العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قراءة نقدية في كتاب: العقائد النصرانية في التفسير الإسلامي

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي

قراءة نقدية في كتاب
"العقائد النصرانية في التفسيير الإسلامي" للدكتور مصطفى بوهندي

د. نعمان جغيم
(نشرت هذه المراجعة في مجلة التجديد، العدد 16، سنة 2004)
(اعتمدت الدراسة على نسخة من رسالة الدكتوراه، مع العلم أن الرسالة طبعت في كتاب)​

مدخل

هذا عنوان رسالة علمية نال بها الدكتور مصطفى بوهندي درجة الدكتوراه في العقيدة ومقارنة الأديان من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، المغرب للسنة الدراسية 1419/1420هـ، وهي موضوع هذه المراجعة.

عرض موجز لمضمون الكتاب

يعدّ هذا البحث محاولة جادّة من صاحبه للتنقيب في كتب التفسير عن الدخيل من الإسرائيليات وثقافات أهل الكتاب. ويتسم أسلوب الباحث بجرأة كبيرة على نقد النصوص، وغيرة واضحة على سلامة النص القرآني مما يراه الباحث خطأ في الفهم والتأويل، كما ينم ذلك الأسلوب عن ثقة الباحث الكبيرة فيما تكون لديه من آراء في فهم نصوص القرآن الكريم، جعلته يتكلم بمنطق الذي استوعب معاني تلك النصوص وتكشّفت له أسرارها وخباياها، وهو الأمر الذي جعل أسلوبه يتّسم بحماسة واضحة في عرض ما تبنّاه من آراء أو توصّل إليه بفهمه وتفنيد كل ما يخالفه.

قسّم الباحث رسالته إلى أربعة أبواب: الأول عن مقدمات في أصول التفسير، والثاني عن الألوهية والنبوة، والثالث عن المعاد، والرابع عن القضاء والقدر والحكمة والتعليل.

وقد لخص الباحث في المقدمة السؤال المحوري لبحثه في: "إلى أي حد استطاع علم التفسير أن يعين القارئ على التعامل الجيد مع النص القرآني" (ص1)، حيث يرى "أن ما يوجد في كتب التفسير والتراث من عقائد ومفاهيم وأفكار منحرفة مأخوذة عن الإسرائيليات، لم يكن سببه هو ما راج في المجتمع الإسلامي من هذه العقائد والأفكار والمفاهيم فقط، وإنما يرجع وبشكل أساسي إلى العلوم الإسلامية نفسها، وعلى رأسها علم التفسير، حيث ساهمت بقواعدها وأصولها ومناهجها ومصادرها ورجالاتها في رواية هذه الأخبار والترويج لها وتزكيتها وتقديسها ورفعها إلى درجة النص النازل من السماء، بل إلى درحة تأطير النص القرآني نفسه، فلا يُفهم إلا في ضوئها" (ص1).

الباب الأول: مقدمات في أصول التفسير


استهله الباحث بالحديث عن معنى كلمة "التفسير" في القرآن الكريم وفي اصطلاح المفسرين وبيان الفرق بينهما، ثم تكلم عن الحاجة إلى التفسير، ممهِّدا لذلك بمقدمات توحي الأولى منها بأنه ليس هناك حاجة إلى ما اصطلح عليه بعلم التفسير، ذلك أن القرآن "كتاب مُبيَّن، مُيسَّر للذكر، قادر على البلوغ إلى قلوب الناس وعقولهم وسلوكهم وحياتهم بما لا يستطيعه غيره من كتب البشر، وأن التعامل مع القرآن الكريم هو من باب التدبر، وهو تجربة شخصية، وأن ما سجله المفسرون هو عبارة عن تعليقات وانطباعات يمكن أن تكون قابلة للصواب والخطأ" (ص10-12). ولكن الباحث يعود في النهاية للاعتراف بأهمية تلك المحاولات التفسيرية لأنها "يمكن الاستفادة منها في تدبُّر أكبرَ للنص" (ص12)

ويؤكد الباحث في مواضع كثيرة أن البيان القرآني قائم بنفسه ومكتمل، وأنه لا يحتاج إلى إضافة من أي أحد، وإنما كل ما يفعله الناس هو اكتشاف جواهر وعجائب ذلك البيان. (ص12، 14) وهي مسألة لم يقل بخلافها المفسرون ولا غيرهم من المسلمين.

وعند الحديث عن حاجة القرآن إلى البيان والتفسير شدّد الباحث النكير على القول الذي يرى أصحابه بأن القرآن الكريم على أربعة أوجه: قسم لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وقسم لا يُعْلَم إلا بالبيان النبوي، وقسم يعلمه العلماء، وقسم يعلمه عامة الناس ممن يعرفون اللغة العربية. ويرى أن هذا القول الخاطئ يرجع "بالأساس إلى اعتقاد النقص في البيان القرآني" (ص15).

ولكن تخطئة الباحث لهذا القول لا يمكن التسليم بها. بل إنه قول الناحية النظرية لا خطأ فيه ولا خفاء. نعم، قد يقع الخلاف والخطأ في التطبيق حين يريد أحد أن يحدد "ما لا يعلمه إلا الله" أو "ما لا يعلمه سوى أهل العلم"، ولكن لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ حقيقة الحروف المقطعة الواردة في مستهل بعض السور لا يعلمها إلا الله، وإن ادعى البعض أنه يعلمها فإن الآخرين لا يسلمون له ذلك العلم ويعدّونه مجرد تخمين إن لم يكن وهما، وكذلك حقيقة العرش، فيمكن للناس أن يفسروا معناه اللغوي ويخمنوا معناه بين مؤوِّل ومُثْبِت، ولكن كنهه لا يعلمه إلا الله تعالى. أما ما لا يُعْلَم إلا بالبيان النبوي فمثل كيفية الصلاة والصوم والحج ومقادير الزكاة وغيرها من الأحكام التي وردت مجملة في القرآن الكريم وبيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما ما لا يعمله إلا العلماء فيكفي في إثباته أن القرآن الكريم ذاته قد نص عليه في قوله تعالى: }وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ{ (العنكبوت: 43).

أما ما أثاره الباحث من أسئلة مُبالَغ فيها حول المراد بالعالم ومن يمنحه تلك المرتبة (ص17)، فإنه أمر غير مهم، فالعالم من حصّل علما يؤهله لفهم وتدبُّر ما ورد في القرآن الكريم، ولا عبرة بعد ذلك بما يقوله الخصوم والأقران عن بعضهم البعض.

وأما ما يراه الباحث من أن القول باختصاص أهل العلم بفهم معاني بعض النصوص القرآنية "يجعل للعلماء المجتهدين حق الوساطة في فهم القرآن بين الله والناس ..." (ص17) فهو أمر غير وارد. فلا شك أن الباحث يُقرّ بأن العلم مُكتسب، وأنه قد تعلّم على أيدي أساتذة وعلماء سواء كان ذلك مشافهة أو من كتبهم. وأنه من أولئك الذين تعلم منهم (مباشرة أو عن طريق قراءة كتبهم) أخذ معاني مفردات القرآن الكريم وكيفية تركيب الجمل في اللغة العربية، وقرأ وسمع الكثير منهم قبل أن تصير له القدرة على كتابة هذا البحث. فهم قد كانوا فعلاً وسطاء بينه وبين فهم معاني القرآن الكريم، وأنهم قد أسهموا في تزويده بأدوات القدرة على تدبر القرآن الكريم. واعتقد أن المبالغة في رفض فكرة الوساطة أمر غريب! نعم، الوساطة بمعناها الكنسي مرفوضة في الإسلام ومن غير شكّ، ولكن الوساطة بمعنى العوامل المساعدة على تحصيل علم من العلوم أو الوصول إلى فهم الأحكام الشرعية أو النصوص التي يجد الإنسان نفسه غير قادر على فهمها فهي أمر واقعي لا مفر منه في كل العلوم الدينية والدنيوية عند جميع البشر.

كما انتقد الباحث الحجر الذي يمارسه البعض على التعامل المباشر مع النص القرآني، ووَصْم كلّ من يخالف ما هو مألوف من آراء في كتب التفسير بالابتداع والقول بغير علم ومخالفة ما عليه العلماء وغير ذلك، "وهكذا يصبح العلماء عَلَمًا يحمي الثقافة القائمة من التجاوز، والمناهج القديمة من التجديد ويصادر كل محاولة تخرج عن هذا الإطار" (ص17)، كما انتقد الشروط التي وضعها بعض العلماء المتقدمين لمن يعدّ مؤهلا لخوض غمار التفسير. وهذا الأمر الذي ينكره الباحث واقع وهو مُحِقّ في انتقاده، ولكن ينبغي الحذر من أسلوب التعميم والمبالغة.

تفسير القرآن بالقرآن

يرى الباحث أن فكرة تفسير القرآن بالقرآن، مع كونها تحتل المرتبة الأولى على المستوى النظري عند الحديث عن طرق التفسير، لم تلق في الواقع العملي حظها من العناية خاصة في كتب التفسير المتقدمة، بل إنها لم تكن تستعمل إلا "قليلا أو نادرا" (ص18).

كما ينتقد الباحث واقع تفسير القرآن بالقرآن، حيث يرى أن "أكثر التفسيرات القرآنية التي يعتقد أنها تفسير للقرآن بالقرآن إما أنها استشهاد لتوجيه لغوي أو توجيه قراءات أو توجيه فقهي، أو استشهاد لأثر أو رأي، فيكون النص القرآني بذلك مجرد أداة ثانوية تُستَعْمَل لتعضيد تفسيرٍ ما قد يكون صحيحا وقد يكون خطأ" (ص19).

ويدعو الباحث إلى الاهتمام بتفسير القرآن بالقرآن، إذ أنه مع كونه "عملية اجتهادية قابلة للصواب والخطأ، لكنه يمتاز عن غيره من العمليات التفسيرية بكون مادته ثابتة من حيث ورودها فلا تحتاج إلى بحث في الصحة والضعف..." (ص19).

التأويل

تناول الباحث تحت هذا المبحث المقصود من قول الله تعالى: }هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ{(آل عمران: 7)، حيث أورد أن رأي عموم المفسرين أن المقصود بالآيات هنا آيات القرآن الكريم بمعنى الفقرات المكونة له، وأن منها ما هو مُحكم، أي واضح، ومنها ما هو متشابه، أي خفيّ المعنى. ويرى الباحث أن الذي دفع أولئك المفسرين إلى هذا المعنى هو انشغالهم بقضية اللفظ والمعنى، وأن هذا الفهم غير صحيح.

ويرجّح أن تقرأ الآية بالصورة الآتية: " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ. ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ..." فيكون الوقف على "منه" فيصير الضمير راجعا إلى لفظ الجلالة، أي أن الكتاب منـزّل من الله سبحانه وتعالى، ثم تبدأ جملة جديدة "آيات محكمات ..." وبذلك يستبعد الرأي القائل بأن الضمير في "منه" يرجع إلى الكتاب، أي أن القرآن منه آيات محكمات وأخر متشابهات. ثم يفسر "الآيات" بأنها المظاهر الكونية المختلفة والأحداث التاريخية المتنوعة والسنن الاجتماعية والنفسية المتعددة، والأخبار الغيبية الكثيرة ..." وأن الآيات هنا بمعنى البراهين والأدلة (ص25).

وأما معنى "محكمات" فإنه يرى أن الإحكام بمعنى "البرهنة التي لا تترك مجالا للشك والريبة أو الوساوس الشيطانية أو غير ذلك، والإحكام ليس إحكاما لغويا لفظيا أو دلاليا..." (ص26)

وأما "متشابهات" فالمقصود بها "شبهات اعتقدوا (الكفار) أنها تصلح أن تكون أدلة وآيات ليجادلوا بها الحق" (ص28).

وأما معنى: "وما يعلم تأويله إلا الله"، فهو "لا يعلم وقوعه وعاقبته إلا الله تعالى"، وهو بذلك يخلص إلى تبني القول الذي يرى أصحابه أن القرآن كله محكم بمعنى معلوم المعنى، وأنه لا يوجد فيه عبارات أو ألفاظ لا يعلم معناها إلا الله تعالى، كما أنه ليس هناك معاني يختص بها الراسخون في العلم، بل كل ما في القرآن يمكن أن يفهمه كل الناس (ص33-35).

النسخ

تحدث الباحث في هذا الفصل عن مفهوم النسخ عند المفسرين والفقهاء، والآراء المختلفة حول وقوعه، ومداه، بين مُنْكِر لوقوعه أصلا، وغال أوصل الآيات المنسوخة إلى المئات، ومتوسط، ومدقق جعلها لا تتعدى أصابع اليدين. ثم ناقش أدلة القائلين بالنسخ وردها أحيانا بحجج قوية ووجيهة، وأحيانا أخرى بتشقيقات لفظية وسلسلة من الأسئلة التي يقصد بها تعويم القضية والتي تكون أحيانا في غير موضعها. ثم رجح رأي القائلين بعدم وقوع النسخ في القرآن الكريم.

والنقاش حول موضوع النسخ قديم، ولكلٍّ أن يختار ما يشاء من الآراء ويدافع عنه. غير أن ما يستحق النقاش هو ما تفرد به الباحث ـ حسب علمي ـ من القول بأن قضية النسخ مأخوذة من اليهود والنصارى، وليست أصيلة عند المسلمين، حيث يقول: "ويكفي للاستدلال على تأثير الثقافة الكتابية السابقة على المسلمين في هذا الأمر أن نعلم أن جل الباحثين في الموضوع (النسخ) قد أوردوا خلاف اليهود والنصارى فيه" (ص41)، ثم يقول: "ولسائل أن يتساءل: لماذا تذكر آراء اليهود والنصارى في علم من العلوم الإسلامية، والذي هو علم الناسخ والمنسوخ؟ والجواب أن هذه المشكلة أصلها بين اليهود والنصارى وامتدت آثارها إلى العلوم الإسلامية" (42).

والنقطة الثانية هي قوله عند الحديث عن "منسوخ الحكم دون التلاوة": "وخطورة هذا الموضوع تكمن في أن الخطأ سلبا أو إيجابا يؤدي إلى تكذيب الله عز وجل أو الافتراء عليه، تكذيبه بإبطال أحكامه التي أوجبها وأمر بها أو نهى عنها، والافتراء عليه بادعاء أحكام لم يوجب منها شيء، ولم يأمر بها أو لم ينه عنها" (ص64) وهذا الأسلوب في النقاش أسلوب خطير هو أسلوب التكفيريين والخوارج الذين يسارعون إلى تضليل كل من يخالفهم في الاجتهاد. فلنفرض أن القائلين بوقوع النسخ في بعض الأحكام مع بقاء النص القرآني متْلُوًّا قد أخطأوا في اجتهادهم، وأنه لا يوجد نسخ أصلا. هل يمكن وصف من حاول التوفيق أو الترجيح بين نصين شرعيين بالقول بأن أحدهما ناسخ للآخر فأخطأ في محاولته بأنه كذّب الله عز وجل وافترى عليه؟ إن الذي يكذب الله عز وجل ويفتري عليه كافر لا محالة. وهذه المقولة التي أطلقها الباحث دون وعي بخطورة نتائجها تعني غلق باب الاجتهاد في فهم نصوص القرآن، حيث يصير كل من أخطأ في فهم القرآن الكريم مكذبا ومفتريا على الله تعالى، ولن يسلم الباحث نفسه من هذا لأنه لا يمكن أن يدعي لنفسه العصمة في فهم جميع نصوص القرآن الكريم، وحتى إن ادعى ذلك لن يسلم له غيره بذلك.

التفسير النبوي

تحت هذا العنوان تحدث الباحث عن الفرق بين التفسير النبوي للقرآن والتفسير بالحديث النبوي، حيث بيّن أن التفسير بالحديث النبوي إنما هو فعل الراوي حين يربط بين حديث وآية بينهما تشابه أو تقارب في المعنى، فهذا العمل اجتهاد من الراوي ولا يكون معناه بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قصد بذلك الحديث تفسير تلك الآية. وقد أورد أمثلة على ذلك مما ورد في صحيح البخاري في كتاب التفسير، وبيّن أن غالب تلك الروايات من هذا القبيل (ص82-83).

وقد لاحظ الباحث أن بعض المفسرين وقعوا في بعض الأخطاء عند ربطهم بين بعض الأحاديث وبعض الآيات على اعتبار أن تلك الأحاديث تفسير لتلك الآيات، وهو الأمر الذي يرى الباحث أنه جعلهم يُخْرِجون معاني بعض تلك الآيات عن سياقاتها القرآنية، وأورد مثالا على ذلك مسألة المتشابه والمحكم في القرآن،[1] ومس الشيطان،[2] وقضية الرجم. (ص84-92).

ويرى الباحث أن التعامل مع الأحاديث النبوية في تفسير النص القرآني عملية اجتهادية معقدة، معرضة للخطأ والصواب، تحتاج إلى تحكيم السياق القرآني من جهة، وإدراك المرمى الحديثي من جهة ثانية، كما يرى أن ما صنف في كتب الحديث تحت عنوان "كتاب التفسير" هي مجرد نماذج وأمثلة لها علاقة ما بالآيات، بل إنها كثيرا ما تفرض على تلك الآيات معان أخرى لا علاقة للآيات بها، وأن النص القرآني في أصله غني عن بيانها (ص93-94).

هل السنة شارحة للقرآن وموضحة له؟

يرفض الباحث فكرة حاجة القرآن إلى أي بيان خارجي، لأن ما يحتاج إلى شرح وتوضيح هو ما فيه نقص في البيان، والقرآن في قمة البيان والوضوح، وبناء على ذلك فهو ليس في حاجة إلى بيان من طرف السنة النبوية أو غيرها (ص95).

وبعد أن ينقل الباحث مقطعا من كلام ابن تيمية في أصول التفسير يجعل فيه السنة المصدر الثاني من مصادر التفسير، يرد على ذلك القول، بطريقة تفتقر إلى الأسلوب العلمي، حيث يحاول تعويم القضية من خلال سلسلة من التساؤلات: ما هي السنّة الشارحة للقرآن؟ هل هي السنة باصطلاح الفقهاء؟ أم الأصوليين؟ أم المحدثين؟ أم اللغويين؟ أم غيرهم؟ وبعد أن يستبعد جميع هذه الاحتمالات دون مناقشة جادة للموضوع يخلص إلى القول: "أصبح قولنا: السنة شارحة للقرآن وموضحة له مدخلا خطيرا من مداخل تفسير النص القرآني وفق رؤية المفسر، بحيث تكون له كامل الصلاحية في ربط ما شاء من الأخبار بما شاء من الروايات" (ص95).

كما يستدل على رفض كون السنة مبينة وشارحة للقرآن بوجود كثير من الأحاديث الضعيفة والمنكرة والموضوعة والإسرائيليات والخرافات، وكأنه يريد أن يقول إنه خوفا من الوقوع في تلك الأحاديث الضعيفة أو الموضوعات والإسرائيليات ـ أو بسبب وقوع بعض المفسرين فيها فعلا ـ ينبغي استبعاد السنة كلها من الاستعانة بها في بيان بعض ما يحتاج إلى بيان في القرآن الكريم.

هل السنة وحي ثان؟

ينتقد الباحث ما نسبه إلى الشافعي نقلا رسالة ابن تيمية في أصول التفسير من وصف السنة بأنها "تنـزل بالوحي كما ينـزل القرآن لا أنها تتلى كما يتلى"، ويرى أن هذا القول فيه كثير من التجوُّز. ويبدو أن الباحث لم يكلف نفسه عناء الرجوع إلى كتاب الرسالة للشافعي لمعرفة تفصيل موقفه من السنة وعلاقتها بالوحي، بل بذلك النقل ليخوض معركة وهمية حول صحة كون السنة وحيا، وستأتي الإشارة إلى هذا في نهاية هذه المراجعة. وعلى كل حال فإننا إذا أخذنا العبارة التي نقلها كما هي فالتعبير حقيقة فيه تجوُّز، والوحي هنا لا يمكن أن يراد به سوى إلهام المعنى للنبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه ليس كل ما حكم فيه الرسول صلى الله كان بإلهام من الله تعالى، بل كان له اجتهاد في مواضع وردت بها الأخبار، والموضوع مبحوث في أصول الفقه في باب اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولكن الباحث وقع في تجاوز أكبر من ذلك التجوُّز الذي في تلك العبارة حين يقول عن السنة بإطلاق: "لكنها ليست وحيا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم البشر قد تدخل فيها وأنزلها في وضع الزمان والمكان والأحوال، فخرجت من نطاق الأمر الإلهي الموحى به إلى الفعل البشري النسبي الخاضع لضرورة الإنزال في الزمان والمكان والأحوال..."، وبعد أن يُشَبِّه تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن بتطبيق الصحابة وغيرهم من البشر، يخلص إلى القول: "ولن يقول قائل إن تطبيق الوحي ليس عملية اجتهادية يقوم بها المطبق قابلة للنجاح والفشل بدرجة من الدرجات" (ص98-99).

ولو أن الباحث خصص كلامه ببعض الحالات ـ مثل بعض تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه قاضيا أو حاكما ـ لما كان في الأمر إشكال، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد وأصاب في الغالب وأخطأ في حالات معدودة كما هو الحال في قصة أسرى بدر فنـزل القرآن مصححا له، والأمر مُبيَّن في كتب الأصول في باب اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ما يطبع أسلوب الباحث من ميلٍ إلى التعميم وتسرُّعٍ فيه جعله يطلق هذا الكلام الذي لا يستطيع إثباته بحال. فهل يستطيع الباحث ـ مثلا ـ أن يقول إن السنة المتعلقة بتفاصيل أحكام العبادات والعقوبات والحلال والحرام مجرد عملية اجتهادية من الرسول صلى الله عليه وسلم في تطبيق الوحي "قابلة للنجاح والفشل بدرجة من الدرجات"؟؟

إن إطلاق الوصف على السنّة النبوية بالنسبيّة بهذه الصورة يجعلنا نتساءل عن الفرق بين الرسول والبشر الآخرين الذين يتلقون الوحي ويجتهدون في تطبيقه؟ وهو وصف يرقى إلى إلغاء خصوصية الكلام النبوي عن كلام غيره من البشر العاديين. وقد لا يستغرب القارئ هذا الأمر عندما يجد الباحث يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالتأثر بأهل الكتاب وتقليدهم في التوجه إلى بيت المقدس (ص76)، ورجم الزاني المحصن (ص91).

ويواصل الباحث مناقشة مسألة كون السنة النبوية وحيا أم ليست كذلك، فيقول: "فإما أن تكون أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته هي فهم خاص له انبثق عن تعامله مع القرآن الكريم، وإما أن تكون وحيا ثابتا لا مجال للاجتهاد فيه والتدبر والفهم؟ وإما أن يكونا معا وفي نفس الوقت، فهو ما يعجز عقلي القاصر عن إدراكه" (ص99). ولست أدري كيف يعجز العقل عن فهم أن في السنة ما هو إلهام من الله تعالى وتوقيف منه (وهو ما قد يعبَّر عنه بالوحي، لأن الإلهام نوع من الوحي) كما فيها ما هو اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم وتطبيق للقرآن؟

ومن الأمور التي كرر الباحث الاستدلال بها على عدم كون السنّة مبيِّنة ومفسِّرة للقرآن كون السُّنن المروية فيها الصحيح والضعيف والمنكر والموضوع، وأن الصحيح من السنن المتعلقة بالتفسير قليل جدا، وبعض ذلك الصحيح ليس له علاقة مباشرة بتفسير القرآن (ص80، 93، 95، 96، 98). وهنا خلط وتعميم من قبل الباحث، ففيما يتعلق بالأخبار الضعيفة أو الموضوعة أو المنكرة لم يقل أحد من أهل التحقيق باعتمادها في بيان القرآن. نعم، لقد وقع فيها بعض المفسرين ـ بين مُقلٍّ ومكْثر ـ لأسباب مختلفة، ولكن أهل التحقيق أنكروه ونبّهوا عليه، وهو عمل مازال في حاجة إلى مزيد من الجهود، وإدخال هذا النوع من الأخبار في مناقشة مسألة علاقة القرآن بالسنة هو من باب تعويم المسألة ليس أكثر، وليس هذا من أسلوب البحث العلمي.

أما مسألة قلّة السنن التي تفسِّر حقًّا نصوص القرآن فإن ذلك وإن كان واقعا كما بيّنه الباحث، إلا أنه لا يمكن أن يكون بحال طعنا في كون السنّة بيانا للقرآن وجعلها المصدر الثاني في التفسير، لأنه لم يقل أحد من أهل العلم بأن جميع نصوص القرآن في حاجة إلى بيان، ولم يقل أحد بأن السنّة المبيِّنة للقرآن مستوعبة لنصوصه. ويكفي وجود سنّة واحدة مبيِّنة لنص واحد من نصوص القرآن لأن نقول إن السنّة مبيِّنة للقرآن وأنها المصدر الثاني من مصادر التفسير. ولا أعتقد أن الأمر في حاجة إلى خلط وتعميم.

ويرى الباحث أن البيان النبوي الوارد ذكره في: النساء: 105،[3] النحل: 44،[4] 64[5] ليس مقصورا على شرح كلمات أو بيان لغة أو قراءة وإنما هو أصناف كثيرة تشمل كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ الدعوة وتوجيه المؤمنين، ومحاجة الكفار والمنافقين وكشف شبهاتهم، وهو يشمل تلاوة القرآن، وعرض الآيات البينات على صدق نبوته، وتنـزيله الكتاب في واقع الناس، وغيرها (ص100-101).

وما ذكره الباحث من أنواع البيان يدخل فعلا ضمن البيان المقصود في الآيات، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن إنكار وجود البيان بمعناه الأصولي الذي ذكره الشافعي ورفضه الباحث. ولا أتصور أن الشافعي يحصر عموم معنى البيان الوارد في الآيات في نصوص السنة المبينة لمجمل القرآن، ولكنه ذكر هذا في معرض الاستدلال على حجية السنة، ومادامت السنة فيها بيان لبعض نصوص القرآن فهي حجة ينبغي العمل بها.

أما محاولة البعض حصر السنّة المبيّنة للقرآن في السنّة الفعلية دون القولية، وهو ما ألمح إليه الباحث حين يقول عن السنّة التي يمكن الاستعانة بها في التفسير: "...بل هي الطريقة المتبعة والمنهج المطرد لدى النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين والحياة كلها، والذي لا يمكن استخلاصه من خلال رواية واحدة أو روايتين أو ثلاث فقط" (ص101)، فهو كلام ليست له محصلة كبيرة، لأن تقسيم السنة إلى عملية وقولية هو مجرد اصطلاح لعلماء الحديث لبيان الطريقة التي صدرت بها السنّة وليس فصلا تاما بين تلك الصور للسنة النبوية، حيث أن بعض ما صدر عنه بالفعل أحيانا أكده بالقول أحيانا أخرى، وبعض ما صدر عنه بالقول أكده بالفعل أحيانا أخرى، وما يراه الباحث هو المعنى الحقيقي للبيان النبوي من تبليغ الدعوة، ومحاجة الكفار والمنافقين وكشف شبهاتهم، وعرض الآيات البينات، وغيرها إنما كانت تتم في صورة أقوال، فهي من السنّة القولية أكثر من كونها من السنة الفعلية، فتكون المحصلة أن ما يراه الباحث يمثّل حقيقة البيان هو في محصلته سنة قولية. وأما محاولة التفريق بين السنة الفعلية والقولية بكون السنة الفعلية أقوى سندا لأنها يرويها الجمع الغفير بالعمل على خلاف القولية التي قد يرويها الآحاد، فهو إنما ينطبق على من عايش الرسول صلى الله عليه وسلم أو عاش في المدينة في القرون الأولى، حيث كان تناقل أهل المدينة لأفعال الرسول جيلا عن جيل، وهو ما كان الإمام مالك يعبر عنه بعمل أهل المدينة أو إجماعهم. ولكنه لا ينطبق على أهل البلدان الأخرى الذين نقل إليهم الإسلام (بكل ما فيه من سنة قولية وعملية) عن طريق آحاد الصحابة بما في ذلك صيغة الصلاة والصوم والحج وغيرها من العبادات، وقد وصل الإسلام بما فيه القرآن إلى كثير من البلاد بروايات الآحاد الذين كان يوفدهم الرسول صلى الله عليه وسلم لتبليغ الدين وتعليم الناس، وليس هناك فرق فيما ينقله شخص من مكان إلى مكان آخر بين أن يكون في أصله فعلا أو قولا، فكلاهما صار على شكل رواية وهما في مرتبة واحدة عند من يتلقاهما.

التفسير بقول الصحابي

ينتقد الباحث جعل أقوال الصحابة في المرتبة الثالثة من مصادر التفسير، محتجًّا بقلَّة تلك المرويات وتطرُّق الوضع إليها، هذا فضلا عن أن الصحابي كغيره من البشر معرَّض في اجتهاده في تفسير النصوص القرآنية للخطأ. كما ينتقد الباحث رأي من يقول بأن قول الصحابي فيما لا مجال للاجتهاد فيه يأخذ حكم الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يرى أن هذا مدخل خطير دخلت منه العقائد الإسرائيلية والنصرانية إلى مرويات الصحابة، لأن الصحابة في رأيه "لم يكونوا يروون عن النبي وحده، وإنما كانوا يروون عن بعضهم البعض، بل إن الصحابة المكثرين من الرواية لم يجمعوا مروياتهم إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما كانوا يروون عن كبار التابعين، ومُسْلِمَة أهل الكتاب ومن تثقَّف بثقافتهم" (ص112).

الباب الثاني: الألوهية والنبوة

وقد قسّمه إلى أربعة فصول: الأول عن الألوهية، والثاني عن ولادة المسيح، والثالث عن النبوة، والرابع عن وفاة المسيح.
تحدث في مستهل هذا الباب عن بعض الروايات التي أوردها الطبري عند تفسير قوله تعالى: "أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ" (آل عمران: 39) من أن المقصود بـ" بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ" عيسى عليه السلام، وأن تصديق يحيى كان بسجوده أو تحركه في بطن أمه لما رأت أمُّه مريم حاملا بعيسى. ويرى الباحث أن تفسير "كَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ" بعيسى عليه السلام خطأ، وأن المقصود بالكلمة هنا كلمة القضاء "كن". وبعد مناقشته لتلك الروايات والمقارنة بينها وبين ما في الأناجيل، يخلص إلى أن "القول بأن رواية أخبار أهل الأمم السابقة لا تضر لكونها لا تترتب عليها أحكام عملية" خطأ كبير، وأنه لا بد لقبول أخبار الأمم السابقة من شروط في السند وشروط في المتن، وأهم شروط المتن أن لا يكون مضمون تلك الأخبار معارضا لمضامين النصوص القرآنية. (ص124-130).

ثم عقد بعد ذلك مبحثا لبيان المقصود بلفظة "الروح" في القرآن الكريم، مستعرضا أقوال بعض المفسرين في المقصود بالروح في قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا" (الإسراء: 85). وقد خلص الباحث إلى أن المراد بالروح في جميع نصوص القرآن هو جبريل عليه السلام، وأن الروح بالمعنى المقابل للجسد التي هي جوهر حياة الإنسان والحيوان لا تدخل أبدا في معنى مصطلح الروح في القرآن الكريم. (ص131-144).

ولكن الباحث على الرغم من إيراده قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الشورى: 52) ضمن الآيات التي جمعها ليخلص إلى حصر مفهوم الروح في جبريل، لم يبيّن لنا كيف يستقيم هذا الحصر مع هذه الآية: هل الله تعالى أوحى إلى رسوله جبريل بمعنى أن جبريل كان جزءا من الوحي وليس واسطة في الوحي؟

ولست أدري كيف يمكن تفسير الروح بجبريل عليه السلام في قوله تعالى: "يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: 87) كيف يكون روح الله هنا هو جبرائيل وما علاقة جبرائيل بمثل هذا الموضوع؟

ولا في قوله تعالى: "فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ" (الواقعة: 88-89)، وهل يُعطى جبريل يوم القيامة مع الريحان وجنّة النعيم للمقربين من المؤمنين؟

ولا في قوله تعالى عن آدم: "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" (الحجر: 29) هل أن الله تعالى نفخ في آدم ـ بعد أن سوّاه طينا ـ جزءا من جبريل عليه السلام فدبت فيه الحياة بشرا بعد أن كان مجرد هيكل من الطين؟ أم كيف كان نفخ جبريل في آدم؟

وقد حاول الباحث أن يربط بين القول بأن من معاني "الروح" قوة الحياة التي يبثها الله تعالى في الإنسان والحيوان وبين عقيدة التثليث عند المسيحيين، ولم يذكر أيّ سند لذلك الربط مما ورد في كتب التفسير، بل هو مجرد تخمين منه، وهو ربط واضح التعسّف (ص145-146).

وعند حديثه عن ولادة المسيح عقد مقارنة بين قصة تلك الولادة في الأناجيل وفي القرآن الكريم، ثم عرض بعض الروايات الإسرائيلية التي أوردها بعض المفسرين وعلى رأسهم الطبري عند تفسير قوله تعالى: "إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (آل عمران: 35) (ص168-187).

ثم تحدث عن أقوال المفسرين في قوله تعالى: "...وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" (آل عمران: 36) وما نقله بعضهم من روايات يرى أنها متأثرة بالإسرائيليات (ص179-189).

ثم تحدث عن آراء بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: "قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا" (مريم: 8) وأورد ما ذكره بعضهم من أن الآية التي جعل الله لزكريا بعدم تكليم الناس ثلاثة أيام "قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا" (مريم: 10) إنما كانت عقوبة من الله له على استغرابه أن يوهب له غلام وهو في تلك الحالة، وقارن بين تلك الروايات وما ورد في الأناجيل ليخلص إلى أن تلك الروايات متأثرة بما هو عند النصارى. (ص190-196).

ثم تحدث بعد ذلك عن كفالة زكريا لمريم والروايات التي أوردها الطبري في تلك الكفالة مقارنا إياها بما ورد في الأناجيل مبرزا أوجه التشابه بينهما. وقد لاحظ الباحث أن غالبية المفسرين بعد الطبري أعرضوا عن تلك الروايات ولم يعطوا لها أي اعتبار، ولكنه كان الأولى بهم أن لا يكتفوا بذلك، بل كان عليهم نقدها وبيان بطلانها (ص197-202).

وبعد ذلك أورد بعض الروايات التي نقلها الطبري في تفسيره عند تفسير قوله تعالى: "يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ" (آل عمران: 43)، ومضمون تلك الروايات أن مريم لما أُمِرت بذلك كانت تطيل القيام في الصلاة حتى تورّمت قدماها وسالت قيحا ودما، واعتبر أن هذا القول متأثر بالفكر المسيحي، ولكنه لم يورد أي نص من الأناجيل يمكن ردّ هذه الروايات إليه، بل اكتفى بردّ تلك الروايات بما ورد في القرآن الكريم من رفع الحرج عن الناس (ص203-205).

وعند الحديث عن أقوال المفسرين في قوله تعالى عن يحيى بن زكريا: "وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ" (آل عمران: 39) أورد تفسير البعض "حصورا" بمعنى "لا يأتي النساء"، مشيرا إلى أن أصحاب هذا التفسير متأثرون بالفكر المسيحي الذي "يعتبر أن الذي لا علاقة له بالنساء هو أفضل الناس وأتقاهم"، ولكنه لم يورد أي نص من الأناجيل يمكن ردّ ذلك الفهم إليه (ص206-212).

ثم انتقل إلى الحديث عن المراحل الأساسية لحياة عيسى عليه السلام من خلال رواية أوردها الطبري في تفسيره تنص على أن مريم فرّت بعيسى إلى مصر خوفا عليه من هيرودس، ثم بعد ذلك انتقلت به إلى الشام، ثم عادت به في النهاية إلى فلسطين ليُبْعث رسولا في الثلاثين من عمره. وقارن هذه الرواية بما في الأناجيل ليخلص إلى أنها مأخوذة منها على الرغم من عدم التطابق الكامل بين الروايتين (ص213-221).

وبعد ذلك عقد مبحثا للحديث عن معجزات المسيح عليه السلام وبعض الروايات التي أوردها الطبري في تفسيرها مقارنا تلك الروايات بما في الكتاب المقدس، ذاهبا إلى كونها أثرا من آثار الفكر المسيحي. ثم تحدث عن الأقوال التي أوردها بعض المفسرين في وفاة عيسى عليه السلام عند تفسير قوله تعالى: "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" (آل عمران: 55)، وبعد نقد تلك الروايات رجح الباحث كون المقصود بالوفاة هنا الوفاة الحقيقية. ثم أتبع ذلك بالحديث عن أقوال المفسرين في نزول عيسى قبل قيام الساعة، حيث يرى أن مسألة عودة المسيح غير صحيحة لأنها لم ترد في القرآن الكريم، ولا يمكن للقرآن الذي تحدّث عن كل مراحل حياة عيسى أن يغفل ذكر رجوعه قبل نهاية الدنيا. ويربط بين فكرة عودة المسيح وفكرة المسيح المنتظر في الديانتين اليهودية والمسيحية، ويخلص إلى أن فكرة عودة المسيح من نتائج التأثر بتلك الفكرة عند أهل الكتاب. (ص243-258).

أما الباب الثالث فخصصه للمعاد، وتحدث فيه عن أشراط الساعة، وقد خص بالذكر المسيح المنتظر، والدجال، وطلوع الشمس من المغرب، والدابة، والجساسة، والدخان، ويأجوج ومأجوج. حيث يرى أن الروايات التي رويت في هذه الموضوعات من الإسرائيليات.

الباب الرابع: القضاء والقدر والحكمة والتعليل، تحدث فيه عن آراء المتكلمين في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، مرجعا أقوال أصحاب الجبْر إلى التأثر بأفكار أهل الكتاب الذين اختلقوا تلك الأفكار من أجل تبرير أفعالهم السيئة، وهي الفكرة التي بدأها اليهود وختمها المسيحيون في فكرة الفداء والخلاص.

وأخيرا يخلص الباحث إلى "إننا أمام معضلة تدفع بأصول التفسير المعتمد إلى الميزان والتمحيص، من أجل تجنب الخطأ والتحريف في فهم كلام الله وبيان معانيه " (ص401).

تعقيب على بعض القضايا الأساسية الواردة في الكتاب
الحاجة إلى التفسير

يلاحظ اضطرات كبير في كلام الباحث عند حديثه عن أهمية علم التفسير، بل الحاجة إلى وجوده أصلا، فتجده في مواضع كثيرة يؤكد أن القرآن الكريم مبيَّن كامل البيان وأن ما أُجمِل في موضع قد بيّنه القرآن في موضع آخر، وكلّ ما يحتاج إليه الأمر هو اكتشاف ذلك البيان (ص10، 14)، ولكنه في موضع آخر يعترف بأن إدراك معاني القرآن يحتاج إلى "جهود في القراءة، والتدبر، والتفكر، وبقدر الجهد المبذول يكون الاكتشاف المرتقب" (ص14)، وأن كتب المفسرين "يمكن الاستفادة منها في تدبّر أكبر للنص" (ص12). ويبدو أن الباحث تأخذه مرة النِّقْمة على ما دخل في كتب التفسير من إسرائيليات وآراء كانت محكومة بثقافة المفسر وواقعه، فيذهب إلى القول بعدم جدوى كل ما ورد في كتب التفسير، ولكنه يصطدم من جهة أخرى بالواقع حين يرى أن عامة الناس ـ بل حتى غير المتخصصين في علوم اللغة والشرع ـ يصعب عليهم فهم أجزاء كبيرة من القرآن الكريم، فيلجمه ذلك الواقع ليعود للاعتراف بأن فهم القرآن يحتاج إلى جهد كبير في التدبر ويحتاج إلى تحصيل مستلزمات ذلك وأن ما في كتب التفسير يمكن أن يكون معينا على ذلك.

ودعوى كون القرآن لا يحتاج إلى أي تفسير لا يسندها الواقع، بل يناقضها، فلا شك أن الذين كانوا يأتون لسؤال ابن عباس وابن مسعود أو غيرهم من العلماء لم يكونوا يدركون جميع معاني القرآن الكريم، ولم تكن لهم القدرة على تدبر جميع نصوصه، وإلا لماذا كانوا يأتون للسؤال ويجلسون في حِلَق العلم؟ ولماذا ظهرت حلق العلم ومجالس التدريس؟ ولماذا ظهر أناس اصطلح على تسميتهم علماء يلجأ الناس إليهم للتعلم والفهم؟ وربما كان الباحث نفسه ممن يجلسون في المساجد أو في قاعات المحاضرات للتدريس، وربما كان من ذلك دروسٌ في التفسير، فما الداعي إلى تلك الدروس والمحاضرات لو كان بإمكان جميع الناس فهم القرآن وتدبره؟

هاجس الإسرائيليات

لقد وصل هاجس الإسرائيليات بالباحث إلى درجة وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بتقليد أهل الكتاب، حيث نجده يعلق على تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بقوله: "غير أنه لم تنـزل في الموضوع (أي الاتجاه إلى بيت المقدس) نصوص من القرآن تأمر بالاتجاه إلى بيت المقدس، وإنما كانوا يتوجهون إليها اقتداء بأهل الكتاب، فنـزل القرآن لتصحيح هذا الوضع وبيان أن البيت الحرام هو القبلة الحق..." (ص75-76). فاتخاذ بيت المقدس قِبْلة لم يكن بتوجيه من الله سبحانه وتعالى وإنما كان تقليدا من الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب وتأثُّرًا بهم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مخطأ في ذلك التوجه فنـزل القرآن ليبيِّن " أن البيت الحرام هو القبلة الحق". وهو كلام مناقض تماما للآيات التي تتحدث عن تحويل القبلة. }سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ للَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ... وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ... قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ{ (البقرة: 142-144). فقوله تعالى "عن قبلتهم" يدل على أن بيت المقدس كان قبلة المسلمين جميعا ولا يمكن أن ينسب الله تعالى شيئا للمسلمين إلا إذا كان قد ارتضاه لهم، وقوله تعالى "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها" صريح في أن اتخاذ بيت المقدس قبلة كان بجعل من الله تعالى، فالله تعالى هو الذي جعل بيت المقدس قبلة وليس اقتداء الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود. نعم، لا يوجد في القرآن نص نزل بتلك القبلة، لكنها كانت بجعلٍ من الله، أي بإلهام وأمر منه وهو الوحي الذي يصف العلماء السنة النبوية به، وقوله: "قد نرى تقلب وجهك في السماء" يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتمنى تحويل القبلة، ولو كان اتخاذ بيت المقدس قبلة باختياره صلى الله عليه وسلم واقتداءً بأهل الكتاب لما استمر عليه وهو يتمنى أن يتغير، فلا يمكن لعاقل أن يستمر في فعل شيء يتمنى تغيره إذا كان اتباع ذلك الأمر وتغييره باختياره.

كما كرر الباحث فكرة تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتراث اليهودي حين يقول عن قصة رجم ماعز والغامدية وغيرها من روايات الرجم بأنها كانت قبل نزول سورة النور وأن تلك العقوبة "مما جاء الإسلام لإصلاحه" لأنها كانت من شرائع اليهود الشديدة التي أريد تمريرها إلى المسلمين لتبشيع صورة الشريعة الإسلامية (ص91). وترتيب نزول سورة النور بعد حوادث الرجم ـ طبعا ـ مجرد تمني من الباحث لم يورد أي دليل على إثباته. والمهم هنا هو قوله عن فعل الرجم "مما جاء الإسلام لإصلاحه" ووصف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم للرجم بأنه من الشرائع التي مرّرها اليهود إلى المسلمين لتشويه صورة دينهم (ص91). فهو يرى أن فعل الرجم لم يكن من الإسلام وإنما كان من الإسرائيليات التي اقتدى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود ثم جاء الإسلام (المتمثل في القرآن وحده لأن سنة الرسول في تلك الأحداث كانت مجرد إسرائيليات) لإصلاح ذلك الخطأ!!

ومن آثار هاجس التأثر بالإسرائيليات عند الباحث اعتباره القول بالنسخ عند علماء المسلمين مُقتبَسا من التراث اليهودي والمسيحي الذي تأثروا به، حيث يقول: "وخلاصة القول: إن الأدلة السمعية التي أوردها القائلون بالنسخ أدلة متهافتة، متأثرة بخلافات اليهود والنصارى، ويقودها الهاجس الفقهي، وهو ما أدى إلى تحريف معاني أكثر هذه الأدلة..." (ص77)، ولم يقدم الباحث أي دليل على ادعائه هذا سوى كون بعض الكتب المتأخرة التي ذكرت في معرض التنظير لموضوع النسخ موقف غير المسلمين ـ ومنهم اليهود والنصارى ـ من فكرة النسخ.

نعم، لقد كان موضوع النسخ محكوما إلى حد بعيد بالاجتهاد الفقهي ومتأثرا به، لأنهم منذ البداية حصروا النسخ في الأحكام، وربما دفعت الرغبة في الاستدلال لبعض الاجتهادات الفقهية إلى القول بالنسخ كمخرج للتوفيق والترجيح، وكثيرا ما تكون دعاوى النسخ تلك غير ثابتة.

أما ربط النسخ بخلافات اليهود والنصارى واتهام المسلمين باقتباسه منهم، بمجرد أن بعضهم ذكر في معرض التنظير للنسخ مواقف اليهود والنصارى منه فهو أمر في غاية الغرابة، لأن غالب ما تحدثوا فيه عن النسخ يدور حول أحكام الأسرة وما يلحق بها وأحكام الجهاد والعلاقات مع غير المسلمين، وهي أمور ليست لها علاقة بخلافات اليهود والنصارى وما ورد في كتبهم. علما بأن الكتب التي أوردت تلك الآراء كتب متأخرة كُتِبت في مرحلة التوسّع النظري في مباحث العلوم وظهور الدراسات المقارنة في الأديان، في حين أن القول بالنسخ يعود إلى عهد الصحابة والتابعين.

ويبدو أن الباحث يغلب عليه التسرّع في الحكم ـ بمجرد وجود عناصر مشتركة بين مضمون الروايات الإسلامية بما فيها الأحاديث النبوية وبين ما عند أهل الكتاب ـ على أن المسلمين اقتبسوا ذلك من أهل الكتاب. وهو منهج يلتقي في جوهره ـ وإن كان يختلف طبعا في منطلقاته وأدواته ـ مع أسلوب المستشرقين الذين ادعوا أن جزءا كبيرا من الإسلام مقتبس من التراث اليهودي والنصراني والوثني بناء على ما بينهما من نقاط التشابه.

مفهوم الآيات

يرى الباحث أن مفهوم "الآية" في اصطلاح القرآن الكريم هو "الدليل والبرهان والحجة والأمارة، وغير ذلك مما يُجلّي الحق ويبيّنه، فالشمس والقمر آيتان..." (ص43)، وينكر كون مفهوم "الآية" في القرآن الكريم يشمل نصوصه، ويرى أن "الآية بالمفهوم الاصطلاحي من وضع الناس، وليس من وضع الله عز وجل، فالناس قد اصطلحوا على تسمية المقاطع المرقمة من القرآن بالآيات..." (ص43). وقد انتقى من القرآن الكريم النصوص التي ورد فيها مصطلح "الآية" بمعنى الدليل والبرهان والحجة لتأييد ما ذهب إليه. ويبدو أن هدفه من إخراج المقاطع القرآنية من مفهوم الآيات هو تأييد الآراء التي تبناها فيما يتعلق بالنسخ والمحكم والمتشابه.

ومما لا شك فيه أن مصطلح "الآية" قد ورد كثيرا في القرآن الكريم بمعنى الحجة والدليل والبرهان، بل هو الغالب في الاستعمال القرآني، ولكنه أيضا ورد بمعنى النصوص القرآنية، ولم يختلق "الناس" هذا المصطلح من عندهم كما يزعم الباحث، بل هو اصطلاح أخذوه من القرآن ذاته. والواقع أن هناك ترابط عضوي بين المعنيين إلى درجة التلازم بينهما بحيث يصعب الفصل بينهما، فنصوص القرآن في ذاتها آيات من عند الله تعالى، وهي في الوقت نفسه تتضمن براهين وحجج أوردها الله لعباده ليهتدوا بها، ومن ثم فإن مصطلح الآيات في القرآن الكريم قد يرد أحيانا بالمعنى الأول وقد يرد أحيانا أخرى بالمعنى الثاني، وكثيرا ما يشير إلى المعنيين معا في النص الواحد نظرا لما بينهما من تلازم. والمراجعة لا تتسع لبسط الكلام في هذا الموضوع، ولكن سوف أكتفي بإيراد بعض الأمثلة التي تكشف الأسلوب الانتقائي للباحث والتسرّع والتعميم في الأحكام.

لقد ورد في مواضع متعددة من القرآن الكريم وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بتلاوة آيات القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: "يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا" (البقرة: 151)، و "يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ" (الطلاق: 11) ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو عليهم الشمس والقمر والجبال والكواكب وغيرها من آيات الله، وإنما كان يتلو نصوص القرآن التي قد تتضمن تلك الأدلة والبراهين والمعجزات الإلهية. وربما قال الباحث إن المقصود بالآيات في هذه النصوص هو الأدلة والبراهين والمعجزات المتضمنة في تلك النصوص، وأن النصوص مجرد ظرف لتلك المعاني والمقصود هنا هو الحالُّ وليس المحلّ أو الظرف.

وهذا الفهم يمكن أن يُقبَل بشرطين: أولها، أن يُثبت لنا الباحث أن مصطلح التلاوة لم يستعمله القرآن الكريم بمعنى القراءة، وهذا غير ممكن فالله تعالى يقول مثلا: "وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْءَانٍ" (يونس: 61) فالتلاوة هنا بمعنى القراءة، ومن ذلك أيضا قوله تعالى: "كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ" (الرعد: 30) والوحي الذي يُتلى هو نصوص القرآن، وكذلك قوله تعالى: "وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (العنكبوت: 48).

والشرط الثاني: أن يُثبِت لنا كون نصوص القرآن جميعها تتضمن أدلة ومعجزات وبراهين حتى يمكن أن نقول إن نصوص القرآن مجرد ظرف لتلك الأدلة والبراهين والمعجزات. وهو أيضا غير ممكن، فقد تضمن القرآن عشرات الآيات التي تُعلِّم الناس العبادات، والأخلاق الحسنة، وتنهاهم عن الفواحش والمنكرات، وتعلمهم أحكام الزواج والطلاق وقسمة الميراث، وليس في كل هذا أي معجزات ولا حجج ولا براهين.

وإذا قصرنا معنى الآيات على آيات الآفاق والأنفس من معجزات وبراهين فإن هذه النصوص لا يصح أن نطلق عليها مصطلح الآيات ونخرجها مما كان يتلوه الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولإتمام المناقشة دعنا نحلل مثالا من صميم الموضوع. ذكر الباحث عند تحليل قوله تعالى: "وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَكَانَ ءَايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ" (النحل: 101) بأن لفظ "آية" هنا بمعنى المعجزة وليس بمعنى النصوص القرآنية. ولكن لفظ "يُنَزِّلُ" لا يؤيده في ذلك لأن معجزات الآفاق والأنفس موجودة في الكون ولا تحتاج إلى تنـزيل على الرسل عليهم السلام، ثم إن قراءة الآية في سياقها ـ وهو الأمر الذي يحرص الباحث على تأكيده ـ يرجح كون الآية هنا بمعنى النص الوارد من الله تعالى، فالآية التالية لها تقول: "قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل: 102) فالذي نزّله روح القدس هو نصوص القرآن وليست المعجزات، ووصفه بالهدى والبشارة يؤيد ذلك، حيث أن النصوص التي تتضمن البشارات للمؤمنين ليس فيها معجزات الآفاق والأنفس وإنما هي مجرد إخبار لهم بما سينالون في المستقبل. والآية التالية أصرح في الدلالة، حيث يقول تعالى: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ" (النحل: 103) والحديث هنا عن نصوص القرآن التي نزلت باللغة العربية، أما المعجزات والبراهين فلا لسان لها وهي لا توصف بكونها عربية أو أعجمية فالآيات من الله، والعرب والعجم كلهم لله، والمعجزات مظاهر كونية وحيوية وحجج منطقية لا تكون بيِّنَة بلسان دون لسان.

أما الموضع الثاني الذي حاول فيه الباحث أن يوظف المفهوم الذي اختاره لمصطلح الآيات فهو مسألة المحكم والمتشابه في القرآن الكريم. فهو يتبنى الرأي الذي يقول إنه لا يوجد متشابه في القرآن الكريم، ويؤكد ذلك بقوله: "إن أدلة الكتاب وبراهينه التي هي معنى الآيات كلها محكمة مبيِّنة للحق بما لا يُبقي مجالا للشك" (ص85). ويفسر قوله تعالى: "وأخر متشابهات" بأنها الشبهات التي يثيرها المشركون، فهي "أوهام أولئك الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله، ويفترون على الله الكذب وهم يعلمون، ويلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، هذه هي الأُخر المتشابهات التي يتبعون من دون ما أنزل الله من محكم الكتاب" (ص85)

ولكن سياق الآيات لا يؤيد الفهم الذي اختاره فالضمير في قوله تعالى: "ما تشابه منه" يعود على الكتاب ولا يمكن حمله على الشبهات التي يلقيها الكفار إلا بتكلف لا تؤيده المقاطع الأخرى من الآيات. وقوله تعالى: "وما يعلم تأويله إلا الله" يعود على المتشابهات لا على المحكمات لأن المحكمات يعلمها كل أحد. وإذا أخذنا رأي الباحث في كون "متشابهات" تعود على شبهات الكفار فهل يستقيم القول بأن تلك الشبهات لا يعلمها إلا الله؟ كيف وهي مجرد شبهات يعلمها كل عاقل، بل حتى أصحابها يعلمون أنها ليست الحق!! وكلمة "كل" في قوله تعالى: "والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا" تعود على المحكمات والمتشابهات: فهل شبهات الكفار أيضا من عند الله تعالى؟ وهل يؤمن الراسخون في العلم بشبهات الكفار، بل وأكثر من ذلك ينسبونها إلى الله تعالى؟

الاعتداد بالرأي والتعميم

لا شك أن البحث محاولة جريئة لنقد التراث التفسيري، وهي محاولات مطلوبة في الأصل ولا ينبغي الحجر عليها، وقد أصاب الباحث في مواضع من نقده للتراث التفسيري، وأخطأ في أخرى. وليست المشكلة في أن يخطئ الإنسان، فكل جهد بشري معرض للصواب والخطأ، ولكن المشكلة في اعتداد الباحث بفهمه ومحاولة قراءة النصوص بما يوافق فهمه ولو أدى ذلك إلى تأويلها، في الوقت الذي نجده يستخف بما كتب في علوم التفسير والحديث، بل العلوم الإسلامية كلها، ولا يبخل بتوزيع الاتهامات على المفسرين والمحدثين ووصف أعمالهم واجتهاداتهم بالتحريف والادعاء على الله تعالى. مثل قوله في (ص77): "... وهو ما أدى إلى تحريف معاني أكثر هذه الأدلة وتحويلها عن معناها العام"، وفي (ص94): "فيصبح التفسير حينها نوعا من التحريف للقرآن الكريم ومحاولة لتمرير الأفكار والمفاهيم والعقائد المختلفة من خلاله". وقوله عن القائلين بالنسخ في القرآن الكريم: "ولو تحققوا لوجدوا أنهم يدعون دعوى عظيمة على القرآن الكريم، إذ يفترضون في آياته تعارضا حقيقيا يمكنهم أن يزيلوه بدعوى النسخ، وهو منتهى الانحراف والخلط" (ص37-38). وكان الأولى التعبير بالخطأ في الفهم أو سوء الفهم بدلا من "التحريف" و"الادعاء على الله تعالى"، لأن التحريف والادعاء على الله تعالى يوحيان بتعمد الفعل، وهو اتهام لا أظن الباحث يستطيع إثباته. ولا يخفى على الباحث أن بعض آرائه التي يظن أنها الحق المبين يراها البعض عينَ الخلط والتحريف والادعاء على القرآن.

وتبلغ قمة الجرأة والاعتداد بالنفس عند الباحث حين يتخذ فهمه لنصوص القرآن الكريم الميزان الوحيد لقبول الأحاديث النبوية ورفضها دون إعارة كبير اهتمام للمعايير الأخرى، ومع أن الباحث لم ينصّ على هذا المعيار نظريا، إلا أنه طبّقه في أسلوبه العملي في التعامل مع نصوص السنّة. وأنا هنا لا أتحدث عن أقوال الصحابة وآثارهم وأقوال المفسرين، فهذه اجتهادات بشر عاديين له أن يأخذ بها وله أن يردها إذا خالفت اجتهاده وهذا أمر مُقرّر في كتب أصول الفقه والحديث. ولكن المشكلة الحقيقة حين يتخذ شخص ما فهمه للقرآن هو المعيار الوحيد لقبول الأحاديث أو ردها بحجة مخالفتها للقرآن الكريم، إذ أن ذلك سوف يؤدي إلى فوضى في نقد السنة النبوية، حيث أن أفهام الناس كثيرا ما تختلف بل تتناقض في فهم بعض النصوص القرآنية، وهو الأمر الذي يجعل كل واحد يرفض من السنة ما لا يوافق تأويله لنصوص القرآن، بغض النظر عن مدى قوة ذلك التأويل أو ضعفه، وهو معيار ذاتي لا يمكن ضبطه.

ومما اتصف به أسلوب الباحث التعميم والتهويل واختلاق المعارك الوهمية. ومن ذلك تعميم التشكيك في صحة الأحاديث ومصداقية كتب الحديث، انظر مثلا إلى قوله: "هذه بعض الملاحظات على ما اصطلح عليه بالتفسير النبوي من خلال الجامع الصحيح الذي اشترط صاحبه في مروياته ما اعتبر أقوى الشروط، وهي ملاحظات تدعو إلى ضرورة التثبت وإعادة النظر في مجموعة من "المسلمات العلمية" المتعلقة بالتفسير ..." (ص93).

وانظر قوله: "هذا وإن فكرة الشروط (الشروط الواجب توفرها في المفسر) وتوفرها في العلماء لتضفي عليهم هالة موهومة من القداسة والتبجيل مما يرفعهم عن المحاسبة والنقد والانتقاد، ويجعلهم أئمة لا يسألون عما يفعلون وهم يسألون ما يفعله ويقوله غيرهم، بل ويصل بهم الأمر إلى الكلام باسم رب العالمين..." (ص18)

وقوله: "يجدر بنا أن نتخذ من علم الناسخ والمنسوخ نموذجا لإعادة القراءة وإعادة البناء، ومحاولين اكتشاف الأغلاط والمغالطات الواقعة في العملية التأصيلية لهذا العلم، بل ولعلوم القرآن والتفسير عموما، إن لم نقل للعلوم الإسلامية كلها" (ص38-39). يا له من تهويل! فالمفسرون صاروا مثل الكهنة والقساوسة، بل ربما أصبحوا أربابا من دون الله تعالى. والعلوم الإسلامية كلها مملوءة ليس بالأغلاط فقط، بل بالمغالطات والتحريف.

وقد قاده أسلوب التعميم والتهويل إلى خوض معارك وهمية تكونت لديه بسبب سوء الفهم أو عدم دقته، أو نسبة قول واحد أو مجموعة من العلماء إلى جميع العلماء، ثم يبدأ بعد ذلك يصول ويجول في نقاشات كثيرا ما تكون خارج الموضوع. ومن ذلك فهمه أن المقصود بوصف السنة بأنها وحي كونها وحيا مباشرا مثل القرآن ينـزل به جبريل على الرسول، ثم أخذ يناقش ويفرع على هذه المسألة في صفحات عديدة (ص102-106). وقد بنى ذلك على كلام نسبه إلى الشافعي نقلا عن رسالة ابن تيمية في أصول التفسير. ولو رجع الباحث إلى كتاب الرسالة للإمام الشافعي عند حديثه عن مفهوم السنة لتبين له الأمر ولما احتاج إلى خوض تلك المعركة الوهمية. وفيما يأتي ننقل مقتطفات من كلام الشافعي في الرسالة ليتضح الأمر أكثر.

يقول الشافعي: "وما سنّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنّه وكذلك أخبرنا الله في قوله وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله... وسنن رسول الله مع كتاب الله وجهان: أحدهما نص كتاب فاتّبعه رسول الله كما أنزل الله، والآخر جملة بيّن رسول الله فيه عن الله معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرضها: عاما أو خاصا، وكيف أراد أن يأتي به العباد. وكلاهما اتبع فيه كتاب الله ..."
"فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا منها على وجهين. والوجهان يجتمعان ويتفرعان أحدهما ما أنزل الله فيه نص كتاب، فبيّن رسول الله مثل ما نص الكتاب. والآخر مما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبيّن عن الله معنى ما أراد. وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما. والوجه الثالث ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب: فمنهم من قال جعل الله له ـ بما افترض من طاعته، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه ـ أن يسنّ فيما ليس فيه نص كتاب. ومنهم من قال لم يسنّ سنّة قطّ إلا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنّته لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من الشرائع لأن الله قال: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وقال" وأحل الله البيع وحرم الربا، فما أحل وحرم فإنما بيّن فيه عن الله كما بيّن الصلاة. ومنهم من قال بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سنّته بفرض الله. ومنهم من قال ألقي في روعه كل ما سنّ، وسنّته الحكمة الذي ألقي في روعه عن الله فكان ما ألقي في روعه سنّته...".[6]


[1] "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ..." (آل عمران: 7).

[2] "وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" (آل عمران: 36).

[3] " إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا".

[4] "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"

[5] " وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ".

[6] الشافعي، محمد بن أدريس، الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر (القاهرة: مكتبة دار التراث، 1399هـ/1979) ص88-93.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,508
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: قراءة نقدية في كتاب: العقائد النصرانية في التفسير الإسلامي

وتبلغ قمة الجرأة والاعتداد بالنفس عند الباحث حين يتخذ فهمه لنصوص القرآن الكريم الميزان الوحيد لقبول الأحاديث النبوية ورفضها دون إعارة كبير اهتمام للمعايير الأخرى، ومع أن الباحث لم ينصّ على هذا المعيار نظريا، إلا أنه طبّقه في أسلوبه العملي في التعامل مع نصوص السنّة. وأنا هنا لا أتحدث عن أقوال الصحابة وآثارهم وأقوال المفسرين، فهذه اجتهادات بشر عاديين له أن يأخذ بها وله أن يردها إذا خالفت اجتهاده وهذا أمر مُقرّر في كتب أصول الفقه والحديث. ولكن المشكلة الحقيقة حين يتخذ شخص ما فهمه للقرآن هو المعيار الوحيد لقبول الأحاديث أو ردها بحجة مخالفتها للقرآن الكريم، إذ أن ذلك سوف يؤدي إلى فوضى في نقد السنة النبوية، حيث أن أفهام الناس كثيرا ما تختلف بل تتناقض في فهم بعض النصوص القرآنية، وهو الأمر الذي يجعل كل واحد يرفض من السنة ما لا يوافق تأويله لنصوص القرآن، بغض النظر عن مدى قوة ذلك التأويل أو ضعفه، وهو معيار ذاتي لا يمكن ضبطه.
بارك الله فيك يا دكتور
والله إن هذا من أكبر البلاء هذه الأيام
فهذا المثال الذي رددتم عليه في بحثكم القيم أصبحنا نقابله يومياً من العوام

منذ يومين تناقشني إحداهن في حكم غطاء الرأس وأنه كان عادة عند العرب بسبب الحر الشديد مثلهن مثل الرجال الذين غطوا رؤوسهم وهو ليس من الدين وأن القرآن لم ينص على غطاء الرأس صراحة، والأحاديث التي ذكرت في ذلك ضعيفة، إلخ

وقبلها ناقشتني في حكم ترك الصيام والصلاة للحائض، وأنه ليس واجباً ، بل هو من باب العذر فمن شاءت فلتصم ومن شاءت فلتفطر لأن القرآن لم يذكر ذلك

وفي جواز التعدد، وكيف أنه يؤدي إلى قهر النساء، فكيف يتخذه الرجل وسيلة لطاعة الله

وهكذا

وكلما نوقشت تقول أنتم متأثرون بما يقال لكم تتلقون دون تفكير، ولسان حالكم (إنا وجدنا آباءنا على أمة) فلا تفكرون ولا تبحثون في الأدلة بل تتبعون أشخاصاً قد يصيبون وقد يخطئون، وكما اجتهدوا من حقنا أن نجتهد نفهم النصوص كما فهموا

هذا النوع من التشكيك انتشر في بلادنا ولا حول ولا قوة إلا بالله

وأمثال هذا الكاتب يغذون الفكرة وينشرونها بين العوام، ومن كان يفكر بهذا الأسلوب يستأنس عندما يجد من يوافقه الرأي خاصة لو كان ممن أوتوا قدرة على الخطابة

وبما أنكم عرضتم المشكلة ومسكتم أول خيوطها، فما الحل برأيكم؟ وكيف يكون الرد عليهم؟
ومن أين نبدأ؟

لا زلت أبحث عن وسائل للإقناع دون تنفير أو صد، فغرضنا ردهم إلى الحق رداً جميلاً لا أكثر
اللهم اهد شباب وشابات المسلمين
 

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
رد: قراءة نقدية في كتاب: العقائد النصرانية في التفسير الإسلامي

فما الحل برأيكم؟ وكيف يكون الرد عليهم؟ ومن أين نبدأ؟
لا زلت أبحث عن وسائل للإقناع دون تنفير أو صد، فغرضنا ردهم إلى الحق رداً جميلاً لا أكثر
اللهم اهد شباب وشابات المسلمين
أحسن الله إليكم ونفع بكم. أتمنى أن تفتح هذه القضية للنقاش والإثراء في هذا الملتقى، يسهم فيها أهل العلم والتجربة.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,508
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: قراءة نقدية في كتاب: العقائد النصرانية في التفسير الإسلامي

أحسن الله إليكم ونفع بكم. أتمنى أن تفتح هذه القضية للنقاش والإثراء في هذا الملتقى، يسهم فيها أهل العلم والتجربة.
فتحنا حلقة للمناقشة هنا
https://feqhweb.com/vb/threads/.20344
نتمنى أن تساهموا فيها وتثروها بعلمكم بارك الله فيكم
فهل هذا مقصودكم؟ أم تريدون طرح القضية من زاوية أوسع؟
 
أعلى