رد: المحرم لذاته والمحرم لغيره باعتبارين
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
أخي الكريم أنت تريد أن تفرق بين تقسيمين، متحدين في المعنى مختلفين في المبنى فقط:
فالمنهي عنه لذاته أو لجزئه: هو ما نهى عنه الشارع بسبب قبح في ذات المنهي عنه أو في جزئه كنهي النبيخ عن بيع الملاقيح وهو ما في بطون الحيوان من الأجنة، فإنّه منهي عنه لانعدام ركن المبيع، وهو أن يكون مالا متقوما مقدورا على تسليمه، وما في بطون الأمهات ليس كذلك فكان منهيا عنه لذاته؛ وكذا النهي عن السجود للشمس فإنّه منهي عنه لجزئه وهو ما فيه من تعظيم لغير الله تعالى وليس النّهي بسبب وضع الجبهة على الارض.
أما المنهي عنه لغيره: فكصوم يوم العيد، والبيع وقت النداء، وبيع الربا، والصلاة في الارض المغصوبة...فهذه التصرفات والأفعال مشروعة في الأصل حيث ورد بها الشرع، فالصلاة والصوم والبيع مشروعة في حدّ ذاتها، لكن عرض لها عارض فنهى عنها الشارع بسبب هذا العارض، فالصوم في حد ذاته مشروع ليس بقبيح، وإنما لحقه القبح لكونه وقع في وقت غير مناسب للصيام وهو يوم العيد، لأنّه يوم ضيافة؛ وبيع الربا منهي عنه، لكنه مشروع باعتبار الأصل لأنّه عقد تم بالتراضي بين المتعاقدين عن طريق الإيجاب والقبول، غير أنّه عرض له القبح باعتبار الوصف، وهو الزيادة الربوية الخالية من العوض، ففقد البيع شرط المساواة في العوضين، لذلك كان النهي عنها ليس لقبح في ذاتها وعدم مشروعيتها في الأصل بل في غيرها؛ وبالتالي تكون التصرفات والأفعال التي ذكرنا مشروعة بأصلها قبيحة لغيرها، إلا أن يقوم دليل على أنّها قبيحة لذاتها كالنهي عن بيع الملاقيح والمضامين. هذا والله أعلم. (استفدتها من الكتاب القيم "محاضرات في قواعد تفسير النصوص" للدكتور عبد الكريم حامدي) أخي الكريم أنا أنصحك بهذا الكتاب.
وهذا مختصر مفيد في منهج الاصوليين من المتكلمين والفقهاء في النهي عن الفعل كنت قد أوردته تعليقا من خلال رسالتي للتخرج بعنوان: "حاشية الشيخ الهدَّة السوسي على قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين للإمام الحطاب المالكي" -دراسة وتحقيق-(2/324-325):
"فمنهج المتكلمين من الأصوليين في النّهي عن الفعل على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: المنهي عنه لذاته أو جزئه: أمّا لذاته فكبيع الملاقيح، وأمّا لجزئه كالسجود للشمس لما فيه من تعظيم لغير الله لا لكيفيته وفي حكم هذا النوع أقوال والجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية على أنّه فاسد.
والنوع الثاني: المنهي عنه لوصف ملازم: وذلك كعقد الربا، فالقبح صفة ملازمة له، والجمهور أيضا على أنّه فاسد.
والنوع الثالث: المنهي عنه لوصف مجاور غير ملازم:كالوضوء بماء مغصوب فإنه منهي عنه لوصف غير ملازم، لحصول إتلاف المال بغير الوضوء أيضا، وهذا النوع فيه ثلاثة أقوال: أولها: فاسد شرعا إلاّ لدليل فمكروه مع الإثم، وهو قول الحنابلة والظاهرية؛ وثانيها:إذا كان المنهي عنه لحق الله فحكمه الفساد، وإن كان لحق العبد فالصحة وهو للمالكية؛ وثالثها: أنّه صحيح مع الكراهة لكونه لا يؤثر في الفعل، باعتبار المنهي عنه لا لذاته ولا لوصف ملازم بل لوصف مجاور وهو قول الشافعية.
ومجمل منهج الحنفية (الفقهاء) في النّهي عن الفعل أنه على ثلاثة أقسام أيضا:
القسم الأول:منهي عنه لذاته: وحكمه البطلان سواء كان حسيا كالسرقة أو شرعيا كبيع الملاقيح.
القسم الثاني: المنهي عنه لوصف ملازم: وحكموا عليه بالفساد المخالف للبطلان على رأيهم كصوم يوم العيد.
القسم الثالث: المنهي عنه لوصف مجاور: وحكمه الصحة مع الكراهة وذلك كالبيع وقت النّداء.
ينظر: محاضرات في قواعد تفسير النصوص لطلاب السنة الثالثة فقه وأصول كلية الشريعة باتنة, الجزائر, د. عبد الكريم حامدي «35, 48»، تفسير النصوص، محمد أديب صالح«2/386, 426» ط4، المكتب الإسلامي, بيروت:1993م، شرح تنقيح الفصول«138, 140»، مفتاح الوصول «418, 424»، المحصول لابن العربي«71»، الإبهاج«4/1154 وما بعدها»، البحر المحيط «2/445 وما بعدها»."