العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

عشرون تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه

إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فإن لعلم أصول الفقه أهمية بالغة في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة في الشرع ،و عن طريقه يتمكن الفقيه من الوصول للحكم بسهولة ويسر ،ويتمكن من معرفة الراجح من المرجوح من أقوال الفقهاء و تمييز الأقوال الصحيحة من السقيمة ، وكان أصول الفقه ولازال وسيلة لدفاع عن الدين .

و فائدة أصول الفقه لا تقتصر على استنباط الأحكام الفقهية وحسب بل تتعدي إلى جميع الأحكام الشرعية فلا يستغني عن أصول الفقه فقيه و لا مفسر و لا محدث و لا شارح للعقيدة فهو علم لتفسير النصوص ،والترجيح بين الأقوال ،و به يفهم مراد الله و مراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

ولذلك التعمق في أصول الفقه ،و تطبيق الأصول على الفروع ينمى الملكة الفقهية و القدرة على الاستنباط ، ومع كثرة التطبيقات على مباحث الأصول تزداد الملكة و كفى بهذه فائدة .

وسوف نتناول في هذا البحث عشرين تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه ،و أثر النهي في المنهي عنه أحد مباحث أصول الفقه أملا في تنمية الملكة الفقهية لدى القارئ و لزيادة قدرته على الاستنباط بكثرة الأمثلة و التطبيقات و في مقالات لاحقة بإذن الله سنتناول تطبيقات على مباحث أخرى و الله ولي التوفيق ربيع أحمد
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
رد: عشرون تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه

قبل الشروع في ذكر الأمثلة على أثر النهي في المنهي عنه لابد أن نلقى الضوء قليلا على أثر النهي في المنهي عنه ، وعند جمهور العلماء النهي إن عاد إلى ذات المنهي عنه أو شرط صحة فهو دال على الفساد ، و إن عاد إلى أمر خارج فلا يدل على الفساد ووجه هذا الكلام أن النهي العائد إلى ذات المنهي عنه لو صح الشيء المنهي عنه لكان هذا من المخالفة لمراد الله عز وجل بالمنهي عنه فالله يريد ألا يكون هذا الشيء المنهي عنه فإذا قلنا بصحته كان ذلك مقتضيا لوجوده و ثبوته ، وهذا مخالف لمراد الله عز وجل بالمنهي عنه فكيف ينهي الله عنه و يأمر باجتنابه و الابتعاد عنه و ألا نعتبره ثم نقول صحيح ، ومن الأمثلة على ذلك النهي عن شرب الخمر و الزنا واللواط و السرقة و الذبح لغير الله و أكل الميتة و أكل الخنزير وقتل النفس بغير حق و أكل أموال الناس بالباطل و زواج المحارم و الخلاصة أن كل ما حرمه الشرع ابتداءا و أصالة يكون منهي عنه لذاته أو حرام لذاته أي غير مشروع أصلا و ليس عليه أمر المسلمين من كل وجه أو أصل الفعل ليس على أمر المسلمين ؛ لأن منشأ الحرمة عين المحل أو ذات الفعل .

و النهي العائد إلى شرط المنهي عنه فاسد أيضا ؛ لأن الشرط يتوقف عليه صحة المشروط ، وإذا كان الشرط صحيحا كان المشروط صحيحا ، و صحة المشروط منافية لمراد الله بتحريم هذا الشيء ؛ لأن به شيء منهي عنه .

والنهي العائد إلى وصف ملازم لذات المنهي عنه لا ينفك عنه فاسد أيضا والذات ليست محرمة لكن الوصف الملازم لها هو المحرم كبيع الذهب لرجل يريد أن يلبسه فالذهب نفسه ليس حراما لكن لبس الرجل له هو المحرم ، وهذا البيع حرام، ولا يترتب عليه آثاره.

وأيضاً كبيع الذهب بالذهب مع الزيادة، فالذهب بالذهب ليس بحرام لكن الحرام هو في وصف ملازم للذات وهو الزيادة، فهذا الوصف الملازم للذات يحرم من أجله بيع الذهب بالذهب، فهذا البيع حرام لا يترتب عليه آثاره، ويبطل العقد.


أما النهي العائد إلى أمر خارج عن الذات والشرط و ليس وصفاً ملازماً للذات فهو صحيح مع الإثم ؛ لأن جهة التحريم وجهة الأمر منفك بعضها عن بعض كالصلاة في ثوب منهي عن لبسه فهو مأمور بالصلاة منهي عن اللبس فالصلاة المستوفية للأركان والشروط صحيحة و لبس الثوب المنهي عنه سواء في الصلاة أو خارج الصلاة، فهو غير مؤثر في الصلاة، فلو لبس الثوب المنهي عنه كالحرير مثلا في غير أوقات الصلاة ولم يصل به فهو آثم، ولو لبسه وصلى به فهو آثم أي الإثم على اللبس ولا علاقة للصلاة بذلك فالشخص الذي صلى في ثوب منهي عنه صلى صلاة عليها أمر المسلمين - أصل الفعل على أمر الشرع -، وقد توافرت فيها الأركان والشروط، لكنه لبس ثوبا ليس عليه أمر المسلمين فأثم باللبس وصلاته صحيحة أي تصح الصلاة مع الإثم و نقصان الأجر .

و إن قيل لقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- « من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد »[1] وما كان مردودا على فاعله فكأنه لم يوجد مما يدل على أن النهي يقتضي الفساد حتى لو النهي عن أمر خارج عن الذات والشرط و ليس وصفاً ملازماً للذات ، و الجواب أن الحديث يفيد عدم قبول العمل أو عدم الإثابة على العمل و ليس عدم ترتب الآثار على العمل ، و لا تلازم بين عدم الإثابة على العمل و عدم ترتب الآثار عليه ، و يمكن حمل الحديث على ما كان على غير أمر الشرع من جميع الوجوه أو ما كان أصله أو شرطه على غير أمر الشرع أو ما كان مورد الأمر هو مورد النهي و ليس ما كان مورد الأمر منفكا عن مورد النهي.

و إن قيل الصحة تضاد النهي؛ لأن الصحيح مأذون فيه، والمنهي ليس مأذونا فيه، فلا يمكن أن يكون منهياً عنه وصحيحاً في آن واحد ،والجواب هذا يصح لو كان مورد الأمر هو مورد النهي و ليس ما كان مورد الأمر منفكا عن مورد النهي ،والنهي من خطاب التكليف و الصحة والفساد من خطاب الأخبار فلا يتنافي أن يقال نهيتك عن كذا فإن فعلته رتبت عليك آثاره مثلا لا تطلق زوجتك وهي حائض فإن طلقتها وهي حائض وقع الطلاق .



[1] - رواه البخاري ومسلم في صحيحهما
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
التطبيقات

التطبيقات

التطبيقات

مثال 1 : النهي عن الصلاة بغير ستر العورة :
قال تعالى: ﴿ يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ الأعراف من الآية 31] أي عليكم يا بنى آدم أن تتجملوا بما يستر عورتكم، وأن تتحلوا بلباس زينتكم كلما صليتم أو طفتم، واحذروا أن تطوفوا بالبيت الحرام وأنتم عرايا[1] .

ومن شروط صحة الصلاة ستر العورة ،و الصلاة بغير ستر العورة منهي عنها ،و لا تصح ، والسؤال لماذا لا تصح الصلاة بغير ستر العورة ؟ و الجواب لأن النهي عائد على شرط من شروط صحة الصلاة ألا و هو شرط ستر العورة .


مثال 2 : النهي عن الصلاة بغير طهارة :
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [ المائدة من الآية 6 ] أي : عليكم أيها المؤمنون بالوضوء إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون ، فالوضوء واجب عند كل صلاة على المحدث حدثا أصغر ،و قال النبي - صلى الله عليه وسلم رسول الله : « لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ »[2] ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : « لا صلاة لمن لا وضوء له »[3] .


ومن شروط صحة الصلاة الطهارة من الحدث ،و الصلاة بغير طهارة منهي عنها ولا تصح ، والسؤال لماذا لا تصح الصلاة بغير طهارة ؟ و الجواب ؛ لأن النهي عائد على شرط من شروط صحة الصلاة ألا و هو شرط الطهارة .


مثال 3 : النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك :
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ ؟ فَقَالَ : « لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ »[4] ، و في الحديث نهي عن بيع الإنسان ما لا يملك ،و بيع الإنسان ما لا يملك لا يصح و السؤال لماذا لا يصح بيع الإنسان ما لا يملك ؟ والجواب ؛ لأن من شروط صحة البيع أن يكون البائع مالكا للمبيع ، وقادرا على تسليمه .


مثال 4 : النهي عن النكاح بغير ولي :
قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : « لا نكاح إلا بولي »[5] ، و في الحديث نهي عن النكاح بغير ولي ،والنكاح بغير ولي لا يصح ؛ لأن من شروط صحة النكاح أن يتولاه ولي المرأة .

مثال 5 : النهي عن صلاة الرجل في ثوب حرير :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرِيرًا بِشِمَالِهِ، وَذَهَبًا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ »[6] ، و في الحديث النهي عن لبس الحرير للرجال ، و الثوب الحرير ليس شرطاً ولا ركناً في الصلاة ، فهو وصف خارجي ، فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير للرجال سواء في الصلاة أو خارج الصلاة فهو غير مؤثر في الصلاة ، فلو لبس الحرير في غير أوقات الصلاة ولم يصل به فهو آثم ، ولو لبسه وصلى به فهو آثم أي الإثم على اللبس ولا علاقة للصلاة بذلك و لم يأت النص بالنهي عن الصلاة في الثوب الحرير فالصلاة صحيحة مع الإثم و نقصان الأجر ؛ لأن الشخص قد قام بالصلاة شروطاً وأركاناً، وهذا الفعل المحرم الذي فعله لا يعود إلى أركان الصلاة ولا إلى شروط صحتها .



وكون الشخص يجتمع عليه إثم وثواب لا مانع من ذلك، فلا مانع أن يكون مثاباً من جهة وآثما من جهة أخرى ،و الأجر الذي يلحقه ليس للبسه هذا الثوب المنهي عنه لكنه يلحقه لصلاته المستوفية الأركان و الشروط فهو مثاب لكونه صلى، وهو آثم لكونه لبس ثوب حرير، فلا مانع أن يجتمع عليه هذان الوصفان؛ لأن كلا منهما له جهته الخاصة به.

و الصلاة لم يتعلق بها نهي وإنما تعلق بلبس الرجل ثوب حرير ولا ملازمة بين لبس الرجل ثوب حرير والصلاة .

والمحرم إذا كان محرماً في ذات العبادة أفسدها، وإن كان تحريمه عاماً لم يفسدها ،و الصلاة في الثوب الحرير صحيحة ؛ لأن التحريم ليس عائداً للصلاة؛ فلم يقل النبي- صلّى الله عليه وسلّم - : لا تصلوا في الثوب الحرير فالنهي عام.

و قد أُهدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرُّوج حرير فلبسهُ، ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعهُ نزعًا عنيفًا شديدًا كالكاره لهُ ، ثم قال : « لا ينبغي هذا للمتقين »[7] ، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم - لبسه قبل التحريم ثم أخبره جبريل بتحريم الحرير - كما في رواية لمسلم عن جابر- في الصلاة وخارجها ، ولم يُعِد النبي - صلى الله عليه وسلم – الصلاة ، و إن قيل : النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لبس الحرير وصلى فيه قبل تحريمه، وهذا أمر لا شك فيه، فكيف يستدل به على صحة الصلاة بعد تحريمه و الجواب أن الخبر جاء بعد صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم – ،ولو كانت الصلاة في الثوب الحرير باطلة أي يجب الإعادة لبين إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة و هذا كمن صلى بلا وضوء ناسيا فعليه الإعادة و ليس عليه إثم فرفع الإثم شيء و إعادة الصلاة شيء آخر .


مثال 6 : النهي عن حج المرأة بغير محرم :
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ »[8] مما يدل على عدم جواز أن تسافر المرأة للحج أو غيره إلا و أن يكون معها زوج أو محرم لها فإن حجت المرأة بدون محرم فالحج صحيح مع الإثم ونقصان الأجر فليس من شروط صحة الحج وجود المحرم .


مثال 7 : النهي عن البيع بعد نداء الجمعة :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [ الجمعة من الآية 9 ] ،و النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ مَعَ تَوَفُّرِ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْهُ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ عَنْ التَّقَاعُدِ وَالتَّشَاغُلِ عَنْ الْجُمُعَةِ [9] ،و الْمَقْصُودَ إِيجَابُ السَّعْيِ لَا بَيَانَ فَسَادِ الْبَيْعِ[10].

والسعي إلى الجمعة ليس من أركان البيع، وليس شرطاً من شروط البيع ،و النهي عن البيع بعد نداء الجمعة نهي لا تعلق له بذات البيع ، ولا بشروطه التي لا يصح إلا بها فَإِن بَاعَ صَحَّ بيعه ؛ لِأَن النَّهْي لِمَعْنى خَارج عَن العقد [11] فَلَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ [12].


و العقود ونحوها من الأمور العادية التى ترتبط بمعاش الناس وأعمالهم الدنيوية، ولا يقصد منها التقربُ إلى الله تعالى، إنما هي من المباحات التي يتخيرها المكلف لصالح نفسه، فلو وقع العقد حال النهى ترتبت عليه آثاره، لأن الآثار تابعةٌ لتوافر الشروط والأركان .


والنهي عن البيع وقت النداء في الواقع ليس راجعا لذات البيع ،وإنما هو نهي عن تفويت الجمعة وهو معنى جاور البيع ومنفك عنه ولا ملازمة بين التفويت في الجمعة والبيع.


مثال 8 : النهي عن البيع في المسجد :
عن عمرِو بن شعيب، عن أبيه عن جدَّه: أن رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - نهى عن الشراء والبَيعِ في المسجد، وأن تُنشَدَ فيه ضَالَّةٌ، وأن يُنشَدَ فيه شِعرٌ، ونهى عن التَّحلُّقِ قبلَ الصَلاةِ يومَ الجمعة[13]


و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :"إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ الضَّالَّةَ، فَقُولُوا: لَا أَدَّى اللَّهُ عَلَيْكَ"[14] وفي الحديث : دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مِنْ رَأَى ذَلِكَ فِيهِ يَقُولُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك يَقُولُ جَهْرًا زَجْرًا لِلْفَاعِلِ لِذَلِكَ[15].


وَهَلْ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ في المسجد ؟ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : ( إنَّهُ يَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا [16] ) ،و قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ( لَوْ لَمْ يَكُنِ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ مَعْنًى )[17] .

و قال الشوكاني : ( أَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا عُقِدَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، وَهَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ النَّهْيَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْحَقُّ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ النَّقْضِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيمِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ قَرِينَةً لِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ )[18].
و الخلاصة : النهي عن البيع في المسجد محرم لكن إن وقع صح مع الإثم ؛ لأن النهي عن البيع في المسجد لا يرجع إلى ذات البيع ولا شروطه .

مثال 9 : النهي عن الاختصار في الصلاة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : « نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا »[19] و الاختصار في الصلاة هو وضع اليد على الخاصرة ( في الصلاة) جاء تعليله في الحديث بأنه راحة أهل النار، وقيل: لأنه تشبه باليهود، واعلم أن أصل النهي التحريم ولا يصرفه إلى غيره إلا دليل آخر[20].

ومذهب أهل الظاهر أنه محرم والجمهور أنه مكروه[21] ،،وقال المهلب: إنما كره الخصر فى الصلاة ؛ لأنه يشبه المختالين، والخصر أن يضع الرجل يديه على خاصرتيه، وفيه معنى الكبرياء، فلا يحل القليل منه، فكيف في الصلاة التي هي موضوعة للخشوع[22] ،و الظاهر تحريم ذلك ،ويؤكده ما ثبت عن عائشة - رضي الله - عنها أنها كانت تكره أن يَجعل يده في خاصرته وتقول: إن اليهود تفعله [23]


قال العظيم آبادي : ( وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِصَارِ وَقَدْ ذَهَبَ إلى ذلك أهل الظاهر وذهب بن عباس وبن عمر وعائشة وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجاز وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِعَدَمِ قِيَامِ قَرِينَةٍ تَصْرِفُ النَّهْيَ عَنِ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ كَمَا هُوَ الْحَقُّ .
وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ لِأَجْلِهِ عَلَى أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : التَّشْبِيهُ بِالشَّيْطَانِ
الثَّانِي : أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ
الثَّالِثُ : أَنَّهُ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ
وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ فِعْلُ الْمُخْتَالِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ
وَالْخَامِسُ : أَنَّهُ شَكْلٌ مِنْ أَشْكَالِ الْمَصَائِبِ يَصُفُّونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْخَوَاصِرِ إِذَا قَامُوا فِي الْمَأْتَمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ[24]

وصلاة المختصر في الصلاة صحيحة مع الإثم و نقصان الأجر ؛ لأن المختصر في الصلاة قد قام بالصلاة شروطاً وأركاناً، وهذا الفعل المحرم الذي فعله لا يعود إلى أركان الصلاة ولا إلى شروط صحتها .


مثال 10 : النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة :

عن أنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ » ، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ : «لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ »[25]فهذا وعيد شديد يدل على التحريم ولكنه لا يبطل الصلاة[26] ،وقد ذهب بعض من أهل العلم إلى تحريم رفع المصلي رأسه إلى السماء أو بصره إلى السماء، وهو قول وجيه جداً؛ لأنه لا وعيد على شيء إلا وهو محرم [27].

و قال النووي : ( قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ » وَفِي رِوَايَةٍ « أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ » فِيهِ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكِ )[28].


و قال الشوكاني : ( قَوْلُهُ: « أَوْ لَتُخْطَفَنَّ » بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يَعْنِي لَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الِانْتِهَاءُ وَإِمَّا الْعَمَى، وَهُوَ وَعِيدٌ عَظِيمٌ وَتَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَإِطْلَاقُهُ يَقْضِي بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ. وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ خَرَجَ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ وَأَعْرَضِ عَنْهَا وَعَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ.


وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَفْعَ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ حَالَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْعَمَى لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ مُحَرَّمٍ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَبَالَغَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْأَبْصَارِ مِنْ الْأَنْوَارِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ عَلَى الْمُصَلِّي كَمَا فِي حَدِيثِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ )[29] .


و كون رفع البصر إلى السماء في الصلاة محرماً فلظاهر الحديث المتقدم، فإن فيه وعيداً ولا يكون الوعيد إلى على فعل محرم لكنه لا تبطل به الصلاة خلافاً للظاهرية ؛ لأن النهي لا يعود إلى ذاتها، فالصلاة قد ثبتت بشروطها وأركانها وهذا خارج عن ذاتها[30].

أما قول ابن بطال : ( العلماء مجمعون على القول بهذا الحديث وعلى كراهية النظر إلى السماء في الصلاة )[31] فالكراهة منها كراهة تحريم و كراهة تنزيه .


مثال 11 : النهي عن الغيبة في الصيام :
قال تعالى : ﴿ وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [ الحجرات من الآية 12 ] والغيبة محرمة بنص الآية إلا أنها لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ إجْمَاعًا[32] فهي لا تعود إلى أركان الصيام و لا شروط صحته ،و لم يأت الشخص شيئا من المفطرات كالأكل والشرب والجماع ونحوها.

وقال النووي : ( لَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا , وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلا الأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ : يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ( [33] .

و قال ابن باز - رحمه الله - : ( الغيبة والنميمة معصيتان كبيرتان، ولكن لا تفطر الصائم، لكن عليه إثم كبير؛ لأنهما من كبائر الذنوب في رمضان وفي غيره، لكن لا تفطر الصائم )[34] .

وقال ابن عثيمين : ( الغيبة والنميمة لا تفطران، ولكنهما تنقصان الصوم )[35] ،وقال أيضا : ( المحرم إذا كان محرماً في ذات العبادة أفسدها، وإن كان تحريمه عاماً لم يفسدها، فالأكل والشرب يفسدان الصوم، بخلاف الغيبة )[36].


مثال 12 : النهي عن ارتكاب المعاصي في رمضان :
الصيام لا يفسد بارتكاب المعاصي بل يكون صحيحا مسقطا للفرض عن الصائم ، ولكن ينقص ثواب الصيام بفعل المعصية فكلما كثرت معاصيه وعظمت نقص ثواب صيامه ، وقد يزول ثوابه بالكلية ، فيكون قد منع نفسه من الطعام والشراب وسائر المفطرات وقد أضاع ثواب ذلك بمعصيته لله ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم : - « رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ »[37].

مثال 13 : النهي عن ارتكاب المعاصي في الحج :
قال تعالى : ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [ البقرة من الآية 197 ] أي لا ترفثوا و لا تفسقوا و لا تجادلوا في الحج ، و الواجب على المسلم تجنب المعاصي في جميع أوقاته ، خاصة إن كان حاجا لكن إن ارتكب الإنسان معصية في الحج هل يفسد حجه أم لا ؟ والجواب قد أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِإِتْيَانِ شَيْءٍ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إلَّا الْجِمَاعَ[38].

مثال 14 : النهي عن بيع المسكرات :
قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمـَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسـِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِـنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبـُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ المائدة الآية 90 ] ،و قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « كل مسكر خمر ،وكل مسكر حرام »[39] ،وعليه فبيع المسكرات حرام لا يجوز ، و هو بيع باطل فاسد ولا يترتب عليه أثر؛ لأن النهي عائد إلى ذات المنهي عنه .

مثال 15 : النهي عن الصلاة في مسجد فيه قبر :
قال النبى- صلى الله عليه وسلم : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »[40] يعني أنهم يبنون المساجد على قبور أنبيائهم ويصلون فيها ، و من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدًا ، و من بنى على قبر مسجدًا فقد اتخذه مسجدًا ،والمساجد التي بنيت على القبور، أو دفن الموتى فيها لا يجوز اتخاذها مكاناً للصلاة ،و نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك يدل على أنه من الكبائر ،و عن أبي سعيد الخدري : « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها »[41] ،وقال أيضاً : « لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها »[42].

و نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها سدا للذريعة في أن يعتقد الجهال في الصلاة إليها أو عليها الصلاة لها فيؤدي ذلك إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام ، و إذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -عن الصلاة إلى القبور أي نهى عن استقبال القبر خلال الصلاة أو جعل القبر قبلة في الصلاة ، فكيف بمن صلى في مسجدٍ مبني على قبر ؟!

والصلاة في مسجد به قبر لا تصح ؛ لأن النهي يعود لوصف ملازم للصلاة ،وهو النهي عن الصلاة في مسجد به قبر أي النهي عن معنى متصل بمكان الصلاة ،والمكان وصف ملازم للصلاة ،و لا يتقرب إلى الله تعالى بما ينهى عنه، ولأن العبادات تكليفات دينية تعلقت بها أوامر الله تعالى، فإذا تعلق مع ذلك بها نهيه فمعنى ذلك أن المؤدى غير المأمور به، وإلا كان الأمر والنهى واردين على محل واحد فيكون التناقض.

والمحرم إذا كان محرماً في ذات العبادة أفسدها، وإن كان تحريمه عاماً لم يفسدها [43]،و الصلاة في مسجد به قبر لا تصح ؛ لأن التحريم عائداً للصلاة؛ فالنبي- صلّى الله عليه وسلّم - قال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » فالنهي خاص .




مثال 16 : النهي عن صيام يوم العيد :

عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ويوم الأضحى[44] ، والصوم مشروع على العموم ما عدا يوم الفطر ويوم الأضحى وما عدا الأيام التي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم - عن صيامها وصوم يوم العيد لا يجوز و لا يصح و لَيْسَ ذَلِكَ لِذَاتِ الصوم، وَلَا لِجُزْئِهِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بَلْ لِكَوْنِهِ صَوْمًا فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَهُوَ وَصْفٌ لِذَاتِ الصَّوْمِ[45] فالنهي عنها لمعنى متصل بوقت الصوم ،و هُوَ مَحل الْأَدَاء فالوقت وصف لازم للصوم ،و لا يتقرب إلى الله تعالى بما ينهى عنه، ولأن العبادات تكليفات دينية تعلقت بها أوامر الله تعالى، فإذا تعلق مع ذلك بها نهيه فمعنى ذلك أن المؤدى غير المأمور به، وإلا كان الأمر والنهى واردين على محل واحد فيكون التناقض .



مثال 17 : النهي عن بيع عبد مسلم لكافر :

قال تعالى : ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [ النساء من الآية 141 ] ، و قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [ آل عمران الآية 139 ] ،وقال تعالى : ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [ المنافقون من الآية 8 ] ،وفي بيع المسلم للكافر سبيل للكافر على المسلم ،وعلو للكافر على المسلم وسلطان للكافر على المسلم وإذا صار المسلم مملوكًا صار الكافر له علوّ على المسلم، وقدرة على إذلاله وإهانته، فيحصل للكافر عزّة المالك، ويحصل للمسلم بذلك ذلّة المملوك [46]،و عليه فلا يجوز ،و لا يصح بيع المسلم للكافر ؛ لأن النهي يعود لوصف ملازم للبيع وهو جعل سبيل للكافر على المسلم ،وعلو للكافر على المسلم وسلطان للكافر على المسلم وإذلال للمسلم و خشية أن يفتن الكافر المسلم عن دينه .

مثال 18 : النهي عن بيع المكره :
قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [ النساء الآية 29] ، و قال النبي- صلى الله عليه وسلم – : « إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ »[47] ، و من أكل أموال الناس بالباطل أي تلجئهم إلى بيع ما في أيديهم إكراهاً ، و لا يصح البيع إلا بالتراضي بين الطرفين ؛ لأن التراضي من شروط صحة البيع ،و جمهور العلماء على عدم صحة بيع المُكْرهِ بغير حق ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد [48].

مثال 19 : النهي عن تلقي الركبان :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، قَالَ : « نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ »[49] ، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ أيضا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : « لَا يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِبَيْعٍ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ »[50] ، وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : «لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ»[51].


و التلقى هو الخروج من البلد التي يجلب إليها القوت ونحوه ،والركبان جمع راكب والتعبير به جرى على الغالب، والمراد القادم ولو واحدًا أو ماشيًا ، والجلب بمعنى الجالب، أو هو بمعنى المجلوب، وهو ما يجلب من بلد لبلد ،وتلقي الركبان أن يقوم بعض الناس أو التجار بتلقى السلع الواردة إليهم وذلك قبل ورودها السوق، وقبل أن يقدموا البلد ويعرفوا سعر السوق فيخبروهم أن السعر ساقطة والسوق كاسدة والرغبة قليلة حتى يخدعوهم عما في أيديهم ويبتاعوه منهم بالوكس من الثمن، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لما فيه من الضرر[52] .


و قد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن بيع التلقي محرم لثبوت النهي عنه ولما فيه من تغرير وخداع أصحاب السلع، والإضرار بالعامة[53] .


وقال النووي : يَحْرُمُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَهُوَ أَنْ يَتَلَقَّى طَائِفَةً يَحْمِلُونَ طَعَامًا إِلَى الْبَلَدِ، فَيَشْتَرِيَهِ مِنْهُمْ قَبْلَ قُدُومِهِمُ الْبَلَدَ وَمَعْرِفَةِ سِعْرِهِ. وَشَرْطُ تَحْرِيمِهِ، أَنْ يَعْلَمَ النَّهْيَ وَيَقْصِدَ التَّلَقِّي. فَلَوْ خَالَفَ فَتَلَقَّى وَاشْتَرَى، أَثِمَ، وَصَحَّ الْبَيْعُ[54].


و السؤال لما صح البيع رغم أنه منهي عنه ؟ والجواب لأن الْخِيَار لَا يَكُونُ إلَّا فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ لَا لِمَعْنَى فِي الْبَيْعِ، بَلْ يَعُودُ إلَى ضَرْبٍ مِنْ الْخَدِيعَةِ يُمْكِنْ اسْتِدْرَاكُهَا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمُصَرَّاةِ [55] ،و العقود ونحوها من الأمور العادية التى ترتبط بمعاش الناس وأعمالهم الدنيوية، ولا يقصد منها التقربُ إلى الله تعالى، إنما هي من المباحات التي يتخيرها المكلف لصالح نفسه، فلو وقع العقد حال النهى ترتبت عليه آثاره، لأن الآثار تابعةٌ لتوافر الشروط والأركان.


مثال 20 : النهي عن الطلاق في الحيض :

قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [ الطلاق من الآية 1 ] أي أيها المؤمنون إذا أردتم طلاق نسائكم فطلقوهن لزمان محسوب من عدتهن ، وهو طهر لا قربان فيه حتى لا يطول عليهن زمان العدة ، فإن طلقتموهن فى زمان الحيض كان الطلاق طلاقا بدعيا حراما، والمراد بالنساء المدخول بهن من ذوات الأقراء ، أما غير المدخول بهن فلا عدة عليهن [56] ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قَالَ: لَا يُطَلِّقْهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَلَا فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ، وَلَكِنْ: تَتْرُكُهَا حَتَّى إِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً[57].


وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ »[58] ،وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ، إِلَّا إنْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا [59].


و قال البغوي : ( اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِدْعَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ".
وَالطَّلَاقُ السُّنِّيُّ: أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ. وَهَذَا فِي حَقِّ امْرَأَةٍ تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ فَأَمَّا إِذَا طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ أَوِ الْآيِسَةَ بَعْدَ مَا جَامَعَهَا أَوْ طَلَّقَ الْحَامِلَ بَعْدَ مَا جَامَعَهَا أَوْ فِي حَالِ رُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَكُونُ بِدْعِيًا )[60].


و قال ابن قدامة : ( فَإِنْ طَلَّقَ لِلْبِدْعَةِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا، أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، أَثِمَ، وَوَقَعَ طَلَاقُهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ. وَحَكَاهُ أَبُو نَصْرٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، وَالشِّيعَةُ قَالُوا: لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ ) [61].


وقال النووي : ( أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ الْحَائِلِ - أي غير الحامل - بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَوْ طَلَّقَهَا أَثِمَ وَوَقَعَ طَلَاقُهُ ويؤمر بالرجعة لحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً ) [62].


و الحكمة من النهي عن الطلاق البدعي أنه إذا طلقها في الحيض أضر بها في تطويل العدة وإذا طلقها في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل لم يأمن أن تكون حاملاً فيندم على مفارقتها مع الولد ؛ لأنه لا يعلم هل علقت بالوطء فتكون عدتها بالحمل أو لم تعلق فتكون عدتها بالإقراء وأما طلاق غير المدخول بها في الحيض فليس بطلاق بدعة لأنه لا يوجد تطويل العدة [63].

والدليل على وقوع الطلاق في الحيض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: « مُرْه فليراجعها ...» وَلَوْ لَمْ يَقَعْ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِالرَّجْعَةِ الرَّجْعَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ الرَّدُّ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ لَا أَنَّهُ تُحْسَبُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ في أصول الفقه الثاني : أن بن عُمَرَ صَرَّحَ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ حَسَبَهَا عَلَيْهِ طَلْقَةً [64] ،و الرَّجْعَةَ بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ تَنْصَرِفُ إِلَى رَجْعَةِ الطَّلَاقِ و أنَّهُ مَا ذَكَرَ إِخْرَاجَهَا فَيُؤْمَرُ بِرَدِّهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الطَّلَاقَ[65] .

وعَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ امْرَأَتِهِ الَّتِي طَلَّقَ، فَقَالَ: طَلَّقْتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا لِطُهْرِهَا » ، قَالَ: «فَرَاجَعْتُهَا، ثُمَّ طَلَّقْتُهَا لِطُهْرِهَا»، قُلْتُ: فَاعْتَدَدْتَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقْتَ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ : « مَا لِيَ لَا أَعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ »[66].


وعن سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثُمَّ قَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللهُ »، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [67].

هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات



[1] - التفسير الوسيط للطنطاوي 5/264

[2] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 6954

[3] - رواه أبو داود في سننه و صححه الألباني حديث رقم 101

[4] - رواه أبو داود في سننه وصححه الألباني حديث رقم 3503

[5] - رواه أبو داود في سننه وصححه الألباني حديث رقم 2085

[6] - رواه ابن ماجة في سننه رقم 3595 و أبو داود في سننه رقم 4057 والنسائي في سننه رقم 5144 وصححه الألباني

[7] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 375 ، ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 2075

[8] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 1088 ، ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 1339

[9] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين بن عبد السلام 2/26

[10] - الموافقات للشاطبي 2/156

[11] - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للخطيب الشربيني ص 185

[12] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني ص 1/566


[13] - رواه أبو داود في سننه و إسناده حسن حديث رقم 1079

[14] - رواه ابن خزيمة في صحيحه حديث رقم 1305 ،ورواه البيهقي في السنن الكبرى حديث رقم 4345 ورواه الترمذي في سننه حديث رقم 1321 ورواه النسائي في سننه حديث رقم 9933 وصححه الألباني

[15] - سبل السلام للصنعاني 1/232

[16] - سبل السلام للصنعاني 1/232

[17] - صحيح ابن خزيمة 1/642

[18] - نيل الأوطار للشوكاني 2/185

[19] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 1220 ، ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 545

[20] - التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ للصنعاني 10/532

[21] - الأحكام شرح أصول الأحكام لابن القاسم 1/250

[22] - شرح صحيح البخارى لابن بطال 3/208

[23] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 3458

[24] - عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي 3/120

[25]- رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 750 ، ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 429

[26] - فتاوى اللجنة الدائمة 7/22

[27] - مجموع فتاوى ابن عثيمين 13/369

[28] - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 4/152

[29] - نيل الأوطار للشوكاني 2/221

[30] - شرح زاد المستقنع لحمد بن عبد الله الحمد

[31] - شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/364

[32] - المغني لابن قدامة 3/121

[33] - المجموع للنووي 6/398

[34] - فتاوى نور على الدرب 16/23

[35] - مجموع فتاوى ابن عثيمين 19/359

[36] - الشرح الممتع لابن عثيمين 6/413

[37] - رواه ابن ماجة في سننه رقم 1690 وصححه الألباني

[38] - الإجماع لابن المنذر ص 52

[39] - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 3735

[40] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 1330 , ورواه مسلم حديث رقم 529

[41] - رواه أبو يعلى في مسنده ق 66/ 2 وإسناده صحيح وقال الهيثمي 3/61 : ورجاله ثقات

[42] - رواه مسلم ( 3/62 ) وأبو داود ( 1/71 ) والنسائي ( 1/124 ) والترمذي ( 2/154 )

[43] - الشرح الممتع لابن عثيمين 6/413

[44] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 1993 , ورواه مسلم حديث رقم 1138

[45] - إرشاد الفحول للشوكاني 1/283

[46] - شرح التلقين للمازري 2/939

[47] - رواه ابن ماجه في سننه و صححه الألباني حديث رقم 2185 و أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث رقم 4967 والبيهقي في السنن الكبري حديث رقم 11075

[48] - موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي لمحمد نعيم 1/449

[49] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 2162

[50] - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 1515

[51] - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 1519

[52] - صحيح فقه السنة لكمال السيد 4/392

[53] - صحيح فقه السنة لكمال السيد 4/392

[54] - روضة الطالبين للنووي 3/415

[55] - المغني لابن قدامة 4/165

[56] - تفسير المراغي 28/134

[57] - تفسير ابن كثير 8/143

[58] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 5251 , ورواه مسلم حديث رقم 1471

[59] - منهج السالكين وتوضيح الفقة في الدين للسعدي ص 209

[60] - تفسير البغوي 8/148

[61] - المغني لابن قدامة 7/366

[62] - شرح النووي على صحيح مسلم 10/60

[63] - المهذب للشيرازي 3/6

[64] - شرح النووي على صحيح مسلم 10/60

[65] - الحاوي للماوردي 10/116

[66] - رواه مسلم حديث رقم 1471

[67] - رواه مسلم حديث رقم 1471
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
رد: عشرون تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه

للتحميل من هنا
 
إنضم
8 أبريل 2012
المشاركات
60
الكنية
كلية الامام الاعظم الجامعة
التخصص
أصول فقه
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
مالكي
رد: عشرون تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه

بحث رائع جدا وقيم
بعض الأمثلة تحتاج إلى بعض التحريرات ليكتمل أمرها ويتبين أثر نهيها
فمثلاً مسألة النهي عن سفر المرأة بدون محرم ، فلا بد من البيان فيها حسب مجريات الواقع ، لضبد أحكام الوقائع ، فالعلماء المعاصرون عللوا المسألة بقضية الأمن ، فإذا تحقق الأمن جاز سفرها ، بحيث تسافر مع رفقة من نسوة تأمن فيها على نفسها .
والله أعلم
 
إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
396
الإقامة
وهران- الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة والقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: عشرون تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه

بحث ممتع بيد أن بعض الأمثلة تحتاج إلى تفصيل أكثر، في الفرق: بين العبادات والمعاملات، وبين شروط الانعفاد وشروط الصحة، وبين رأي الجمهور والحنفية. فتح الله عليكم.
 
إنضم
6 سبتمبر 2014
المشاركات
16
الكنية
ابو عمر
التخصص
بريد
المدينة
كفر الشيخ
المذهب الفقهي
مع الدليل
رد: عشرون تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
رد: عشرون تطبيقا على أثر النهي في المنهي عنه

جزاكم الله خيرا على مشاركتكم الطيبة و لا اخفي عليكم أن الغرض من هذا البحث عرض أمثلة على أحد المباحث الأصولية أملا في زيادة الملكة الفقهية بكثرة الأمثلة و ليس الغرض من بحثي تقعيد كل مسألة فقهية خاصة بأثر النهي في المنهي عنه لأنني قد وجدت في كثير من الأخوة الدراسين لعلم الأصول قصورا في تطبيق الفروع على الفروع خاصة طلبة الشريعة و القانون فهذا البحث وغيره محاولة للتمرين على تطبيق الفروع على الأصول ومما كتبته بصدد تقعيد بعض المسائل الخاصة بهذا المبحث الطلاق في الحيض حكمه و أثره ،و حكم الصلاة في مسجد به ضريح و الرد على شبهات الصوفية ومن نحى نحوهم


 
أعلى