العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

اختلاف الشافعية في "حكم إعطاء الزكاة للغارم إذا كان الدين الذي عليه مؤجلاً": هل يُعطى أم لا؟!

إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ:

فقد اشتمل الكتاب الثالث عند الإمام جلال الدين السيوطي الشافعي، المتوفى (711 هـ) ضمن كتابه ((الأشباه والنظائر)) على عشرين قاعدة مختلف فيها بين فقهاء الشافعية، وقد أفاد السيوطي أن هذه القواعد لا يطلق الترجيح فيها لاختلافه في الفروع.
وأعرض هنا نماذج من هذا الكتاب على سبيل التمثيل للتطبيق على قواعد مختلف فيها عند فقهاء الشافعية، وذلك في مطلبين؛ كل منهما يُطرح في موضوع مستقل، استفدتُ تلك النماذج من كتاب الدكتور محمود إسماعيل مشعل، المسمى "أثر الخلاف الفقهي في القواعد المختلف فيها"، الصفحات (341-346).

المطلب الأول: في التطبيق على قاعدة: ’’هل العبرة بالحال أو بالمآل؟‘‘،،
وفيه فرعان:
الفرع الأول: في لفظ ورود القاعدة وبيان معناها ونماذج من فروعها.
أ- لفظ ورود القاعدة:
قال السيوطي: ((القاعدة الخامسة عشر: "هل العبرة بالحال، أو بالمآل؟". فيه خلاف، والترجيح مختلف في الفروع.
ويعبر عن هذه القاعدة بعبارات؛ منها:
_ما قارب الشيء هل يعطى حكمه؟
_والمشرف على الزوال، هل يعطى حكم الزائل؟
_والمتوقع، هل يجعل كالواقع؟)). وراجع: ["الأشباه والنظائر"، للسيوطي (1/ 387)، والقواعد، لتقي الدين الحصني (4/ 24)].
وقد جاءت قاعدة: "ما قارب الشيء هل يطعى حكمه" عند الونشريسي. [إيضاح المسالك، قاعدة (14)].
وجاء في المجموع المذهب (2/ 266) قاعدة: "اختلاف الأصحاب في أن العبرة بالحال، أو بالمآل، باب متسع، وخلاف مطرد، والتصحيح في ذلك مختلف".
ب- معنى هذه القاعدة ومدلولها:
المراد بالحال: هو الحاضر، أو وقت التكلم أو الفعل.
والمراد بالمآل: أي: العاقبة وما يؤول ويصير إليه الأمر.
فمفاد هذه القاعدة: أنها تشير إلى تردد الشافعية فيما يعتد به أو يبنى عليه الحكم أهو حال التكلم أو الفعل أو عاقبة الأمر. [موسوعة القواعد الفقهية، د. البورنو (6/ 374)].
ج- من فروع هذه القاعدة:
إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدًا فأتلفه قبل الغد، فهل يحنث في الحال أو حتى يجيء الغد؟ وجهان عند الشافعية أصحهما الثاني. [الأشباه والنظائر، للسيوطي (1/ 388)، والمجموع المذهب (2/ 266، 267)، وروضة الطالبين، للنووي (2/ 318)، والقواعد الفقهية، د. البورنو (6/ 375)].
وفائدة الخلاف تظهر فيما لو كان يكفر بالصوم، لإعساره، فعلى القول بتعجيل الحنث، له أن ينوي صوم الغد عن الكفارة، دون القول الآخر؛ لأن التكفير بالصوم لا يكون قبل الحنث. [المجموع المذهب (2/ 267)، وروضة الطالبين (2/ 318)].
الفرع الثاني: في حكم إعطاء الزكاة للغارم إذا كان الدين الذي عليه مؤجلاً.
الغارم: هو الذي عليه دين، والغريم يطلق على المدين وعلى صاحب الدين، وأصل الغرم في اللغة اللزوم، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ عضذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) [الفرقان: 65]. ويسمى كل منهما غريمًا لملازمته صاحبه. [انظر: "المجموع"، للنووي (6/ 194)].
وقد ورد في القرآن والسنة ما يشهد لإعطاء الغارمين من الزكاة، وسداد الدين عنهم، ومن ذلك:
1- قول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقْرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلِيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ) [التوبة: 60].
قال ابنا لعربي في أحكام القرآن (2/ 532): "قوله تعالى: (وَالْغَارِمِينَ). وهم الذين ركبهم الديْن، ولا وفاء عندهم به، ولا خلاف فيه". انتهى.
2- ثبت في الصحيح عن البخاري (2269)، ومسند الإمام أحمد، حديث رقم (8399)، (2/ 334) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب: 6]، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُواْ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم تعهد بسداد الدين عن المدين؛ ولذلك قال أبو جعفر: "الغارم ينبغي الإمام أن يقضي عنه" -المصنف، لعبدالرزاق (3/ 97)، باب ما قالوا في الغارمين من هم؟-.
وفي مصنف عبدالرزاق (3/ 97): "عن أبي جعفر (وَالْغَارِمِينَ) قال: المنفقين في غير فساد. وقال الزُّهْري عن الغارمين: هم أصحاب الدين وابن السبيل وإن كان غنيًّا.
وعند مجاهد قال: ثلاثة من الغارمين: رجل ذهب السيل بماله، ورجل أصابه حريق فذهب بماله، ورجل له عيال وليس له مال فهو يدان وينفق على عياله".
هذا، ومن شروط استحقاق الغارم للزكاة أن يكون الدين الذي عليه حالاًّ، بأن حضر وقت سداده، فإن كان مؤجلاً ففي إعطائه ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: لا يُعطى؛ لأنه غير محتاج إليه الآن، وهذا الوجه صححه النووي -في المجموع (6/ 197)-.
الوجه الثاني: يعطى؛ لأنه يسمَّى غارمًا.
الوجه الثالث: أنه إن كان الأجل يحل تلك السنة أعطى، وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة، وهذا الوجه حكاه الرافعي.
[روضة الطالبين (2/ 318)، وتحفة المحتاج (7/ 158)، والمجموع للنووي (6/ 197)، والمجموع المذهب في قواعد المذهب للعلائي (2/ 267)].
وجه ارتباط الفرع بالقاعدة:
أنه على الوجه القائل: لا يعطى؛ لأنه غير محتاج إليه الآن، فقد اعتبر الحال؛ لأن الدين مؤجل. ومن قال: بأنه يعطى فقد نظر إلى المآل وعاقبة الأمر؛ لأن المدين وإن كان دينه مؤجلاً، لكنه مطالب بالسداد فيما بعد؛ لأنه يسمَّى غارمًا.

فذلك المطلب الأول؛ فأما المطلب الثاني.. فيأتيكم قريبًا في موضوع مستقلّ بهذا القسم بمشيئة الله تعالى.

هذا، والله أعلم.
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: اختلاف الشافعية في "حكم إعطاء الزكاة للغارم إذا كان الدين الذي عليه مؤجلاً": هل يُعطى أم لا؟!

عودٌ أحمد أخي الحبيب عمرو
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: اختلاف الشافعية في "حكم إعطاء الزكاة للغارم إذا كان الدين الذي عليه مؤجلاً": هل يُعطى أم لا؟!

عودٌ أحمد أخي الحبيب عمرو
مرحبًا، جزاك الله خيرًا.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
أعلى