رد: للمناقشة :حول المصاحف الموجودة على الهواتف النقالة ونحوها .
إذا تتبعت كلام الأئمة الشافعية ظهر لك ما يلي:
أولا ما يعتبر في الكتابة:
ذكروا في بابي البيع والطلاق تفصيلا لمسائل الكتابة، ونية الكاتب، ومما ذكره: ما في حواشي الجمل في الطلاق، ومثله: بجيرمي خطيب، بجيرمي منهج عن الزيادي: (وَضَابِطُ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْخَطُّ كَرَقٍّ وَثَوْبٍ سَوَاءٌ:
كَتَبَ بِحِبْرٍ وَنَحْوِهِ.
أَوْ نَقَرَ صُوَرَ الْأَحْرُفِ فِي حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ.
أَوْ خَطَّهَا عَلَى الْأَرْضِ.
فَلَوْ رَسْم صُورَتَهَا فِي هَوَاءٍ أَوْ مَاءٍ فَلَيْسَ كِنَايَةً فِي الْمَذْهَبِ).
وأنت تفهم من الأمثلة التي ذكروها: أن ما رسمت صورته في الهواء أو على الماء لم يثبت بنفسه، فزواله من تلقاء نفسه، لا بفعل فاعل.
أما لو رسم على الأرض صورة الحروف فهذه كتابة، مع علمك بأن الهواء قد تسُفُّهُ، فزواله وعدم ثبوته بفعل فاعل، لا بنفسه
والظاهر أن المرآة مما تثبت عليها الكتابة، ولا تزول بنفسها، بل بفعل فاعل
وهنا ملحظ مهم ذكروه في باب الأحداث، كما في حواشي الشبراملسي على النهاية حيث قال: (وَلَيْسَ مِنْ الْكِتَابَةِ مَا يُقَصُّ بِالْمِقَصِّ عَلَى صُورَةِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ مِنْ وَرَقٍ أَوْ قُمَاشٍ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ).
فهذه أهم ضوابط الكتابة، وقد أشرت إلى أنهم اعتبروا نية الكاتب في الثلاثة الأبواب أعني البيوع والطلاق والأحداث.
ثانيا ما يعتبر في المصحف:
كل ما يمسى مصحفا عرفا يحرم لمسه
فإن كتب القرآن كاملا على ورقة مثلا أو أغلبه فهو مصحف، ولا عبرة بقصد الكاتب، كما في التحفة: (وظاهر عطف هذا على المصحف: أَنَّ مَا يُسَمَّى مُصْحَفًا عُرْفًا لَا عِبْرَةَ فِيهِ بِقَصْدِ دِرَاسَةٍ وَلَا تَبَرُّكٍ, وَأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا لَا يَسُمَّاهُ)، وعنه بجيرمي منهج.
وإن كَتَبَ بعضا منه: نظر إلى قصد الكاتب.
فَإِنْ قُصِدَ بِما لا يسمى مصحفا عرفا: دِرَاسَةٌ حَرُمَ.
أَوْ تَبَرُّكٌ لَمْ يَحْرُمْ.
وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ شَيْءٌ نُظِرَ لِلْقَرِينَةِ فِيمَا يَظْهَرُ.
والعبرة: فيمن يكتب لنفسه أو لغيره تبرعا: أن العبرة بنيته، وإلا فآمره أو مستأجره.
ثالثا: احتمالية المكتوب عليه أن يكون خاصا بالقرآن أو به وغيره:
سبق أن ذكرت أنه لو كتب المصحف كاملا أو أغلبه: حرم، ولا عبرة بالقصد. وهو واضح إن كتب على معد للقرآن فقط.
فإن كتب القرآن كله أو أغلبه أو بعضه على غير معدٍّ للقرآن: حرم مس الكتابة وحريمها فقط، وحكم حملِه حكم حمل القرآن في أمتعة، فمن ذلك قولهم في:
حواشي ابن قاسم على التحفة والشبراملسي: ("قَوْلُهُ: كَلَوْحٍ" يَنْبَغِي بِحَيْثُ يُعَدُّ لَوْحًا لِلْقُرْآنِ عُرْفًا. فَلَوْ كَبُرَ جِدًّا كَبَابٍ عَظِيمٍ فَالْوَجْهُ عَدَمُ حُرْمَةِ مَسِّ الْخَالِي مِنْهُ عَنْ الْقُرْآنِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَمْلَهُ كَحَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي أَمْتِعَةٍ).
حواشي النهاية للشبراملسي، وعنه الداغستاني: (يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكْتَبُ عَلَيْهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ كُتِبَ عَلَى عَمُودٍ قُرْآنًا لِلدِّرَاسَةِ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّ غَيْرِ الْكِتَابَةِ اهـ خَطِيبٌ اهـ َزِيَادِيٌّ).
حواشي شرح البهجة: (فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّهُ لَوْ كُتِبَ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ عَمُودٍ مِمَّا لَا يُعَد لِلْكِتَابَةِ عُرْفًا لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الْأَحْرُفِ وَحَرِيمُهَا عُرْفًا. ا هـ).
حاشية الشرقاوي: ("قوله: مما كتب هو فيه" أي كلوح، والمراد به ما يُعَدُّ لوحا عرفا. فلو كبر جدا كباب عظيم، ونحو سارية وجدار لم يحرم مس الخالي منه عن القرآن إلا إذا كان حريما للقرآن، فيحرم، وحمله كحمل المصحف في أمتعة).
وعلى هذا نجزم بأن الجوال غير معد للقرآن وحده، بل يشتمل على بطارية وغيرها، وعلى برامج ونحوها، فالقول بحرمة حمله مطلقا بعيد سواء فتح على المصحف أم لا، بل يقال فيه تفصيل حمل القرآن في أمتعة.
رابعا: حكم مس القرآن:
هناك فرق بين حمل المصحف، ومسه، فهم في المس أشد منهم في حمله
ولذا تراهم يُحرِّمُون مسه حيث (يعد ماسا عرفا، ولو من وراء حائل، ولو كان الحائل ثخينا، ولو قصد غيره)، وهذا الحكم سواء مس المصحفا منفردا، أو مع أمتعة عند الرملي، وعند ابن حجر يجري فيه تفصيل النية، وسأنقل بعض عباراتهم لأهميتها في هذا المقام:
حاشية الشرقاوي: (والضابط في المس العرف، ولو مع حائل، بحيثُ يُعَدُّ معه ماسًّا له).
وذكروا حكم المس من وراء حائل، ولو ثخينا:
الأسنى: ("وَلَوْ مَسَّ مِنْ وَرَاءِ ثَوْبِهِ" أَوْ ثَوْبِ غَيْرِهِ).
مغني المحتاج: (أَوْ مَسَّهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَثَوْبٍ رَقِيقٍ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَيْهِ).
حواشي البهجة لابن قاسم: ("قَوْلُهُ: وَلَا يُمْنَعُ الْحَمْلُ إلَخْ" الْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ حَمْلٌ لَا مَسَّ مَعَهُ لِلْمُصْحَفِ وَلَوْ بِحَيْلُولَةِ الْمَتَاعِ، أَمَّا حَمْلٌ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ إلَّا تَحْرِيمُهُ إذْ حُرْمَةُ الْمَسِّ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَ حَائِلٍ أَمْ لَا).
عبارة إحسان الوهاب شرح فتح الوهاب لتلميذ الشبراملسي: (ولو من وراء حائل كما هو مقتضى كلامهم).
الجمل: ("قَوْلُهُ: وَمَسُّ مُصْحَفٍ" أَيْ بِسَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَلَوْ بِحَائِلٍ كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَلَّبَهُ بِيَدِهِ وَلَوْ بِلَفِّ خِرْقَةٍ عَلَيْهَا ا هـ شَيْخُنَا).
حواشي النهاية: (وَبَقِيَ مَا لَوْ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ أَوْ أَنْفُهُ مَثَلًا وَاِتَّخَذَ لَهُ أُصْبُعًا أَوْ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ بَسْطِ الْأَنْوَارِ لِلْأُشْمُونِيِّ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي لَفِّ الْكُمِّ وَالْمَسِّ بِهِ حَيْثُ قَالُوا فِيهِ بِالْحُرْمَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ فِي لَفِّ الْكُمِّ قَدْ مَسَّ بِيَدِهِ بِحَائِلٍ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا).
بجيرمي منهج: ("قَوْلُهُ وَمَسُّ مُصْحَفٍ" وَلَوْ بِحَائِلٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ وَمَسُّ مُصْحَفٍ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِحَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ ثَخِينًا حَيْثُ يُعَدُّ مَاسًّا لَهُ عُرْفًا ; لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ بِخِلَافِ مَسِّ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِحَائِلٍ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْحَائِلِ...
"قَوْلُهُ وَمَسُّ جِلْدِهِ" وَلَوْ بِحَائِلٍ ح ل...
"قَوْلُهُ كَصُنْدُوقٍ"... وَمِنْ الصُّنْدُوقِ بِبَيْتِ الرَّبْعَةِ الْمَعْرُوفِ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ إنْ كَانَتْ أَجْزَاءُ الرَّبْعَةِ أَوْ بَعْضُهَا فِيهِ, وَأَمَّا الْخَشَبُ الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ ع ش عَلَى م ر.
"قَوْلُهُ عَلَاقَتُهُ كَظَرْفِهِ" مُقْتَضَاهُ حُرْمَةُ مَسِّ ذَلِكَ وَلَوْ بِحَائِلٍ وَفِيهِ نَظَرٌ حَرِّرْ ح ل).
الجمل: (وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: وَمَسُّ مُصْحَفٍ أَيْ بِبَطْنِ كَفٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَدَخَلَ فِي الْمَسِّ مَا لَوْ كَانَ بِحَائِلٍ وَلَوْ ثَخِينًا حَيْثُ يُعَدُّ مَاسًّا لَهُ عُرْفًا; لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ بِخِلَافِ مَسِّ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِحَائِلٍ ; إذْ الْمَدَارُ فِيهِ عَلَى ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْحَائِلِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَجْهًا غَرِيبًا بِعَدَمِ حُرْمَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الْمَكْتُوبِ وَحْدَهُ لَا الْهَامِشِ وَلَا مَا بَيْنَ السُّطُورِ وَشَمِلَ الْمُسْلِمَ، وَالْكَافِرَ، وَإِنَّمَا جَازَ تَعْلِيمُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ; لِأَنَّهُ لَا إهَانَةَ فِيهِ مَعَ احْتِمَالِ رَجَاءِ الْإِسْلَامِ انْتَهَتْ).
مسه إذا جاز حمله في أمتعة:
الجمل، بجيرمي منهج: ("قَوْلُهُ: فِي مَتَاعٍ" صُورَتُهُ أَنْ يَحْمِلَهُ -أَيْ: الْمُصْحَفَ- مُعَلَّقًا فِيهِ -أَيْ: الْمَتَاعِ- لِئَلَّا يَكُونَ مَاسًّا له، أَوْ يُقَالَ: لَا حُرْمَةَ مِنْ حَيْثُ الْحَمْلُ، وَإِنْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ الْمَسُّ؛ إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا ا هـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ).
ثم اتفقوا على أنه لو مس الآيات فقط حرم، ولو مس الآيات وغيرها فاختلفوا:
فذهب الرملي إلى الحرمة أيضا:
حواشي الأسنى: (قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا حَمَلَهُ فِي أَمْتِعَةٍ لَا يَمَسُّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: لَوْ مَسَّهُ وَلَوْ بِحَائِلٍ حَرُمَ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا).
حواشي ابن قاسم على التحفة: ("قَوْلُهُ: فِي أَمْتِعَةٍ" يَنْبَغِي أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ الْآتِي أَنْ لَا يُعَدَّ مَاسًّا لَهُ ; لِأَنَّ مَسَّهُ حَرَامٌ وَلَوْ بِحَائِلٍ، وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَهُ فَقَطْ فَلْيُتَأَمَّلْ).
حاشية الشرقاوي: ("قوله إلا في متاع إلخ"... ومحل جواز الحمل فيما ذكر حيث لم يُعدّ ماسًّا له، بأن غرز فيه شيئا وحمله؛ إذ مسه حرام، ولو بحائل، ولو بلا قصد.
فما ذكر استثناء من الحمل فقط، دون المس، كما أشار إليه الشارح بالتفريع.
أو يقال: إذا حمله مع المتاع ومسه: انتفت حرمة الحمل، وإن بقيت حرمة المس).
حاشية الباجوري: ("قوله: ويحل حمله في أمتعة"... ويحمله معه معلقا، حذرًا مِن المَسِّ، وإلا حَرُمَ عليه حيث عد ماسا له عرفا).
وذهب ابن حجر إلى تفصيل الحمل، فقال في التحفة: (وَالْمَسُّ هُنَا كَالْحَمْلِ فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ فَأَصَابَ بَعْضُهَا الْمُصْحَفَ وَبَعْضُهَا غَيْرَهُ تَأَتَّى فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ).
الجمل، بجيرمي منهج: (قَالَ حَجّ: وَمِثْلُ الْحَمْلِ الْمَسُّ فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ فَأَصَابَ بِبَعْضِهَا الْمُصْحَفَ وَبِبَعْضِهَا غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ ا هـ ح ل).
فالذي يظهر لك أنهم شددوا في حكم المس، حين خففوا في حكم الحمل
وأن ماسَّ شاشة الجوال -وإن قال قائل إن المكتوب بينك وبينه حجاب- يُعَد في العرف ماسا للمصحف فيحرم، ولا تمنع الزجاجة الفاصلة مِن تسميته ماسا لأحرف القرآن، فهو إما ماس حقيقة، وإما ماسا مع حائل، لكنه لم يمنع إطلاق المس
وخلاصة ما ظهر لي ما وهو ما ذكرته آنفا: أنه يجوز لغير المتوضئ حمل الجوال، سواء فتح على المصحف أم لا، فهو من قبيل حمل المصحف في أمتعة
ولا يجوز له مس الشاشة إن كان مفتحا فيها مصحف.
وأعتذر من الإطالة