العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تقييم مسودة القانون الجنائي المغربي

إنضم
25 أكتوبر 2011
المشاركات
72
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
القضاء والسياسة الشرعية
المدينة
أكادير
المذهب الفقهي
المالكي
راءة سريعة في مسودة مشروع القانون الجنائيفي خضم النقاش الدائر حول مسودة مشروع القانون الجنائي، أثارني كيف خلقت الجدل بين الناس رغم أن هناك مشاريع قوانين أخرى لا تقل أهمية عنها، فعلى سبيل المثال مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي هو بمثابة قانون (جنائي شكلي) إن صح القول، م.ج تعتبر مجموعة من القواعد القانونية الشكلية (إجراءات تقنية) التي تنظم المتابعة والتحقيق و المحاكمة، وتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم، لكن أهمية القانون الجنائي تتجلى في كونه هو الذي يحدد الجرائم ويبين العقوبات المقررة لكل منها، يحدد الأفعال التي يعدها جرائم، و العقوبات المطبقة على مرتكبيها.القانون الجنائي أثار هذا النقاش لأنه بكل بساطة يتدخل في تفاصيل الحياة اليومية للأفراد داخل المجتمع، تجده بجانبك في العمل، في الدراسة، على الانترنيت، إلخ... هذا الفرع من القانون هو الأكثر التصاقا بالفرد، ضحية كان أو مرتكب جريمة.جاء هذا المشروع (القانون الجنائي) في إطار تنزيل مضامين الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، وفي سياق نعرفه جميعا أي بعد دستور 2011 الذي ينص على سمو المواثيق و الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية و العمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة ( وإن كانت عبارة الديباجة غامضة وثم تقييدها بالهوية الوطنية...)، و كنموذج على هذه الاتفاقيات نجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرآة، مصادقة المغرب في 2014 على مشروع القرار الذي ينص على حرية المعتقد والتدين،بالإضافة إلى العديد من الاتفاقيات الأخرى. من جهة أخرى ضمان الدولة لكل فرد حرية ممارسة شعائره الدينية (فصل 3 من الدستور) و الباب الثاني من الدستور الذي ينص على مجموعة من الحقوق و الحريات من بينها الحق في الحياة (فصل 20).
فإلى أي حد جسدت المسودة احترام حقوق وحريات الأشخاص المنصوص عليها دستوريا ؟ وما مدى احترام و مطابقة المشروع مع روح الاتفاقيات الدولية ؟ وما المستجد مقارنة مع القانون الحالي؟ وهل هناك إرادة للتقدم ومسايرة العصر ؟
مشروع القانون الجنائي جاء بمستجدات ايجابية، نذكر منها العقوبات البديلة كبديل عن العقوبات السالبة للحرية، تجريم التعذيب، المعاقبة على التمييز والكراهية، الاختفاء القسري، الاتجار بالأعضاء البشرية، الاتجار بالبشر، التحرش الجنسي في الفضاء العمومي...الخإلا أن هناك عدة ملاحظات حول المسودة ينبغي التطرق إليها :1/استمرار العمل بعقوبة الإعدام رغم النقاش الدائر حولها، و الدستور الذي ينص على الحق في الحياة.2/ المادة 90 من المشروع تتحدث عن جواز حجب موقع الكتروني إذا استعمل لارتكاب جريمة إما بإساءة استغلال الإذن أو الرخصة المحصل عليها، وإما بعدم مراعاة النظم الإدارية (إلى آخر الفصل)،مما يعيد إلى الذاكرة مشروع المدونة الرقمية السيئة الذكر التي تم سحبها مباشرة بعدما ندد بها النشطاء على المواقع الاجتماعية. الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي و معاقب عليه بمقتضاه، وكم من أعمال لا تشكل خطورة يتم تجريمها.3/ تم استبدال الفصل 219 الذي يتحدث في القانون الحالي عن الجرائم المرتكبة في عمليات الاستفتاء والانتخابات، بجرائم متعلقة بازدراء الأديان، ويبدو أنه مستلهم من القانون المصري (قانون العقوبات المصري الفصيلين 160 و 161). من خلال هذا الفصل تظهر اللمسة المحافظة للمشرفين على هذا
المشروع بالالتفاف على ما نص عليه الدستور من حرية فكر ورأي وإبداع. قد يقول البعض أننا حاكمنا النوايا واستبقنا الأحداث بقولنا أن هذا الفصل يشكل ردة، لكنه بالفعل سيستغل في تكميم الأفواه ضد المفكرين ويتابع بمقتضاه من أدلى برأي قد يفسر على أنه سب أو قذف أو استهزاء أو إساءة للدين أو رموزه، ففي مصر كثيرا ما نسمع عن دعاوى قضائية ضد مفكرين أو نشطاء اتهموا بازدراء الأديان وسب الذات الإلهية (نوال السعداوي،الشيعة...)، مما من شأنه أن يحد من حرية الفكر والتعبير والعقيدة، وحرية الأعمال الأدبية والفنية وبالتالي غلبة الرأي الواحد.
4/ تم الاحتفاظ بالحبس (مادة 220 من المشروع) في حق كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى. في تناف صارخ مع حرية المعتقد.5/ الفصل 222 من المشروع لازال يتحدث عن الحبس أو الغرامة لكل من "عرف باعتناقه للدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي". عبارة "عرف باعتناقه الدين الإسلامي" غير واضحة، وكأن للمواطن المغربي حرية التصريح بكونه غير مسلم فكل مغربي تلقائيا يعتبر مسلما. النص القرآني واضح حينما يتحدث عن أن "لا إكراه في الدين". غير أن هذا النص يقيد حرية الإنسان العقائدية ويتدخل في علاقته بالمقدس، و كأن المغاربة لا يعيشون في دول العالم ويتعاملون مع أناس يأكلون في واضحة النهار طوال أيام السنة.5/ تصريح وزير العدل والحريات على أن الملك أمر بتجنب متابعة أي مواطن تحدث فيه بسوء لكون الملك لا يريد أن يقمع المغاربة ولكن يريد أن يحترموه. إلا أن الفصل 179 يناقض هذا التصريح حيث يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من 5000 إلى 50000 درهم من ارتكب إهانة موجهة الى شخص الملك أو إلى شخص ولي العهد...كلمة "الإهانة" هنا فضفاضة ولا نعرف ماذا يعنى بها، فقد يصبح انتقاد بسيط لفعل أتاه الملك مؤديا إلى الحبس. والخاسر هي حرية التعبير.6/ المدونة الرقمية السيئة الذكر حاضرة مرة أخرى من خلال الفصل 448-2 الذي يتحدث عن الحبس والغرامة لكل من وزع محتوى مركب أو أقوال شخص أو صورته دون موافقته أو دون الإشارة إلى كون هذه التركيبة غير حقيقية بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية....(فصل 448-3 أيضا يسير في نفس المنحى)، المشكل في مثل هذه الفصول أنه قد يتم استغلالها لتكميم الأفواه و حبس كل من قام بنشر محتوى يفضح ممارسات معينة، كانتقاد تصرفات مسؤول.7/ استمرار تجريم العلاقات الرضائية بين البالغين في إطار الفصل 490 رغم خصوصية هذه (الجريمة) لأنها غير عادية من حيث الوسائل المتطلبة قانونا لإثباتها، عكس مبدأ حرية الإثبات، لأنها مرتبطة بالفصل 493. كثيرا ما تم اللجوء لهذا الفصل للزج بالمعارضين في الحبس،(أعضاء جماعة العدل والإحسان نموذجا). ما الذي يجعل إقامة علاقة بين رجل وامرأة بالغين بشكل رضائي جريمة؟ لأن واقع الحال يثبت بأن الكثير من (الشباب) يقيمون علاقات خارج مؤسسة الزواج، فكيف يتم الزج بشخص لتتوفر فيه الصفة الجرمية لمجرد أنه أحب...؟8/ لم يتم مراجعة محتوى منظومة الجرائم بشكل جذري فقد تم الاحتفاظ بنفس القالب في ظل نظام مجتمعي متغير ومعطيات فكرية وسياسية جديدة، فما معنى مثلا أن يحاكم سارق في حافلة بعقوبة سجنية قد تصل إلى 30 سنة (فصل 508) في حين أن عقوبة تصدير المخدرات القصوى لا تتجاوز 10 سنوات مع غرامة وخمس سنوات مع ظروف التخفيف (440-4) أما غسل الأموال فيما يخص الأشخاص الذاتيين بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات وغرامة (فصل 574-3)، يعني أن جرما أشد أثرا على المجتمع لا يتم التعامل معه بالصرامة الكافية.هذا المشروع طبخة اعتمدت على المقاربة الأمنية والزجرية و لم يتم استحضار المقاربة الحقوقية فالكل سيصير في حالة سراح مؤقت مع تضييق سقف الحريات، و الخاسر من كل هذا هو فكرة دولة القانون، وحقوق و حريات المواطنين التي تعبر مقياسا لتقدم الأمم.القانون الجنائي يمس حريات الناس يتدخل في حياتهم الخاصة زيادة على أن النيابة العامة تكون طرفا كسلطة اتهام في المادة الجنائية....المشروع كشف على الوجه المحافظ جدا لمن يقود هذا (الإصلاح) ،نصوص لا تتلاءم مع الاتفاقيات الدولية باعتبارها مصدر من مصادر القاعدة القانونية،و تكون بمثابة النص التشريعي الداخلي...كيف لا وبالأمس القريب اعترضوا على إدراج حرية المعتقد ضمن مواد الدستور. مثل هذه المشاريع صيغت بنفس ماضوي لم يستحضر القيم الكونية التي تمجد الإنسان وحريته.
في الأخير أترككم مع بعض بنود الإعلان العالمي للحقوق الإنسان:
المادة 18:
لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.
المادة 19 : لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.
 
أعلى