العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

(نُعْم، سِتِّ النِّعَم)

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
(نُعْم، سِتِّ النِّعَم)
[أثر التكوين النسوي في شخصية ابن حزم وابن تيمية]
أولا: سِتِّ النِّعَم:

  • سِتِّ النِّعَم: هذه أم ابن تيمية، وكان هذا الاسم شائعا في زمنه، وقبل ذلك بكثير، فمنهن: ست الملك (أخت الحاكم بأمر الله)، وست الشام (أخت صلاح الدين وكان لها من المحارم 35 ملكا)، وست العرب، وست العجم، وست الوزراء، وست القضاة، وست الكتبة، وست الملوك[1].
  • ولفظة: ست، قد مر علي أصلها، ونسيت! وكأنها اختصار للسيدة، أو أنها مضاف محذوف المضاف إليه: ست جهات، فيا أيها المتذكِّر، ذكِّر!
  • وسِتِّ النِّعم: هي بنت عبد الرحمن بن علي بن عبدوس الحرانية.
  • وقد عُمِّرت: فوق التسعين سنة، وكانت من الصالحات، ولدت سنة 625هـ. وهذا يعني أن عمرها حين ولدت ابن تيمية (36 سنة)، وتوفيت سنة 716هـ وعمر ابنها حينئذ (55 سنة)([2]).
  • ورزقت ست النعم: تسع بنين، ولم ترزق بنتا قط، إذن ليس لابن تيمية أخوات، ولم يدرك أمه في شبابها، وضع هاته المعلومة على بالك، فسيأتي لها مناسبة.
  • ولستِّ النِّعم قصتان مع ابنها أحمد[3]:
  • الأولى: في القرع المر، والأخرى: رسالته إليها وهو في سجنه بمصر.
  • أما القرع المر، فيقول في ذلك الصفدي: حُكيَ لي عنه أن والدته طبخت يوما قرعية، ولم تذقها أولا، فكانت مُرَّة، فلما ذاقتها تركتها على حالها، فطلع إليها، وقال: هل عندك ما آكل؟ قالت: لا، إلا أنني طبخت قرعا كان مرا، فقال: أين هو؟ فأرته المكان الذي فيه تلك القرعية، فأحضرها، وقعد، وأكلها إلى أن شبع، وما أنكر شيئا منها([4]).
وهذا يؤكد: صدق ما قاله الذهبي عنه، أنه كان فارغا من شهوة الأكل!

  • أما رسالته إلى أمه، فهي في الاعتذار عن تأخره عنها بمصر ، وهذا نصها:
من أحمد بن تيمية إلى الوالدة السعيدة أقر الله عينيها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه، سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته.
فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين وإمام المتقين محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة، ومنن كريمة، وآلاء جسيمة، نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله. ونعم الله كلما جاءت في نمو وازدياد، وأياديه جلت عن التعداد. وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية، متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا. ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم - ولله الحمد - ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرا واحدا، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يخير لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخيرة في خير وعافية. ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والرحمة والهداية والبركة ما لم يكن يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ونحن في كل وقت مهمومون بالسفر، مستخيرون الله سبحانه وتعالى. فلا يظن الظان أنا نؤثر على قربكم شيئا من أمور الدنيا قط. بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه. ولكن ثَم أمور كبار نخاف الضرر الخاص والعام من إهمالها. والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة؛ فإن الله يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سعادة ابن آدم استخارته الله ورضاه بما يقسم الله له ومن شقاوة ابن آدم: ترك استخارته الله وسخطه بما يقسم الله له»(
[5])، والتاجر يكون مسافرا، فيخاف ضياع بعض ماله، فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيه، وما نحن فيه أمر يجل عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كثيرا كثيرا، وعلى سائر من في البيت من الكبار والصغار، وسائر الجيران والأهل والأصحاب واحدا واحدا، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما([6]).


وقد نشأ ابن تيمية
: في أسرة علمية، في تصون تام، وعفاف، وتأله([7])، ولم يتزوج أو يتسرى[SUP]([SUP][8][/SUP][/SUP])، ولعل
هذا يؤكد ما قيل عنه أنه كان فارغا من شهوة الجماع[SUP]([SUP][9][/SUP][/SUP])، ولعله لا يدور في ذهنه كحاله مع الدرهم والدينار!



ثانيا: (نُعْم):
كان لابن حزم فيما خلا جارية اسمها "نُعْم"، وقد تكون هذه هي تلك الجارية شقراء الشعر، التي أحبها في صغره[10]، وقد ورث ابن حزم حب الشقروات من أبيه، فكان لا يستحسن سوداء الشعر ولو أنه على القمر!
وكان ابن حزم أشد الناس كلفا بجاريته نعم هذه، وأعظمهم لها حبا، وبلغ ذلك منه كل مبلغ، فهي حبيبته التي لا يشركها في حبه أحد، وقد ذابت كتاباته في أخبارها، وكانت أُمْنِيَةَ المُتـَمَنِّي، وغايةَ الُحسْنِ خَلْقًا وخُلقًا، وموافقةً له، وكانا قد تكافآ المودَّة.
يقول ابن حزم: وكنت أبا عُذْرها([11])، ففجعتني بها الأقدارُ، واخترمَتْها الليالي ومَرُّ النهار، وصارت ثالثةَ التراب والأحجار ... فلقد أقمتُ بعدها سبعةَ أشهر، لا أتجرَّدُ عن ثيابي، ولا تَفْتُرُ لي دمعةٌ على جُمودِ عيني، وقلةِ إسعادها.
وعلى ذلك فوالله ما سلوتُ حتى الآن، ولو قُبِلَ فداءٌ لفديتُها بكل ما أملِك مِنْ تالدٍ وطارفٍ، وببعض أعضاء جسمي العزيزة عليَّ مسارعًا طائعًا، وما طابَ لي عيشٌ بعدها، ولا نسيتُ ذكرها، ولا أَنِسْتُ بسواها، ولقد عَفَى حُبِّي لها على كل ما قبله، وحَرَّمَ ما كان بعده
([12]).
وكان طيف خيالها يزوره في منامه بعد موتها، وأنشد في ذلك:
أتى طيف نُعْم مضجعي بعد هدأة ... ولليل سلطان وظل ممدد
وعهدي بها تحت التراب مقيمة ... وجاءت كما قد كنت من قبل أعهد

فعدنا كما كنا وعاد زماننا ... كما قد عهدنا قبل والعود أحمد[13]
ومما قال فيها:
مهذبة بيضاء كالشمس إن بدت ... وسائر ربات الحجال نجوم
أطار هواها القلب عن مستقره ... فبعد وقوع ظل وهو يحوم

وكان رثاؤه لها، قطعة أدبية يطغى الحزن على جمالها:
كأني لم آنس بألفاظك التي ... على عقد الألباب هن نوافث
ولم أتحكم في الأماني كأنني ... لإفراط ما حكمت فيهن عابث

وتذكرها في قصيدة خاطب فيها ابن عمه الشاعر:
قفا فاسألا الأطلال أين قطينها ... أمرت عليها بالبلى الملون
على دارسات مقفرات عواطل ... كأن المغاني في الخفاء معاني
[14]

  • ابن حزم والنساء ما خلا "نُعْم":
  • تزوج ابن حزم وتسرى، وذاب في باب العشق والنظر، وأخباره في ذلك ضربٌ من الخيال، وقد حلَّق بعيدًا: في رسالته العذبة «طوق الحمامة في الأُلْفَة والأُلَّاف» وهو يقصُّ بعضَ مشاهداته المُبَكِّرة، وهي أشبه بنثر الأسرار، كقوله:
  • لقد شاهدتُ النِّساء: وعلمتُ مِنْ أَسْرَارهنِّ ما لا يكاد يَعْلمه غيري؛ لأني رُبِّيتُ في حُجُورهنَّ، ونشأتُ بين أيديهنَّ، ولم أعْرِف غَيرهنَّ، ولا جالستُ الرجال إلَّا وأنا في حَدِّ الشباب، وحين تبقَّل وجهي.
  • وهُنَّ: عَلَّمْنَني القرآن، وروَّينني كثيرًا مِنَ الأشعار، ودرَّبنني في الخط، ولم يكن وَكْدِي، وإعمالُ ذهني مذ أَوَّلَ فهمي وأنا في سِنِّ الطفولة جدًّا إلَّا تَعَرُّفَ أسبابهنَّ، والبحث عن أخبارِهنَّ، وتحصيلَ ذلك، وأنا لا أنسى شيئًا مما أراه منهنَّ، وأَصْلُ ذلك غَيْرَةٌ شديدةٌ طُبِعْتُ عليها، وسُوْءُ ظَنِّ في جهتهنَّ فُطِرتُ به، فأشرفتُ مِنْ أسبابهنَّ على غير قليل([15]).
  • وله تأملات خاصة فيهن: وأشاع شيئا كثيرا من دقيق أسرارهن: ينظر: منجنيق الغرب: (ابن حزم والنساء).
    [*=center]
    [*=center]
    [*=center]مقارنة بين ابن حزم وابن تيمية في باب النساء:
لم يحظ ابن حزم بأمه كما حظي ابن تيمية بأمه، وقد عمرت والدة ابن تيمية إلى قبل وفاته بنحو 12 سنة، أما ابن حزم فلا ذكر لأمه مع شغفه بذكر كل شيء بسبب أو بغير سبب، ولعلها ماتت في مرحلة مبكرة من عمره، وذكر بعض الباحثين أنها ربما كانت جارية فأغفل ذكرها.
وقد يقال: ربما كان يحتشم من ذكر النساء من محارمه، فهو لم يذكر أيضا شيئا عن أخواته، ولا عن بناته، وقد دل عنوان رسالة له وجود أخوات له وبنات.
ولعل هذا: من أسباب قسوته، فهو لم يرتضع من حنان أمه ما يسكن به آلام صدره، ويخفف من ثورة جنانه.
وهذا قد يفسر الفرق في نوع ومقدار الحدة بين الرجلين.
وقد عاش ابن حزم بين الجواري، وهن علمنه القرآن، وروينه الأشعار، ودربنه الخط، وكان مشغول الفكرة بأخبارهن، والتعرف على أسرارهن، وإن كان تحت النظر والمراقبة! بين رقباء ورقائب![SUP] ([SUP][16][/SUP][/SUP]) ولم يجالس الرجال إلى حين تبقل وجهه!
في حين أن ابن تيمية الذي لم يدرك أمه إلا وقد اكتهلت، لم يكن له من الأخوات ما يرقق بمصاحبتهن في صغره طبعه، فلم ترزق أمه بنتا، وكان لها تسع بنين، أحدهم أحمد، الذي ملأ الدنيا علما.
وقد ظهر هذا الاختلاف الجوهري في العلاقة بين النساء بين ابن حزم وابن تيمية، في جريان الكتابة العلمية، فكتابة ابن تيمية كتابة علمية محضة، وإن كانت في الدقة هي غاية النهاية، في حين أن كتابة ابن حزم تجري على طريقة أهل الأدب والإنشاء، فهو أديب الفقهاء، وإن كانت عبارته شديدة الحرارة! سريعة الانفجار!
وتبقى الإشارة: إلى هذا التشابه اللطيف في الاسم بين المرأة الوحيدة في عائلة ابن تيمية وهي أمه، فلم يرزق لا أخوات ولا بنات ولا زوجات ولا جواري، وكان اسمها: "ست النِّعم"، في حين أن التي خطفت فؤاد ابن حزم، وأسرته بين جوانحها هي: "نُعْم".
وكأن الست أضيفت في والدة ابن تيمية لكونها أمه، وكانت صالحة، وقد طال زمانها، وحُذِفت من اسم جارية ابن حزم دلالا لها.


[1]) ينظر: الأعلام للزركلي.
([2]) تاريخ ابن الوردي (2/ 256)، الوافي بالوفيات (7/ 11، 12)، البداية والنهاية (18/159)، وعنه الجامع لسيرة شيخ الإسلام (436، 510).
[3]) إذا ذُكِرَ الشخص مع أمه فليجرد من كل وصف ولو كان شيخ الإسلام، فهو في عينها أحمد اسما ووصفا.
([4]) الوافي بالوفيات (7/ 11، 12).
([5]) أخرجه (3/54 رقم 1444)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4/ 377 رقم1906)، والأرناؤوط في تحقيقه للمسند، وقال: إسناده ضعيف، محمد بن أبي حميد إبراهيم الأنصاري الزرقي متفق على ضعفه.
([6]) مجموع الفتاوى (28/ 48- 50)، العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ص: 273).
([7]) تاريخ ابن الوردي (2/ 276).
([8]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 508).
([9]) الدارس في تاريخ المدارس (1/ 58).
[10]) رسائل ابن حزم (1/55، 130).
([11]) أبو عُذْرها: يقال للرجل إذا افتضَّ الجاريةَ هو أبو عذرها. الصحاح في اللغة للجوهري (مادة: عذر)، «جمهرة الأمثال» لأبي الهلال العسكري (2/369)، «الفائق في غريب الحديث» (3/188)، «المزهر في علوم اللغة» (1/396).
([12]) «رسائل ابن حزم» (1/223).
[13]) «رسائل ابن حزم» (1/ 233).
[14]) «رسائل ابن حزم» (1/ 225).
([15]) «رسائل ابن حزم» (1/166).
([16]) رسائل ابن حزم (1/166).
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: (نُعْم، سِتِّ النِّعَم)

هل لابن تيمية أخوات من أبيه؟ هذا محتمل، ولم أقف على ما يثبت ذلك أو ينفي.
إذن المتيقن: أنه ليس له أخوات شقيقات، هذا ما يمكن الجزم به.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: (نُعْم، سِتِّ النِّعَم)

ابن الوزير، وابن الفقيه
(أثر التكوين الرجولي بين ابن حزم وابن تيمية)

الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/t21136#ixzz3iUdX64kz
 
أعلى