رد: معالجة مقال العلامة ابن خلدون في نشأة أصول الفقه
الرد على ما وجه لابن خلدون من نقد :
1(باشتهار التسمية قبله)
إن مما اشتهر لدى المعاصرين أن ابن خلدون هو اول من قسم مدراس الأصول إلى : 1-مدرسة الفقهاء و 2-مدرسة المتكلمين وهم كل من عدا الحنفية , و استندوا في ذلك على مقالته في نشأة علم الأصول ،و هو قول يعتريه شيء من الغموض و عدم الصحة إذْ:
أ) لا بد من التنبيه على أن تقسيم مدارس أصول الفقه إلى طريقة الفقهاء والمتكلمين كان مشهورا جدا قبل ابن خلدون , فقد توارد العلماء على ذكر هذا التقسيم , وتناقلوا التنبيه عليه , ومن أول من ذكر ذلك الباقلاني وأبو الحسين البصري وكذلك أبو يعلى في العدة والسمعاني وإمام الحرمين وابن تيمية والغزالي وغيرهم كثير .
ب) ثم إن العلماء السابقين قد بينوا مقصودهم بهاتين المدرستين :
فقصدوا بالفقهاء ...
كل من بنى أقواله في أصول الفقه على أقوال إمامه أو على مقتضى النص الشرعي, سواء كان من الحنفية أو الشافعية أو المالكية أو الحنابلة .
و أرادوا بالمتكلمين ...
كل من بنى أقواله في أصول الفقه على مقدماته الكلامية ومبادئه العقلية سواء الأشعرية منها أو الاعتزالية , ولا فرق في ذلك بين أتباع المذاهب الفرعية .
من ذلك قول الإمام الباقلاني في كتابه التقريب و الإرشاد :"وقد صار المقصود من إطلاق المتكلم أنه المتكلم في أصول الديانات وأبواب النظر والمجادلة فيها .. وقد غلب استعمال الفقيه في العام بأحكام أفعال المكلفين الشرعية دون العقلية دون غيرها من العلوم "
قال الباقلاني: (..وبه قال كثير من المتكلمين منهم الجبائي وابنه..)
---|و هذا يدل على أنه لا يخص الفقهاء باسم الحنفية ولا يقصد بالمتكلمين كل من عداهم .
وقال الجويني: (وذهب بعض الفقهاء، والمنتمين إلى الكلام إلى أن الأسماء قد تثبت قياسا).
---|ما يدل على أنه قصد بذلك أصحاب علم الكلام، بدليل المقابلة.
قال الآمدي: (فذهب أكثر الفقهاء وجماعة من المتكلمين، كالقاضي أبي بكر والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري وغيرهم، إلى أن ذلك يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية وخالف في ذلك أصحاب أبي حنيفة وجماعة من الفقهاء والمتكلمين وهو المختار).
فالمراد بالمتكلمين إذا :هم المنتسبون إلى علم الكلام واتخذوه صناعة، وجعلوا أصوله طريقا للتأصيل والبناء،وهي لا تختص بمذهب دون غيره .
2( بتحليل كلامه –رحمه الله -) :
بعد أنتقرر لدينا أن اشتهار التقسيم كان معروفا قبل ابن خلدون ، وجب علينا أن نحرر كلامه-رحمه الله- معتمدين في ذلك على سياق ما ذكره في المقدمة :
1)قوله ( فكتبوها فناً قائماً برأسه سموه أصول الفقه. وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه)
فيدل سياق كلامه على : أن الفقهاء المجتهدين احتاجوا إلى تحصيل قواعد أصول الفقه، لاستفادة الأحكام من الأدلة ,و الإمام الشافعي أول من كتب في هذا العلم
---| فهذا يدل بوضوح على أنه يرى أن الشافعي من أول الفقهاء الذي اعتنوا ببيان أصول الفقه .
2) لم ينص العلامة ابن خلدون على مخالفة طريقة الإمام الشافعي لطريقة الحنفية ، و إنما ذكر أن الحنفية بحثوا ما كتبه الإمام الشافعي و وسعوا القول فيه
---| و بالتالي فإن الحنفية قد اشتركوا مع الإمام الشافعي في بحث قواعد الأصول إلا أنهم تأخروا عنه زمنا و توسعوا .
3) عند التأمل في كلام العلامة نجد أنه قيد الحديث عن الحنفية بقول فقهاء الحنفية
---| إذا فمصطلح الفقهاء عنده يقصد به كل من اشتغل بالفقه سواء أكان حنفيا أو غيره .
4) إن ابن خلدون حين شرح طريقة المتكلمين قصد بهم طائفة معينة اتخذوا علم الكلام صناعة ، وهذا الوصف غير منطبق على منهج الشافعي, وكذلك هو غير منطبق على غيره من الفقهاء الذين انطلقوا من أصول أئمتهم في بناء القواعد الأصولية , كالقاضي عبدالوهاب وغيره من المالكية والسمعاني والبغدادي من الشافعية وابن حزم من الظاهرية , وأبي يعلى من الحنابلة , فضلا عما عداهم من أتباع المذاهب الأخرى .
5) التمثيل لطريقة المتكلمين بالأئمة الأربعة (ف ذكر إمام الحرمين والغزالي , وقال هما من الأشعرية , وذكر القاضي عبدالجبار وأبا الحسين البصري وقال هما من المعتزلة) و فرق بينهم بغير نسبتهم إلى الحنفية من غيرهم , أي كان الأجدر به أن يقول وهم من غير الحنفية ،.
6) ثم إنه عد أبا الحسين البصري من المتكلمين رغم أنه كان حنفي المذهب .