في قضية كذا وقضية كذا ويقيمون لهم الأدلة فيصرون على باطلهم ويجمعون الناس ويحشدونهم حول هذه الأفكار الضالة المنحرفة ولا يخافون من العواقب الوخيمة التي تترتب على أعمالهم ولا يخافون من حساب الله الشديد لهم حيث يدعون الناس إلى الضلال وينحرفون بهم عن سبيل الهدى لأن قلوبهم انتكست – والعياذ بالله – وغلبت عليهم الأهواء فهم كما وصفهم رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلَب بصاحبه )[6] .
لهذا يسميهم السلف : أهل الأهواء ، ويسمون أهل الحق : أهل السنة والجماعة ، ويسمونهم : أهل العلم ، ويسمونهم : أهل الحديث ويلقبونهم بالألقاب الشريفة بينما هؤلاء يسمونهم : أهل الضلال أهل البدع ، أهل الأهواء ، من الجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة والخوارج والروافض وغيرهم ، يسمونهم : أهل الأهواء يجمعهم الهوى كلهم لأن الذي يقع في الخطأ بجهله وهو عنده هوى لا يتراجع ، لكن أهل الحق وأهل العلم الذين يبلغون رسالات الله سبحانه وتعالى وما يدفعهم إلى بيان العلم ونشره في الناس إلا رجاء ما عند الله تبارك وتعالى من الجزاء العظيم لورثة الأنبياء عليم الصلاة والسلام في نشرهم للعلم بخلافتهم للأنبياء في بيان الحق والدعوة إليه .
وهم يخافون أشد الخوف من الوقوع في الخطأ فإذا انبرى لهم من يبين أخطاءهم فرحوا بهذا وشجعوه .
القرآن كان يأتي بما يوافق عمر رضي الله عنه فهل يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!هل يندم؟! هل يتألم ؟! هل يقول : عمر هذا الله أيده وتركني ؟! أستغفر الله العظيم !
كذلك أبو بكر كذلك سائر الصحابة رضوان الله عليهم كانوا من أخطأ منهم وبُيِّن له خطؤه يفرح بهذا وكذلك أئمة الهدى - كما قلنا هذا غير مرة – فهذا كان تعليقاً على الدرس الذي سبق من هذا الكتاب ونريد الليلة أن نقرأ أشياء من كلام العلماء تبين أن النقد والجرح إذا كان الهدف منه هدفاً إسلامياً صحيحاً فإن هذا أمر مطلوب وقد يكون واجباً لأنه يحمل في ثناياه نفع الأمة والنصح لهم وتثبيتهم على الحق والخير وتجنيبهم من الشر والضلال والهوى فهنا من باب من هذا الكتاب – رياض الصالحين – وقد نقرأ منه بعض الأبواب – إن شاء الله – وأنا أنصحكم بقراءة هذا الكتاب فإنه مفيد – إن شاء الله .
_________
[1] الفرق بين النصيحة والتعيير ( ص / 25 )
[2] الفرق بين النصيحة والتعيير (ص/25-26)
[3] وكان يشاركه في هذه الندوة : الغنوشي وفهمي هويدي ، وكان خلاصة كلام الغنوشي الطعن فيمن ينتقد الروافض ، ومقصد هويدي الاستفادة من الباطنية فلا تهدر طاقاتهم ولا يحرم منها الإسلام .
وهذا – والله – نهاية الكيد للإسلام ولأهله ولا ننسى عقد الإخوان مؤتمرات لوحدة الأديان
[4] مجموع الفتاوى : ( 6/359)
[5] الفرق بين النصيحة والتعيير ( ص : 33 )
[6] الحديث أخرجه ابن أبي عاصم في السنة ( 1، 2 ) وصححه لغيره هناك الألباني .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,508
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني

خديجة نور الدين

:: متابع ::
إنضم
16 نوفمبر 2012
المشاركات
62
الكنية
متابعة
التخصص
شريعة
المدينة
طنجة
المذهب الفقهي
المالكي
رد: ظاهرة تصنيف الآخرين بين الظن واليقين

في وقتنا الحاضر والفتن على أشدها، ينبغي أن نتجنب قدر الإمكان الفرقة والهجر، والمقاطعة والشحناء، ولتكن قاعدة" نتعاون فيما اتفقنا عليه وينصح بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" حاضرة في أذهاننا دوماً، بخلاف ما هو منتشر عند البعض من قولهم" ونعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" فهذا خطأ وبعيد عن أداء النصيحة واستمرارية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
صح
 
أعلى