رد: موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم
دلالة حديث : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ » أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ »[1] ، وفي رواية « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، والشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ: فِي المَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ»[2] ، واقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة دليل أن المقصود بالنفي نفي الاعتقادات الفاسدة حول العدوى والطيرة .
و نفي العدوى والطيرة مع ذكر " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " دليل آخر في الحديث أن المقصود بالنفي نفي الاعتقادات الفاسدة حول العدوى والطيرة .
و بيان ذلك أن المراد بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " أي إن كان الشؤم في شيء ففي هذه الثلاثة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمَرْأَةِ، وَالفَرَسِ»[3] ، و في رواية : « إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ، فَفِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ»[4] .
ومعنى إن كان الشؤم في شيء ففي هذه الثلاثة أي إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى التشاؤم به فإنما يخلقه في هذه الأشياء وهذا لا يقتضي إثبات الشؤم فيها .
أي : إِنْ فُرِضَ وُجُودُ الشُّؤْمِ يَكُونُ في هذه الثَّلَاثَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ نَفْيُ صِحَّةِ الشُّؤْمِ وَوُجُودُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ فَلَا يُنَافِيهِ حِينَئِذٍ عُمُومُ نَفْيِ الطِّيَرَةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ [5].
وقول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمَرْأَةِ، وَالفَرَسِ» من قبيل قول القائل : إن كان في هذه الدار أحد فزيد فهذا الكلام لا يفهم منه أن القائل يثبت أن في الدار زيدا ، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا
و لو كانت الطيرة مؤثرة في شيء لكانت مؤثرة في هذه الثلاثة لطول ملازمة الإنسان لهذه الأشياء، أما وإن الطيرة ليست مؤثرة في هذه الأشياء رغم أنها أكثر ما يلازم المرء فإن الطيرة منفية في غيرها من باب أولى .
و على التسليم الجدلي أن في هذه المذكورات شؤم فالشؤم بمعنى ما يكرهه الإنسان فقد يسمى كل مكروه ومحذور شؤم[6] ،وهذه الأشياء قد يقدر الله أن تكون سببا لما يكرهه الإنسان ويسيئه أو توصل إلى ما يكرهه الإنسان و يسيئه أي هذه الأشياء قد يجعلها الله سببا قدريا في حصول ما يسيء الإنسان و يكرهه أو قد يكون في بعض أعيان هذه الثلاثة ضرر محسوس، كالمرأة السيئة الخلق، والدار الضيقة، أو السيئة الجيران، والفرس السيئة الطباع، ونحو ذلك ، ،وهَذَا كُلُّهُ شَيْءٌ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ لَيْسَ هُوَ مِنْ باب الطيرة .
وقال ابن الجوزي إِن خيف من شَيْء أَن يكون سَببا لما يخَاف شَره ويتشاءم بِهِ فَهَذِهِ الْأَشْيَاء، لَا على السَّبِيل الَّتِي تظنها الْجَاهِلِيَّة من الْعَدوي والطيرة، وَإِنَّمَا الْقدر يَجْعَل للأسباب تَأْثِيرا )[7] .
وإضافة الشؤم إلى هذه الثلاثة إنما هو من قبيل المجاز فالشؤم قد يحصل مقارناً لهذه الأشياء لا أنه منها أو يحدث الشؤم عندها لا بها ، وَقد تكون الدَّار قد قضى الله عز وَجل عَلَيْهَا أَن يُمِيت فِيهَا خلقا من عباده كَمَا يقدر ذَلِك فِي الْبَلَد الَّذِي ينزل الطَّاعُون بِهِ وَفِي الْمَكَان الَّذِي يكثر الوباء بِهِ فيضاف ذَلِك إِلَى الْمَكَان مجَازًا وَالله خلقه عِنْده وَقدره فِيهِ كَمَا يخلق الْمَوْت عِنْد قتل الْقَاتِل [8].
وقال الطيبي : ( هذه الأشياء الثلاثة ليس لها بأنفسها وطباعها فعل وتأثير، وإنما ذلك كله بمشيئة الله وقضائه، وخصت بالذكر لأنها أعم الأشياء التي يقتنيها الناس، ولما كان الإنسان لا يخلو عن العارض فيها، أضيف إليها اليمن والشؤم إضافة مكان ومحل )[9].
و إذا كان معنى حديث : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " : إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى التشاؤم به فإنما يخلقه في هذه الأشياء من باب أولى ،وإذ لم يكن في هذه الأشياء شؤم فغيرها ليس فيه شؤم من باب أولى فليس في ذوات هذه الأشياء شؤم أو ضرر ،وعليه فيكون معنى قول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ » أي لا تضر العدوى بنفسها ولا تضر الطيرة ،و على فرض وجود الشؤم لكان موجودا في هذه الأشياء ،وإذ لم يكن فيها فغيرها من باب أولى .
و إذا كان معنى حديث : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " : أن في هذه الثلاثة شؤم وضرر بتقدير الله ذلك فيكون معنى قول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ » لا تعتقدوا أن العدوى أو الطيرة تؤثر بنفسها من دون الله إنما الله قد يجعل في بعض الأشياء ضررا لمن لازمها بتقديره سبحانه ،وليس لأن هذه الأشياء تضر بنفسها .
وعليه فنفي العدوى والطيرة مع ذكر " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " دليل أن السياق يتكلم عن نفي اعتقادات فاسدة فالشريعة دائما و أبدا ترفض التقليد الأعمى و ترفض إشاعة الخرافات و الاعتقادات الفاسدة .
دلالة حديث : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» ، أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى
عن أَبَي هُرَيْرَةَ ،قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ »[10] ،و هذا الحديث يدل أن نفي العدوى نفي الاعتقاد الفاسد فيها من عدة وجوه :
الوجه الأول : اقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة ،و الطيرة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس فيها ،والمعنى نفي ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم ،و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين – نفي العدوى و نفي الطيرة - ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة حول العدوى و الطيرة .
الوجه الثاني : اقتران نفي العدوى مع نفي الهامة ،والهامة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس و الهامة طير من طير الليل كأنه يعني البومة قال ابن الأعرابي: ( كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نَعَتْ إليّ نفسي أو أحدا من أهل داري، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله) [11] ،وقال الشهرستاني :
( ومن العرب من يعتقد التناسخ، فيقول: إذا مات الإنسان أو قتل اجتمع دم الدماغ وأجزاء بنيته، فانتصب طيرا هامة، فيرجع إلى رأس القبر كل مائة سنة, وعن هذا أنكر عليهم الرسول عليه السلام )[12] ، والمعنى نفي هذه المعتقدات الباطلة ،و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة حول العدوى و الهامة .
الوجه الثالث: اقتران نفي العدوى مع نفي صفر ،و شهر صفر موجود لكن بعض الناس يعتقدون في شهر صفر اعتقادات فاسدة ، ويتشاءمون به، ويقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك [13] ، والتشاؤم بصفر من جنس الطيرة المنهي عنها ، و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين – نفي العدوى و نفي صفر - ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة حول العدوى و شهر صفر .
وقال ابن عثيمين – رحمه الله –: ( وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة - أي لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ - ليس نفيا للوجود; لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير; فالمؤثر هو الله، فما كان منها سببا معلوما; فهو سبب صحيح، وما كان منها سببا موهوما; فهو سبب باطل، ويكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا، ولكونه سببا إن كان باطلا )[14].
الوجه الرابع : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ " ،و قد كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيْفٍ رَجُلٌ مَجْذُوْمٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاك؛ فَارْجِعْ[15] مما يدل على مشروعية اجتناب مريض الجذام كي لا تنتقل العدوى منه إلى غيره أي أن مخالطة هذا المريض من الأسباب التي أجرى الله - سبحانه و تعالى - العادة بأنها تفضي إلى المرض لا استقلالا بطبعها مما يدل أن للعدوى تأثيرا لكن تأثيرها ليس أمرا لازما بحيث تكون علة فاعلة .
و الإنسان مأمور باتقاء الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء، وفي النار، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، فإن هذه من أسباب المرض أي أن اجتناب المريض بمرض معدي من باب تجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء لا من باب تأثير الأسباب بنفسها ; فالأسباب لا تؤثر بنفسها .
ومرض الجذام Leprosy مرض معدي لكنه ليس شديد العدوى not highly infectious ، و ينتقل المرض عبر رذاذ الأنف nasal droplets أثناء المخالطات الحميمة و المتكررة مع الحالات التي لم تُعالج أو ملامسة الأشخاص المصابين لفترات طويلة long time of contact أو ملامسة القرح ومفرزات الأغشية المخاطية لمرضى الحالات أو المراحل المتقدمة .
و إن كان الجذام ليس شديد العدوى إلا أن هناك نوع من أنواعه شديد العدوى خاصة من رذاذ الأنف ، وهو الجذام الجذاميني أو الأسدي Lepromatous leprosy فهو أخطر مراحل المرض و أخطر الأنواع حيث يصاب الجلد بآفات جلدية بصورة منتشرة diffuse skin lesions ، و تظهر تقرحات شديدة بالجلد و هذه الآفات الجلدية تكون محملة بالبكتريا المسببة للمرض high bacterial load و أكثر الأماكن إصابة الوجه و الجبهة و يبدو وجه المريض كوجه الأسد Lion face .
ومريض الجذام إذا رأى صحيح البدن يديم النظر إليه و يحزن لما أصابه فيصاب بالإحباط و تضعف مناعته وتزداد شدة المرض لذلك كان الهدي النبوي بالفرار منه حتى لا يقع بصره على الصحاح فيزداد مرضه كما أن الإنسان عندما يرى أسدا يتصنع في عدم رؤية الأسد له .
[1] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5772،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2225
[2] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5753 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2225
[3] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5094
[4] - رواه مسلم في صحيحه رقم 2225
[5] - تحفة الأحوذي 8/92
[6] - مطالع الأنوار على صحاح الآثار لابن قرقول 6/5
[7] - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 2/268
[8] - مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/255
[9] - شرح المشكاة للطيبي 7/2261
[10] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5707
[11] - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن حسن ص 309
[12] - الملل و النحل للشهرستاني 3/81
[13] - انظر حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص 216
[14] - القول المفيد لابن عثيمين ص 564
[15] - رواه مسلم في صحيحه رقم 2231