العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تفكير بصوت مسموع: ما هو العيد؟

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تفكير بصوت مسموع: ما هو العيد؟
تمهيد: أهمية الموضوع تأتي من جهة توسيع بعض الناس للعيد حتى جعلوا أي مزية لأي يوم عيدا، فيمنعون منه، ومن جهة توسع آخرين في استحداث ما هو نظير ما اقتصر الشارع عليه، فمن هنا جاءت أهمية الموضوع لتحديد المصطلح الشرعي.
ما هو العيد؟

§ العيد لغة: أصله العود، وهو الوقت الذي يعود فيه الفرح كل سنة، وقد يراد به عود الحزن[1].
§ العيد في اصطلاح الناس: موسم فرح وسرور، يتكرر كل سنة بين أناس يجمعهم دين أو بلد أو عرق أو نحو ذلك، والغالب فيه أنه ذكرى لمناسبة دينية، أو تاريخية، أو عادات قديمة[2].
وباختصار: موسم سنوي عام للفرح.
وبهذا تكون بنية العيد تقوم على ثلاثة أمور:
1- فرح وسرور.
2- يتكرر سنويا.
3- عامٌ بين أناس يجمعهم دين أو بلد أو عرق أو نحو ذلك.
هذا هو العيد عند المسلمين وعند سائر الناس، منذ الأزل.
وقد تطلق لفظة: "العيد": على المكان المعتاد، أو على ما يحدث في يوم العيد أو مكانه من أفعال.
§ العيد في الشرع:
الأيام التي نص الشارع أنها أعياد: هي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وأيام التشريق، ويوم الجمعة.
ويحتمل: أن العيد هو يومي الفطر والأضحى.
وإنما ذكرت أيام التشريق تبعا: لأن لها بعض أحكام العيد، فهي أكل وشرب وذكر، ولا يشرع صومها إلا للحاج الذي لم يجد الهدي، وهي زمن للنحر.
وكذلك الجمعة: فهي مناسبة أسبوعية لها عبادة خاصة، وشرع فيها بعض الأحكام، فكانت عيدا للأسبوع كالعيد للسنة، ولذا كان لها بعض الأحكام التي تشبه أحكام العيد، ففيها صلاة الجمعة كصلاة العيد، ويكره إفراد صومها، في مقابل تحريم صوم يوم العيد، ويشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما يشرع ذكر الله في يوم الفطر، وإن كان لا يختص يوم الجمعة بإظهار الفرح والسرور والترخص باللعب والهو، كما هو الحال في العيدين وفي أعياد الناس.
عموما: فإن العيد في اللغة هو الأوسع، ثم يأتي بعده بدرجة، العيد في اصطلاح الناس فإنه أضيق منه، ثم العيد في عرف الشارع، فإنه أضيق منهما باقتصاره على العيد في أيام محددة، وإن كان من جهة أخرى قد توسع في اعتبار الجمعة عيدا أسبوعيا.

§ مناقشة بعض تعريفات العيد:
1. تعريف رواس.
2. تعريف ابن عاشور.
3. تعريف ابن تيمية.
· تعريف الدكتور محمد روَّاس: العيد هو الاحتفال بذكرى سارة[3].
هذا التعريف: يمكن أن ينطبق على عيد الأضحى لا على عيد الفطر فإنه لا ذكرى فيه، وإن كان هو كذلك في أكثر الأعياد المحدث منها والمشهور لدى الملل الأخرى.
وأيضا: فإن فيه قصورا من ناحية أخرى، فليس مجرد الاحتفال عيدا ما لم يكن عاماً بين صنفٍ من الناس يتكرر في كل عام.
· أما تعريف ابن عاشور: بأن "العيد اسم ليوم يعود كل سنة، ذكرى لنعمة أو حادثة وقعت فيه للشكر أو للاعتبار"[4].
فهذا التعريف: فيه التفات إلى مقصد عامة الأعياد من كونها ذكرى حدثٍ شكرا أو اعتبارا، وقد أشار الدهلوي إلى ذلك فإنه (ما من عيد في الناس إلا وسبب وجوده تنويه بشعائر دين، أو موافقة أئمة مذهب، أو شيء مما يضاهي ذلك) [5].
وفي قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ} إشارة إلى أن من مقاصد العيد أنه ذكرى تجمع المتأخرين بالأولين.
ويبقى أن في تعريف ابن عاشور قصورا من ناحتين:
الأولى: أن العيد ليس مجرد ذكرى وإنما هو يوم فرح وسرور.
الثانية: أنه لم يذكر عمومه بين الناس.
· تعريف ابن تيمية:
عرف ابن تيمية العيد: بأنه: "اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك.
فالعيد يجمع أمور:
منها: يوم عائد، كيوم الفطر، ويوم الجمعة [الزمن].
ومنها: اجتماع فيه [المكان].
ومنها: أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات [الفعل].
وقد يختص العيد: بمكان بعينه، وقد يكون مطلقًا، وكل هذه الأمور قد تسمى عيدًا.
وقد يكون لفظ: (العيد) اسما لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب[6].
وقال أيضا: العيد: اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك.
وكذلك حريم العيد: هو وما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله، أو ما حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال حكمها حكمه فلا يفعل شيء من ذلك، فإن بعض الناس قد يمتنع من إحداث أشياء في أيام عيدهم، كيوم الخميس والميلاد، ويقول لعياله: إنما أصنع لكم هذا في الأسبوع أو الشهر الآخر.
وإنما المحرك له على إحداث ذلك وجود عيدهم ولولا هو لم يقتضوا ذلك، فهذا من مقتضيات المشابهة. لكن يحال الأهل على عيد الله ورسوله ويقضي لهم فيه من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره، فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا بالله، ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم[7].
هذا البسط من ابن تيمية: فيه توسيع للعيد من عدة جهات:
الجهة الأولى: لم يعتبر التقييد بالسنة، فيمكن أن يكون عيدا أسبوعيا أو شهريا، واستشهد على ذلك باعتبار الجمعة عيدا، وهو حدث أسبوعي، وقد جاء فيه النص، وسبق بيان وجه ذلك وأنه عيد شرعي باعتبار.
الجهة الثانية: إدراج المكان المعتاد بأنه عيد، استدلالا بحديث الضحاك بن ثابت عند أبي داود، وفيها: (هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)[8].
ووجه الدلالة: أن كون البقعة مكانا لعيدهم: مانع من الذبح بها وإن نذر، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا لما انتظم الكلام، ولا حسن الاستفصال.
قلت: يحتمل أنها موضعا لعيدهم الزماني، وقد ذكر ابن تيمية هذا الاحتمال[9].
عموما: إن كان المراد أنها موضعا لعيدهم الزماني، فإنه يرجع إلى التعريف المشهور للعيد، وإن كان المراد العيد المكاني، فيكون من باب التوسع في إطلاق العيد على المكان، وإن كان الغالب إطلاقه على الزمن.
وكأن ابن تيمية يشير إلى قاعدته بأنه لا يشرع مكان يقصد للصلاة إلا المسجد، ولا موضع يقصد للعبادة إلا مناسك الحج.
فالقصد والتخصيص والاعتياد يدل على اعتقاد فضل، ولا يكون ذلك إلا بنص، سواء كان ذلك موضعا أو وقتا.
وذكر ابن تيمية في التعريف، أن العيد يطلق على ما يقوم فيه من العبادات والعادات، وهذا من باب الاستعمال اللغوي، وهو باب واسع.
وبهذا يكون ابن تيمية: قد أدرج في العيد: الزمن، والمكان، والفعل.
وعموما: فإن موضع بحثنا: في العيد الزمني، وهو الشائع في استعمال الناس، وإن كان يصح إطلاق العيد على المكان المعتاد، أو ما يقع فيه من الفعل.
كما أشار ابن تيمية: إلى حريم العيد، وأن حكمه حكم العيد، إذا كان يعتاد، وهي لفتة فقيه.


· مظاهر العيد:
من مظاهر العيد: أن يكون للناس عرضة يجتمع فيها أهلها؛ لتظهر شوكتهم، وتعلم كثرتهم، ولذلك استحب الشارعُ خروج الجميع حتى الصبيان والنساء، وذوات الخدور والحيض ويعتزلن المصلى، ويشهدن دعوة المسلمين ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخالف في الطريق ذهابا وإيابا؛ ليطلع أهل كلتا الطريقين على شوكة المسلمين[10].
· العيد قبل الإسلام وبعده:
كان الاحتفال بالأعياد أمرا مشهورا قبل الإسلام، فلكل قوم عيدهم، ولا يزال الأمر كذلك عند عامة الأمم، فكل (قوم لهم يوم يتجملون فيه، ويخرجون من بلادهم بزينتهم، وتلك عادة لا ينفك عنها أحد من طوائف العرب والعجم)[11].
وفي القرآن إشارة إلى ذلك، قال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ}، ومن جملة ذلك أعياد الأمم[12] وإن كان أصل الآية في عباداتهم أو مواضع اعتيادهم.
قال ابن تيمية: "الأعياد هي أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر مالها من الشعائر ...كما في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}[13].
وقد جاء الإسلام واستحدث عيدين جديدين، خاصين بهذه الأمة، هما خير مما سواهما من الأعياد، وأقر ما يكون فيهما من فسحة، من الفرح والسرور واللعب والرقص والغناء في الحدود المشروعة.
وزاد الشارع من تعظيم هذين اليومين بأمرين:
الأول:
خصهما بأمور تعبدية: (الذكر، مشهد عظيم بصلاة العيد يجتمع فيه الناس في مصلى واحد، الزكاة في الفطر، الأضحية في النحر...).
الثاني: اقتصار الشارع عليهما، وإلغاؤه ما كان من أعياد الجاهلية.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر»[14].
وجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: «إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين» والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما[15]، لا سيما وقوله: «خيرا منهما» يقتضي الاعتياض بما شرع لنا، عما كان في الجاهلية[16].
وقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم: إن تركهم وعادتهم في الاحتفال بأعياد الجاهلية أن يكون هنالك تنويه بشعائر الجاهلية، أو ترويج لسنة أسلافها، فأبدلهما بيومين فيهما تنويه بشعائر الملة الحنيفية، وضم مع التجميل فيهما ذكر الله وأبوابا من الطاعة، لئلا يكون اجتماع المسلمين بمحض اللعب، ولئلا يخلوا اجتماع منهم من إعلاء كلمة الله[17].
فهذان الأمران: (ما شرعه الله في العيد من عبادات ظاهرة وخاصة بهما، واقتصار الشارع عليهما) أفادا أن العيد من شعائر الإسلام الظاهرة، التي لا يجوز مضاهاتها بما يحاكيها.
وبالتالي: لا يجوز استحداث عيد ثالث؛ فإذا جُعِلَ يومٌ في السنة يجتمع عليه الناس غير عيدي الأضحى والفطر، وجعل هذا اليوم يوم فرح وسرور، يتكرر كل عام في البلد أو بين طائفة بين الناس، فإنه بدعة في الدين، وتجاوزٌ لما حده الله[18] من أعيادنا أهل الإسلام، واستدراكٌ على الشارع؛ لأنه مضاهاة للعيد الذي شرعه الله شعيرة لدينه، واقتصر عليه؛ خصوصا إذا ما لوحظ إضفاء مظاهر العيد عليه كالتزين واللعب وتعطيل الأعمال والترخص بالمباحات.
ومما يدل على أن يومي العيد شعيرة خاصة لهذه الأمة، قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، والأعياد هي أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر مالها من الشعائر[19].
أصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات، حتى تصير سننا ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه[20].
· هل يكون العيد بغير مظاهر الفرح والسرور؟
لا يكون العيد إلا بفرح وسرور[21]، وما جاء من اعتياد الحزن في يوم ما، ويجيء ذلك في بعض أعياد الأمم، وهو ما تفعله الشيعة في يوم عاشوراء يوم مقتل الحسين، فهذا أشبه ما يكون بالمأتم لا بالعيد.
وبالمناسبة: فإن يوم عاشوراء يومٌ نصر الله فيه موسى وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه، وفي تخصيص يوم من السنة بإظهار الحزن فيه وربما الجزع والسخط، ما يضعه في المآتم التي كرهها الشارع، وصد عنها، وأيضا فإن الغالب تعظيم هذا اليوم بغير ما شرعه الله.
قال ابن تيمية: (هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرم الله ورسوله)[22].
· هل الأعياد من العادات المحضة:
الأعياد ليست عادات محاضة، كما يتوهم بعضهم حتى تكون الإضافة فيها والاستحداث جائزا، فقد تعبدنا الشارع باعتبار هذين العيدين عيدا، شعارا لدينه، ووضعها موضع التعبد، وفي الإضافة إليها إزالة لهذا التميز.
وبه يتبين: أن يوم العيد ليس عادة، وإنما هو شعيرة في الدين، وفي الزيادة عليه مضاهاة لما سنه الشارع، وتجاوز لحدود الله، فـــ "الأعياد شريعة من الشرائع، يجب فيها الاتباع، لا الابتداع"[23].
قال ابن تيمية: (الأصل في العبادات: أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات: أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله، وهذه المواسم المحدثة إنما نهي عنها لما حدث فيها من الدين الذي يتقرب به المتقربون)[24].
وقال الشاطبي: (العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فيها ومن حيث يتعبد بها أو توضع موضع التعبد تدخلها البدعة)[25].



· هل يلزم من تكرار العبادة في زمن أن يكون عيدا؟
إن كان مما شرع الله تكرار العبادة في زمن بغير مظاهر الفرح والسرور: فإنه يشرع ذلك العمل من غير أن يكون عيدا، مثل صيام يوم عاشوراء، فإنه يتكرر في كل عام في يوم معين، ويشرع صيامه، ولا يسميه أحدٌ عيدا.
وبه يتبين: أن إظهار يوم في السنة بمزية لا يعني اتخاذه عيدا، فمثلا لو كان الناس من عادتهم التحدث في أيام غزوات النبي صلى الله عليه وسلم عن غزواته، فإنه لا يكون بذلك الاعتياد يوم عيد، فالعيد له خصائص، وليس مجرد تكرار حدث.
فالمحظور: مظاهاة يوم العيد، وليس إظهار أي مزية ليوم معين في السنة.
وهذا الاتجاه وسط بين اتجاهين آخرين:
الاتجاه الأول: توسيع معنى العيد، في كل ما يتكرر بأي مزية، فهؤلاء منعوا أي تخصيص لأي يوم بأي عمل، وكثير من هؤلاء يتناقضون في منع أمر ما وتجويز نظيره.
الاتجاه الثاني: تضييق العيد بأنه هو فقط عيد الفطر والأضحى، فهؤلاء أجازوا كل ما سواه من الأعياد والأيام والمواسم باعتبار أنها ليست عيدا، وهي كذلك ليست عيدا بالمعنى الشرعي لكن إن قام فيها أوصاف العيد من التكرار السنوي بالإظهار الجماعي للفرح والسرور فإنه يكون مضاهاة لما اقتصر عليه الشارع من العيد، وتعبدنا به.
فإن كان مما لم يشرع الله تكراره في هذا الزمن: فإن كان مما لم يشرع الله تكراره في هذا الموضع، أو تخصيصه به: فإنه يدخل في البدعة من هذا الوجه، وإن كان ليس عيدا، فالعيد ليس تكرار العبادة في موضع محدد، فيوم عاشوراء يتكرر صيامه في يوم معين، وليس هو بعيد، والناس يفدون كل عام إلى الحج وليس هو بعيد، وإنما العيد يوم من أيامه، ورمضان يتكرر كل سنة، ولم تعبر أيامه عيدا، فليس العيد هو تكرار يوم كما يتوهم بعض الناس.

§ هل عيد الميلاد الشخص من الأعياد التي حظر الشارع إحداثها؟
عيد الميلاد يوم فرح وسرور ويتكرر سنويا، يحتفل به، ولكنه ليس عيدا بعرف الناس التي نزلت الشارع في الاقتصار على عيدين، وجعله من شعائرها، وذلك لأنه ليس عاما للناس، وإنما هو لشخص أو لأسرته، أو بين أصدقائه.
نعم، لو كان عيد الميلاد لملك أو رئيس وجعله عيدا عاما للناس يحتفلون به لأجله، مثل ما كان كان يحدث في الدولة العبيدية (الفاطمية) من المواليد الستة.
فإن قيل: الناس يسمونه عيدا؛ فكيف لا يكون عيدا؟
الجواب: أن العبرة ليست بالتسمية وإنما بالمعاني، وليس هو بمعنى العيد الذي جاء الشارع في حينه، فأحدث عيدين وألغى ما سواهما، وتعبدنا بذلك.
فإن قيل: لكن في عيد الميلاد تشبها بالكفار؟
فالجواب: إن كان فعلا مختصا بالكفار، كأن يكون في بلدة لا يصنعه إلا الكفار؛ فإن عمله حينئذ يكون من باب التشبه، ويكون التحريم من هذا الوجه لا من وجه كونه عيدا.
وإن كان الظاهر: أن عيد الميلاد بسبب شيوعه بين الناس باختلاف الأمم والأديان والأعراق، لم يعد مختصا بملة أو قوم، وإن كان أصله آتيا من جهة محاكاة عيدهم في ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام.
ومن هنا: فالأولى تركه، ومن صنعه فلم يسيء، فهو أحدث أمرا عاديا، وليس فيه أمرا تعبديا، ولا يتأتى فيه من قريب أو بعيد مضاهاة ما شرعه الله من الأعياد العامة، ويبقى أن أثر التشبه فيه ضعيف، فمن استغنى عنه فحسن.


§ المواسم غير التعبدية:
كان للعرب أسواق مشهورة: (دومة الجندل، المشقر، مجنة، ذي مجاز، عكاظ ...)[26]، في أزمنة محددة، وأماكن معينة، يأتي فيها العرب من كل حدب وصوب، ويبيع فيها الناس بضاعتهم، ويتداولون فيها الشعر والخطب.
ولم يعد -وقد تحضر العرب- من حاجة إلى مواسم وأسواق على ما كان عليه الحال في الجاهلية[27]؛ وقد اشتهر سوقٌ واحد، وهو سوق المربد في البصرة[28].
ولم يأت النهي عنها، وإنما جاء النهي عما يحدث فيها من التفاخر بالأحساب أو الطعن في الأنساب، أو البيوع المنهي عنها، ونحو ذلك.
ومثلها اليوم: المعارض السنوية للكتاب أو الاتصالات ونحو ذلك، فهو موسم مكرر معتاد في زمن محدد وموضع معين، لكن ليست موسم فرح وسرور، وإنما لغرض التجارة أو الثقافة ونحو ذلك.
وبذلك: يتبين أن فقه العيد عند الناس، مهم جدا لفقه الشارع في العيد وغرضه منه، ومن وفق لذلك ابتعد عن القصور أو التفريط.


[1]) العين (2/ 219)، الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 291)، لسان العرب (4/ 3159).

[2]) فتح الباري لابن رجب (1/ 160).

[3]) معجم لغة الفقهاء ص294.

[4]) التحرير والتنوير (7/1080).

[5]) حجة الله البالغة (2/47، 48).

[6]) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 496)

[7]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/5، 6).

[8]) عن ثابت بن الضحاك قال: (نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ». قالوا : لا. قال : « هل كان فيها عيد من أعيادهم ». قالوا : لا. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم » أخرجه أبو داود (رقم 3315)، قال ابن تيمية: (أصل هذا الحديث في الصحيحين وهذا الإسناد على شرط الصحيحين، وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 490).

[9]) قال ابن تيمية: (معلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها، أو لمشاركتهم في التعييد فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها، ونحو ذلك؛ إذ ليس إلا مكان الفعل، أو نفس الفعل، أو زمانه) اقتضاء الصراط المستقيم (1/497).

[10]) حجة الله البالغة (2/47، 48).

[11]) حجة الله البالغة (2/47، 48).

[12]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 528).

[13]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 501).

[14]) رواه أبو داود بهذا اللفظ.

[15]) اقتضاء الصراط المستقيم (1/486).

[16]) اقتضاء الصراط المستقيم (1/487).

[17]) حجة الله البالغة (2/47، 48).

[18]) فتح الباري لابن رجب (1/ 160).

[19]) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 501).

[20]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 144، 145).

[21]) قال ابن رجب: (إظهار السرور في العيد من شعار الدين) فتح الباري لابن رجب (8/433).
وقال أيضا: (أما الأعياد التي يجتمع عليه الناس فلا يتجاوز بها شرعه الله لرسوله وشرعه الرسول لأمته، والأعياد: هي مواسم الفرح والسرور).

[22]) منهاج السنة النبوية (4/ 554).

[23]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 123).

[24]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 86).

[25]) الاعتصام للشاطبي
(2/ 98).

[26]) ينظر: أسواق العرب في الجاهلية والإسلام لسعيد الأفغاني.

[27]) قال سعيد الأفغاني: (لأن العرب سكنت المدن الكبار من بلاد الشام والعراق ومصر وفارس والروم، ومصرت هي لأنفسها أمصارا عظم شأنها مع الزمن كالكوفة والبصرة وبغداد والقيروان، فصارت تستغني كل مدينة بأسواقها الدائمة عن أسواق المواسم، وكفى الله العرب مئونة الترحال بين أسواق الجزيرة، بما فتح عليهم وسهّل من تجارات تأتيهم إلى مدنهم، بحيث يجدون في كل بلد عروض كثير من البلدان. وعدل الذين يعانون التجارة منهم عن أسفار البوادي إلى أسفار البحار. وأصبح من المنتظر تضاؤل الأسواق الجاهلية بتضاؤل آثار البداوة من حياة العرب، وانتقلوا إلى حضارة وارفة الظلال ريانة الجنبات يأتيهم فيها رزقهم رغدا من كل مكان، فامّحت أسواق الجاهلية قبل انقضاء القرن الثاني للهجرة ورسخت أقدام التجارة في المدن والثغور) أسواق العرب في الجاهلية والإسلام (ص: 393).

[28]) قال سعيد الأفغاني: (لكن سوقا واحدة نشأت في الإسلام احتفظت بكثير من خصائص أسواق الجاهلية، وزادت عليها بميزات واسعة أسبغتها الحضارة الجديدة واقتضتها حاجات الرقي الحديث. تلك هي سوق المربد في البصرة، السوق التي استطاعت أن تكون مرآة تعكس حياة العرب في الجاهلية كما تصور حضارتهم في الإسلام. وسنرى كيف استطاعت هذه السوق أن تصهر الحياتين معا في بوتقة واحدة) أسواق العرب في الجاهلية والإسلام (ص: 394).
 
أعلى