العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فتوى نادرة ونفيسة في مخرج العسل من النحلة، للعلامة السمهودي الشافعي عالم طيبة

إنضم
19 يناير 2013
المشاركات
113
الكنية
أبو محمد
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
الحنبلي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد :
فهذه فتوى فقهية لطيفة وقفت عليها أثناء قراءتي في فتاوى الإمام العلامة عالم طيبة، نور الدين علي بن عبد الله السمهودي الحسني الشافعي المتوفي سنة 911ه، في فتاويه المسماة " المجموع الحاوي لما وقع لنا من الفتاوي" ، وهي مازالت مخطوطة لم تطبع، وأحببت المشاركة بها في الملتقى المبارك، وكان عملي مجرد نسخ هذه الفتوى من المخطوط فقط، وبدون أي تحقيق أو تعليق، أسأل الله أن ييسر لي إخراج هذه الفتاوى كاملة محققة بحوله وقوته، لعل الله أن ينفع بها، اللهم آمين .
قال رحمه الله جواباً على سؤال، ما نصه :
مسألة : تسمى "بيت النحلة في مخرج العسل من النحلة"، أشار الفُوراني إلى خلاف في أن العسل يخرج من فم النحلة، أو من دُبرها، فما فائدة هذا الخلاف؟، وما هو الأصح منه ؟
الجواب :
أن ذكر ذلك من باب بيان الاختلاف في حقيقة الشيء، وتظهر فائدته في تعليق الطلاق، أو النذر على كون العسل يخرج من فم النحلة، أو دبرها، ونحو ذلك، وإلا فالطهارة، وحِلِّ تناول العسل مجمع عليه .
وفي "التوسط" للأذْرَعِي : (أنه لم ير في هذا الخلاف ترجيحاً، وأن الأشبه خروجه من فم النحلة،... قال : وعلى مقابله يُستثنى ذلك من الضابط - أي : المقتضي لنجاسة الخارج من الدبر- .
قلت : فعلى ما قاله يؤخذ إثبات فائدة لهذا الخلاف، وهي أن القول بخروجه من الدبر محوج إلى استثنائه من نجاسة ما يخرج، بخلاف القول بخروجه من الفم، وقد جرى الشيخان تبعاً للأصحاب على عدم استثنائه، فدل ذلك على أن المعتمد خروجه من الفم، وقد حكاه ابن عطية عن الجمهور .
قلت : وما أشار إليه الأذْرَعِي، إنما يتم إذا كان خروجه من نفس الفم، كالريق لسائر الحيوانات الطاهرة، وهو ظاهر تعبير بعضهم بأنه : (لعاب النحل)، وكذا هو ظاهر قول "الإحياء" : انظر إلى النحلة كيف أوحى الله إليها؟!، حتى اتخذت من الجبال بيوتاً، وكيف استخرج من لعابها الشمع، والعسل؟!، أحدهما : شفاء، والآخر : ضياء . انتهى .
فصرَّح بكونه من لعابها .
وفي "الخادم" : القول : (بأنه يخرج من دبرها، ضعيف لا أصل له، والمعروف أنها تمجه من فمها، كما جزم به الشيخ في "النكت"، وحكم بطهارته، وقاسه على الريق) . انتهى .
ويُشكل عليه ظاهر قوله تعالى : (يخرج من بطونها شراب) ، فيحتاج إلى الجواب بما سنشير إليه، أو إلى تفسير البطون بالأفواه، وهو خلاف الظاهر، فالمتبادر من الآية خروجه من بطنها المعروف بهذا الاسم، وما خرج من البطن من طريق الفم فهو القيء، فيحتاج إلى استثنائه من نجاسة القيء، فلا تتم الفائدة المذكورة؛ للاحتياج إلى استثنائه على القولين، وهو ظاهر صنيع الإسنوي في "المهمات" : خلاف ما اقتضاه صنيع الشيخ أبي إسحاق في "نكته" فإنه نقل عن الحنفية : (طهارة ذرق الطير، معللين لها : بأنه استحال إلى غير نتن وفساد، فكان طاهر كالعسل، ثم منع ذلك، وقال : بل استحال إلى نتن وفساد، وأوضح أن استحالته كذلك كما في الخارج من إخراجه، ثم قال : والعسل خارج من فم النحلة، كالريق، وهذا خارج من الدبر كالغائط) . انتهى .
فللخصم أن يقول : إنما يكون العسل، كالريق، لو لم يخرج من البطن؛ لكنه خارج منه بمقتضى الآية، فالمعول عليه إنما هو استحالته إلى صلاح، كالمِسْكِ، سواء خرج من الفم أو من غيره، مع منع ما ادعاه الخصم من كونه رجيع النحلة، وإن سُلِّمَ خروجه من دبرها، بل لها رجيع منتن الريح، ولهذا مخرجه من الحليِّة؛ لأن الله طبع هذا الحيوان على النظافة، حتى قال في "الإحياء" : (لو تأملت عجائب أمر النحلة في تناولها الأزهار، واحترازها من النجاسات، والأقذار، وطاعتها لواحدٍ من جملتها، وهو أميرها، ثم ما سخر الله في أمرها من العدل والإنصاف بينها، حتى إنه ليُقتل منها على باب المنفذ كل ما وقع منها على نجاسة، لقضيت من ذلك العجب إن كنت بصيراً) . انتهى .
وأما ما يروى عن علي رضي الله عنه، فيما قال ابن عطية أنه قال في تحقير الدنيا : (أشرف لباس ابن آدم فيها، لعاب دودة، - يعني : الحرير - ، وأشرف شرابه فيها، رجيع نحلة، - يعني : العسل - ) . انتهى .
فإنما سماه رجيعاً لما ترى على هذا من انفصاله من الدبر؛ لأنه أبلغ في تحقير الدنيا .
على أن المعروف عن علي رضي الله عنه إنما هو قوله من جملة كلام له : (أشرف المطعوم العسل، وهو مذقة ذبابة، وأشرف الملبوس الحرير، وهو نسج دودةـ، وأشرف المشموم المسك، وهو دم حيوان، وأشرف المنكوحة المرأة، وهو مبال في مبال) . انتهى .
وقال النقاش : (النحل يأكل الحامض، والمر، وما لا يوصف طعمه، فيحيل الله ذلك عسلا ًيخرج من بطونها إلا أنها تلقيه من أفواهها، ولكن قال : (من بطونها)؛ لأن استحالة الأطعمة لا يكون إلا في البطن، فيخرج بعضها من الفم،كالريق الدائم الذي يخرج من ابن آدم، والنحل يخرج العسل من بطونها إلى أفواهها،.. ثم حكى عن قوم أنها تحمل العسل من الطل الواقع على الشجر، فيضعه في الكوارة من فمها) .
وفي تفسير الكواشي "الأوسط" المسمى : بـ"تبصرة المتذكر" : (أن العسل يخرج من أفواه النحل، وذلك أن العسل ينزل من السماء فينبت في أماكن، فتأتي النحل فتشربه، ثم تأتي الخلية فتلقيه في الشمع المهيأ للعسل، لا كما يتوهمه بعض الناس أن العسل من فضلات الغذاء، وأنه قد استحال في المعدة عسلاً) .
هذه عبارته، وهي صريحة في أنها تتقيأ ذلك بعد شربه، وما قاله : من نزول العسل من السماء، هو ما يشير إليه قول الفخر الرازي : (أنه رأى في بعض كتب الطب أن العسل طَلٌّ ينزل من السماء كالترنجبين، فيقع على الأزهار، وأوراق الشجر، فيجمعه النحل، فيأكل بعضه ويدخر بعضه لأنفسها للتغذي به، فإذا اجتمع في بيوتها من تلك الأجزاء الطلية شيء كثير، فهو العسل) .
قال : (وهذا أقرب إلى العقل؛ لأن طبيعة الترنجبين يقرب من طبيعة العسل، وأيضاً فإنا نشاهد النحل يتغذى بالعسل) .
وأجاب عن قوله تعالى : (يخرج من بطونها) : (بأن كل تجويف في داخل البدن يسمى بطناً، وقوله : (يخرج من بطونها)، يعني : من أفواهها ). انتهى .
ولا مخالفة فيه؛ لكون العسل مختلف الألوان لأن ما يخالط ذلك الطل مما يقع عليه، ومن لعاب النحل قد يكسبه اختلاف الألوان غير أن الظاهر من إطلاق البطون إنما هو ممن يعرف من الجوف المشتمل على المعدة ونحوها . ولهذا قال الكواشي : (إنها تشربه، ثم تلقيه) .
فقد تحصلنا من هذا الخلاف على خمسة أوجه :
أحدها : أنه لعاب النحل يخرج من فمها رشحاً كالريق للآدمي .
وقد يجاب عن إطلاق الآية : خروج من بطونها بأن ما في الباطن مادته ذلك الرشح .
ألا ترى أن العَرَقَ يخرج رشحاً من البدن ويكثر عقب الشرب؛ لأن ما يصل إلى الباطن من الماء يسري وينتشر في البدن، والريق يجف من الفم عند شدة العطش فما في الباطن هو المادة، ولما لم ينشأ ما ترشح من البدن على اجتماع واستحالة، كان ظاهر .
ثانيها : أنها من الأغذية التي لم يتناولها النحل من النَّوَر، والأزهار، والأوراق حلوها ومرها لقوله تعالى : (كلي من كل الثمرات) فيجتمع المأكول، ويستحل في بطونها، ثم تلقيه من فمها وقد استحال إلى صلاح، فلم يلتحق بالقيء، بل بالمسك المستحيل عن الدم .
ثالثها : أنه من طَلٍّ ينزل من السماء على الأوراق والأزهار فتشربه ثم تلقيه من فمها ولم يلتحق بالقيء لما سبق .
رابعها : أنه من الطل المذكور إلا أنها تمجه بفمها وتلقيه منه، فإنما يخالط ريقها فقط، فهو طاهر .
خامسها : أنه يخرج من دبرها بعد اجتماع الأغذية، واستحالتها بباطنها، لكنه استحال إلى صلاح، وقد امتن الله تعالى به على عباده فكان حلالاً طاهراً إجماعاً على سائر الأقوال فظاهر كلام الأصحاب ترجيح الأول، على أن الظاهر الذي تقتضيه الحكمة أن مجرى العسل عمن قال بخروجه من الدبر غير مجرى الغائط، ويجتمع السيلان عند رأس منفذ الدبر، ولما لم يظهر اقترانهما للناظرين؛ لصغر الحيوان أطلقوا خروجه من الدبر، وهذا كما اختلف مجرى المني ومجرى البول من الآدمي مع الاجتماع في رأس الذكر، ولم يدرك ذلك إلا الخواص .
وكما اقتضت الحكمة جعل حجاب في الباطن للبن بين الفرث والدم، ويدل لذلك ما سبق من تمييز رجيع النحلة من العسل، وأنها تخرجه من الخلية إذ يبعد الوصول إلى ذلك مع اتحاد المجرى بل دليل اختلافه إذ لا معنى له مع اتحاد المجرى وحينئذ فلا يحتاج إلى استثناء العسل على القول بخروجه من دبرالنحلة أيضا .
ولهذا لم يتعرض أحد من الأصحاب إلى استثنائه، وبذلك يعلم رد ما حاوله الأذرعي وقبله الإسنوي من استثنائه؛ لأنه ليس بقيء، وإن خرج من الفم، ولا رجيع وإن انفصل من الدبر .
أما الأول : فلأنه عند الأصحاب لعاب ينفصل من الفم فليس من القيء في شيء .
وأما الثاني : فلمغايرته للرجيع وتمايزهما, والله تعالى أعلم .
 
إنضم
30 أكتوبر 2012
المشاركات
25
الكنية
ابو امين
التخصص
الهندسة - الشريعة
المدينة
اربيل
المذهب الفقهي
شافعي
رد: فتوى نادرة ونفيسة في مخرج العسل من النحلة، للعلامة السمهودي الشافعي عالم طيبة

و الله يا شيخ غالب هذه الفتوى تستحق أن تكتب بماء الذهب ، لا نعدم من خير منكم ، وفقكم الله .
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: فتوى نادرة ونفيسة في مخرج العسل من النحلة، للعلامة السمهودي الشافعي عالم طيبة

حمد الله على السلامة يا شيخ أبو بكر
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,144
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: فتوى نادرة ونفيسة في مخرج العسل من النحلة، للعلامة السمهودي الشافعي عالم طيبة

حمد الله على السلامة يا شيخ أبو بكر
حقاً افتقدنا حضوره وإثراءه ...
 
أعلى