د. مختار بن طيب قوادري
:: متخصص ::
- إنضم
- 21 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 396
- الإقامة
- وهران- الجزائر
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- الشريعة والقانون
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- سعيدة
- المذهب الفقهي
- مالكي
أحيي الإخوة الفضلاء على مشاركاتهم القيمة الراقية في ملتقى الأقضية والأحكام التي حثتني على، تسجيل هذه المداخلة هنالك، و إفرادها في هذا الملتقى لأنه أليق بها. والرجاء إجراء رابط أو كلمات دلالية للإفادة من تلكم المداخلات والبناء عليها تجنبا للتكرار !
السببية فكرة واسعة لها عناصر أخرى، أكتفي بذكر نقطة محددة منها للوصول إلى نتيجة، تتعلق بـ"ضابط أو معيار التفرقة بين المباشر والمتسبب"؛ لأهميتهـا.
لا يختلف الفقـه الإسلامي عن فقـه القانون المدني بالنسبة لغموض فكرة السببية، حيث حدّد رابطة الإفضاء؛ بأن تكون إمّا على سبيل المباشرة أو السببية، فلا ضمان في غيرهما.
إذ سجل البعض[1] بأن ضابط التمييز بين المباشرة والتسبب؛ الذي يستند إلى قوة رابطة السببية، يعترضه بعض الصعوبات.
فتحقق رابطة السببية بين الفعلِ-مباشرةً كان أو تسبباً- وبين الضررِ، تستوجب الضمان بالمساواة، فلكلٍّ من المباشر والمتسبب علاقـةٌ بالنتيجة الضارة.
ويُرجع الفقه الإسلامي التمييز بين المباشرة والتسبب من حيث شروط الضمان إلى أحد القواعد الأصولية التي تميز بين العلة والسبب، وتقضي بأن العلّة باعتبارها وصفاً مؤثراً بذاته في الحكم، متصلاً به، فلا تحتاج إلى أمرٍ زائدٍ يضاف إليها لثبوت الحكم، فيدور معها المعلول وجوداً وعدماً، أما السبب فهو طريق إلى الحكم بدون تأثير، إذ لا بد فيه أن يتوسط بينه وبين الحكم علة؛ لذلك لا يضاف إليه الحكم إلا بزيادة وصفٍ يجعله صالحاً للعلة أو في حكم العلة وهو التعدي.[2]
أما القول بأنه لكون رابطة الإفضاء أو السببية في حالة "المباشرة" تكون مباشرة؛ لعدم وجود ما يفصل بين فعل المباشر والضرر، فيجب الضمان مطلقاً، ولكونها في حالة التسبب غير مباشرة؛ لوجود فاصل بين الفعل والضرر، فلا يقوم الضمان إلا بشروط أخرى؛ هذا القول بعيدٌ عن الصحة، و لا مستند له، بل مخالف لقواعد ومنطق الضمان، فالفاصل بين فعل المتسبب والضرر، إما أن يترتب عليه هدم رابطة السببية بين الفعل والضرر، وهنا لن تقوم المسؤولية مطلقاً، وإما أن لا يترتب على هذا الفاصل أي أثرٍ من حيث إسناد الضرر إلى المتسبب، وفي هذه الحال يكون وضعُه وضعَ المباشر، ولا تكون هناك حاجةٌ لاشتراط أمرٍ آخر.
وإن عدم دقة التمييز يفضي إلى نتائج غريبة ومتناقضة، وهذا ما نلمحه في اضطراب تكييفات الفقهاء في النوازل والمسائل.[3]
تعليـق:
هذا الرأي له وجاهته وحظه من النظر الشرعي، فاشتراط التعدي في التسبب ذريعةٌ إلى ضياع حقوق الناس، وقواعد الشرع -فيما نعلم- قاضيةٌ بضمان ما يُصيب الغيرَ من ضررٍ مطلقاً؛ سواء كانت عن محض تسببٍ ليس فيه معنى التعدي، أو تسبباً ينطوي على معنى التعدي.
وبناءً عليه، يمكن القول بأن من سقط في حفرةٍ حفرها شخصٌ ما في ملكه، فلا ضمان على الحافر؛ ليس بسبب أنه غير متعدي، ولكن لأن الساقط مباشرٌ. فإن غطّى الحافرُ الحفرةَ؛ بحيث لم يرها الساقط، أو حفرها في الطريق العام، يكون ضامناً؛ لأنه متسببٌ، حتى لو لم يقصد من وراء ذلك الأذى بغيره. وبهذا نقترب من المسؤولية الموضوعية التي عُرِف بها الفقه لإسلامي، ونبتعد عن المسؤولية الشخصية أو الخطئية؛ التي عرف بها الفقه القانوني قبل أن يتجه- في عدة محاولات؛ مثل التأمينات الإجبارية- صوبَ المسؤولية الموضوعية أو الشيئية.
[3]: ذكر البعض أن التشريعات الحديثة تنبذ هذه التفرقة، ومن أخذ بها مثل التشريعين العراقي أو الكويتي جعلها في حدود ضيقة.
السببية فكرة واسعة لها عناصر أخرى، أكتفي بذكر نقطة محددة منها للوصول إلى نتيجة، تتعلق بـ"ضابط أو معيار التفرقة بين المباشر والمتسبب"؛ لأهميتهـا.
لا يختلف الفقـه الإسلامي عن فقـه القانون المدني بالنسبة لغموض فكرة السببية، حيث حدّد رابطة الإفضاء؛ بأن تكون إمّا على سبيل المباشرة أو السببية، فلا ضمان في غيرهما.
إذ سجل البعض[1] بأن ضابط التمييز بين المباشرة والتسبب؛ الذي يستند إلى قوة رابطة السببية، يعترضه بعض الصعوبات.
فتحقق رابطة السببية بين الفعلِ-مباشرةً كان أو تسبباً- وبين الضررِ، تستوجب الضمان بالمساواة، فلكلٍّ من المباشر والمتسبب علاقـةٌ بالنتيجة الضارة.
ويُرجع الفقه الإسلامي التمييز بين المباشرة والتسبب من حيث شروط الضمان إلى أحد القواعد الأصولية التي تميز بين العلة والسبب، وتقضي بأن العلّة باعتبارها وصفاً مؤثراً بذاته في الحكم، متصلاً به، فلا تحتاج إلى أمرٍ زائدٍ يضاف إليها لثبوت الحكم، فيدور معها المعلول وجوداً وعدماً، أما السبب فهو طريق إلى الحكم بدون تأثير، إذ لا بد فيه أن يتوسط بينه وبين الحكم علة؛ لذلك لا يضاف إليه الحكم إلا بزيادة وصفٍ يجعله صالحاً للعلة أو في حكم العلة وهو التعدي.[2]
أما القول بأنه لكون رابطة الإفضاء أو السببية في حالة "المباشرة" تكون مباشرة؛ لعدم وجود ما يفصل بين فعل المباشر والضرر، فيجب الضمان مطلقاً، ولكونها في حالة التسبب غير مباشرة؛ لوجود فاصل بين الفعل والضرر، فلا يقوم الضمان إلا بشروط أخرى؛ هذا القول بعيدٌ عن الصحة، و لا مستند له، بل مخالف لقواعد ومنطق الضمان، فالفاصل بين فعل المتسبب والضرر، إما أن يترتب عليه هدم رابطة السببية بين الفعل والضرر، وهنا لن تقوم المسؤولية مطلقاً، وإما أن لا يترتب على هذا الفاصل أي أثرٍ من حيث إسناد الضرر إلى المتسبب، وفي هذه الحال يكون وضعُه وضعَ المباشر، ولا تكون هناك حاجةٌ لاشتراط أمرٍ آخر.
وإن عدم دقة التمييز يفضي إلى نتائج غريبة ومتناقضة، وهذا ما نلمحه في اضطراب تكييفات الفقهاء في النوازل والمسائل.[3]
تعليـق:
هذا الرأي له وجاهته وحظه من النظر الشرعي، فاشتراط التعدي في التسبب ذريعةٌ إلى ضياع حقوق الناس، وقواعد الشرع -فيما نعلم- قاضيةٌ بضمان ما يُصيب الغيرَ من ضررٍ مطلقاً؛ سواء كانت عن محض تسببٍ ليس فيه معنى التعدي، أو تسبباً ينطوي على معنى التعدي.
وبناءً عليه، يمكن القول بأن من سقط في حفرةٍ حفرها شخصٌ ما في ملكه، فلا ضمان على الحافر؛ ليس بسبب أنه غير متعدي، ولكن لأن الساقط مباشرٌ. فإن غطّى الحافرُ الحفرةَ؛ بحيث لم يرها الساقط، أو حفرها في الطريق العام، يكون ضامناً؛ لأنه متسببٌ، حتى لو لم يقصد من وراء ذلك الأذى بغيره. وبهذا نقترب من المسؤولية الموضوعية التي عُرِف بها الفقه لإسلامي، ونبتعد عن المسؤولية الشخصية أو الخطئية؛ التي عرف بها الفقه القانوني قبل أن يتجه- في عدة محاولات؛ مثل التأمينات الإجبارية- صوبَ المسؤولية الموضوعية أو الشيئية.
[1] انظر: د.عادل جبري حبيب، المفهوم القانوني لرابطة السببية وانعكاساته في توزيع عبء المسؤولية المدنية- دراسة مقارنة بأحكام الفقه الإسلامي، ص 237.
[2]: راجع: د.محمد صلاح الدين حلمي، أساس المسؤولية التقصيرية في الشريعة الإسلامية والقانون المدني ص246، و د. إبراهيم أبو الليل، المسؤولية المدنية بين التقييد والإطلاق، دراسة تحليلية للأنظمة القانونية المعاصرة، اللاتينية-الإسلامية- الأنجلو أمريكية مع طرح فكرة التعدي كأساس للمسؤولية المدنية، ص228.
[3]: ذكر البعض أن التشريعات الحديثة تنبذ هذه التفرقة، ومن أخذ بها مثل التشريعين العراقي أو الكويتي جعلها في حدود ضيقة.