د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ابن حزم والخروج مغموما عن كرة الأرض!
ابن حزم وصديقه البصري الذي يشترط رؤية البرهان! فطالبه ابن حزم بإخراجه من كرة الأرض!
يقول ابن حزم:ابن حزم وصديقه البصري الذي يشترط رؤية البرهان! فطالبه ابن حزم بإخراجه من كرة الأرض!
«ولقد امتُحِنت مرة ببعض أصدقائنا؛ فإنه سامنا أن نريه العَرَضَ منخزلاً عن الجوهر قائماً بنفسه، وقال لي: إن لم ترني ذلك فإني لا أصدق بالعرض.
فلستُ أحصي كم مثَّلث له تربيع الطين، ثم تدويره، وذهاب التربيع، وبقاء الطين بحسبه، وحركات المرء مِنْ قيامه وقعوده، وحمرة الثوب بعد بياضه، فأبى في كل ذلك إلا أن أُرِيَه العرض مزالا عن الجوهر باقيا بحسبه يراه في غير جوهر.
فلا أحصي كم قلتُ له: إن العرض لو قام بنفسه، وكان كما تريد مني لم يكن عرضاً، وإنما هو عرض؛ لأنه بخلاف ما تريد أن تراه عليه، فلج وتمادى.
فعدتُ إلى أن قلتُ له مهازلاً: لو أمكنك إخراجي عن كرة العالم فربما كان يمكن حينئذ لو أمكن انخزال العرض عن الجوهر، ولا سبيل إلى كل ذلك أن تراه في غير جوهر؛ فأما والعالم كله كرة مصمتة، وجوهرة متصلة، متجاورة الأجزاء، لا تخلخل فيها ولا خلاء، فحتى لو انفصل العرض من جوهرٍ ما، وجاز أن يبقى بعد انفصاله عنه لما صار إلا في جوهر آخر، لا بد من ذلك.
فما ردعه هذا الهزء عما هجس في نفسه، وفارقتُه آبيا، فما أدري أوفق بعدي لرفض هذا المرار الهائج أم لا.
فليس مثل هذا التكليف الفاسد وكون المرء لا تتشكل له الحقائق بقادح في البرهان، ولا بملتفت إليه، وكفانا من ذلك كله، وحسبنا قيام صحة ذلك في النفس بدلالة العقل على أنه حق فقط، ولو جاز لكل مَنْ لا يتشكل في نفسه شيء أن ينكره لجاز للأخشم أن ينكر الروائح، وللذي ولد أعمى أن ينكر الألوان، ولنا أن ننكر الفيل والزرافة، وكل هذا باطل.
وإنما يجب على العاقل أن يثبت ما أثبت البرهان، ويبطل ما أبطل البرهان، ويقف فيما لم يثبته ولا أبطله البرهان حتى يلوح له الحق.
وكذلك ليس علينا قسر الألسنة إلى الإقرار بالحق، لكن علينا قسر النفوس إلى الإقرار به، وقطع الألسنة عن المعارضة الصحيحة لعدم وجودها، إذ لا يتعارض البرهان، وإذا أقمناه فقد أمنا أن يقيمه خصمنا، وكذلك أيضاً إن قصر مقصر عن إقامة البرهان على حق يعتقده فذلك لا يضر الحق شيئاً. ولا يفرح بهذا من خصمه إلا الذي يفرح بالأماني.
رسائل ابن حزم (4 /335 ، 336).