العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المقاصد والوسائل

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
المقاصد والوسائل
د. نَعْمان جَغيم


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين

المطلب الأول: تعريف الوسيلة
يقول القرافي في تعريف المقاصد والوسائل: "وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمِّنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها."[1] وعرَّف ابن عاشور المقاصد بأنها: "الأعمال والتصرفات المقصودة لذاتها"،[2] أما الوسائل فهي: "الأحكام التي شُرعت لأن بها تحصيل أحكام أخرى، فهي غير مقصودة لذاتها بل لتحصيل غيرها على الوجه المطلوب الأكمل، إذ بدونها قد لا يحصل المقصد، أو يحصل معرَّضا للاختلال والانحلال."[3]

مثال الوسائل: عقد النكاح وسيلة لمشروعية المعاشرة والاستمتاع بين الزوجين. وعقد البيع وسيلة لملكية المبيع أو الثمن. وعقد الإجارة وسيلة للانتفاع بالعين المؤجَّرة. والكتابة والإشهاد والرهن وسائل لتوثيق الديون. والجهاد وسيلة لدفع الظلم وحماية المسلمين، وتوفير الحرية الدينية لتكون كلمة الله هي العليا.

يُدخل ابن عاشور الأسباب المعرِّفة للحكم والشروط وانتفاء الموانع ضمن الوسائل،[4] على اعتبار أن الأسباب هي الطريق الموصل إلى الأحكام، والشروط لا يوجد الشيء دون وجودها، وكذلك انتفاء الموانع شرط لحصول الشيء. وهذا الكلام ليس على إطلاقه؛ لأن بعض ما يسميه الأصوليون والفقهاء أسبابا هو في الحقيقة ليس طريقا موصلا إلى تحقيق الشيء أو الحكم، بل هو مجرد معرِّف لوجود ذلك الحكم، والأولى اعتباره علامة لا سببا. فمثلا، دخول الوقت الذي يجعله الفقهاء سببا لوجوب الصلاة، لا يستقيم القول بأنه وسيلة إلى الصلاة؛ لأنه ليس فعلا للمكلَّف، بل هو مجرد علامة جعلها الشارع لأوقات الصلوات الواجبات. وكذلك دخول شهر رمضان، الذي يجعلونه سببا لوجوب الصيام، هو في الحقيقة مجرد علامة على بداية التكليف بعبادة الصيام، وهو ظرف لممارسة تلك العبادة. والاستطاعة البدنية في وجوب الحج ليست فعلا للمكلَّف، فلا يستقيم اعتبارها وسيلة. أما الاستطاعة المادية فيمكن أن تكون فعلا له يتوسَّل بها إلى أداء الحج. والنصاب الذي هو سبب لوجوب الزكاة لا يحسن اعتباره وسيلةً؛ لأن المكلَّف لا يتوسَّل -عادة- باكتساب المال إلى أن تصير الزكاة واجبة عليه، وإنما يقصد الاسترزاق، فإذا بلغ مالُهُ النصاب أوجب عليه الشارع دفع الزكاة. وليس مطلوبا من المسلم أصلا أن يسعى إلى تحقيق النصاب لتصير الزكاة واجبة عليه؛ لأن الزكاة إنفاق في سبيل الله، وهو مُرغَّب في الإنفاق في سبيل الله بالمقدار الذي يشاء في الوقت الذي يشاء حتى عند عدم توفُّر النصاب، وله أن يُنفق أكثر من المقدار الواجب في الزكاة بأضعاف مضاعفة. والقتل العمد العدوان الذي هو سبب القصاص لا يمكن القول إنه وسيلة للقصاص؛ لأن القاتل لا يتوسَّل بالقتل إلى القصاص، بل يتوسَّل به إلى تحقيق مآربه، ويحاول جهده إخفاء الجريمة حتى لا يقع تحت طائلة القصاص.

وكذلك الشروط هي في الغالب مُكمِّلاتٌ اشترطها الشارع لتحقيق الفعل أو الوصف على الوجه المطلوب. فالوضوء واستقبال القبلة وسَتْرُ العورة شروط اشترطها الشارع للصلاة، ويقوم بها المكلَّف حتى تكون صلاته كاملة ومقبولة، ولا يحسنُ القول إنها وسائل إلى الصلاة؛ لأنه لو لم يشترطها الشارع لكان ممكنا تحقيق الصلاة بدونها.

وإذا اعتبرنا بعض الشروط من باب الوسائل، فإن القول بأنّ طلب الشروط إنما هو طلبُ وسائلّ لا يعني التقليل من أهمية طلبها، ولكن تكون فائدة التفريق بين الشروط باعتبارها وسائل وبين الفعل المقصود الذي تكمِّله تلك الشروط هو أنه إذا تعذَّر تحصيلُ الفعل المقصود إلا بالتنازل عن بعض الشروط، فإنه يمكن عندئذ إسقاط تلك الشروط في سبيل الحصول على الفعل المقصود، ولكن ذلك لا يكون من باب التفريق بين المقاصد والوسائل، بل من باب علاقة المكمِّلات والمتمِّمات بالأصل، فمراعاة المكمِّلات والمتمِّمات ينبغي أن لا يعود على الأصل بالإبطال.[5] وتحقيق الأصل ناقصا في حال انتفاء بعض الشروط أفضل من إهمال الأصل كلِّه طلبا لتحصيل بعض الشروط. فالوضوء واجب وهو شرط لصحة الصلاة ومكمل لها، فإذا تعذر تحقيقه لم تُترك الصلاة جملة، بل نأتي بالصلاة بالتيمم. واستقبال القبلة واجب، وهو شرط لصحة الصلاة ومكمل لها، فإذا تعذر تحقيقه لم تُترك الصلاة كلها، بل نصلي إلى أي جهة يغلب على ظننا أنها القبلة. واجتناب أكل المحرمات من الأطعمة (الخبائث) من مكمِّلات حفظ النفس لأن تلك المحرمات تسبب للإنسان الضرر، فإذا كان الإنسان في حال مجاعة قد تؤدي إلى هلاك النفس بالكامل أبيح له أكلُها؛ لأنه لا ينبغي أن يؤدي ترك الضرر الجزئي إلى الهلاك الكلي.

أما انتفاء الموانع، فإنه إذا كان إزالة المانع من فعل المكلَّف، فإن اعتبار ذلك وسيلة إلى حصول المقصود أمرٌ ظاهر. ومثال ذلك السفر والمرض مانعان من وجوب الصوم في رمضان، فإذا تعمَّد الشخص السفر أو تناول شيء يسبِّب له المرض بغرض ترك الصوم في رمضان كان ذلك وسيلة إلى إسقاط وجوب الصوم بإيجاد المانع. أما إذا لم يكن المانع من فعل المكلَّف فلا يستقيم اعتبار ذلك من الوسائل، ومثال ذلك الحيض مانع من الصلاة والصوم، ولا يُقال إن رفع المانع هنا وسيلة إلى الصلاة والصوم؛ لأنه ليس في مقدور المرأة فعل ذلك، ولا هو مطلوب منها.

المطلب الثاني: أنواع الوسائل
1- الوسائل المحضة: وهو ما لا يُفْعَل -عادة- لذاته، بل يكون وسيلة خالصة. مثال ذلك: تحمُّل الشهادة الذي هو وسيلةٌ إلى إيصال الحقوق إلى أصحابها، والأكلُ الذي هو وسيلة إلى حفظ النفس، والكتابة والإشهاد والرهن وسائل لتوثيق الديون، والسفر وسيلة لأداء الحج والعمرة.

2- ما يكون وسيلة من جهة ومقصدا من جهة أخرى:
وهو ما يكون مقصدا في ذاته، ولكنه يكون -من جهة أخرى- وسيلة باعتبار ما ينتج عنه من مصالح شرعية، أو باعتبار ما هو أعلى منه من المقاصد. مثال ذلك: الصلاة والصوم والزكاة مقصودة في ذاتها باعتبار أنها عبادات يجب على كل مكلَّف القيام بها، وهي من جهة أخرى تعتبر وسائل لتحقيق مقاصد روحية أو صحية أو اقتصادية. فالصلاة من مقاصدها مساعدة فاعلها على اجتناب الفحشاء والمنكر: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت: 45)، والصوم من مقاصده تحقيق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، والزكاة من مقاصدها تطهير وتزكية نفس المزكِّي وماله ومساعدة المحتاجين: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة: 103). وهذا النوع من الوسائل يُعامل معاملة المقاصد ويكونُ تحصيلُه واجبا، وليس للمكلَّف استبدالُ غيره به، وليس له حرية اختيار ما يعتقد أنه يحقق له تلك المقاصد، لأن اعتقاد المكلَّف المخالف لما نصّ عليه الشرع مجرد وَهْم واتباع للهوى، والشارع الحكيم أعلم بما يحقق للإنسان الصلاح. أما الوسائل المحضة التي لم يُعيِّنها الشرع بذاتها ولم يُلزم المكلَّف بالإتيان بها، فله أن يختار ما يراه مناسبا لتحقيق مقاصده ما دامت تلك الوسائل في دائرة المباح وليس فيها مخالفة لأحكام الشرع. وإذا تعيَّنت الوسيلة المباحة لتحقيق مطلوب شرعي، وكان في مقدور المكلَّف الإتيان بها، أصبحت تلك الوسيلة واجبة، وهو الذي يُعبِّر عنه الأصوليون بقاعدة: "ما لا يتم الواجب إلا به، وهو في مقدور المكلَّف، فهو واجب."

المطلب الثالث: حكم الوسائل
الأصل أن الوسائل لا تأخذ حكمها من مقاصدها، بل لها حكمُها الشرعي المستقل؛ فللوسائل معيارها الشرعي للحكم عليها، وللمقاصد معيارها الشرعي للحكم عليها. ولا تأخذ الوسيلة حكمها من حُكم المقصد إلا في حالين: أحدهما: الوسيلة المباحة التي لا يتم الواجب إلا بها، فإنها تصير واجبة لأداء ذلك الواجب إذا كانت ضمن قدرة المكلف، فهي تأخذ وجوبها من وجوب ذلك الفعل. الثانية: الوسيلة المباحة التي تُستعمَل بقصد التوصُّل إلى فعل محرم، فإنه يحرم استخدامها لذلك الغرض.

إن الوسائل التي يمكن التوسُّل بها إلى مقصد شرعي هي الوسائل المشروعة أصالة، أما الوسائل المحرَّمة فلا يمكن التوسُّل بها إلى مقاصد مشروعة. فلا يمكن التوسُّل بالسرقة لأخذ المال من الأغنياء البخلاء لمساعدة الفقراء والمحتاجين، ولا يمكن التوسُّل بالمعاملات الربوية لكسب المال بغرض التصدق به على الفقراء والمساكين، ولا يمكن إباحة الربا في البنوك بغرض تحقيق التنمية الاقتصادية للمجتمعات الإسلامية، ولا يجوز الاشتغال بالعمارة المادية للأرض على حساب الالتزام بالشعائر الدينية بحجة أن عمارة الأرض من مقاصد الشريعة؛ لأن جميع تلك المقاصد مشروطة في الأصل بأن تُحقَّق بطريق مشروع. فمساعدة الفقراء والمساكين مقصد من مقاصد الشريعة، ولكن المساعدة مشروطة بأن تكون بطريق مباح. والتنمية الاقتصادية مقصد شرعي، ولكن ينبغي تحقيقه بالطرق المشروعة، وهي كثيرة وتغني عن اللجوء إلى الربا. وعمارة الأرض مقصد من مقاصد خلق الإنسان، ولكن ليس المقصود أيّ نوع من العمارة، بل المقصود عمارةٌ قائمةٌ على العبودية الكاملة لله تعالى، ولا عبودية دون التزام بالشعائر والشرائع الدينية.

إن إباحة أكل الميتة وغيرها من المحرمات لحفظ النفس -في حال الضرورة- هو استعمال لوسيلة أصلها محرَّم من أجل تحقيق مقصد مشروع، ولكن مشروعية هذا الاستعمال لم تُؤخذ من مجرَّد قاعدة "الوسائل لها حكم المقاصد"، بل أُخذت من ترخيص الشارع في ذلك. فلما نص الشارع على الترخيص في ذلك، صارت تلك الوسيلة مشروعة في هذه الحال.

والوسائل المباحة شرعا ينبغي استعمالها في ما هو مشروع، ولا يحقُّ للمكلَّف أن يسيء استخدامها فيتوسّل بها إلى إسقاط واجب دون وجهٍ مشروع، فيكون آثما بذلك الفعل. وذلك كمن يعمد عند رأس الحول إلى هبة جزء من ماله هِبَةً صورية لمجرد إنقاص النصاب والتهرُّب من دفع الزكاة. أما لو وهب جزءا من ماله هِبَةً حقيقية أو تصدَّق به أو استعمله في بعض حاجاته فنقص المال عن النصاب، فإنه لا حرج عليه؛ لأنه استعمل المال في حاجة حقيقية وليس بحيلة صورية للتهرب من الزكاة.

ولا يجوز للإنسان أن يتوسَّل بوسيلة مباحة في الأصل للوصول إلى شيء محرَّم، وهو المعروف بسد الذرائع. والوسائل المباحة باقية على أصل الإباحة، ولا تُمنع إلا الوسائل التي ترجَّح استخدامُها للمفسدة (الحرام) على رأي القائلين بسدّ الذرائع، أو التي تأكّد التوسُّل بها إلى محرّم على رأي الجميع، حتى من لا يقول بسدّ الذرائع.

كما أنه لا يحقُّ للشخص أن يستعمل وسيلة مباحة له بغرض الإضرار بالغير، فإن فعل يكون آثما بذلك لقصده السيء ولما ينتج عنه من إضرار بالغير دون وَجْهِ حَقٍّ. أما لو استعمل حقا من حقوقه دون قصد الإضرار بالغير، ولكن نتج عن ذلك ضرر بالغير، ولم يكن في إمكان الشخص أن يتوصل إلى حقه بوسيلة أخرى مباحة لا ضرر فيها بالغير، فإنه يكون مستعملا لحقه المشروع، ولا يمكن إلزامُه بالتخلي عن حقّه إلا إذا تبرَّع هو بذلك. وسيأتي تفصيل هذه المسألة عند الحديث عن الموازنة بين المصالح والمفاسد ضمن مقاصد الشارع في منهج التشريع.

وما يذكره أهل العلم من التفريق بين الـمُحرَّم لذاته (المحرَّم تحريم مقاصد) والـمُحرَّم لغيره (المحرَّم تحريم وسائل) لا يعني التساهل في ما يُعتبر مُحرَّما لغيره. فالقول بأن الزنا مُحرَّم لذاته، أما النظر بشهوة إلى المرأة الأجنبية والخلوة بها ولمسها فهي محرمات لغيرها؛ لأنها ذرائع للوقوع في الزنا، لا يعني أنه إذا تأكد الشخص من عدم وقوعه في الزنا فإنه تجوز له هذه الأفعال بحجة أنها إنما حُرِّمت مخافة الوقوع في الزنا، بل هي في الواقع محرمات لذاتها بغض النظر عن إفضائها إلى الزنا أو عدم إفضائها إليه، والقول بأنها حُرمت لكونها ذريعة للزنا مجرد تعليل لذلك التحريم. نعم، الوقوع في الزنا أعظم من الوقوع في الخلوة واللمس، فالأول من الكبائر والأخرى من الصغائر، ولكن سبب ذلك التفريق ليس هو مسألة المقاصد والوسائل، بل هو التفاوت في المفاسد الناتجة عن تلك الأفعال، وهو سبب التفريق بين الكبائر والصغائر.

الخلاصة أن الوسائل التي نص عليها الشارع بعينها بأنْ أوجَبَها بعينها لتحقيق مقصد ما، فهي وإن كانت من جهةٍ وسيلةً إلى مقصدٍ، فإنها في الطلب مقصودة لعينها، ويجب الإتيان بها بذاتها، ولا يجوز استبدالها بما يهواه المكلَّف. أما المقاصد التي خيَّر فيها الشارع المكلَّف بين أكثر من وسيلة فله أن يختار منها ما يناسب حاله. والمقاصد التي لم يُعيِّن لها الشارع وسيلة بعينها لتحقيقها يكون للمكلَّف اختيار الوسيلة التي يراها مناسبة ما دامت الوسيلة التي يختارُها لا تخالف الأحكام الشرعية. والعاقل الحصيف يختار أفضل الوسائل لتحقيق المقاصد المشروعة، ولكن ليس ذلك واجبا عليه لاختلاف قدرات الناس في إدراك أفضل الوسائل وتأثُّر الاختيار بالرغبات والميول الشخصية.

[1] شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي، الفروق، تحقيق عمر حسن القيام (بيروت: مؤسسة الرسالة ناشرون، 1424هـ/ 2003م) ج2، ص63-64.

[2] ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص306.

[3] ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص308.

[4] ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص309.

[5] يقول الشاطبي: "كل تكملة فلها -من حيث هي تكملة- شرط؛ وهو أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال، وذلك أن كل تكملة يفضي اعتبارها إلى رفض أصلها فلا يصح اشتراطها عند ذلك." الموافقات، ج2، ص13-14.
 
أعلى