رد: شهدا زوراً على النكاح فأثبت القاضي النكاح والزوج يعلم أن الشهادة باطلة والنكاح صحيح؟؟؟
هو رأي للحنفية، وخالفهم فيه المالكية، وهذا بيان ذلك:
يقول القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: 338/2، في تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة: 188.
قال: [SUP]"[/SUP] من الأكل بالباطل أن يقضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل، فالحرام لا يصير حلالًا بقضاء القاضي؛ لأنه إنما يقضي بالظاهر، وهذا إجماع في الأموال، وإن كان عند أبي حنيفة قضاؤه ينفذ في الفروج باطنًا. وإذا كان قضاء القاضي لا يغير حكم الباطن في الأموال فهو في الفروج أولى".
أما عند المالكية: فإذا حكم الحاكم بما هو في الباطن على خلاف ما حكم به، لم ينفذ حكمه في الباطن ولم يتغير الشيء المحكوم فيه عما هو عليه بحكمه، كان ذلك في مال أو نكاح أو طلاق. فمن شهد عليه الشهود بالنكاح أو بالطلاق، وقضى القاضي عليه بذلك لزمه؛ لأن القاضي ليس له إلا عدالة الشهود، فمتى كانوا عدولًا حكم على المشهود عليه، ويبقى حكمه ساريًا في الظاهر فقط دون أن يغير من حقيقة الباطن شيئًا.
وصاغ المالكية لذلك الكلية الفقهية التالية:
"كل من شهد عليه بالنكاح أو بالطلاق، وقضى القاضي عليه بذلك، لم يمكنه الامتناع منه، ولزم الحكم بشهادة الشهود عليه، وكانت فرقته في الظاهر فرقة عامة".
يقول القاضي عبد الوهاب في الإشراف: 963/2. "دليلنا قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النساء: 24، فحرم المحصنة، وهي ذات الزوج، وعند المخالف- أي الحنفية- أنها تحل متى حكم الحاكم بشهادة زور أنها قد طلقت، أو بأن يقيم شهادة زور بتزويجه إياها، وقوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا) البقرة: 230، وعندهم أنها تحل له أن يراجع نكاحها وإن لم يطلقها إذا حكم الحاكم بشاهدي زور أنه طلقها، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: (إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)، وهذا صريح في أن حكمه بما ليس بجائز للمحكوم له لا يحلّه له، ولأنه حكم بسبب غير صحيح في الباطن، فلم ينفذ الحكم به في الباطن كادعاء زوجية ذات المحارم، ولأنه حكم بشهادة زور فلم ينفذ في الباطن كالمال، ولأن كل شاهدين لو علم الحاكم بحالهما لم يجز له الحكم بشهادتهما، فإذا حكم بهما مع الجهل بحالهما لم ينفذ حكمه في الباطن، كالكافرين والعبدين ".
والله أعلى أعلم.