العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي

أم إبراهيم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
6 أغسطس 2011
المشاركات
746
التخصص
:
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
الشافعي
محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي

اسمه وكنيته ونسبه:
اسمه: هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جُزَيّ.
كنيته: أبو القاسم،
نسبته: الغرناطي، المالكي.
هذا ما أورده صاحب "نفح الطيب" نقلاً عن "الإحاطة في أخبار غرناطة"، وتابعه عليه الزركلي في "الأعلام"، وكذا عبد العزيز سيّد الأهل في مقدمته "للقوانين الفقهية".
وورد في "نيل الإبتهاج" لأحمد بابا التنبكتي كالتالي: محمّد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جُزَي . وتابعه عليه عبد الله الخالدي في مقدمته "للتسهيل في علوم التنزيل" رغم أنه صرّح فيها أنه يستند إلى سيّد الأهل .
وأورده ابن فرحون بترتيب آخر، وهو: محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جُزَي الكلبي . وذلك يعني أنّ بين القائمتين الأخيرتين حلقتين بين "أحمد" و"عبد الله" هما : "محمد بن أحمد" و"أحمد بن يحيى"، مفقودتان في الأولى ومثبتتان في الثانية. كما أنّ هنالك حلقة مفقودة بين قائمة ابن الخطيب وقائمة ابن فرحون، ألا وهي: "أحمد بن عبد الله".
وبالرغم من أنّ لسان الدين بن الخطيب معاصر لابن جزي وأحد تلاميذه، ومع كون ابن فرحون ينقل ترجمة ابن جُزي عنه نقلا شبه حرفي، فإننا نميل إلى تصحيح ضبط هذا الأخير لنسب ابن جُزي؛ وذلك للأسباب التالية:
- يشير ابن جزي إلى "يحيى بن عبد الرحمن" في كتاب "القوانين"، ويصفه بأنه:
"جَدُّ جَدِّه". وقد كان يحيى هذا حيا سنة 540.
- جاء في ديباجة "التسهيل لعلوم التنزيل": قال الشيخ (...) محمد (...) ابن أحمد بن محمد بن جزي الكلبي".
- إذا افترضنا أنّ الحلقتين المشار إليهما أضيفتا سهو من النُّساخ، فإن ذلك لا يستقيم. إذ من المستبعد أن يكون السهو بالتكرار في ثلاثة مصادر، اثنان منها من تصنيف المترجم له. ومع أنّ نسخة "الديباج المذهب" غير مضبوطة في مواضع منها فيما يتعلق بالأنساب ، فإننا - للاعتبارات السابقة - نرجِّح سلسلة نسب ابن جزي الوارد جزء منها فيها، وهي بتمامها:
محمد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جُزيّ الكلبي

عائلته:
يعود تاريخ استقرار سلف ابن جزي بالأندلس إلى نهاية الثلث الأوّل من القرن الثاني الهجري، حيث نزل أحد أجداده بثغر "ولبة" ، جنوب غربي اشبيلية ، بين سنة 125 و127 هجرية.
وهذه الفترة توافق انتقال القائد الأموي أبي الخطّار الحسام بن ضرار الكلبي [ت: 127] من تونس إلى الأندلس رفقة ثلاثين رجلا للقضاء على الحرب الأهلية التي اشتعل فتيلها بين عرب الأندلس والبربر وأهل الشام، ونصّب والياً عليها خلفاً لثعلبة بن سلامة العاملي.

وكان أبو الخطّار متعصِّباً ليمنيّته، فتحولت بسببه الفتنة إلى مواجهة بين اليمنيّة والقيسيّة - فيحتمل أن يكون جَدُّ ابن جزيّ، المشار إليه انتقل إلى الأندلس ضمن مرافقي أبي الخطّار الكلبي سنة 512، كما يحتمل أن يكون التحق به فيما بعد لتدعيم معسكر اليمنيّة.

ومِن تفحُّصنا لشذرات ما يتعلق بعائلة ابن جزيّ، يتبين لنا أنها تنقّلت بين عدّة مدن أندلسية قبل استقرارها بغرناطة، وأن "جيّان" كانت إحدى محطّاتها في منتصف القرن السادس الهجري. وذلك - كما يشير هو نفسه في "القوانين" - أنّ أحد أجداده : أبا بكر يحيى بن عبد الرحمن، كان قاضياً بتلك المدينة سنة 540 هجرية.
وقد قال لسان الدين بن الخطيب عن هذا الأخير : "كانت له رياسة وانفرد بالتدبير" .

وترجم ابن فرحون لأبي أحمد بن جزي، ويحتمل أن يكون هو الجدّ الأول لصاحب "القوانين". قال عنه : "كان فقيهاً مفسراً، وله تفسير القرآن العزيز. توفي في حدود العشرين وستمائة".

ومن سلف ابن جزي قرابة : القاضي أبو العباس يعقوب بن يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي [ت: 637] . عده ابن فرحون من أعيان المالكية وأفرد له ترجمة خاصّة.
ولا تسعفنا المصادر بمعلومات أكثر من هذا فيما يتعلق بسلف ابن جزي، إلا أننا نرجِّح أنهم كانوا مثل عقبه - على حدِّ عبارة المقَّري - : "ظاهرين بين القضاء والكتابة"، وتضاف إليها الخطابة.

أولاده:
أمّا أولاده، أشهرهم ثلاثة، وهم :
- أبو بكر أحمد [ت: 785] : كان أديباً شاعراً فقيها. تولّى الكتابة السلطانية في عهد أبي الحجاج يوسف بن نصر [733 - 755]، كما تولّى قضاء "برجة" و"أندرش" و"وادي آش"، ثم تولى القضاء بغرناطة سنة 760. وتولّى الخطابة بالجامع الأعظم بغرناطة سنة 782 إثر وفاة العلامة أبي سعيد فرج بن قاسم بن لبّ.
من مصنفاته: "شرح ألفية ابن مالك"، وتقييدات على "القوانين الفقهية". وكان شاعراً متوسطاً، وله تصدير بديع لقصيدة امرئ القيس التي مطلعها: "ألا عِمْ صباحاً أيّها الطلل البالي".

- أبو عبد الله محمد [ت: 757] : كان أديباً وشاعراً، وهو الذي صاغ "رحلة ابن بطّوطة" بأسلوبه.
تولّى الكتابة في دولة بني الأحمر، ثم ضايقه أبو الحجّاج يوسف وامتحنه، فرحل إلى المغرب وشغل منصب كاتب لدى المرينيّين في عهد أبي عنان [729 — ه65]، وظل "بفاس" تحت رعاية المرينيّين حتى وفاته .

- أبو محمد عبد الله من معاصري لسان الدين بن الخطيب. كان أدبياً فقيهاً، وتولّى القضاء بغرناطة.

حياته:
ولد ابن جزي سنة 693 بغرناطة التي كانت حاضرة الأندلس وقِبلة علماء المغرب، في عصر كان عصر ازدهار للفكر والأدب.
وقد عاصر من ملوك بني الأحمر ستّة، أعظمهم : المؤيد بالله أبو الحجّاج يوسف الأول [733 — 755] .
والمصادر التي بين أيدينا لا تفيض في الحديث عن جوانب حياته الشخصية ومسارها، وتكتفي بالإشارة إلى أنه تولى الخطابة في ريعان شبابه بالجامع الأعظم.
لكننا نخلص من خلالها إلى أنه كان يملك مكتبة ضخمة متنوِّعة، وأنه كان عاكفاً على المطالعة والتأليف. كما أنّ قائمة مصنفاته التي سنوردها تبرز أنه كان - إضافة إلى الفقه - متضلعاً من علوم شتى، كاللغة، والقراءات، والتفسير، والحديث، وأصول الفقه، وأصول الدين – وقد كان إضافة إلى ذلك شاعراً أديباً، غير أنّ النماذج التي أوردها لسان الدين بن الخطيب من شعره هي أقرب إلى النثر منها إلى الشعر.

وفاته:
توفى - رحمه الله - شهيداً يوم الاثنين تاسع جمادى الأولى من عام 741 وهو يحرّض الناس على الجهاد في معركة طريف - وقد وقعت هذه المعركة بين جيش المسلمين وجيش النصارى بقيادة ألفونْس الحادي عشر ملك قشتالة. وسببها أنّ السلطان المريني أبا الحسين علي بن عثمان بن يعقوب توجّه إلى الأندلس للجهاد ضدّ النصارى، فالتحق به جيش بني الأحمر في عدد يفوق الستّ مائة ألف. ولكن الهزيمة حلت بالمسلمين، واستولى النصارى على الجزيرة الخضراء. وقد استشهد في هذه المعركة عددٌ من أعيان الأندلس، منهم والد لسان الدين بن الخطيب: عبد الله بن سعيد.

مشايخه:
- أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، الثقفي، الغرناطي [627 – 708] : من مواليد "جيان"- نحويّ، مؤرخ، محدث، واشتهر خصوصاً بكونه مفسّراً، كما أنّ له مشاركه في الفقه وأصوله وفي أصول الدين.
ذكره ابن جزي في مقدمة "التسهيل لعلوم التنزيل" ضمن أعلام المفسرين، وقال عنه : "ثم خُتِم علمُ القرآن بالأندلس وسائر المغرب بشيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير. فلقد قطع عمره في خدمة القرآن، وآتاه الله بسطة في علمه وقوّة في فهمه، وله فيه تحقيق ونظر دقيق". وقد اقتبس من تفسيره "ملاك التأويل" في عدّة مواضع من "التسهيل".
ويبدو أنه كان يُكِنُّ له إجلالاً بالغاً وتقديراً كبيراً ينمّان عن مرتبته، فهو لا يذكره إلاّ مسبوقاً بعبارة: "شيخنا الأستاذ". ومن تلاميذ أبي جعفر بن الزبير: أبو حيّان، صاحب "البحر المحيط". وقد قال عنه: "كان محدّث الأندلس بل المغرب في زمانه"
من مصنفاته: "مَلاك التأويل في المتشابه من اللفظ والتأويل". "البرهان في ترتيب سور القرآن". "سبيل الرشاد في فضل الجهاد". "صلة الصلة البشكوالية"."ردع الجاهل عن اعتساف المجاهل" في الردّ على الشوذيّة.

- هبة الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن رُشِيْد الفهري، الغرناطي [657 - 721] : من مواليد "سبتة". قدِم إلى غرناطة سنة 692 حيث تولى الإمامة والخطابة بالجامع الأعظم، ثم انتقل إلى "فاس" سنة 708 وبها قضى آخر أيّامه .
كان محدّثاً، فقيهأ، مقئاً، نحوياً، ، خطيباً.
من مصنفاته: "ملء العيبة، فيما جُمع بطول الغيبة، في الوجهتين الكريمتين إلى مكّة وطيبة"، المعروف بـ "الرحلة المشرقية". "ترجمان التراجم" (لم لكمله). "تلخيص القوانين" في النحو. "إفادة النصيح في رواية الصحيح". "إيضاح المذهب فيمن يُطلق عليه اسم الصاحب". "إماطة الأذيّة الناشئة عن سباطة الشوذية".

- أبو القاسم بن عبدالله بن محمد بن الشاط [643-723] : من مواليد "سبتة". فقيه وأديب ولغويّ من الطراز الأوّل - ويبدو أنّ ابن جزي رحل إليه إلى "سبتة" لتلقّي العلم عنه، لأن ابن فرحون يشير إلى أنّ ابن الشّاط أمضى عمره في التدريس بها .
من مصنفاته: "أنوار البروق في تعقُّب مسائل القواعد والفروق" – "غنية الرائض في علم الفرائض". "تحرير الجواب في توفير الثواب".

- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن داود بن موسى بن مالك اللخمي، المعروف بـ "ابن الكمَّاد" [ت: 712] : كان مقرئاً ومحدثاً وفقيهاً وشاعراً.
من مصنفاته: "الممتع في تهذيب المقنع" في القراءات . و"المقنع" من تصنيف أبي عمرو الدَّاني.

- أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن الزبير، القرطبي [626 _717].
- أبو المجد يوسف بن الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص [649 _ 705].
- أبو الوليد الحضرمي .
- أبو عبد الله محمد بن أحمد الهاشمي الطنجالي : رجلٌ صالح خطيب، ومحدّث، له مرويّات .
- أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن علي بن بُرْطال [ت: 709] : قال عنه لسان الدين بن الخطيب : "شيخ القضاة وبقيّة المجتهدين" وهو والد أبي جعفر بن بُرْطال [ت : 750]، أحد قضاة غرناطة وإمام مسجدها الأعظم، والذي ترجم له صاحب "الإحاطة" ملمِّحاً إلى قصر باعه في مجال العلم.

وسمع ابن جزي من مشايخ عدّة، منهم: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن المؤذِّن، وأبو زكريا البرشاني، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الأنصاري .

تلاميذه:
أمَّا تلاميذه ، فأهمهم: أولاده الثلاثة المشار إليهم، ولسان الدين بن الخطيب [713 — 776] ، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الخزرجي.

مصنفاته:
- "القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والخفية والحنبلية" .
- "الدعوات والأذكار المُخرَجة من صحيح الأخبار" وإليه يشير في كتاب الجامع من كتاب "القوانين".
- "تقريب الوصول إلى علم الأصول". في أصول الفقه .
- "النور المبين في قواعد عقائد الدين". في أصول الدين .
- "المختصر البارع في قراءة نافع" . في القراءات .
- "أصول القرّاء الستة غير نافع" . في القراءات .
- "الأنوار السَّنيَّة في الكلمات السُّنِّيَّة" .
- "وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم" .
- "القواعد العامَّة في لحن العامَّة" . في اللغة .
- وله كتاب عن "الإشارات الصوفيَّة"، أشار إليه في مقدّمة "التسهيل" .


عبد الكريم الفضيلي
المصدر: "القوانين الفقهية"، ص 5 - 12.
 
أعلى