العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

منهج التفريق بين الفرض والواجب بين الحنفية والجمهور

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
دراسة في منهج التفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية والجمهور
د. نَعْمان جَغيم
(بحث منشور في مجلة الأحمدية، العدد 29، 1436ه)


مقدمة

مسألة الفرق بين الفرض والواجب مسألة قديمة مطروقة في كتب أصول الفقه، ولكن على الرغم من كونها قديمة وآثارها من الناحية العملية ضئيلة، إلا أن دراستها لها فوائد منهجية تستحقّ الوقوف عندها. وتتعلق تلك الفوائد بتطوُّر الفكر الأصولي، وبمنهج الأصوليين من الحنفية في صياغة المسائل الأصولية وتخريجها على الفروع الفقهية لأئمة المذهب، وبأثر البحث عن التناسق الداخلي للمذهب في صياغة المباحث الأصولية. وهذه كلها أمور مفيدة لدارس الأصول. والذي دفعني لدراسة هذا الموضوع هو إبراز تلك القضايا المنهجية؛ ولذلك ستكون طريقتي في تناول الموضوع مختلفة عن الطريقة التقليدية القائمة على ذكر أدلة الفريقين ومناقشة الأدلة والترجيح بينها؛ فتلك المناقشات مبثوثة في كتب الأصول بما يكفي، ولن أتطرق إلى ذلك في بحثي إلا في حدود ما يقتضيه تناسُقُه. والهدف من هذا البحث هو السعي إلى تحديد سبب عدم التفريق عند جمهور الأصوليين، وسبب التفريق عند الحنفية، ثم دراسة محاولات المفرِّقين بين المصطلحين لتحديد معيار ذلك التفريق، وما صاحب تلك المحاولات من تطوُّر في صياغة المعيار، ومن تفريعات واحترازات للمحافظة على التناسق الداخلي للنظرية الأصولية من جهة، ومحاولة التوفيق بين التنظير الأصولي والواقع الفقهي من جهة أخرى. ومنهجي في البحث يقوم على تتبُّع كتابات الأصوليين، خاصة الحنفية منهم، عبر مراحلها التاريخية بالرصد والتحليل لإبراز التطورات والاختلافات الداخلية. وبحكم طبيعة البحث، فإن الجانب الأكبر منه سيكون عن مدرسة الحنفية؛ وذلك لأن المسألة ثانوية في أصول الجمهور كما سيأتي بيانه، أما عند الأصوليين من الحنفية فإن المسألة لها شيءٌ من الأهمية، لارتباطها بمنهجهم في تكوين المباحث الأصولية وتناسقها الداخلي، ولأنهم هم الذين فصَّلوا فيها وحاولوا الاستدلال لها بمختلف الأدلة، ومنها إثبات أثرها في الفروع الفقهية.
أما عن الدراسات السابقة، فإن المسألة كما هو معلوم مطروقة في كتب الأصول بين تفصيل وإجمال، ونجدها في أوائل المصنفات الأصولية التي وصلتنا مثل أصول الجصاص والتقريب والإرشاد الصغير للباقلاني. أما الدراسات المستقلّة حول هذا الموضوع فأهم ما اطلعت عليه منها بحث مُفصَّل للدكتور ترحيب بن ربيعان الدوسري، بعنوان: الاختلاف في تباين أو ترادف الفرض والواجب –سببه، وثمرته.[1] وقد حاول الباحث إثبات أن القول بالتفريق بين الفرض والواجب غير منصوص عليه من قبل الإمامين أحمد بن حنبل وأبي حنيفة. وربط أسباب الاختلاف في التفريق بين الفرض والواجب بمسائل عقدية، منها: هل مُسمَّى الإيمان التصديق فقط أم القول والعمل والاعتقاد؟ ومنها: القول بعدم ثبوت العقيدة إلا بقطعي الثبوت، وهو القرآن الكريم والسنة المتواترة. وذهب إلى أن من ثمرات القول بالتفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية مسألة (الزيادة على النص نسخ). وهذه الأسباب والثمرات التي ذكرها الباحث استنتاجات قد لا تُسلَّمُ له. وسيأتي بيان أن مسألة (الزيادة على النص نسخ) من أسباب القول بالتفريق بين الفرض والواجب وليس من ثمراته. وقد كان سعيُ الباحث إلى إنكار تفريق أحمد بن حنبل وأبي حنيفة وصاحبيه بين الفرض والواجب قائما على التفريق بين ما سماه (المسألة الأصولية) و(المسألة الفقهية)، حيث يرى أن تفريق أولئك الأئمة إنما كان في المسائل الفقهية، ولا يعني تفريقهم في تلك المسائل أنهم يفرقون بينهما في المسألة الأصولية. وهو يعني بـ(المسألة الأصولية) تقسيم الحكم التكليفي إلى المراتب الخمسة. ودراستي للموضوع تختلف عن دراسته له في منطلقاتها وأهدافها ومنهجها ونتائجها.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة.

المبحث الأول: أساس الاختلاف بين الجمهور والحنفية في تقسيم الحكم التكليفي
جرى الأصوليون من غير الحنفية على تقسيم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام، هي: الواجب والمندوب، والحرام والمكروه، والمباح. ووجه هذا التقسيم يبيِّنه الغزالي في قوله: "ووجه هذه القسمة أن خطاب الشرع إما أن يرد باقتضاء الفعل، أو اقتضاء الترك، أو التخيير بين الفعل والترك؛ فإن ورد باقتضاء الفعل فهو أمر، فإما أن يقترن به الإشعار بعقاب على الترك فيكون واجبا أو لا يقترن فيكون ندبا. والذي ورد باقتضاء الترك فإن أشعر بالعقاب على الفعل فحظر وإلا فكراهية. وإن ورد بالتخيير فهو مباح."[2]

هذه قسمة عقلية لمراتب الطلب والتخيير، جمعوا فيها كل ما كان مطلوب الفعل حَتْمًا تحت اصطلاح (الواجب)، وما كان مطلوب الترك حَتْمًا تحت اصطلاح (الحرام)، وما كان مطلوب الفعل دون أن يصل مَرْتبة الحَتْم جمعوه تحت اصطلاح (المندوب)، وما كان مطلوب الترك دون أن يصل مَرْتبة الحرام جمعوه تحت اصطلاح (المكروه)، وما كان فعلُه وعدم فعله متروكا لاختيار المكلَّف فهو (المباح).

وعدم تفريق جمهور الأصوليين بين الفرض والواجب وجعلهما في قسم واحد يعبرون عنه عادة بـ (الواجب)، قائم على أساس اشتراكهما في معنى اللُّزوم والحَتْم، وهو جوهر الفرض والواجب. ومع ذلك فهم يسلِّمون بأن الواجبات ليست على مرتبة واحدة في قوة الثبوت، وفي الثواب، وفي لزوم التقديم عند التزاحم، وفي الأثر في صحّة الفعل وبطلانه. فمن الواجبات ما هو ثابت بدليل قطعي ومنها ما هو ثابت بدليل ظني، ومُنكر القطعي يكفر أما منكر الظني فإنه لا يكفر. ومنها ما هو أعظم أجرا من الآخر ويُقدَّم على غيره عند التزاحم بين الواجبات. ومنها ما يؤدي انعدامه أو فساده إلى فساد الفعل من أصله، ومنها ما ينجبر فاسِدُه بجابِر. ولكن ذلك التفاوت لا يلزم منه، في نظرهم، التفريق في المسميّات؛ فهي جميعا مشتركة في صفة الوجوب، أي الإلزام بالفعل.

هذه تقسيمات الأصوليين من المتكلمين التي راعوا فيها القسمة العقلية، دون نظر إلى الفروع الفقهية. ولكننا في مجال الفقه نجد أن فقهاء المذاهب الذين يتبعون طريقة المتكلمين في الأصول، لم يتقيّدوا بهذه القسمة الأصولية، بسبب حاجتهم إلى التفريع الذي لا يستوعبه الالتزام الحرفي بتلك التقسيمات النظرية. فمثلا يقسم بعضهم الواجبات تقسيما يُبيِّن الفرق بينها من حيث الرتبة، فقسموا واجبات الصلاة إلى أركان وشروط مع اشتراكهما في الوجوب، وقسموا أعمال الحج الواجبة إلى أركان وواجبات، فقالوا: أركان الحج ما لا يجبر تركه بدم، والواجب فيه ما يجبر تركه بدم.[3] يقول نجم الدين الطوفي: "الذي نصره أكثر الأصوليين هو ما ذكرناه من أن الواجب مرادف للفرض، لكن أحكام الفروع بُنيت على الفرق بينهما، فإن الفقهاء ذكروا أن الصلاة مشتملة على فروضٍ وواجباتٍ ومسنوناتٍ، وأرادوا بالفروض الأركان. وحكمهما مختلف من وجهين: أحدهما: أن طريق الفرض منها أقوى من طريق الواجب. والثاني: أن الواجب يُجْبر إذا تُرك نسيانا بسجود السهو، والفرض لا يقبل الجبْر. وكذا الكلام في فروض الحج وواجباته، حيث جُبرت بالدم دون الأركان."[4] كما نجد الفقهاء جعلوا ما اصطلح عليه الأصوليون بـ(المندوب) مراتب، مثل السُّنن المؤكدة وغير المؤكدة، نظرا لما بين تلك المراتب من تفاوت كبير في قوة الندب إلى الفعل.

أما أصوليو الحنفية فكانت لهم طريقة أخرى في تقسيم الحكم التكليفي. ويقتصر المتقدمون منهم (الجصاص، الدبوسي، البزدوي، السرخسي) على ذكر أربعة أقسام، هي: الفرض والواجب والسنة والنفل. يقول البزدوي: "والعزيمة أربعة أقسام: فريضة، وواجب، وسنة، ونفل. فهذه أصول الشرع، وإن كانت متفاوتة في أنفسها."[5]

وقد علق عبد العزيز البخاري على كلام البزدوي بقوله: "يدخل في هذه الأقسام الفعل والترك، فإن ترك المنهي عنه فرض إن كان الدليل مقطوعا به كترك أكل الميتة وشرب الخمر، وواجب إن دخل فيه شبهة كترك أكل الضب واللعب بالشطرنج، وسنّة أو نفل إن كان دونه كترك ما قيل فيه لا بأس به... وذُكِر في بعض نسخ الأصول لأصحابنا: الفعل الصادر عن المكلّف لا يخلو من أن يترجّح جانب الأداء فيه أو جانب التّرك أو لا هذا ولا ذلك. أما الأول: فذلك إما أن يكفر جاحده ويُضلَّل وهو الفرض، أو لا يكفر وذلك إما أن يتعلق العقاب بتركه وهو الواجب، أو لا يتعلق وذلك إما أن يكون ظاهرا واظب عليه النبي عليه السلام وهو السنّة المشهورة، أو لا يكون وهو النفل والتطوع والمندوب. وأما الثاني فإما أن يتعلق العقاب بالإتيان به وهو الحرام، أو لا يتعلق وهو المكروه. وأما الثالث فهو المباح إذ ليس في أدائه ثواب ولا في تركه عقاب."[6] واستقر المتأخرون منهم على تقسيم الحكم التكليفي إلى فرض، وواجب، ومندوب، ومباح، وحرام، ومكروه تحريما، ومكروه تنزيها.

والفرق بين الطريقتين أن جمهور الأصوليين، وغالبهم من علماء الكلام، أجملوا في تقسيمهم وجعلوا معايير التقسيم هي لزوم الطلب والإشعار بالعقاب على الفعل أو الترك. وذلك موافقٌ لطريقتهم في التأليف في أصول الفقه التي تُغلِّب التنظير والتقسيم العقلي دون كبير التفاتٍ إلى ما تقتضيه التفريعات الفقهية؛ ولذلك لم يلتزم فقهاؤهم التزاما كاملا بتلك التقسيمات لما وجدوا التفريع الفقهي يدعو إلى التفصيل.

أما علماء الحنفية فإن طريقتهم في التأليف في أصول الفقه طريقة وصفيّة، قائمة على محاولة استنباط الأصول التي بنى عليها أئمة المذهب فروعهم الفقهية، والتنظير لتلك الفروع. فلمّا وجدوا أئمتهم ذكروا الفرض والواجب جعلوهما قسمين منفصلين. ولما وجدوا أئمتهم عبّروا بالكراهة عن أشياء هي في حكم الحرام عند المتأخرين من علماء المذهب (مثل لَبْس الذكور الذهب والحرير)، احتفظوا بلفظ الكراهة كما ذكره أئمة المذهب، وأضافوا إليه صفة التحريم، وبذلك أوجدوا قسما آخر من أقسام الحكم التكليفي سموه: الكراهة التحريمية، وصار المكروه عندهم على قسمين: مكروه تحريما، ومكروه تنزيها.

وبهذا يتبيّن أن أساس الاختلاف في تقسيم الحكم التكليفي نتج عن الاختلاف في طريقة التأليف في الأصول، حيث يميل الأصوليون من المتكلمين إلى التنظير، ويسلك الأصوليون من الحنفية مسلك الوصف لما هو موجود في الفروع الفقهية المروية عن أئمة المذهب. ثم يأتي بعد ذلك الاستدلال لتلك التقسيمات والسعي إلى إثباتها.

المبحث الثاني: مذاهب القائلين بالتفريق بين الفرض والواجب
المطلب الأول: التفريق بين الفرض والواجب عند الحنابلة

لم يكن التفريق بين الفرض والواجب مقصورا على الحنفية، بل قال به بعض الحنابلة بناء على بعض الروايات الواردة عن الإمام أحمد بشأن العلاقة بين الفرض والواجب. وقد وردت عن الإمام أحمد أقوال مختلفة في شأن العلاقة بين الفرض والواجب يُفهم من بعضها التفريق بينهما، ويُفهم من بعضها عدم التفريق. ومن تلك الروايات ما أورده أبو يعلى الفراء في كتاب العدة،[7] وهي:
1- ما رواه أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال: "المضمضمة والاستنشاق لا تُسمَّى فرضا، ولا يُسمَّى فرضا إلا ما كان في كتاب الله تعالى." ومحلّ الاستشهاد في هذه الرواية أن الإمام أحمد نفى اسم الفرض عن المضمضمة والاستنشاق مع كونهما واجبين عنده.
2- ما رواه المروزي أنه لما سأل الإمام أحمد عن صدقة الفطر: أفرضٌ هي؟ فقال: ما أجترئ أن أقول: إنها فرض.
3- ما نقله الميموني عنه وقد سأله هل يقول: بِرُّ الوالدين فرض؟ فقال: لا، ولكن أقول: واجب، ما لم يكن معصية.
4- ما ذكره ابن شاقلا أنه روى عن الإمام أحمد قوله: "لا أقول فرضا إلا في كتاب الله".
5- ما نقله عبد الله وأبو الحارث عن أحمد رحمه الله: "كل ما في الصلاة فرض."

وقد اختلفت آراء علماء الحنابلة في تفسير أقوال الإمام أحمد المتعلقة بالفرض والواجب والترجيح بينها، حسب الآتي:

الرأي الأول
: أن الفرض ما ثبت من طريق مقطوع به، وهو القرآن الكريم وإجماع الأمة، والواجب ما ثبت من طريق غير مقطوع به كأخبار الآحاد والقياس وما كان مُختَلَفا في وجوبه. هذا ما ذهب إليه القاضي أبو يعلى الفراء في كتابه العُدّة، حيث يقول: (فالفرض: ما ثبت وجوبه بطريق مقطوع به، مثل نص القرآن المتواتر، وإجماع الأمة. والواجب: ما ثبت من طريق غير مقطوع به، كأخبار الآحاد والقياس، وما كان مُخْتَلَفًا في وُجوبه، كوجوب المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين عند القيام من نوم الليل والتسبيح في الركوع والسجود، وغير ذلك. هذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله.)[8]
هذا ما صرح به القاضي أبو يعلى في كتاب العدة في أصول الفقه، وقد نقل عنه في المسودة في أصول الفقه أنه قال في مقدمة كتابه المجرد: "الفرض والواجب سواء، لا يختلفان في الحكم ولا في المعنى."[9] وإذا أخذنا في الاعتبار أن كتاب المجرد من أوائل ما ألَّفه القاضي أبو يعلى، فإنه يمكن القول إن ما استقرّ عليه رأيُه هو التفريق بينهما، ويؤيّد ذلك دفاعه عن هذا التفريق في كتاب العدة.

وقد أطال أبو يعلى الفراء في نصر هذا المعيار والرد على المخالفين. وتتلخص أدلته في محورين:
أحدهما: أن التفريق في المعنى اللغوي بين الفرض والواجب يقتضي التفريق بينهما في المعنى الاصطلاحي. والملاحظ أن تفريقه في المعنى اللغوي قائم على تركيزه في معنى الفرض على (التأثير) وفي معنى الواجب على (السقوط)، ليخلص من ذلك إلى أن "التأثير آكد من السقوط؛ لأن الشيء قد يسقط ولا يؤثّر ... فَبَانَ أن الفرض في اللغة آكد من معنى الواجب."[10]
والمحور الثاني: "أن الوجوب تتفاوت منازله، فوجب أن يخصّ اسم الفرض الذي وُضع للمبالغة في التأثير: عبارة عمّا كان في أعلى المنازل، وما دونه خصّ باسم الواجب."[11]

وقد تعقّب الأصولي الحنبلي ابن عقيل استدلالات أبي يعلى الفراء وناقشها بالتفصيل. وقد أشرت في مقدمة هذا البحث إلى أنه ليس من هدفه عرض تفاصيل الأدلة ومناقشاتها، فمن أراد تلك التفاصيل فليرجع إلى مواضعها.[12]

الرأي الثاني
: عدم التفريق بين الفرض والواجب، وهو الذي رجحه أبو الوفاء بن عقيل، حيث قال: "الفرض والواجب سواء في أصحّ الروايات عن أحمد رضي الله عنه."[13] وهو الرأي الذي نصره آل تيمية في المسوَّدة، حيث جاء فيها: "الفرض والواجب سواء."[14]

الرأي الثالث
: الفرض ما ثبت بالقرآن، ولا يُسمى فرضا ما ثبت بسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الذي تؤيِّدُه بعض الروايات عن أحمد، ومنها ما نقل ابن شاقلا أنه روى عن الإمام أحمد قوله: "لا أقول فرضا إلا في كتاب الله".[15]

الرأي الرابع
: ورد ذكره في المسودة في أصول الفقه دون تفصيل، وهو أن الفرض ما لا يسقط في عمد ولا سهو،[16] وأشار إليه الطوفي في شرح مختصر الروضة.[17] وهذا القول الرابع لم يذكره ابن عقيل في كتابه الواضح في أصول الفقه، حيث حصر آراء علماء المذهب في الثلاثة الأولى.[18]

والملاحظ في المذهب الحنبلي أنه على الرغم مما روي عن الإمام أحمد من تصريح بالتفريق بين الفرض والواجب، إلا أن علماء المذهب تجاوزوا ذلك ولم يجعلوا منه مسألة أساسية في أصول المذهب، وذلك بسبب ما يتمتع به المذهب من مرونة وتحرُّر.

المطلب الثاني: التفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية
منهج الحنفية في التفريق بين الفرض والواجب

الملاحظ أن السّمة المشتركة بين أصوليي الحنفية في التدليل على لزوم التفريق بين الفرض والواجب هي توظيف المعاني اللغوية للمصطلحين، مع وجود شيء من الاختلاف في كيفية توظيف تلك المعاني اللغوية. أما ما زاد عن المعنى اللغوي فنجد فيه تباينا بين الجصاص من جهة وبين من جاء بعده من الأصوليين من جهة أخرى.

يركِّز الجصاص في تعليل التفريق بين الفرض والواجب على أمرين: أحدهما: من حيث الاستعمال في عرف العلماء، حيث يقول: "ويدلّ على أن معنى الفرض قد يخالف معنى الواجب: أنه قد يمتنع إطلاق الفرض فيما لا يمتنع فيه إطلاق الواجب، لأنا نطلق أنه يجب على الله تعالى من جهة الحكمة مجازاة المحسنين، ولا نقول إن ذلك فرضٌ عليه."[19]
والثاني: من حيث المعنى اللغوي، فالفرض مأخوذ في الأصل من الأثر، فشُبِّه ما لزم وثبت بذلك الأثر، أما الوجوب فمأخوذ من السقوط، وقد يحصل السقوط من غير تأثير في موضعه، ويكون الفرض في اللغة أثبت من الوجوب، فكذلك يكون حُكْمُه في الشرع. فيُطلق الفرض على ما كان في أعلى مراتب اللزوم والثبوت.[20]

ولم يربط الجصاص بين معيار التفريق وقطعية أو ظنية الطريق الذي ثبت به دليل الوجوب، لأنه لم يجعل ذلك جزءا من معيار التفريق، بل المعيار عنده هو قوّة اللّزوم وقوّةُ ثُبوتِ أَثَرِ التكليف. أما من جاء بعده من أصوليي الحنفية فقد جعلوا المعيار الأساس هو قطعية وظنية ثبوت دليل الوجوب، ولذلك اختلفت طريقة استدلالهم فيما زاد عن المعنى اللغوي على طريقة الجصاص. وقد كان تركيزهم في الاستدلال على أمرين: أحدهما: مسألة عقدية، وهي لزوم التفريق بين مقتضى الدليل القطعي ومقتضى الدليل الظني؛ لأن مُنْكر الأول يكفر، ومُنْكر الثاني لا يكفر، فيُجعل الأول خاصًّا بالفرض والثاني خاصًّا بالواجب. والأمر الثاني: مسألة أصولية، وهي اعتبارهم الزيادة على النص نسخا، والتسوية بين الفرض والواجب تجعل الواجبات الثابتة بأخبار الآحاد زيادة على أصلها الثابت بالقرآن فتكون ناسخة لها، وهو أمر يخالف أصول المذهب.

فإذا نظرنا في ما استدل به الدبوسي، نجده يركّز في الاستدلال بالمعنى اللغوي للفرض على معنى (التقدير) فيقول: "فكانت الفريضة ما أوجبها الله تعالى علينا وقدّرها وكتبها علينا في اللوح المحفوظ"، أما في الاستدلال للواجب فكان تركيزه على (السقوط)، حيث يقول: "فكأن اللازم سُمِّي به لسقوطه على الإنسان حتى لزمه"، ويقول: "فكأنه سُمِّي به لأنه يسقط على العبد عِلْمُه"،[21] بمعنى يسقط عن الإنسان الاعتقاد الجازم بصحة ثبوته؛ لأنه ثابت بخبر الواحد، وخبر الواحد يفيد العمل لا العِلْم (أي يفيد لزوم العمل به لا القطع بثبوته)، حتى لا يجب تكفير جاحده ولا تضليله.

كما وظَّف الدبوسي قاعدة "الزيادة على النص نسخ" لتعليل التفريق بين الفرض والواجب، فيقول: "قد ثبت من أصلنا أن الزيادة على النص نسخ، والمكتوبات معلومة بكتاب الله تعالى معدودة، فالزيادة عليها تكون بمنزلة نسخها، فلم يجز إثباتها بخبر الواحد، فلذلك لم نجعل رتبتها في الوجوب رتبة الفريضة حتى لا تصير زيادة عليها."[22] وهذا الكلام يرشدنا إلى أن من أسباب الإمعان في التفريق بين الفرض والواجب المحافظة على اطراد قاعدة (الزيادة على النص نسخ).

ونجد البزدوي يركز في معنى الفرض على التقدير والقطع، فيقول: "أما الفرض فمعناه التقدير والقطع في اللغة. قال تعالى: (سورة أنزلناها وفرضناها) (النور: 1)، أي قدرناها وقطعنا الأحكام فيها قطعا، والفرائض في الشرع مقدَّرة لا تحتمل زيادة ولا نقصانا، أي مقطوعة ثبتت بدليل لا شبهة فيه."[23] ونلاحظ في هذا الكلام محاولة لربط "التقدير" (الذي هو بمعنى أن له قدرا محدَّدا) بـ"القطع" ليستقيم مع معيار الثبوت القطعي للفرض. أما في معنى الوجوب فأضاف البزدوي إلى معنى "السقوط" الذي ذكره الدبوسي معنى آخر، هو"الاضطراب"، فيقول: "فإنما أخذ الوجوب من السقوط... ومعنى السقوط أنه ساقط عِلْمًا (بمعنى لا يجب القطع بصحته)... ويحتمل أن يؤخذ من الوجبة وهو الاضطراب، سمي به لاضطرابه. وهو في الشرع اسم لما لزمنا بدليل فيه شبهة."[24] وقد تعقّب عبد العزيز البخاري البزدوي في استدلاله هذا بأنه خلافُ ما هو مذكور في كتب اللغة، حيث قال: "والمذكور في كتب اللغة أن الوجوب هو اللزوم، والوجبة هو السقوط مع الهدة، والوَجب الاضطراب."[25]

وبعد الاستئناس بالمعنى اللغوي، كان تركيز البزدوي على لزوم عدم التسوية بين مقتضى الدليل القطعي ومقتضى الدليل الظني؛ لأن في التسوية بينهما في المقتضى رفعا لمرتبة الظني وحطّا من مرتبة القطعي.

أما السرخسي فإنه لم يبتعد عما ذكره البزدوي، حيث ركز على معنى التقدير والقطع في الفرض، وعلى السقوط والاضطراب في معنى الواجب. كما ركّز على لزوم التفريق بين الدليل القطعي والدليل الظني، لأن في التسوية بينهما رفعا للدليل الظني عن درجته أو حطٌّا للدليل القطعي عن درجته، ووظّف قاعدة (الزيادة على النص نسخ)، فيقول: "وبيان هذا أن فرضية القراءة في الصلوات ثابتة بدليل مقطوع به، وهو قوله تعالى: (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) (المزمل: 20)، وتعيين الفاتحة ثابت بخبر الواحد، فمن جعل ذلك فرضا كان زائدا على النص، ومن قال يجب العمل به من غير أن يكون فرضا كان مُقرِّرا للثّابت بالنص على حاله وعاملا بالدليل الآخر بحسب مُوجَبِه، وفي القول بفرضية ما ثبت بخبر الواحد رفع للدليل الذي فيه شُبهة عن درجته أو حطّ للدليل الذي لا شُبهة فيه عن درجته، وكل واحد منهما تقصير لا يجوز المصير إليه بعد الوقوف عليه بالتأمل."[26]

تعقيب على الاستشهاد بالمعنى اللغوي
ههنا نقطة جديرة بالوقوف عندها، وهي مسألة الاستشهاد بالمعاني اللغوية لنصرة الآراء الاصطلاحية؛ حيث إنها تتكرر في مسائل خلافية في الأصول. وفيها تظهر سمة الانتقاء الذي لا يخلو من التحكُّم في الاستدلال، حيث يتخيّر كل فريق من المعاني اللغوية ما يخدم رأيه، حتى لو كان ذلك المعنى بعيدا عن سياق الاستدلال، ويغضُّ الطّرف عن المعنى الذي لا يؤيد رأيه حتى لو كان هو الأقرب إلى السياق.

وهنا نلاحظ على محاولات الأصوليين من الحنفية لتأصيل معيار قطعية وظنية الثبوت سعيهم إلى توظيف المعاني اللغوية بانتقاء المعاني التي تؤيّد القول بالتفريق بين الفرض والواجب وغضّ الطرف عن المعاني التي تؤيِّد القول باشتراكهما في المعنى. ففي معاني الوجوب كان تركيزهم على "السقوط" و"الاضطراب" وتوظيف ذلك لربط الواجب بما ثبت بنص ظني، في حين أن من معاني الوجوب اللزوم، والثبوت. واللزوم هو المعنى الأقرب والألْصق باصطلاح الواجب، حتى جعله ابن منظور المعنى الأول للوجوب،[27] ولكنهم تجاوزوه لكونه لا يخدم فكرتهم.

وكذلك الأمر في الفرض، حيث تخيّروا من معانيه اللغوية ما يمكنهم ربطه بالمعنى الذي أعطوه للفرض؛ وكان تركيزهم على التأثير والتقدير والقطع وربْط ذلك بقوّة اللزوم (كما فعل الجصاص) وبقطعية الثبوت (كما فعل البزدوي).

ويظهر في ربط معنى الوجوب بالسقوط والاضطراب تكلُّفٌ في توظيف المعاني اللغوية لنصرة الاختيارات الاصطلاحية. فالوجوب من معانيه في اللغة اللزوم، ومنها أيضا السقوط،[28] ومن الواضح أن الوجوب هنا مأخوذ من اللزوم، فسُمِّي واجبا لأنه لازمٌ على المكلَّف فعلُه، ولا يخفى ما في ربطه بالسقوط من تكلُّف، لأن ذاك معنى آخر ليس له علاقة باللزوم.

وفي المقابل نجد الذين ذهبوا إلى عدم التفريق بين الفرض والواجب يركّزون في المعاني اللغوية على ما يؤيّد رأيهم في الاشتراك بيهما في المعنى. فالباقلاني، مثلا، يركز في معنى الفرض على "التقدير"، ويوظِّفه بطريقة تقلب على الحنفية معيارهم، ويركز في معاني الواجب على اللزوم، فيقول: "ولو أنهم قالوا إن من الفرض ما ليس بواجب لكان ذلك أولى وأقرب، لأن الفرض هو التقدير، مأخوذ من فرض القوس، ومن فرائض الصدقة، وفرائض المواريث الذي هو تقدير الواجب منها. وقد يُقدَّر النّفلُ من الفعل، وتَمْتِيع المطلَّقة، وغير ذلك، فلا يكون واجبًا لتقديره ويُوصف بأنه فرض. والواجب اللازم الذي لا محيد عنه، مأخوذ ذلك من وجوب الحائط إذا سقط، وليس كلُّ فرضٍ واجبًا. فصار قَلْبُ ما قالوه أَوْلى."[29] بمعنى أن الواجب أقوى من الفرض لأنه أخصّ منه، حيث لا يُستعمل إلا فيما كان لازما حتْما، أما الفرض فهو أعمّ، فقد يُستعمل في اللازم وقد يُستعمل في المندوب المقدَّر.

أبعاد التفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية
لقد حرص علماء الحنفية على التفريق بين الفرض والواجب، والدفاع عن ذلك التفريق والتأصيل له. والظاهر أن سبب ذلك الإصرار على التفريق بينهما يرجع إلى طبيعة منهجهم في صياغة أصول الفقه، وأثر ذلك التفريق في تناسق أصول المذهب. وبيان ذلك في العنصرين الآتيين:

1- تحقيق التناسق الداخلي للمذهب
لما كانت مباحث أصول الفقه هي الجانب التأصيلي للفروع الفقهية، فإن الأصوليين في كل مذهب فقهي يسعون عادة إلى صياغة المباحث الأصولية بطريقة تؤصل للفروع الفقهية لمذهبهم، وتُظْهرها في شكل متناسق. وعلى الرغم من أن السِّمة العامة لعلماء الأصول من طريقة الجمهور هي عدم التقيُّد في مباحثهم الأصولية بما يمليه تبرير الفروع الفقهية للمذهب، إلا أن بعض كتبهم الأصولية لا تخلو من التأصيل لفروع المذهب والانتصار لها. أما أصوليو المذهب الحنفي فلا غرابة أن تكون تنظيراتهم الأصولية تركِّز على إثبات الفروع الفقهية للمذهب تأصيلا وتبريرا؛ لأن طريقتهم في التأليف قائمة في أصلها على المنهج الوصفي الذي يسعى إلى استنباط الأصول من استقراء الفروع الفقهية. ولذلك فإننا نجد حرص علماء المذهب الحنفي على تقرير الفرق بين الفرض والواجب مرتبطا بالسعي إلى تحقيق التناسق الداخلي لأصول المذهب. ويظهر ذلك في الربط بين التفريق بين الفرض والواجب والمسألة الأصولية الموسومة بـ"الزيادة على النص نسخ". فمن المسائل التي يقررها أصوليو المذهب الحنفي كون الزيادة على النص نسخا، ويمثِّلون لها عادة بالحديث الوارد في عقوبة التغريب للزاني البكر، حيث يعدُّونها زيادة على آية الجلد مائة جلدة (سورة النور: آية 2)، ولذلك لا يجعلونها جزءا من حدّ الزنا؛ لأن جعلها جزءا من حدّ الزنا يُعدُّ نسخا للآية والقرآن لا يُنسخ بأخبار الآحاد. كما يمثلون لها بحديث القضاء بالشاهد واليمين، فهو زيادة على الآية التي تشترط شاهدين (سورة البقرة: آية 282)، وقبوله يكون بمثابة النسخ لتلك الآية، والقرآن لا ينسخ بأخبار الآحاد.[30]

وقد رأينا عند ذكر استدلالهم على التفريق بين الفرض والواجب كيف وظّف الدبوسي ومن جاء بعده هذه القاعدة في إثبات التفريق بين الفرض والواجب. وبيان ذلك أن القرآن الكريم ذكر مُطلق قراءة القرآن في الصلاة (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ) (المزمل: 20)، وجَعْلُ قراءة الفاتحة من فرائض الصلاة يكون بمثاية الزيادة على ذلك النص، فيكون القول بفرضية قراءة الفاتحة الثابت بأحاديث الآحاد نسخا للآية، وهو ممنوع. وكذلك الأمر في الطواف بالكعبة الوارد في القرآن الكريم دون تقييد بالطهارة (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 29)، مع الأحاديث التي تشترط الطهارة في صحة الطواف. ولما كانت هذه الأحاديث صحيحة ومعمول بها عند أئمة المذهب، في حين أن طرد قاعدة "الزيادة على النص نسخ" يقتضي عدم الأخذ بها؛ لكونها ناسخة لتلك الآيات، والقرآن لا ينسخ بخبر الآحاد؛ كان لابد من حلٍّ وسط يجمع بين سلامة قاعدة "الزيادة على النص نسخ" والعمل بتلك الأحاديث، وهو وَصْفُ ما ورد في القرآن الكريم بالفرضية، وما ورد في الأحاديث بالوجوب، فيصيران مختلفين في التسمية، ورتَّبوا على ذلك الاختلاف في التسمية الاختلاف في الحكم. فلما صار ما ورد في القرآن الكريم يُسمَّى فرضا وما جاء زائدا عليه في السنّة النبوية يُسمَّى واجبا، لم يَعُدْ الأخذ بهما معا يدخل في باب "الزيادة على النص نسخ". ويُبيِّن هذا المسلك في تحقيق التناسق الداخلي للمذهب قول السرخسي المذكور سابقا: "وبيان هذا أن فرضية القراءة في الصلوات ثابتة بدليل مقطوع به، وهو قوله تعالى: (فاقرءوا ما تيسّر من القرآن) (المزمل: 20)، وتعيين الفاتحة ثابت بخبر الواحد، فمن جعل ذلك فرضا كان زائدا على النص، ومن قال يجب العمل به من غير أن يكون فرضا كان مُقرِّرا للثّابت بالنص على حاله وعاملا بالدليل الآخر بحسب مُوجَبِه."[31]

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أحد الباحثين المعاصرين[32] ذهب إلى أن قول الحنفية بقاعدة "الزيادة على النص نسخ" فرع عن تفريقهم بين الفرض والواجب، بمعنى أنه ثمرة من ثمرات ذلك القول. وهو رأي لا يشهد له ما هو موجود في كتب الحنفية، لأن مسألة "الزيادة على النص نسخ" أوسع من مسألة التفريق بين الفرض والواجب؛ ولذلك لا نجد ذكرا لمسألة التفريق بين الفرض والواجب عند الجصاص في حديثه عن مسألة "الزيادة على النص نسخ"،[33] وإنما نجد بداية ذكرها عند الدبوسي في كتابه تقويم الأدلة.[34] وأصل مسألة "الزيادة على النص نسخ" يعود إلى مسائل فقهية مثل: عقوبة التغريب للزاني غير المحصن، والقضاء بالشاهد واليمين، واشتراط النية لصحة الوضوء، وهي المسائل التي يذكرها المتقدمون لهذه القاعدة.[35]

هذا فضلا عن أن صريح كلام الأصوليين من الحنفية يدل على أن التفريق بين الفرض والواجب فرع عن القول بأن الزيادة على النص نسخ، وليس العكس. وما ذُكِر آنفا من كلام السرخسي يشير إلى ذلك. ومن بين أقوالهم الكثيرة التي تصرِّح بذلك قول البزدوي تعليلا لقاعدة الزيادة على النص نسخ: "ولهذا لم نجعل قراءة الفاتحة فرضا لأنه زيادة، ولم نجعل الطهارة في الطواف شرطا لأنه زيادة."[36] وقول عبد العزيز البخاري في شرحه لهذا الكلام: "أي ولأن الزيادة على النص نسخٌ، ونسخُ الكتاب بخبر الواحد لا يجوز، لم يجعل قراءة الفاتحة في الصلاة فرضا..."[37]

2- التمييز بين مراتب الأدلة

وهذا يتعلق بتقسيم الأدلة الشرعية إلى قطعية الثبوت، وهي القرآن الكريم والسنة المتواترة والإجماع، وظنية الثبوت، وهي أخبار الآحاد ومنها الخبر المشهور على اصطلاح الحنفية. فقد ذهب بعض الأصوليين من الحنفية إلى تعليل التفريق بين الفرض والواجب بكون ذلك من مقتضيات التفريق بين الأدلة، فالأدلة القطعية التي هي في أعلى مراتب الثبوت تثبت بها الفرائض التي هي أعلى مراتب اللزوم، أما الأدلة الظنية فتثبت بها الواجبات. ويرى السرخسي أن تسمية ما ثبت لزومُه بالدليل القطعي واجبا فيه حطٌّ لذلك الدليل عن رتبته، كما أن تسمية ما ثبت لزومُه بدليل ظني فرضا فيه رفع لذلك الدليل عن رتبته، وذلك غير لائق في رأيه. وفي ذلك يقول: "... وفي القول بفرضية ما ثبت بخبر الواحد رفع للدليل الذي فيه شُبهة عن درجته أو حطّ للدليل الذي لا شُبهة فيه عن درجته، وكل واحد منهما تقصير لا يجوز المصير إليه بعد الوقوف عليه بالتأمل."[38] ويقول ابن عابدين: "الأدلة السمعية أربع: الأولى: قطعي الثبوت والدلالة كنصوص القرآن المفسرة أو المحكمة والسنة المتواترة التي مفهومها قطعي. الثاني: قطعي الثبوت ظني الدلالة كالآية المؤولة. الثالث: عكسه كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي. الرابع: ظنيهما كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني. بالأول يثبت الفرض والحرام، والثاني والثالث الواجب وكراهة التحريم، وبالرابع السنّة والمستحب."[39] وهذه المسألة لا تنفصل عن أثر مسألة "الزيادة على النص نسخ" في التفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية، ولذلك نجد السرخسي ذكرهما معا في موضع واحد.

معيار التفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية

الظاهر أن مؤسِّسي المذهب الحنفي استعملوا مصطلحي (الفرض) و(الواجب) دون أن يُنقل عنهم تصريح بمعيار محدّد للتفريق بين هذين الوصفين. والظاهر أنه لا يوجد ما يدل على أنهم التزموا ذلك التفريق بناء على معيار محدَّد. وقد حاول علماء المذهب فيما بعد استخلاص معيار للتفريق بين الفرض والواجب فاختلفت عباراتهم في تحديد ذلك المعيار.

والنظر المتفحص في كتب أصول الحنفية يكشف عن شيء من التباين في تحديد معيار التفريق بين الفرض والواجب حسب الترتيب الزمني لأصحاب تلك الآراء.

فالجصاص (ت 370هـ) لا نجد في كلامه ذكرا لكون الفرض ما ثبت بدليل قطعي الثبوت، والواجب ما ثبت بدليل ظني الثبوت، وهو المعيار الشائع عند المتأخرين من الحنفية، بل يجعل معيار التفريق هو قوة اللزوم وقوة ثبوت الأثر. وقد تكلّم عن الفرض والوجوب ضمن أحكام السنّة النبوية، حيث يقول: "وأحكام السنّة على ثلاثة أنحاء: فرضٌ، وواجب، وندبٌ، وليس يكاد يُطلَق على المباح لفظ السنَّة... فأما الفرض فهو ما كان في أعلا[40] مراتب الإيجاب، والواجب دون الفرض"، ويقول: "إن الفرض هو ما كان في أعلا مراتب اللزوم والثبوت". وليس مراده بالثبوت السّند الذي رُويَ به دليل الوجوب، بل ثبوت أثره واستمراره، أي استقراره وعدم زواله. وذلك ظاهرٌ من تفريقه بين الفرض والواجب من ناحية اللغة بأن الفرض في الأصل هو الأثر الحاصل، أما الوجوب فهو مأخوذ من السقوط، والساقط في موضع قد يزول عنه دون تأثير فيه، فيقول: "فكان معنى الفرض أثْبتَ منه؛ لأن هناك أثرا لا يزول، والساقط في الموضع فقد زال عن الموضع من غير تأثير يحصل فيه، فلما كان الفرض في موضوع اللغة أثبت من الوجوب، كذلك كان حكمه في الشرع، فمن أجل ذلك قلنا: إن الفرض هو ما كان في أعلا مراتب اللزوم والثُّبوت."[41]

أما الدبوسي (ت 430هـ) فظاهر كلامه يدلّ على أن الفرض محصور في ما كان وجوبُه بالقرآن الكريم، حيث يقول: "فكانت الفريضة ما أوجبها اللهُ تعالى علينا، وقدَّرها وكتبها علينا في اللوح المحفوظ، ولهذا سُمِّيت مكتوبة ... فيدلّ الاسم على نهاية الوجوب من الأصل، فلا يُسمى بها إلا ما ثبت وجوبُه بطريق لا شبهة فيه، نحو أصْل الدين وفروعه من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فهُنَّ المكتوبات المثبَتَات بالكتاب والسنّة المتواترة والإجماع، وما سواها أتباع لها أو شروط". أما الواجب فيقول فيه: "والمراد به في باب الشرع ما ثبت لزومه بخبر الواحد الذي يوجب العمل دون العلم، فيكون كالمكتوبة في حق لزوم العمل به، والنافلة في حق الاعتقاد، حتى لا يجب تكفير جاحده ولا تضليله، فكأنه سُمِّي به لأنه يسقط على العبد عِلْمُه، ولم يثبت كتابة الله تعالى علينا إياه، وهو نحو العمرة وصدقة الفطر والأضحية وشبهها."[42]

وهذا الكلام فيه إشارة إلى أن اسم الفرض خاص بما فرضه القرآن الكريم، فالواجبات التي ورد بها القرآن الكريم هي وحدها التي ينطبق عليها أنها نزلت من اللوح المحفوظ، أما السنّة النبوية، سواء أكانت متواترة أو آحادا، فلم تنزل من اللوح المحفوظ، وإنما هي إلهام من الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. كما أن الإجماع الحاصل عن اجتهاد لا علاقة له باللوح المحفوظ؛ لأنه اجتهاد المجتهدين.

وقد يظن بعضٌ أن قول الدبوسي عن الفرائض: "... فهُنَّ المكتوبات المثبَتَات بالكتاب والسنّة المتواترة والإجماع" يُفهم منه أن الفرض قد يثبت بالسنّة المتواترة وحدها، أو بالإجماع لوحده. وربما كان ذلك الظن من أسباب توسُّع من جاء بعده من الحنفية في ما يثبت به الفرض؛ فجعلوه يثبت بالقرآن الكريم أو بالسنّة المتواترة أو بالإجماع. ولكن تدقيق النظر يرشدنا إلى أن الدبوسي لم يربط بين الكتاب والسنَّة المتواترة والإجماع بـ (أو) كما هو شأن المتأخرين، بل ربط بينها بالواو. وفائدة ذلك أنه لو ربط بينها بـ (أو) لكان كل واحد من الثلاثة يثبتُ به الفرض مستقلاًّ، أما الربط بينها بالواو فيظهر منه أن المراد أن الفرض هو ما ثبت بالقرآن الكريم وأكَّدته السنّة المتواترة وإجماع الأمة على أنه فرضٌ مكتوبٌ بنص القرآن الكريم. فتكون السنّة المتواترة والإجماع مؤكِّدات لكونه فرضا مكتوبا بالقرآن الكريم.

وقد يقول قائل إنه يحتمل أن يكون المراد بالواو هنا معنى (أو). والذي يرجّح المعنى الأول أن في كلامه تصريحا بكون الفرض ما كان في القرآن الكريم، حيث يقول: "... والمكتوبات معلومة بكتاب الله تعالى معدودة."[43] وإذا أخذنا في الاعتبار الخلاف في وجود سنَّة متواترة لفظًا في أحاديث الأحكام تُستنبط منها الفرائض،[44] فإنه يترجّح ُحمل مراده بالسنّة المتواترة على التواتر العملي الذي نُقلت به إلينا شعائر الدين التي فرضها القرآن الكريم كما طبَّقها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، نَقْل مئات الألوف عن مئات الألوف. ويكون المراد بقوله: (فهُنَّ المكتوبات المثبَتَات بالكتاب والسنّة المتواترة والإجماع) أنها المكتوبات التي فُرضِت بنص القرآن الكريم وتناقلتها الأمة بالتواتر العملي وأجمعت على وجوبها، وبذلك يكون استدلالُه متناسقا.
وبهذا يتبيّن أن كلام الدبوسي يؤول إلى القول بأن الفرض ما ثبت بالقرآن الكريم، بل هو صريح قوله في موضع من الكتاب، حيث يقول: "... والمكتوبات معلومة بكتاب الله تعالى معدودة."[45]

أما السرخسي (ت 490هـ) فإننا نجد (الواو) الرابطة بين الكتاب والسنة المتواترة والإجماع في كلام الدبوسي تحوّلت عنده إلى (أو) فيعرِّف الفرض بقوله: "اسم لمقدَّر شرعا لا يحتمل الزيادة والنقصان، وهو مقطوع به لكونه ثابتا بدليل موجب للعلم قطعا من الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع."[46] ومع أن السرخسي ربط بين الكتاب والسنة والإجماع بـ (أو) وهو ما يوحي بأن الفرضية قد تثبت بالقرآن، وقد تثبت بالسنة المتواترة، وقد تثبت بالإجماع، إلا أنه بعد ذلك بأسطر يقول: "ويُسمَّى مكتوبة أيضا؛ لأنها كُتِبت علينا في اللوح المحفوظ." وهي عبارة تومئ إلى أن الفرض ما ثبت بالقرآن أصلا؛ لأنه هو الذي أنزل من اللوح المحفوظ، أما ما يثبت بالسنّة المتواترة أو الإجماع لوحدهما دون أن يكون ثابتا قبل ذلك بالقرآن الكريم فلا ينبغي أن يسمى فرضا؛ لأنه لم ينزل من اللوح المحفوظ، ويؤيد ذلك الأمثلة التي ذكرها للفرض وهي الإيمان بالله تعالى والصلاة والزكاة والصوم والحج، فهي كلها ثابتة بالقرآن الكريم. وبذلك يكون استعماله رابط (أو) محلّ إشكال.

أما من حيث نوع القطعية فكلام السرخسي صريح في أن المعيار هو قطعية وظنية الثبوت، ولا يشير إلى قطعية الدلالة، حيث يقول: "ثبوت الحكم بحسب الدليل، ولا خلاف بيننا وبينه (يعني الشافعي) أن هذا التفاوت يتحقَّق في الدليل، فإن خبر الواحد لا يوجب علم اليقين لاحتمال الغلط من الراوي، وهو دليل موجبٌ للعمل بحُسن الظنّ بالراوي وتَرجُّح جانب الصدق بظهور عدالته، فثبت هذا القسم بحسب دليله، وهو أنه لا يكفر جاحده؛ لأن دليله لا يوجب علم اليقين، ويجب العمل به لأن دليله موجبٌ للعمل، ويضلَّل جاحدُه إذا لم يكن متأوِّلا، بل كان رادًّا لخبر الواحد، فإن كان متأوِّلا في ذلك مع القول بوجوب العمل بخبر الواحد فحينئذ لا يُضلَّل."[47]

أما البزدوي (ت 482هـ) فإنه عند تعريف الفرض والواجب وبيان أساس التفريق بينهما اقتصر على ذكر القطع والظن، دون تنصيص على السنّة المتواترة والإجماع؛ فذكر أن الفرض ما ثبت بدليل لا شُبهة فيه، أي ما كان قطعي الثبوت، والواجب ما ثبت بدليل فيه شبهة، أي ما كان ظني الثبوت، فيقول: "والفرائض في الشرع مُقدَّرة لا تحتمل زيادة ولا نقصانا، أي مقطوعة ثبتت بدليل لا شُبهة فيه، مثل الإيمان والصلاة والزكاة والحج، وسُمِّيت مكتوبة... وأما الواجب فإنما أخذ من الوجوب وهو السقوط ... ومعنى السقوط أنه ساقط عِلْمًا ... وهو في الشرع اسم لما لزمنا بدليل فيه شُبهة، مثل تعيين الفاتحة، وتعديل الأركان، والطهارة في الطواف، وصدقة الفطر، والأضحية، والوتر."[48] ولكنه يشير إلى السنّة المتواترة عند استدلاله على ضرورة التفريق بين الفرض والواجب، حيث يقول: "لأن الدلائل نوعان: ما لا شبهة فيه من الكتاب والسنّة وما فيه شبهة، وهذا أمر لا يُنْكَر."[49] ويقول في موضع آخر: "فمن ردّ خبر الواحد فقد ضلّ عن سواء السبيل، ومَن سوّاه بالكتاب والسنّة المتواترة فقد أخطأ في رفعه عن منزلته ووضع الأعلى عن منزلته."[50]

ولا نجد في كلام الدبوسي والبزدوي والسرخسي تصريحا باشتراط قطعية الدلالة إلى جانب قطعية الثبوت، ولكن بعض المتأخرين من علماء الحنفية حملوا عبارة انتفاء الشُّبهة الواردة في كلامهم على قطعية الثبوت وقطعية الدلالة معا. فنجد ابن أمير بادشاه يذكر شرط قطعية الدلالة، فيقول في شرحه على التحرير لابن الهمام: "(وأما هم) أي الحنفية فلاحظوا ذلك فقالوا (فإن ثبت الطلب الجازم بقطعي) مَتْنًا ودلالة من كتاب أو سنّة أو إجماع (فالافتراض) إن كان المطلوب غير كفٍّ (والتحريم) إن كان كفًّا، (أو) ثبت الطلب الجازم (بظني) دلالة من كتاب، أو دلالة أو ثبوت من سنّة أو إجماع (فالإيجاب) في غير الكفّ (وكراهة التحريم) في الكفّ".[51]

كما ذكر ذلك ابن نجيم في كتابه فتح الغفار بشرح المنار في تعليقه على قول صاحب الأصل: "ثبت بدليل لا شبهة فيه"، حيث قال معلِّقا: "وشبهةٌ نكرةٌ في سياق النفي فعمّت الشُّبهة ثبوتا ودلالة، فلا بد في دليل الفرض من قطعيتهما". وقال في التعليق على تعريف الواجب: "...بدليل ظني، أطْلَقَه فشمل خبر الواحد والمشهور والكتاب المأوَّل، وإنما قيَّده فخرُ الإسلام بالأوّل (أي خبر الواحد) لأن غالب الواجبات ثبتت به".[52]

إشكالات التفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية
ليس الإشكال في التفريق بين الفرض والواجب ناتجا عن مجرّد التفريق في الاصطلاح، فمجرد التفريق في الاصطلاح، خاصة في التفريعات الفقهية، سائغٌ وقد يكون له ما يُبرِّرُه، وهو على الأقل مسألة قابلة للخلاف السائغ. ولكن الإشكال في التفريق بين الفرض والواجب عند الحنفية يتعلق بالمعيار الذي وضعه المتأخرون منهم لذلك التفريق.

لو جُعِل معيار التفريق بين الفرض والواجب هو أن الفرض ما كان في أعلى مراتب اللزوم وثبوت الأثر، كما ذهب إليه الجصاص، لكان هذا المعيار قريبا من روح المسألة لأنها قائمة على التفريق على أساس قوة اللزوم والأثر، وهو تفريقٌ معهودٌ في الشريعة، ولكان المعيار قريبا من الاطراد وأقلّ عُرضة للإشكالات، وإن كان لا يسلم من الإشكال، خاصة في بيان حَدٍّ اللزوم الفاصل بين رتبة الفرض ورتبة الواجب؛ فهو بالتأكيد سيكون محلّ اختلاف لعدم وجود معيار موضوعي يحدده.

ولو جُعِل معيار التفريق بينهما هو أن ما وَجَب بنصوص القرآن الكريم يُسمى فرضا، وما ثبت وجوبُه بالأحاديث النبوية يكون واجبا، كما هو ظاهر كلام الدبوسي، لكان المعيار قريبا من الاطراد والسلامة من الإشكال.

أما معيار القطع والظن، الذي اختاره المتأخرون من الحنفية، فهو أكثر المعايير عُرضة للإشكال. وأبرز الإشكالات التي واجهها هذا المعيار ما يأتي:

الإشكال الأول
: عدم التزام علماء المذهب بهذا المعيار. وتعود بداية هذا الإشكال إلى مؤسِّس المذهب، حيث ورد عنه تسمية الوتر فرضا مع قولهم إن وجوبه ثابت بدليل ظني. وقد ذكروا عن أبي حنيفة رحمه الله في صلاة الوتر ثلاث روايات: رواية حماد بن زيد أنها فرض، ورواية يوسف بن خالد السمتي أنها واجب، ورواية نوح بن أبي مريم المروزي أنها سنّة. وكونها سنّة هو رأي أبي يوسف ومحمد.[53] وقد استمرّ عدم الاطراد في استعمال هذا المعيار بين علماء المذهب، حيث يعبِّرون عن بعض ما ثبت وجوبه بدليل ظني بالفرض، ومن ذلك ما ذكر الزركشي أنهم سموا قعدة التشهد الأخير في الصلاة فرضا، ومسح ربع الرأس فرضا، وجعلوا الوضوء من الفصد فرضا، والعُشر في الأقوات وفيما دون خمسة أوسق فرضا، وهي جميعها لا يتوفر فيها شرط القطع على الطريقة التي قالوا بها.[54] كما أنهم كثيرا ما يسمون ما ثبت بدليل قطعي واجبا. يقول ابن نجيم: "استعمال الفرض فيما ثبت بظني والواجب فيما ثبت بقطعي شائع مستفيض، كقولهم الوتر فرض، ويسمى فرضا عمليا، وكقولهم الصلاة واجبة والزكاة واجبة."[55]

وعدم الاطراد هذا مردّه إلى التداخل في المعنى بين الفرض والواجب، حيث يشتركان في معنى اللزوم والحَتْم، وهو الأساس الذي بُنِيَ عليه تقسيم الحكم التكليفي. وقد دفع هذا التداخل جمهور الأصوليين إلى عدم التفريق بينهما في الإطلاق في مجال الحكم التكليفي. أما علماء الحنفية فإنهم بسبب ما ورد في بعض الفروع الفقهية مما يفيد ظاهره التفريق بينهما فقد آثروا مسلك التأسيس للتفريق بينهما على المستوى النظري، وإن كانوا لم يتمكنوا من الالتزام الكامل بذلك التنظير على المستوى العملي.

ولحل هذا الإشكال قسّم بعض المتأخرين كلاًّ من الفرض والواجب إلى عَمَلي وعِلْمي، فقالوا: الفرض منه ما هو فرض عِلْما وعَمَلا، وهو ما سماه أئمة المذهب فرضا وكان ثابتا بدليل قطعي، ومنه ما هو فرض عَملا فقط، وهو ما سماه أئمة المذهب فرضا مع أنه ثابت بدليل ظني. والواجب منه ما هو واجب عِلْما وعَمَلا، وهو ما سمّاه أئمة المذهب واجبا وكان ثابتا بدليل ظني، ومنه ما هو واجب عِلْما لكنه فرض عَمَلا، وهو ما سماه أئمة المذهب فرضا مع كونه ثابتا بأخبار الآحاد.[56]
وبناء على ذلك أوّلوا الرواية الواردة عن أبي حنيفة في تسمية الوتر فرضا، بأنه فرض عملي، أي واجب. أما تسميَّتُه الوترَ سنّة فيعني أنه ثابت الوجوب بالسنّة.[57]
وحاصل هذا الكلام الإقرار بالتداخل في المعنى بين الفرض والواجب، وأن أحدهما قد يُستعمل بمعنى الآخر، وهذا يؤول إلى ما يقوله جمهور الأصوليين.

ولا يخفى أن تقسيم الفرض إلى عَمَلي وعِلْمي يتناقض مع تعريف الفرض؛ لأن الفرض –على رأيهم- لم يُسَمَّ فرضا إلا لكونه ثبت بدليل قطعي يفيد العلم ويجب الاعتقاد في ثبوته، كما نصّوا عليه وأكّدوه في كتبهم الأصولية، فإذا انتفت عنه صفة قطعية الثبوت لم يَعُد يَصْدق عليه اسم الفرض أصلا، فكيف يُسمى ما ثبت بدليل ظني فرضا عمليا؟ وإنما ذلك كقولك هذا قطعي ظني في آن واحد!

كما أن هذا التقسيم يخالف ما يذكره بعضهم من استواء الفرض والواجب في لزوم العمل، وأن الفرق في لزوم الاعتقاد فقط، فالبزدوي –مثلا- يقول: "وأما حكم الوجوب فلزومه عملا بمنزلة الفرض لا علما على اليقين لما في دليله"،[58] ويقول الدبوسي في بيان معنى الواجب: "والمراد به في باب الشرع ما ثبت لزومه بخبر الواحد الذي يوجب العمل دون العلم، فيكون كالمكتوبة في حق لزوم العمل به، والنافلة في حق الاعتقاد."[59] فهذا الكلام يقتضي أنه لا فرق بين الفرض والواجب في لزوم العمل، فهما بمنزلة واحدة في قوة اللزوم، والفرق فقط في اعتقاد الثبوت قطعا أو ظنا، وهو لزوم الاعتقاد بقطعية الثبوت.

الإشكال الثاني: وهو الإشكال الأكبر، وهو أنهم جعلوا لقطعية وظنية الثبوت تأثيرا في انجبار الفعل المختلّ وعدم انجباره. ويعود هذا الإشكال إلى ربط بعضهم (كما هو الحال عند البزدوي والسرخسي) بين قطعية وظنية الثبوت من جهة وبين انجبار الأحكام وعدم انجبارها، حيث ذهبوا إلى القول بأن الفرائض إذا فاتت يبطل بها العمل ولا تنجبر؛ لأنها ثبتت بدليل قطعي، أما الواجبات فإنها إذا فاتت تنجبر أو تسقط لأنها ثبتت بدليل ظني. ولو أنهم قالوا إن الفرائض أركان الشيء، وفواتُ الأركان يؤدي إلى فوات ذلك الشيء وبطلانه فلا يَنْجبر بجابر، أما الواجبات فهي أقلّ أهمية من الأركان وفواتها يؤدي إلى خلل ونقصان في الفعل مع تحقُّق ماهيّة ذلك الشيء، فلا يبطل بفواتها، وتَنْجبر إذا أمكن جَبْرُها أو تسقط إذا تعذّر ذلك، لكان الأمر واضحًا معهودا في أحكام الشرع. ولكن إحالة الانجبار وعدمه إلى قطعية وظنية الثبوت فيه نظر؛ إذ ليس من معهود الشريعة رَبْطُ أثر الفعل وأهميته بقطعية وظنية الثبوت، وقد بيَّن ذلك الشيخ محمد الخضري في قوله: "ولو كان هذا الفرق في التسمية فقط لعددناه خلافا لفظيا كما قال ابن السبكي في جمع الجوامع، ولكن الحنفية رتّبوا على ذلك آثارا فقهية، كما قالوا: إن ترك القراءة في الصلاة يُبطلها لأن الأمر بها أمر قرآني (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) (المزمل: 20)، وترك قراءة الفاتحة بعينها في الصلاة لا يُبطلها؛ لأن الأمر بها ثبت بخبر واحد، وهو يفيد الظن. والتفرقة بهذا الاعتبار غريبة؛ لأنه يترتب عليها أن يكون الفعل ذا حُكمين مختلفين بالنسبة لنا وللصحابي الذي روى الحديث، وبالنسبة لنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الصحابي الذي روى الحديث لا شكّ عنده في صحَّته لسماعه إياه من النبي صلى الله عليه وسلم، فالفعل بالنسبة إليه فرضٌ تبطل صلاته بتركه، وكذلك بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما بالنسبة لنا فهو واجبٌ لا تبطل الصلاة بتركه؛ لأن الخبر به لا يُفيدنا عِلْما بل ظنًّا، وأكثر من ذلك أن يكون مُخْتلِف الحُكم بالنسبة إلى الصحابة أنفسهم، فهو على بعضهم فرضٌ وعلى الآخرين واجب."[60]

وقد وجدت كلاما لكمال الدين بن الهمام الحنفي يلتزم فيه هذا الأمر، حيث ذكر فيه أن الواجب لم يكن موجودا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الأحكام كانت في زمانه صلى الله عليه وسلم إما لازمة وهي الفرائض والمحرمّات، أو غير لازمة، حيث يقول: "اللزوم مُلاحَظٌ باعتبارين: باعتبار صدوره من الشارع، وباعتبار ثبوته في حَقِّنَا، فملاحظته بالاعتبار الثَّاني إنْ كان طَريقُ ثُبُوته عَنْ الشَّارع قَطْعِيًّا كان مُتعلَّقُهُ الْفَرْض وَنَافى تَرْكُ مُقْتَضَاهُ الصِّحَّةَ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا كَانَ الْوُجُوب وَلَمْ يُنَافِهَا؛ لَا لاسْمِ الْوُجُوبِ، بَلْ لأَنَّ ثُبُوتَهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم لَيْسَ قَطْعِيًّا، فَإِنَّا لَوْ قَطَعْنَا بِهِ عَنْهُ نَافَى، ولذَا لا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ: أَعْنِي الْوَاجِب، فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَافَهَةً مَعَ قَطْعِيَّةِ دَلالَةِ الْمَسْمُوعِ، فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ إلاّ الْفَرْضُ الذي عَدَمُهُ مُنَافٍ للصِّحَّةِ أَوْ غَيْرِ اللازِمِ مِنْ السُّنَّةِ فَمَا بَعْدَهَا، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مُلاحَظَتَهُ بالاعْتِبَارِ الأوَّلِ لَيْسَ فِيهِ وُجُوبٌ بَل الفَرْضِيَّةُ أَوْ عَدَمُ اللزُومِ أَصْلا، وَالكَلامُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مُرِيدًا مَعْنَى ظَاهِرِهِ أو لا؟ فَلا يَكُونُ بِهَذَا الاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقُ الْخِطَابِ إلاّ الافْتِرَاضَ أَوْ عَدَمَ اللزُوم."[61]

وقد أشار ابن نجيم إلى كلام ابن الهمام دون تعقيب، حيث يقول: "وهذا القسم، أعني الواجب، لم يكن ثابتا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن خبر الواحد الذي مفهومُه قطعيٌّ ليس بظني في حقّ من سمعه من في النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره في فتح القدير من باب الإمامة."[62]

وحاصل هذا الكلام أن التكاليف على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في حق الصحابة الذين سمعوا منه صلى الله عليه وسلم إما لازمة، وهي الفرائض، أو غير لازمة، ويدخل فيها السُّنَن والنوافل والمباحات. ثم لَمّا تباعد الزمن عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبحت الشرائع اللازمة على مرتبتين: فرائض وواجبات، فالفرائض ما نُقل دليل وجوبه بالتواتر، والواجبات ما نُقل دليل وجوبه بغير التواتر. ويترتب على ذلك أن ما أصبح يُسمّى عندهم واجبا كان فواتُه عند الصحابة يُفسد العبادة من أصلها؛ لأنه كان فرضا ثابتا بدليل قطعي، وفواتُ القطعيّ يُفسد العمل من أصله، أما بعد زمن الصحابة فقد انحطّ عن مرتبة الفرضية إلى مرتبة الوجوب؛ لأن روايته لم تكن بطريق قطعي، ولم يعد يُفسد العمل من أصله. فترك الفاتحة وتعديل الأركان كان يُبطل الصلاة في زمن النبي والصحابة ولا ينجبر بجابر، وترك السعي بين الصفا والمروة كان يُبطل الحج في ذلك الوقت ولا ينجبر بجابر، وترك الطهارة في الطواف كان يُبطله في ذلك الوقت، أما في العصور التالية فقد أصبحت جميعها لا تُبطل العمل من أصله، بل ينجبر كل منها بجابر أو يسقط إذا تعذّر انجباره، لأنه صار مرويًّا بخبر الآحاد الذي يفيد مجرد ظنية الثبوت. ولا شكّ أن هذا أمر غريب.

الخاتمة
في ختام هذا البحث نسجل أهم نتائجه، وهي كالآتي:
أولا: لا نزاع بين جمهور الأصوليين والحنفية في أن الواجبات تتفاوت في الرتبة، كما أن التفريق بين مراتب الواجبات في الاصطلاح غير مقصور على الحنفية، بل يوجد شيء منه عند فقهاء المذاهب الأخرى وإن اختلفت تلك الاصطلاحات. وبناء على ذلك فإنه لا مانع في الأصل من إطلاق اصطلاح "الفرض" على بعض الواجبات واصطلاح "الواجب" على بعض، ولكن الإشكال يتعلق بمعيار التفريق، ومحاولة ضبط ما لا ينضبط أو يصعب انضباطه بضابط محدد، حيث ينتج عن ذلك اضطراب وإشكالات.

ثانيا:
الظاهر أن أئمة المذهب الحنفي والإمام أحمد لم يلتزموا في عباراتهم باطراد التفريق بين الفرض والواجب، وإن فرَّقوا بينهما أحيانا، بدليل الروايات المختلفة عنهم. وهم في ذلك مثل غيرهم من العلماء الأوائل الذين لم يكونوا يدقِّقون في هذه الاصطلاحات، وكثيرا ما كانوا يعبّرون عن الوجوب الذي ليس فيه نصّ صريح بعبارة "أحبّ ذلك" وما في معناها، ويعبّرون عن المحرم الذي ليس في حرمته نصّ صريح بالتحريم أو اختُلِف في تحريمه بعبارة الكراهة. وقد يؤدي حملُ عبارات أولئك العلماء على القوالب الاصطلاحية التي ضبطها المتأخرون إلى شيء من التكلُّف أو التعسُّف. ومما يدل على عدم التزام أولئك الأئمة بذلك التفريق وأنه لم يُرْوَ عنهم شيءٌ واضح في المسألة اختلافُ أتباعهم في معيار التفريق وحدوده، وهو ما يدل على أن المسألة من اجتهادات الأتباع وتخريجاتهم التي تحتمل الصواب وعدمه.

ثالثا: لقد تعددت محاولات علماء المذهب الحنفي لوضع معيار للتفريق بين الفرض والواجب، وكان أفضلها وأقربها إلى روح المسألة ما ذكره الجصاص؛ وهو أن ما كان في غاية القوة في اللزوم بحيث لا يسقط بالفوات ولا يَنْجَبِر فهو الفرض، وما كان لازما ولكن في مرتبة أقلّ، بحيث يسقط بفواته وينجبر بجابر فهو الواجب. أما معيار القطع والظن ففضلا عن أنه محلّ إشكال، فإن التحقيق فيه يوصل إلى القول بأن الفرض محصور فيما ثبت وجوبُه صراحة بنص القرآن الكريم، وهو ظاهر كلام الدبوسي حيث يقول عن الفرض: "فكانت الفريضة ما أوجبها الله تعالى علينا، وقدرها وكتبها علينا في اللوح المحفوظ". وتكون النتيجة أنه إن كان هناك معيار للتفريق بينهما من حيث القطع والظن، فيكون الفرض ما أوجبه القرآن الكريم بنص صريح، والواجب ما ثبت وجوبه بغير النص الصريح من القرآن الكريم.



[1] البحث منشور في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج18، ع3، جمادى الأولى 1425هـ، ص205-283.

[2] المستصفى، أبو حامد الغزالي، ج1، ص67.

[3] البحر المحيط، الزركشي، ج1، ص184.

[4] شرح مختصر الروضة، نجم الدين الطوفي، ج1، ص277.

[5] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص436.

[6] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص436.

[7] العدة في أصول الفقه، أبو يعلى الفراء، ج2، ص376-378.

[8] العدة في أصول الفقه، أبو يعلى الفراء، ج2، ص376.

[9] المسودة في أصول الفقه، آل تيمية، ص50.

[10] العدة في أصول الفقه، أبو يعلى الفراء، ج2، ص379-380.

[11] العدة في أصول الفقه، أبو يعلى الفراء، ج2، ص380.

[12] انظر: الواضح في أصول الفقه، ابن عقيل، ج3، ص163-172.

[13] الواضح في أصول الفقه، ابن عقيل، ج3، ص163.

[14] المسودة، آل تيمية، ص50.

[15] العدة في أصول الفقه، أبو يعلى الفراء، ج2، ص378.

[16] المسوَّدة، آل تيمية، ص50.

[17] شرح مختصر الروضة، نجم الدين الطوفي، ج1، ص277.

[18] الواضح في أصول الفقه، ابن عقيل، ج3، ص163.

[19] الفصول في الأصول، الجصاص، ج3، ص236.

[20] الفصول في الأصول، الجصاص، ج3، ص236.

[21] تقويم الأدلة، الدبوسي، ص77.

[22] تقويم الأدلة، الدبوسي، ص77.

[23] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص436-437.

[24] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص437-438.

[25] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص437.

[26] أصول السرخسي، السرخسي، ج1، ص112-113.

[27] جاء في لسان العرب: "وجبَ الشيءُ يجبُ وجوبا، أي لزم." وجاء فيه أيضا: "يقال: وجب الشيءُ يجبُ وجوبا إذا ثبت ولزم." لسان العرب، المجلد السادس، باب الواو، ص4766.

[28] انظر: لسان العرب، ابن منظور، باب الواو، ص4766 وما بعدها.

[29] التقريب والإرشاد (الصغير)، أبو بكر الباقلاني، ج1، ص295.

[30] انظر مثلا: الفصول في الأصول، الجصاص، ج2، ص278-284.

[31] أصول السرخسي، السرخسي، ج1، ص112-113.

[32] هو الدكتور ترحيب بن ربيعان الدوسري في بحث له بعنوان: الاختلاف في تباين وترادف الفرض والواجب – سببه، وثمرته، نشرته مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج18، ع3، 1425هـ، ص252 وما بعدها.

[33] الفصول في الأصول، الجصاص، ج2، ص278-284.

[34] تقويم الأدلة، الدبوسي، ص77.

[35] الفصول في الأصول، الجصاص، ج2، ص278-284.

[36] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج3، ص289-291.

[37] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج3، ص291.

[38] أصول السرخسي، السرخسي، ج1، ص112-113.

[39] حاشية ابن عابدين، ابن عابدين، ج1، ص207.

[40] هكذا وردت كلمة "أعلا" في نسخة الكتاب مرسومة بالألف الممدودة، والشائع رسمها بالألف المقصورة هكذا (أعلى).

[41] الفصول في الأصول، الجصاص، ج3، ص236.

[42] تقويم الأدلة، الدبوسي، ص77.

[43] تقويم الأدلة، الدبوسي، ص77.

[44] يرى أبو اليسر البزدوي الحنفي عدم وجود أحاديث متواترة في مجال الأحكام. ذكر ذلك في تعريف الخبر المتواتر، حيث يقول: "وهو إخبار قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب، عن قوم لا يتصور اتفاقهم على الكذب، هكذا يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيثبت ثبوتا لا تبقى فيه شبهة عدم الثبوت، ولكن مثل هذا الحديث لم يرد في الأحكام، وإنما ورد في غيرها." معرفة الحجج الشرعية، أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي، ص118.

[45] تقويم الأدلة، الدبوسي، ص77.

[46] أصول السرخسي، السرخسي، ج1، ص110.

[47] أصول السرخسي، السرخسي، ج1، ص112.

[48] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص437-438.

[49] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص441.

[50] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص442-443.

[51] تيسير التحرير، ابن أمير بادشاه، ج2، ص135.

[52] فتح الغفار بشرح المنار، ابن نجيم، ج2، ص69.

[53] بدائع الصنائع، الكاساني، ج2، ص221.

[54] البحر المحيط، الزركشي، ج1، ص183.

[55] فتح الغفار بشرح المنار، ابن نجيم، ج2، ص70.

[56] انظر: ما ذكره ابن عابدين في حاشيته، ج1، ص207-208.

[57] شرح فتح القدير، ابن الهمام، ج1، ص426.

[58] كشف الأسرار على أصول البزدوي، عبد العزيز البخاري، ج2، ص440.

[59] تقويم الأدلة، الدبوسي، ص77.

[60] أصول الفقه، الشيخ محمد الخضري، ص58.

[61] فتح القدير، ابن الهمام، ج1، ص347.

[62] فتح الغفار بشرح المنار، ابن نجيم، ج2، ص69.
 
التعديل الأخير:
أعلى