محمد بن رضا السعيد
:: مشرف ::
- إنضم
- 23 يناير 2013
- المشاركات
- 2,609
- الإقامة
- ميت غمر
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عبدالرحمن
- التخصص
- عقيدة
- الدولة
- مصر
- المدينة
- ميتغمر
- المذهب الفقهي
- شافعي
[h=2]الحمد لله وبعد :
[/h][h=2]أضرار الجموح العاطفي ونماذج له[/h]
نعود إلى العلامة أبي بكر الأصبهاني لنقرأ ما ذكره عن أضرار العشق في الروح والبدن: "وقال بعض المتطببين: إن العشق طمع يتولد في القلب، وتجتمع إليه مواد من الحرص، فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج، وشدة القلق وكثرة الشهوة، وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء، والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء، ومن طغيان السوداء فساد الفكر، ومع فساد الفكر تكون العدامة ونقصان العقل، ورجاء ما لا يكون وتمني ما لا يتم، حتى يؤدي ذلك إلى الجنون، فحينئذٍ ربما قتل العاشق نفسه، وربما مات غماً، وربما نظر إلى معشوقه فيموت فرحاً أو أسفاً، وربما شهق شهقة فتختفي فيها روحه أربعاً وعشرين ساعة، فيظنون أنه قد مات؛ فيقبرونه وهو حي! وربما تنفس الصعداء فيختنق نفسه في تامور[1] قلبه، وينضم عليها القلب فلا ينفرج حتى يموت، وربما ارتاح وتشوق للنظر، أو رأى من يحبه فجأة؛ فتخرج نفسه فجأة دفعة واحدة، وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب ويستحيل لونه، وإن كان الأمر يجري على ما ذكر؛ فإن زوال المكروه عمن هذه حاله لا سبيل إليه بتدبير الآدميين[2]، ولا شفاء له إلا بلطفٍ يقع له من رب العالمين"[3]. فإذا كان الاختلاط من أكبر الأسباب لإشاعة الحب الحرام، والعشق بين الجنسين، وإذا كان من آثار هذا العشق أن يموت العاشق كمداً وحزناً، وأن يُصاب صاحبه بالسكتة القلبية فيدفن وهو حي! فأية مهلكة هذه التي يُدفع إليها الأبناء في جو الاختلاط؟! أما والله إن الاختلاط سبيل الشيطان، وهو وأد خفي لطاقات الشباب، وأداة من أدوات الجريمة التي تهدم المجتمعات، وتفكك الأسر، ورحم الله ابن قيم الجوزية، الذي قال عن مرض العشق: "هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض، في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم؛ عز على الأطباء دواؤه، وأعيا العليل داؤه"[4]. نماذج للجموح العاطفي: من المعلوم أن جو الاختلاط يساعد على نمو وتوهج العلاقات العاطفية بين الجنسين، مما قد يولد حالة العشق، وقد تكون من الآثار النفسية للعشق: مشاعر الإلحاد بالله سبحانه!، أو الشرك به، أو صرف العبادة لغيره سبحانه، فالعاشق غارق في محبة معشوقه، والعشق يقود إلى الطاعة، وكلما زادت حدته زاد معه التذلل والخضوع، وربما بلغ هذا العشق حد العبادة والاستغراق، فيكون المعشوق سبباً لفساد دنيا عاشقه وآخرته، وقد ذكر ابن عبد ربه القصة الآتية: "قال علي بن الجهم: خرجت علينا جارية خالصة، كأنها خوط بان، وهي تميس في رقة، وعلى طرتها مكتوب بالغالية، وكانت من مجان أهل بغداد مع علمها بالغناء[5]:
وقد يتأول بعض الناس مثل هذه الأشعار، وأنها ضرب من الغلو والإغراق... إلا أن هنالك أشعاراً تفوح ضلالاً، مثل أشعار أدونيس الذي يقول داعياً للإلحاد بالخالق العظيم: "من هنا كان بناء عالم جديد يقتضي قتل الله نفسه، مبدأ العالم القديم، بتعبيرٍ آخر: لا يمكن الارتفاع إلى مستوى الله، إلا بأن نهدم صورة العالم الراهن، وقتل الله نفسه هو مبدأ هذه الصورة"[6]، وقد أطلق هذا المتطرف من صنعاء دعوة لمصالحة إسرائيل، وفي خلفيته تسجيل موقف للحصول من اليهود على دعم له لنيل جائزة نوبل للآداب المشبوهة كما ذكرت مجلة التضامن[7]. ... فمثل هذه الأشعار تبين مدى جموح أصحابها وانحرافهم العقدي والنفسي، والدافع الأول في انحراف هؤلاء وأمثالهم هو الجنس!، فهناك نفوس لا تهدأ غرائزها، وتريد التغيير دائماً، وتعشق كل جديد، وهي باسم العشق تحرق العشق!، وهل يعرف العشق من يقول[8]: إن تذهبي لن تسقط الدنيا، ولن تنسد أبواب السماء إن الكواكب كثيرة جداً وحبُّ الصيف يمحو عادةً... حبَّ الشتاء لقد تاه هؤلاء وأمثالهم في جو الفتنة الذي عاشوه في الحل والترحال، وكل من يعيش في أجواء الاختلاط، ويحبذها، ويفتن بها، فقد يتعرض لما تعرضوا له، وقد يصل به الأمر إلى العشق والتحلل والإباحية، فينسى ربه، ويهلك نفسه، وتتحكم فيه غرائزه، ويصبح عبداً لهواه، والسبب الأول في هذه الكوارث كلها هو جو الاختلاط!.
[1] التامور، والتأمور: الوعاء والنفس، والقلب، والدم... انظر: المعجم الوسيط، مادة (أمر).
[2] جعل الله لكل داء دواء، وفي العصر الحديث تقدمت البحوث النفسية، وتم اكتشاف أدوية فعالة لمعالجة الحالات النفسية الصعبة، إلا أن بعض هذه الأدوية قد تورث الإدمان، وقد يعود إليها المريض بعد شفائه، ما لم تكن له إرادة قوية وعون من الله عز وجل، وينبغي أن يركز المعالج على عبورية الحياة ونسبية الأشياء وسلبيات العشق وعيوب المعشوق، وأن في الآخرة ما هو أكمل وأعظم مما في الدنيا، وذلك حتى يساعد العاشق على التخلص من الوهم الذي يعيش فيه، وقد قيل: عين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولو أن العاشق كانت لديه شيء من الواقعية لاعتدل نفسياً، والغرام ومستتبعاته إذا تجاوز الحد المقبول صار مرضاً نفسياً يحتاج علاجاً، والاعتدال أفضل الأشياء في مواقف الإنسان، فلا ينبغي أن ينساق وراء العاطفة انسياقاً أعمى، وذلك حرصاً على كينونته وإنسانيته ومستقبله.!
[3] الزهرة، (1/ 56).
[4] الطب النبوي، ص (294).
[5] العقد الفريد، (8/ 117).
[6] نحو أدب إسلامي، بحث قضايا حول الشعر العربي، للميداني، ص (87).
[7] في عددها (328)، الصادر في 4 تموز، 1988م، ص (39).
[8] أشعار خارجة على القانون، ص 119.
[/h][h=2]أضرار الجموح العاطفي ونماذج له[/h]
نعود إلى العلامة أبي بكر الأصبهاني لنقرأ ما ذكره عن أضرار العشق في الروح والبدن: "وقال بعض المتطببين: إن العشق طمع يتولد في القلب، وتجتمع إليه مواد من الحرص، فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج، وشدة القلق وكثرة الشهوة، وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء، والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء، ومن طغيان السوداء فساد الفكر، ومع فساد الفكر تكون العدامة ونقصان العقل، ورجاء ما لا يكون وتمني ما لا يتم، حتى يؤدي ذلك إلى الجنون، فحينئذٍ ربما قتل العاشق نفسه، وربما مات غماً، وربما نظر إلى معشوقه فيموت فرحاً أو أسفاً، وربما شهق شهقة فتختفي فيها روحه أربعاً وعشرين ساعة، فيظنون أنه قد مات؛ فيقبرونه وهو حي! وربما تنفس الصعداء فيختنق نفسه في تامور[1] قلبه، وينضم عليها القلب فلا ينفرج حتى يموت، وربما ارتاح وتشوق للنظر، أو رأى من يحبه فجأة؛ فتخرج نفسه فجأة دفعة واحدة، وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب ويستحيل لونه، وإن كان الأمر يجري على ما ذكر؛ فإن زوال المكروه عمن هذه حاله لا سبيل إليه بتدبير الآدميين[2]، ولا شفاء له إلا بلطفٍ يقع له من رب العالمين"[3]. فإذا كان الاختلاط من أكبر الأسباب لإشاعة الحب الحرام، والعشق بين الجنسين، وإذا كان من آثار هذا العشق أن يموت العاشق كمداً وحزناً، وأن يُصاب صاحبه بالسكتة القلبية فيدفن وهو حي! فأية مهلكة هذه التي يُدفع إليها الأبناء في جو الاختلاط؟! أما والله إن الاختلاط سبيل الشيطان، وهو وأد خفي لطاقات الشباب، وأداة من أدوات الجريمة التي تهدم المجتمعات، وتفكك الأسر، ورحم الله ابن قيم الجوزية، الذي قال عن مرض العشق: "هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض، في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم؛ عز على الأطباء دواؤه، وأعيا العليل داؤه"[4]. نماذج للجموح العاطفي: من المعلوم أن جو الاختلاط يساعد على نمو وتوهج العلاقات العاطفية بين الجنسين، مما قد يولد حالة العشق، وقد تكون من الآثار النفسية للعشق: مشاعر الإلحاد بالله سبحانه!، أو الشرك به، أو صرف العبادة لغيره سبحانه، فالعاشق غارق في محبة معشوقه، والعشق يقود إلى الطاعة، وكلما زادت حدته زاد معه التذلل والخضوع، وربما بلغ هذا العشق حد العبادة والاستغراق، فيكون المعشوق سبباً لفساد دنيا عاشقه وآخرته، وقد ذكر ابن عبد ربه القصة الآتية: "قال علي بن الجهم: خرجت علينا جارية خالصة، كأنها خوط بان، وهي تميس في رقة، وعلى طرتها مكتوب بالغالية، وكانت من مجان أهل بغداد مع علمها بالغناء[5]:
يا هلالاً من القصور تجلى
![]() صام طرفي لمقلتيك وصلّى ![]() لست أدري أطال ليلي أم لا
![]() كيف يدري بذاك من يتقلى ![]() لو تفرغت لاستطالة ليلي
![]() ولرعي النجوم كنت محلا ![]() |
[1] التامور، والتأمور: الوعاء والنفس، والقلب، والدم... انظر: المعجم الوسيط، مادة (أمر).
[2] جعل الله لكل داء دواء، وفي العصر الحديث تقدمت البحوث النفسية، وتم اكتشاف أدوية فعالة لمعالجة الحالات النفسية الصعبة، إلا أن بعض هذه الأدوية قد تورث الإدمان، وقد يعود إليها المريض بعد شفائه، ما لم تكن له إرادة قوية وعون من الله عز وجل، وينبغي أن يركز المعالج على عبورية الحياة ونسبية الأشياء وسلبيات العشق وعيوب المعشوق، وأن في الآخرة ما هو أكمل وأعظم مما في الدنيا، وذلك حتى يساعد العاشق على التخلص من الوهم الذي يعيش فيه، وقد قيل: عين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولو أن العاشق كانت لديه شيء من الواقعية لاعتدل نفسياً، والغرام ومستتبعاته إذا تجاوز الحد المقبول صار مرضاً نفسياً يحتاج علاجاً، والاعتدال أفضل الأشياء في مواقف الإنسان، فلا ينبغي أن ينساق وراء العاطفة انسياقاً أعمى، وذلك حرصاً على كينونته وإنسانيته ومستقبله.!
[3] الزهرة، (1/ 56).
[4] الطب النبوي، ص (294).
[5] العقد الفريد، (8/ 117).
[6] نحو أدب إسلامي، بحث قضايا حول الشعر العربي، للميداني، ص (87).
[7] في عددها (328)، الصادر في 4 تموز، 1988م، ص (39).
[8] أشعار خارجة على القانون، ص 119.