العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ما هو موقف الإسلام من زواج المسلمة بغير المسلم؟

رشيد لزهاري حفوضة

:: مطـًـلع ::
إنضم
8 يناير 2012
المشاركات
103
الإقامة
الوادي/ الجزائر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد البر
التخصص
ماستر دراسات قرآنية و آداب إسلامية
الدولة
الجزائر
المدينة
الوادي
المذهب الفقهي
مالكي
ما هو موقف الإسلام من زواج المسلمة بغير المسلم؟
هاته القضية ما كان لها أن تطرح من طرف كاتب أو باحث لكونها من المسلمات أو المعلوم من الدين بالضرورة لكن صدور مرسوم رئاسي في تونس في الموضوع يخالف النصوص القطعية من القرآن و السنة و صدور كتابات أو تصريحات من طرف محسوبين على العلم الشرعي أو الحركة الاسلامية ربما تدعو إلى الصمت أو هي تبرر القرار و لو من طرف خفيّ كما حدث في مقال الدكتورة "يسرى الغنوشي" في موقع "عربي 21" التي قالت في الفقرة الأخيرة منه :
"وأنها تتطلب نقاشا علميا هادئاً بعيداً عن التوظيف السياسي من جهة وتقاذف التهم،وحتى الإخراج من الملة والتكفير من الأخرى" فهذه دعوة منها إلى تحري الحق أو الصواب في الموضوع بالطرق العلمية و هذا جميل لكن قولها بعد ذلك :
" فمن يطلع على النصوص اطلاعاً دقيقاً يدرك أن ما قد يبدو بسيطاً في الحقيقة أبعدُ ما يكون عن الوضوح والقطعية."
فيفهم بأنها إما متخندقة مع القرار و إما أنها تبرّر لمن اتخذه بأن ما رآه وجهة نظر تحتملها النصوص ... فكيف تصف الآيات الواضحات بالبعد عن الوضوح و القطعية ؟!
و سنعرض النصوص الواردة في الموضوع و ننظر فيها لنرى إن كانت كما زعمتْ.
الأوّل-: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )البقرة/221.
و قد صدقت حين قالت بأن هاته الآية و آية الممتحنة تشملان الرجلَ و المرأةَ معًا في الحكم.
الثاني- : (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ( النور/3.
فآية البقرة تحرّم على المؤمن الزواج من مشركة حتى تؤمن كما تحرّم على المؤمنة الزواج من مشرك حتى يؤمن و لو حصل إعجاب و قبول كل منهما بأوصاف الطرف الآخر ما دام أحد الطرفين مشركًا ثم علل سبحانه بأن المشركين(رجالاً و نساءً) يدعون إلى النار بخلاف المؤمنين...
فهاته الآية واضحة لا غموض فيها....
و أما آية النور فزيادة عن الجانب الديني الذي عللت به آية البقرة (يدعون إلى النار) ذكرت علة أخرى و هي عدم العفّة و الطهارة أو استباحة الزنى ...
فالرجل الزاني و لو كان مؤمنًا لا ترغب في الزواج منه إلا زانية مثله أو مشركة لا تهمها العفة و لا الطهارة...
و المرأة الزانية و لو كانت مؤمنةً لا يرغب في الزواج منها إلا زانٍ مثلها أو مشرك لا تهمه العفة و لا الطهارة...
و لا تعني الآية إباحة زواج الرجل المؤمن الزاني من مشركة و لا زواج المؤمنة الزانية من مشرك فقد عقّب سبحانه على ذلك بقوله: "و حرّم ذلك على المؤمنين" و لأن آية البقرة بيّنت ذلك و المقصود بالزاني و الزانية ليس من أخطأ فقد بيّنتْ السنة جواز نكاح من تاب من الزنى و لكن من اعتاده حتى صار وصفًا له و لم يتب منه فهذا المقصود بالآية.
الثالث- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا غ? ذَظ°لِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الممتحنة/10.
و هاته الآية قد بيّنتْ بوضوح أن المؤمنة لا تحل لكافر أي لا يجوز استمرارها في الزوجية مع زوجها الكافر ما لم يسلم مثلها ) لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) و بيّنتْ كذلك أن المؤمن لا يجوز له أن يتمسّك بزوجته التي رفضتْ أن تسلم مثله) وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)...
و ليس هناك أدنى لبْس في المعنى ...ثم الآية تتحدث عن استمرار الزوجية و عدم استمرارها و بالتالي فزواج مسلمةٍ من كافرٍ ابتداءً أمرٌ محرّمٌ من باب أولى و هذا أمر متيقّن لا يحتمل التشكيك و لا وجهات النظر...
و في السنة حديث زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت متزوجة من أبي العاص بن الربيع في الجاهلية ، فلما أسلمت : فسخ النكاح بينهما ، ولحقت بأبيها صلى الله عليه وسلم ، فلما أسلم ( زوجها ) : ردَّها النبي صلى الله عليه وسلم إليه .
رواه الترمذي ( 1143 ) وأبو داود ( 2240 ) وابن ماجه ( 2009)
وصححه الإمام أحمد ( 1879 ) ، وقال الترمذي : ليس بإسناده بأس .
قال الترمذي :والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها وهي في العدة أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحق . " سنن الترمذي " ( حديث 1142)
الرابع- ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )المائدة/5.
فهاته الآية تبيح للرجل المسلم نكاح المسلمة و كذا نكاح الكتابية بشرط :
- أن تكون محصنة أي عفيفة غير معروفة بممارسة الفاحشة.
- أن يكون عن طريق زواج صحيح يُقدم فيه مهرٌ للمرأة بقصد الزواج لا البغي و السفاح.
- أن لا يكون ذلك عن طريق اتخاذ صديقات(أخدان) يُعاشَرن من غير عقد شرعي.
قال تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) و قال العلامة بن عاشور -رحمه الله-:"وجملة (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) معترضة بين الجمل. والمقصود التنبيه على أنّ إباحة تزوّج نساء أهل الكتاب لا يقتضي تزكية لحالهم ، ولكن ذلك تيسير على المسلمين ". ثم قال:" والمراد التحذير من الارتداد عن الإيمان ، والترغيبُ في الدخول فيه كذلك"/التحرير و التنوير.
و تساؤل الكاتبة عن تشدد عامة المسلمين في منع المسلمة من الزواج من غير المسلم في حين هم يتساهلون في شروط الكتابية التي تجوز للمسلم لا محل له في مجال العلم و البحث و ما ذكرته لا يعتبر مبرراً لإباحة ما حرّم الله تعالى...
و لقد قام العلماء بدورهم و بيّنوا للناس أنه لا يجوز نكاح ملحدة و لا غير عفيفة أي(أن تكون مؤمنة ومحصنة) كما قالت الكاتبة.
و يجب على المشرّعين معالجة ذلك بقوانين ضابطة لا أن نتخلى عن حكم شرعي بسبب اتباع بعض الناس لأهوائهم.
و أما زعمها بأن الفقه – والتطبيق الواقعي – قد أجمع على تحريم الزواج بين المسلمة وغير المسلم تحريما قطعيا، في حين اتسع مفهوم "الكتابية" أحيانا ليشمل الهندوس والمجوس… فكلام لا دليل عليه. و لو قال به قائل فهو مردود عليه لقوله تعالى:" وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ"
ثم ذهبت إلى أنه ليس ثم دليل قطعي على حرمة زواج مسلمة من كتابي و هذا ما جعل العلماء يستدلون بأدلة عقلية ...و هي ههنا تخلط ما بين الاستدلال لحكم الشرع و بين تعليله و بيان حكمته لأنه قد يتبادر التساؤل إلى الذهن لمَ أبيح للمسلم الزواج من كتابية و لمْ يُبَح للمسلمة الزواج من كتابي ؟ !و ههنا يقال مثل ما ذكرته الكاتبة :" انعدام الكفاءة بين المسلمة وغير المسلم، أو حرمة إسداء "سلطة" أو "ولاية" لمسلم على غير مسلم، أو على مبدأ "المصلحة" – إمكانية منع غير المسلم زوجته المسلمة من ممارسة شعائر دينها أو التأثير عليها لتغيير دينها، وتلافيا لاتباع الأبناء لدين أبيهم."
و زعمها أخيرًا أن هاته الأدلة :" يرى البعض أنها مبنية على مفاهيم غير ثابتة، وإنما تتغير حسب الزمان والمكان، ولا تنطبق على كل فرد وكل حالة".
فهلّا ذكرتْ لنا من هؤلاء البعض الذين زعموا .... و قد أوضحنا بأن دلالات الآيات قطعية و لا تختلف بحسب الزمان و المكان و الحال كما زعمتْ. فمن يقول بجواز أن تتزوج مسلمة من كافر؟!
و من باب الاستدلال المقلوب للتلبيس على القارئ تطرقت إلى قضية أخرى لا تتعلق بزواج المسلمة من كافر بل بزواج المسلم من كتابية فقالت:" وهذا التغيير معترف به حتى من العلماء غير المعاصرين الذين اعتبروا زواج المسلم من الكتابية مكروها خارج دار الإسلام". و الحق أن هذا موضوع آخر فهو إما يتعلق بقول عبد الله بن عمر الذي رأى أن الكتابية مشركة فلا تباح للمسلم و القرآن يرد عليه و الإجماع .و إما يتعلق بجواز تقييد الإمام أو الحاكم للمباح كتحديد المهر حتى لا يتغالى فيه الناس أو النهي عن بيع سلعة معينة خارج حدود البلد لنظر اقتصادي أو المنع من نكاح الكتابيات حتى لا يزهد الناس في الزواج من المسلمات كما فعل عمر رضي الله عنه و كما ذكرتْ كراهة زواج مسلم من كتابية خارج دار الاسلام فهاته قضايا فيها أخذ و رد و لا تمت إلى موضوعنا بِصِلة ...
و في الأخير أقول إن القرآن الكريم و السنة و الإجماع على حرمة زواج المسلمة من كافر سواء كان كتابيًّا أو مشركًا و ما دبّجت من أجله الدكتورة يسرى الغنّوشي مقالتها هو البحث عن ثغرة تلج منها إلى إباحة زواج المسلمة من كافر كما قرر ذلك الرئيس "قايد السبسي" في تونس و لكننا لم نجد و لا ثغرة واحدة تصلح لتبرير هذا القرار الذي لم يصدر مثله حتى أيام بورقيبة حين كانت "تونس" في أوج علمانيتها ...و لو أن الكاتبة دعت إلى الصمت عن تناول الموضوع لقصد سياسي خشية أن يؤدي ذلك إلى مشكلات ربما التمسنا لها عذرًا و قلنا: سياسة ...
لكن أن تلوي أعناق النصوص و تزعم أنها غير قطعية و تتمسك بقيل و بعض و ربما فهذا أمر لا يسكت عنه و ينبغي لها أن تعتذر عن ابتذالها لنصوص القرآن و تلاعبها بها سامحها الله.
و الله أعلم
أ. رشيد حفوظة
 
التعديل الأخير:
أعلى