العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح قاعدة تملك المضمون عند الحنفية

بشرى عمر الغوراني

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
2,121
الإقامة
لبنان
الجنس
أنثى
الكنية
أم أنس
التخصص
الفقه المقارن
الدولة
لبنان
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
حنبلي
"المضمونات تملك بالضمان، ويستند الملك فيها إلى وقت وجوب الضمان".

شرح القاعدة:

معنى هذه القاعدة أن ما ضمِنه شخص بموجِب من موجِبات الضمان وتعيّن عليه غرم مثله أو قيمته بأن فات المضمون أو تعيب - هل يدخل مقابل هذا الضمان في ملكه أم أنه يبقى على ملك صاحبه ؟ فإذا غصب شخص من آخر عينًا مَثَلا ثم ضاعت من الغاصب وغرم مثلها أو قيمتها لصاحبها ثم وجدها بعد ذلك - فهل تكون بالضمان السابق قد زالت عن ملك صاحبها ودخلت في ملك الغاصب فلا يحقّ لصاحبها المطالبة بها عوض ما أخذه من قيمتها أو مثلها, أم أنها لا تزول عن ملكه فيحقّ له أن يردّ ما أخذه من القيمة أو المثل ويستردها ؟ هذا هو معنى القاعدة إجمالا. وقد يتبادر إلى الذهن أن الشطر الأول من هذه القاعدة يقتضي أن يكون موجِب الضمان - ولو كان غير شرعي- سببا مشروعا للملك وليس الأمر كذلك؛ لأن "الملك حكم مشروع مرغوب فيه, فيكون سببه مشروعا مرغوبا فيه, ولا يصح أن يجعل العدوان المحض سببا له, فإنه ترغيب للناس فيه لتحصيل ما هو مرغوب لهم به, ولا يجوز إضافة مثله إلى الشرع ". ولذا اختلف الفقهاء في: " الملك هل يضاف للضمان وسببه معا ؟" أو هو مضاف للضمان كما يقرره هذا الشطر من القاعدة.
والمعنى الحقيقي له إنما هو, كما بينه السرخسي , ممثلا بالغصب: "الغصب موجب رد العين أو رد القيمة عند تعذر رد العين بطريق الجبران مقصودا بهذا السبب, ثم يثبت الملك به للغاصب شرطا للقضاء بالقيمة لا حكما ثابتا بالغصب مقصودا ", لأن " الضمان لا يكون إلا بعد ثبوت الملك وتقرره ".
فالملكية المترتبة على ضمان المضمونات على قول من يقول بها ليست على أصل الأملاك الصحيحة كالملكية الناجمة عن العقد, إنما هي ملكية من وجه دون وجه, ويظهر أثر الفرق في غلة المضمون, وفي زوائده المنفصلة, فأما الغلة والكسوب ففي البيع الفاسد تكون غلة المبيع للمشتري بعد قبضه, لأن أصلَها المبيعَ في ضمانه, والخراج بالضمان, أما في حالة الغصب ونحوه مما يكون سببا للضمان, فإنما تكون الغلة للغاصب على تقدير هلاكه وتغيره, وإلا فإن العين السالمة يرجعها الغاصب وما اغتل منها في المشهور عند المالكية , وقريب منها قول الزيدية: " غلة المغصوب الحادثة عند الغاصب أمانة عنده ", وأما عند الحنفية فالغلة وإن كانت للغاصب مطلقا , فإنه مع ذلك يؤمر بالتصدق بها, لأن كسبها خبيث كما يظهر أثرها أيضا في الزوائد المنفصلة للمغصوب, كالدَّر والثمر والولد, فإنها لا تتبع المغصوب, ولا تملك بضمان ما تولدت عنه, بل هي أمانة في يد الغاصب عند الحنفية, لعدم إزالة اليد المحقة عنها, ولذلك فلا تسلم للغاصب إذا ملك المغصوب بالضمان , وعللوا ذلك بأن الملك الثابت بالضمان, مستند إلى وقت الغصب, فهو ناقص, يثبت من وجه دون وجه, فلم يظهر أثره في الزيادة المنفصلة .
وقد اختلفت آراء الفقهاء حول هذه القاعدة كما تنبئ عنه صيغتها الاستفهامية فصرح الحنفية باعتبار شطرها الأول وأكثروا من تخريج الفروع عليه في كتبهم والتفنن في التعبير عنه بصيغ متنوعة مما جعل بعض الباحثين يعتبرها
حنفية المنشأ والتطبيق. وجعلوا الضمان السبب الوحيد الذي يصح به تملك مال الغير بغير رضاه. يقول السرخسي : "لا يتملك أحد مال الغير بغير رضاه إلا بالضمان " وأقرب المذاهب إلى الحنفية في ذلك هم المالكية حيث جعلوا من أسباب ملك المغصوب غرم الغاصب قيمته لمالكه إذا حكم بذلك عليه الشرع لحصول مفوت, بشرط ألا يكذب الغاصب في دعواه تلف المغصوب أو ضياعه أو تغير ذاته؛ لكن الغاصب يمنع من التصرف في المغصوب برهن أو كفالة خشية ضياع حق المالك, ولا يجوز لمن وهب له منه شيء قبوله ولا الأكل منه ولا السكنى فيه, مثل أي شيء حرام.
ويقابل هذا الرأي مذهب الحنابلة والشافعية القائلين بأن المضمون لا يملك بالضمان. على أنه ورد لمتأخري الشافعية حالات يملك فيها الغاصب المغصوب إذا تصرف فيه تصرفا يفيت عينه ولا يمنع الاستفادة منه من كل وجه كمن غصب زيتا وخلطه بجنسه وعسر التمييز فتعذر رده لمالكه, علما أن بعضهم خالف ذلك وقال: "المعروف عند الشافعية أنه لا يملك شيئا منه ".
وملك المضمون بالضمان, ليس على إطلاقه - حتى عند القائلين به - بل هو مقيد بأمور, أخصها كونه مما يجوز تمليكه بالتراضي, وفوات عينه أو رضا المالك بالقيمة إذا لم تفت أو إذا ظهرت بعد استيفائه قيمتها.




(معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية 549/14-552)
 
أعلى