العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

محمد القرآن هو محمد السُّنة (صلى الله عليه وسلم ) -بحث للدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد

إنضم
15 يناير 2018
المشاركات
12
التخصص
فقه مقارن
المدينة
حضرموت
المذهب الفقهي
الشافعي


محمَّد القُرآن هو محمد السُّنة
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم


بقلم
الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد
كبير مفتين بدبي - مدير إدارة الإفتاء ، عضو هيئة كبار العلماء، عضو حكماء المسلمين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .​
وبعد :

فما كنت أظن أن يكون رجل يدعي أنه مثقف يتكلم باسم القرآن والسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجهل أبجدية ما يريد أن يتحدث عنه، وقد كان من واجبه أن يعرف أن الناس سيعدونه مفتريا ينادى على نفسه بأقذع صفات الغباء، وذلك حينما كتب مقالا بعنوان " على المسلمين الاختيار إما محمد السنة أو محمد القرآن" ونشره موقع تلفزيون الحرة !![1]

وما درى المسكين أن القرآن والسنة يخرجان من مشكاة واحدة، وهو الوحي الإلهي، الذي قال الله عنه : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] ، وأن السنة أحد الوحيين، وأن السنة شارحة للقرآن ومبينة له، كما قال سبحانه : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] .

وما يدري أيضا أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أوتي القرآن ومثله معه، كما أخبر عن نفسه ليرد على مفتر كهذا فقال صلى الله عليه وسلم: " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه " .

وقد ساق هذا الكاتب الأفاك آيات كثيرة يظن بغباء أنها تتعارض مع السنة؛ كأنه لم يقرأ في القرآن الكريم {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

أو قوله سبحانه {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء: 80] .
أو قوله جل شأنه {وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132].
أو قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، في اثني عشر ة آية بهذا المعنى .

فلو كان يحسن القراءة لما استساغ أن يلبس على نفسه وعلى البسطاء بما ذكر من جهالات، ولكن الجهل آفة، والجاهل عدو نفسه، ويقول الناس: المرء عدو ما جهل.

فقد ظن أن قتال النبي كان عدوانا والله أمره ان لا يعتدي، وما علم المسكين أن قتال النبي صلى الله عليه وسلم كان لرد العدوان وبتشريع من الملك الديان سبحانه، فقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة يدعو قومه إلى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا، ولقي صنوف الأذى، وهم قومه بقتله، حتى أذن له الله بالهجرة حماية لنفسه ودعوته، فلما هاجر وأقام الدولة أذن له ربه بقتال المعتدين لرد العدوان كما قال سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 39، 40] ثم قال له ربه { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36]، فالآية واضحة أن القتال كان لدفع القتال، وهي العدالة الإلهية التي أحكمها الله تعالى بين عبادها كما قال جل شأنه: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194].
فهل قرأ هذه الآيات وغيرها كثير؟ وهل يعرف معنى الاعتداء؟

إنه يتعامى استخفافا بعقول الناس، و مثل ذلك معيب من عقلاء الناس.

إن الاعتداء هو ما كان من كفار قريش في بدر وفي أحد وفي الأحزاب، وفي غيرها من الوقائع التي كان يحدث فيها قتال، فهل يعرف أين كانت هذه الوقائع لو كان مثقفا، ويعرف أبجديات الجغرافيا؟!

فلمثل هذه الوقائع قال صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله".

فالمراد من الناس هنا هم مشركو العرب الذين كانوا يغزونه كرة بعد مرة، فهل كان يريد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستسلم لهم ليبيدوا أمته ودعوته كما كانوا قد خططوا لذلك في بدر وأحد والأحزاب وغيرها.

أما علم الكاتب توفيق - غير الموفق - أن النبي عليه الصلاة والسلام عايش اليهود والمنافقين في مدينته، وأقام معهم عهدا للمواطنة الشاملة، هو أول عهد من نوعه تعرفه الجزيرة العربية على الأقل، فقد أقام الدولة وحفظ لهم العهد حتى كانوا هم الذين نكثوه، فما زاد على أن أجلاهم من قينقاع والنظير، أما بنوا قريظة فقد كان من شأنهم ما لا يخفى من تحزبهم مع قبائل العرب لاستئصال المدينة بمن فيها، ونقضهم المواثيق،
ما يستوجب في أعراف قوانين الدول والشعوب حماية الوطن والأمة، ومع ذلك فما فعل شيئا غير تنفيذ حكم الله الذي حكم به من حكَّموه وهو سيدهم ومولاهم سعد بن معاذ رضي الله عنه.

فهل كان يريد الكاتب أن يبقيهم لينقضوا عليه بعددهم وعدتهم التي كانوا قد أعدوها لمثل ذلك؟!

ولعل الكاتب لم يعرف أن الجهاد سنة الأنبياء قبله، فما من نبي إلا وجاهد قومه، فهذا آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم روح الله وكلمته عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام يقول كما في (إنجيل متى 10: 34) " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا ".

ومع ذلك لم يكتفوا بجهادهم حتى دعوا على أممهم فأهلكهم الله وهم ينظرون، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد كان رحمة للعالمين فلم يدع على قومه بل دعا أن يهديهم الله، كما أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده ، قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها ، وإذا أراد هلكة أمة ، عذبها ونبيها حي ، فأهلكها وهو ينظر ، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره" وقال صلى الله عليه وسلم : " لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا".

  • ذهب الكاتب توفيق - غير الموفق - يهرف بما لا يعرف فقال إن محمدا يشهد للعشرة المبشرين بالجنة وهو لا يدري ما يفعل به ولا بهم كما نطق القرآن !

وما درى المسكين أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم ممن شهد لهم بالجنة هو وحي من الله كما أخبر الله تعالى بما تقدم نقله، وذلك ما قرره الله تعالى في شأن كل من كان حاله كحال هؤلاء العشرة المبشرين من الاستقامة على الدين والثبات على الطاعة كما قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 107، 108] .

وكما قال سبحانه : { أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 19] .
وكما قال جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]... إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .

والتميز الذي حصل لهؤلاء العشرة المبشرين رضي الله عنهم وغيرهم ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة على التحديد هو أن الله تعالى أطلعه على استقامة حالهم على الطاعة حتى يلقوه، فكانت الجنة مقطوعة لهم على لسان من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر سبحانه أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، كما قال سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف: 30، 31] .

فهل قرأ ذلك ؟!


  • وذهب يقول إن القرآن يقول: {لا إكراه في الدين}، وما درى المسكين أن هذه الآية محكمة، وقد طبقها النبي صلى الله عليه وسلم بأوضح صورة وأجمل تطبيق ؛ فما أكره اليهود ولا النصارى ولا المنافقين ولا المجوس على اعتناق الدين، بل كان يدعوهم كما أمره الله تعالى بالبلاغ والإنذار، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، و لا يملك هدايتهم، ولا هو مسيطر على الناس، بل ليس عليه إلا البلاغ، وقد عايش جميع طوائف البشر على البِر والقسط والإحسان كما لا يخفى على جاهل أو أمي.

أما من دخل في الإسلام باختياره ورغبته فليس له أن يرتد عنه رغبة عنه؛ لما في ذلك من الطعن بدين المجتمع والتشكيك فيه والاستهزاء بأهله، فهذا الصنف من الناس هم الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " من بدل دينه فاقتلوه" لأن هذا داء في جسد الأمة، والجسد إذا فسد منه عضو ولم يتأت إصلاحه فهل يترك حتى يفسد الجسد كله، أم يبتر حماية لبقية الجسد؟

ثم هل يعلم أن الديانات الأخرى كاليهود والنصارى والمجوس والهندو وغيرهم تشريعهم فيمن ترك دينهم كذلك؟ فهذا سفر التثنية يقول:

13: 6 و اذا اغواك سرا اخوك ابن امك او ابنك او ابنتك او امراة حضنك او صاحبك الذي مثل نفسك قائلا نذهب و نعبد الهة اخرى لم تعرفها انت و لا اباؤك .
13: 7 من الهة الشعوب الذين حولك القريبين منك او البعيدين عنك من اقصاء الارض الى اقصائها .
13: 8فلا ترض منه و لا تسمع له و لا تشفق عينك عليه و لا ترق له و لا تستره .
13: 9 بل قتلا تقتله يدك تكون عليه اولا لقتله ثم ايدي جميع الشعب اخيرا .
13: 10 ترجمه بالحجارة حتى يموت لانه التمس ان يطوحك عن الرب الهك الذي اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية.
فما بال هذا الكاتب المفتري تربت يداه يتعامى عن مثل هذا للتشويش على الإسلام ورسول السلام والرحمة؟!


  • وذهب الكاتب يقول إن القرآن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصفح الجميل بينما هو يأمر بقتل امرأة تسمى "أم قرفة" .
وكان الواجب عليه إذا ذكر حدثا تاريخيا أن يأتي بصحيح الأخبار لا أن يلتقط ما يوافق هواه.

والواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حليما صافحا يعفو عمن ظلمه ولا ينتقم لنفسه قط، فقد دخل مكة فاتحا -وما أدراك ما فعل أهل مكة به وبصحبه – ومع ذلك فقد حرص جد الحرص على أن لا يراق دم في الحرم، وسأل الله تعالى أن يعم عن قريش الأخبار حتى لا يحدث قتال؛ فلما فتحها وظن أهلها أنه منكل بهم، لم يزد على أن قال: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، وأمَّن من دخل داره أو دخل دار أبي سفيان أو دخل المسجد ا لحرام.. ومعلوم ما ذا يفعل الفاتحون في مثل هذا الحال وكما حكى الله تعالى عنهم بقوله: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34] .
والشواهد على ذلك ينوء بها الحصر ...

أما أم قِرفة هذه فإنه لم يثبت في شأنها خبر صحيح، فقد قال إمام الجرح والتعديل عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: سألت سفيان الثوري عن حديث عاصم في " المرتدة، فقال: أما من ثقة فلا" .

والمشهور فيها على ما فيها من ضعف أن قصتها كانت في حروب الردة أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كما روى البيهقي وغيره أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه " قتل امرأة، يقال لها: أم قرفة، في الردة" وفي رواية له أن امرأة يقال لها: أم قرفة، كفرت بعد إسلامها، فاستتابها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم تتب، فقتلها" .

وأما الروايات التي ذكرت أنها كانت في سرية زيد بن حارثة فقد ذُكرت مسببة، وكان عليه أن يبين سبب ذلك، وهو ما أخرجه العقيلي في الضعفاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن امرأة من بني فزارة يقال لها : أم قِرفة ، جهزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها ، فقالت اقدموا المدينة، فاقتلوا محمدا ، فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : " اللهم أثكلها ولدها" وفي رواية" كانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتلوه " فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فقتلهم ، وقتل أم قرفة، وأرسل بدرعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنصبه بالمدينة بين رمحين".

وقد كان بوسع الكاتب أن يعرف وضع هذه الرواية مما نقله عن فتح الباري؛ فإنه ذكر سببها وأشار إل ضعف قصة القتل التي هيج بها لباحث بصيغة التمريض حيث قال:
وكان – أي زيد بن حارثة رضي الله عنه - خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة. اهـ فتح الباري لابن حجر ج12 /ص 64 .

فرواية فيها مثل هذا لاضطراب هل يصح أن يجعلها مصدر تشكيك برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتغافل عن كل صفحه وحلمه صلى الله عليه وسلم عن أعدائه الذي شهدت بها كل الوقائع بل شهدت به الكتب السابقة إن كان مثقفا يحترم العلم والتاريخ؟! فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: " أن هذه الآية التي في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} قال في التوراة: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا).


  • ومن غريب نقد هذا المثقف أنه غير راض أن يقول النبي صلى الله وسلم وبارك عليه عن نفسه: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ، ويرى أن ذلك يتنافى مع قول القرآن {لا نفرق بين أحد من رسله} وقوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] .

وما درى المسكين أن الله تعالى هو الذي فضله على سائر الأنبياء والمرسلين كما قال الله جل ذكره: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] .

والذي فضله على الرسل ورفعه درجات هو سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال سبحانه {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } [النساء: 113] ، فهو الذي قال الله تعالى في حقه :{
وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [آل عمران: 81] .

فكل الأنبياء السابقين أخذ منهم العهد على الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم لو بعث فيهم، أفلا يكون أفضلهم؟! ثم ألم يأتموا به ليلة الإسراء في المسجد الأقصى ويرحبوا به في السماوات العلى، ويحيلون إليه أمر الناس أجمعين يوم يقومون لرب العالمين،ثم ألم يقل الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7] .

فلِمَ قدم ذكره على الأنبياء المبعوثين قبله، وقد ذكرهم بعد ذلك بأسمائهم مرتبين حسب البعث، وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل - عليهم جميعا الصلاة والسلام- فهل يعرف الكاتب - الذي يزعم أنه مثقف- الأسلوب العربي لمَ يكون التقديم والتأخير؟

إلى غير ذلك مما هو معلوم من عظيم قدره وكبير منزلته عند الله تعالى حتى أنه أقسم بحياته { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] .

ورفع ذكره فلا يذكر الله تعالى إلا ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معه كما قال سبحانه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] ، لكل ذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيد ولد آدم، وقال صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر" .

يقول ذلك تحدثا بنعمة الله تعالى عليه كما أمره ربه سبحانه بقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] .

وكل هذا لا ينافي عدم التفرقة بين رسل الله عليهم جميعا الصلاة والسلام، فإن عدم التفرقة بين الرسل يعني وجوب الإيمان بهم جميعا، لا أن نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل أهل الكتاب، وهذا الأمر من أركان الإيمان عندنا معاشر المسلمين، كما قال الله تعالى : {قُولُوا آمَنَّا باللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] ، وقال سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] .

فهذا هو ديننا الإسلامي لذي لا يعرفه توفيق حميد – غير الموفق – .


  • استشكل هذا الحاقد وضع يهود بني قريظة مع قول الله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] وأن عليه أن يطعم الأسرى.. وكأنه لم يقرأ أول الآية الكريمة التي تقول: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] ولم يقرأ قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَ اللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67، 68] .

أما بنو قريظة فإنهم لم يكونوا أسرى بل هم محاربون؛ فقد نقضوا العهد والميثاق وتمالؤا مع الأحزاب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى المسلمين ليستأصلوهم، بل هم الذين حرضوا القبائل العربية وقريشا على وجه الخصوص وأغروهم باستئصال النبي صلى الله عليه وسلم وأمته ومدينته؛ فلو تمكنوا من ذلك لم يبق من المسلمين ديَّار، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئا غير تنفيذ حكم سيدهم سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي حكموه كما حكمه النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عهد الله وميثاقه من الطرفين بقبول حكمه، فحكم أن تقتل المقاتلة وتسبى النساء والذرية.

وأمعن النظر في الحكم على المقاتلة، وليس على النساء أو الذرية كما كان يريد اليهود والأحزاب لو تمكنوا من تنفيذ إجرامهم!.
وقد كان حكما مؤيدا بوحي السماء كما قال صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بحكم الله " وفي رواية: " لقد حكمت بحكم الملك"
فما ذا يريد هذا الرجل المريض القلب على نبي الإسلام والمسلمين؟ أكان يريد أن يستبقيهم ليعيدوا الغدر كرة بعد مرة، إن هذا الفعل كان تقريرا للمصير فإما حياة وإما موت، أَوَ ما قرأ كلمة حيي بن أخطب في ذلك الموقف حيث يقول: أما والله ما لمتُ نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل" فهذا لسانه ولسان قومه من بعده، لم يخف عداوته ولا نيته السيئة حتى وهو بين يدي السيف، أما كان ذلك الحكم عدلا فيهم؟!


  • وقد أقذع الخبيث بشتم النبي صلى الله عليه وسلم حينما تحدث عن زواجه من السيدة عائشة رضي الله عنها، وأظهر مكنون كفره وعداوته، وما كان أغناه عن ذلك لو ترك هذا الأمر لكفار قريش ويهود المدينة ومنافقيها وغيرهم الذين عايشوا هذه القصة فلم يجدوا فيها مغمزا، وقد كانوا أحرص على النيل منه صلى الله عليه وسلم، فلما لم يجدوا شيئا افتروا افتراءات أخرى كثيرة فقالوا ساحر وقالوا كاهن وقالوا شاعر وقالوا مجنون ... وكذبهم الواقع، ومع ذلك فقد كان زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة جاريا على سننهم الذي لا يعاب، فما بله وأضرابه بعد 14 قرنا يثيرون هذه القضية لمحاكمة عصر النبوة بعصرهم؟! إن هذا لشيء عجاب، وإذا كان قد ذكر قصة الزواج الشرعي من الولي وتهيئة الأم لها، أفيكون هذا الأخرق أحرص على عائشة من أبويها؟!

فمهلا يا جهول لا تسهويك الكتابة للتدليس على الناس، فإن الناس يقرؤون ويفهمون ويعون، وما أحراك بقول الشاعر:

وكم من عائب قولا سليما * وآفته من الفهم السقيمِ

فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله في حقه : {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ *وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 1 - 4] ، لا يأتي بشيءٍ مَّا يعيب على أخلاقه العظيمة، فإن من شهد الله بالخلق العظيم الذي لم يشهد به لأحد غيره لا يأتي منه إلا كل كمال.

إن زواج السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها كان فخرا لها ولأبويها، أن تكون ابنتهم أما للمؤمنين، وسيدة بيت النبوة، وأحظى النساء عند النبي صلى الله عليه وسلم، وما تزوجها النبي صلى اله عليه وآله وسلم لشهوة وقد جاوز الخمسين من عمره، بل لإكرام أبيها الصديق الذي كان أَمَنَّ الناس عليه بنفسه وماله، وأول الناس إيمانا به، وكان رفيقه في الغار، وصاحبه في هجرة ، واستخلفه على أمته، وهو الذي كان يقول عنه صلى الله عليه وسلم :" ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله به يوم القيامة ، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن صاحبكم خليل الله ".

لقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ريعان شبابه لم يتزوج غير خديجة بنت خويلد وهي أيِّم في الأربعين من عمرها، وأم لعدد من الأيتام ، ثم سودة بنت زمعة وهي أيِّم كذلك وفي العقد السادس من عمرها، فما كان صلى الله عليه وسلم يتزوج لأغراض شهوانية كما قد يتصور السفهاء، إذ لو كان الأمر كذلك لتزوج في ريعان شبابه الأبكار، ولكنه كان يتزوج لإعالة الأرامل وكفالة الأيتام ومقاصد اجتماعية وتشريعية، لا تخفى على العقلاء، وهي مدونة في كتب السيرة والشمائل لمن يقرأ. أما من أعمى الله قلبه وبصيرته فسيظل يتخبط في شؤم جهالته ليري الناس جهله

وهبك تقول هذا الصُّبح ليلٌ ... أيعمى العالمُونَ عن الضّياءِ؟


  • يرى الكاتب أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء رحمة للعالمين، وأن السنة تناقض ذلك لأنه ورد فيها أنه جاء بالذبح، فظن أن ذلك تعارضا ..
وقصده بذلك التشويش على الناس.

والواقع أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وبالمؤمنين رؤوف رحيم كما وصفه الله تعالى وسماه بذلك، فقد كان وجوده رحمة وبعثته نعمة، فكان وجوده سببا لرفع العذاب عن الأمم كما قال الله تعالى : {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] ، فما حصل لأمة دعوته ولا لأمة إجابته مسخ ولا خسف ولا عذاب استئصال كما حدث لقوم نوح وهود وصالح وموسى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام، فلم يدع دعاء هلاك عام على من كذبه وآذاه وأخرجه من بلده وهمَّ بقتله، وقد كانت ترادوه الملائكة على ذلك، فيقول : لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ويقول : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.. فهذه هي رحمته صلى الله عليه وسلم.

أما ما ورد أنه جاء بالذبح فذلك لمن حاربه كما جاء في سبب ورود الخبر عند ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قلت : ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما كانت تظهر من عداوته ؟ قال : قد حضرتُهم وقد اجتمع أشرافهم في الحِجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا، فبينا هم في ذلك، إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، فمر بهم طائفا بالبيت، فلما أن مر َّبهم غمزوه ببعض القول، قال : وعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم، فمر بهم الثالثة، غمزوه بمثلها، ثم قال : " أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح ".

فمثل هذا الموقف هل كان يليق به غير هذا الوعيد؟ كلا و الله .فهو ينذرهم بذلك لعلهم يرجعون، ومن استمر على عداوته وحربه كان لا بد من محاربته.

إن توازن أخلاقه العظيمة تقتضي أن يكون منه لكل مقام مقال، ولكل حادث حديث، كما قال بعض الحكماء:
فقسى ليزدجروا ومن يك حازما * فليقسُ أحيانا على من يرحمُ.

  • ومن سذاجة هذا الكاتب غير الموفق أنه يعترض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون شافعا لأمته يوم القيامة، أخذا من قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] وكأنه لا يعرف من آيات الشفاعة إلا هذه، ولو علم قوله تعالى: { اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [البقرة: 255] وقوله سبحانه : {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] ، لعله لم يفه بهذا الغباء ولكن الأمر كما قال الأول:
أتانا أن سهلا ذم جهلا * أموراً ما دراهن سهلُ
أموراً لو دراها ما قلاها * ولكن الرضى بالجهل سهلُ
فهل عرف الاستثناء الوارد في الآيات ولمن يكون؟

نعم المستثنى الذي تقبل شفاعته هو من يأذن له الله تعالى من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين والعلماء والصالحين. وعلى رأس أولئك مَن له المقام المحمود وهي الشفاعة العظمى إنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشره الله تعالى بقوله : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] .

والمقام المحمود هي الشفاعة العظمى لأهل الموقف العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين وتدنو الشمس من الرؤوس قدر ميل، فمنهم من يلجم بعرقه ومنهم يبلغ تَرقُوته ومنهم من هو في ظل عرش الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله .. كما وردت السنة الصحيحة بذلك ومنها ما أخرجه البخاري وغيره من حديث رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال:
" يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم، فيقولون: أنت آدم أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، لتشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال : فيقول: لست هناكم، قال: ويذكر خطيئته التي أصاب: أكله من الشجرة، وقد نهي عنها، ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته التي أصاب: سؤاله ربه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، قال: فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هناكم، ويذكر ثلاث كلمات كذبهن، ولكن ائتوا موسى: عبدا آتاه الله التوراة، وكلمه، وقربه نجيا، قال : فيأتون موسى، فيقول: إني لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته، قال: فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد ، وقل يسمع ، واشفع تشفع، وسل تعط، قال : فأرفع رأسي ، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة، - قال قتادة : وسمعته أيضا يقول : فأخرج فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة - ثم أعود الثانية : فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول : ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال : فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج، فأدخلهم الجنة، - قال قتادة: وسمعته يقول: فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - ثم أعود الثالثة : فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال : فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة، - قال قتادة وقد سمعته يقول :فأخرجهم من النار ، وأدخلهم الجنة - حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن " أي وجب عليه الخلود، قال : ثم تلا هذه الآية : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال : " وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم "

  • فهذا ما لا يعرفه الكاتب توفيق غير الموفق، وظنه تعارضا.

فعليه أن يعود إلى رشده، ويرجع إلى إسلامه، فهو خير له من التمادي في الغي وجلب العداوة لنبي الإسلام ورسول السلام وسيد الأنام فإن الله تعالى قد لعن من يؤذيه، وأذل شانئيه، أما الإسلام فإنه باق ما بقي الليل والنهار، ولا يضره من خالفه أو ناوأه كما قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
29ربيع الأول1439هـ الموافق 18ديسمبر2017م



[1]) ) الكاتب هو توفيق حميد مصري الجنسية يعيش في الغرب يطعن في أصول الإسلام وأصبح يكيد له بمثل هذه القول الهزؤ .
 

المرفقات

  • محمد القرآن هو محمد السنة - د. أحمد الحداد.docx
    41.5 KB · المشاهدات: 0
أعلى