العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

#كتاب_قرأناه_لك_ إصلاح الفقيه فصول في الإصلاح الفقهي

أحمد عرفة أحمد

:: متفاعل ::
إنضم
22 يوليو 2008
المشاركات
460
الإقامة
مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
فقه مقارن
الدولة
مصر
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
شافعى
#كتاب_قرأناه_لك_

إصلاح الفقيه

فصول في الإصلاح الفقهي


هذا الكتاب من تأليف الدكتور/ هيثم بن فهد الرومي، وهو من مطبوعات مركز نماء للبحوث والدراسات، وهو الكتاب الرابع من سلسلة قراءات في الخطاب الشرعي، ويقع في (240) صفحة من القطع المتوسط، وقد صدرت الطبعة الأولى، بيروت 2013م.

في مقدمة الكتاب يبيّن المؤلف-حفظه الله- "أن لفظة (التجديد) ذاتها تدل على وجود شيء يجدد دون أن يستبدل به سواه، ومن هنا جاءت المقولة المشهورة: (أول التجديد قتل الماضي بحثاً)، فالفقه له أصوله ومنهجيته التي تتطلب أن يكون من يمارس التجديد عارفاً بها؛ لئلا يستدرك عليها ما هو من صميمها أو ينتقد فيها ما ليس منها أو ينسب إلى متنها ما هو من هوامشها، والتجديد ما لم يكن ملتزماً بالتماسك الداخلي للعلم الذي كان به قيامه فهو تغيير وتبديل وليس تجديداً، وبقاء الاسم وحده لا يغني شيئاً ما لم تكن أصوله وفلسفته باقية".

وعن كيفية التجديد الفقهي المنشود وإصلاحه يقول المؤلف: "إن تجديد الفقه وإصلاحه إنما يكون بالعودة إلى أصوله والتمسك بها، وتصحيح ما لحقها من سوء التصورات والآراء وفساد الظنون والأوهام، فإن حياة المتقدمين من أهل القرون الأولى كانت صالحة مستقيمة، مما يدل على أن علومهم كانت صالحة مستقيمة".

كما بيّن في مقدمة الكتاب أهمية الفقه الذي يجدد والحاجة إليه، وأن صلاح أحوال الأمة له ارتباط وثيق بتجديد فقهها الذي هو منهاج حياتها، ومن هنا كانت الحاجة إلى الحديث عن "إصلاح الفقيه" الذي يمارس هذا التجديد بوعي وبصيرة، وقد اختار المؤلف لفظ الإصلاح لمناسبة المقابلة بين إصلاح الفقه وإصلاح الحياة مما يتطرق هذا البحث إليه، ولأجل بيان حقيقة الإصلاح الذي به نهضة الأمة وتقدمها دون دعاوى الإصلاح التي تعرض عن الشريعة ولا تكترث بها، أو التي تسلك بها مسالك الغلو أو الجفاء.

وبيّن المؤلف أنه ليس القصد من هذه الدراسة المختصرة اقتراح خطة للإصلاح، فإن هذه مهمة جليلة بحاجة إلى تضار كبار فقهاء هذا الزمان، ونعوذ بالله من التكلف لما لا نحسن والتصدي لما لا نطيق، ولكنها إشارة عجلى لبعض الأولويات البحثية والمنهجيات العلمية والعملية المتَّبعة عند الفقهاء رحمهم الله تعالى، تهدف إلى تذكير فاضل أو تنبيه غافل.

وقد جاء هذا الكتاب في مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة. أما المقدمة: فقد بيّن فيها المؤلف-حفظه الله- أهمية إصلاح الفقيه وأولويته، وهل نعيش نهضة فقهية؟ حيث ذكر أن أولى خطوات الإصلاح هي تقويم الحال الراهنة، ورصد المزايا والمآخذ، والإيجابيات والسلبيات، والمنجزات والإخفاقات، رصداً كاشفاً لما عليه الحال دون مبالغة في الوصف مدحاً أو قدحاً، ولكل من هاتين المبالغتين ما يدفع لها من الناحية النفسية غير أن الإنصاف يقتضي مراغمة النفس وحملها على تصوير الحقائق دون مغالطة ولا تشويه.

كما بيّن أن للواقع تأثيره الكبير على الفقه، والفقيه مأمور ببيان الحق والنصيحة للأمة على كل حال، لكن أول خطوة في طريق الإصلاح أن نعلم أننا بحاجة حقيقية إليه، وأن نملك العزيمة على القيام بأعبائه، وأن نفقه حقيقة الإصلاح المنشود وأن يصدر عن وعي حقيقي بالذات، وأن يكون إصلاحاً شاملاً بمفهومه الأصلي لا بمفهومه المستعار، حتى إذا خطونا في الإصلاح خطوة عرفناها وحمدناها ودفعتنا للمضي في السبيل ذاته.

وأما الفصل الأول: فقد بيّن فيه معنى الفقه وحقيقة الصناعة الفقهية، ودور الفقيه ووظائفه في الحياة، فإنه لا يستقيم الحديث عن إصلاح الفقيه ما لم تكن تلك المعاني متقررة ابتداءً.

وجاء الفصل الثاني في بيان موقع الفقه في خطة الإصلاح العامة، وذكر فيه نماذج وأمثلة تشرح أثر الفقه في الحياة ودور الفقهاء فيها، حيث بيّن أن الفقه لا يتأتى بالمعرفة المجردة مهما بلغ حِمل المرء منها، بل لا بد أن ينضم إلى ذلك الملكة العقلية التي تمكنه من الاستنباط والتنزيل ونحوها من الملكات التي كان يجمعها في إطلاقات المتقدمين اسم الرأي، والأئمة الفقهاء المتبوعون ما منهم من أحد إلا وقد استعمل الرأي، فإنا متى علمنا ختم النبوة وانقطاع الوحي، مع بقاء التكليف بالشريعة وتجدد الحوادث، فإن من لازم ذلك استعمال الرأي في فهم النصوص وفي معرفة ما يستجد من النوازل، فأما ما روي من ذم الرأي فإنما قصد به نوع ذميم من الرأي.

وأن الفقيه لا يكون فقيهاً بمجرد اختياره لتخصص الفقه في المدارس والمعاهد والجامعات الشرعية وتخرجه فيها...بل الفقيه هو العالم الشرعي مكتمل الآلة والمكنة، الذي يعيش في عصره ويتمكن من إدارة الحياة وصناعتها بفقهه، ومن تمام عملية الإصلاح الفقهي أن يعاد النظر إلى الفقيه بهذا الاعتبار.

وبيّن في الفصل الثالث علاقات الفقيه في الوسط الذي يمارس فيه وظائفه، وهذه العلاقات تتراوح بين علاقته بالنخبة والعامة، والنخبة نخبتان فنخبة سياسية ونخبة ثقافية، وأن من المهم تصور علاقة الفقيه بهذه الأطياف الثلاثة. حيث وضح فيه أن علم الفقه علم يحتم على الفقيه أن يكون مخالطاً لمجتمعه ومشاركاً له، فهو ليس من العلوم التجريدية البحتة التي يمكن للمتخصص إحكامها عن طريق النظر العقلي المحض، بل هو علم يقوم على مباشرة الفقيه لأسباب الحياة ومعرفته بأحوال الناس، ولولا ذاك ما صح أن يؤمر الناس بالرجوع إليه في معرفة أحكام الشريعة.

وأما الفصل الرابع: فقد تناول فيه سبيل تأهيل الفقيه المصلح المشارك في صياغة الحياة وصناعتها، وذلك بإصلاح التعليم الفقهي وإصلاح التآليف الفقهية، مع إشارة إلى طبيعة المذاهب الفقهية والموقف منها ودورها في تأهيل الفقهاء. حيث بيّن أن العلاقة بين المثقف والفقيه لا بد أن تكون قائمة على التكامل والتوافق؛ لأن مرجعيتهما واحدة وأصولهما متفقة وإن كانت وظيفتهما مختلفة، فالفقيه معنيُّ ببيان الأحكام ونسبة الأفعال إلى الحل والحرمة بمستوى من المستويات، وأما المثقف فهو معني بتحليل الظواهر ووصفها ليتمكن الفقيه من أداء وظيفته. أما ما قد يحصل من خلاف بينهما بعد اتفاق الأصول فهو مما قد يقع مثله بين الفقهاء أنفسهم، والتعامل مع هذا الخلاف يتم وفق ما وضحه وبينه العلماء في قواعد وآداب إدارة الخلاف.

كما بيّن أن إصلاح التعليم الفقهي ضرورة ملحة، والحاجة إليه ماسة وعاجلة، والتساهل في ذلك مجلبة لفساد الأحوال؛ لأن الدين قوة متجذرة في بلاد المسلمين ووجدانهم وطبائعهم وأخلاقهم، والفقه يمثل حركة هذه الأمة وعطاءها، والفقهاء هم الذين يعلمون الناس ويوجهون مسارات التدين فيهم، فإن لم يكن الفقهاء بالقدر الذي يؤهلهم لتلك الوظائف وقلَّ الفقه فيهم فذلك إيذان بالخراب.

وفي سياق الحديث عن إصلاح التعليم بيّن أن إصلاح التعليم منوط بأمرين اثنين، أحدهما إعداد المعلم، والثاني تأليف الكتاب، وربما لا يكون من المبالغة القول بأن جودة التأليف وقوتها وفصاحتها وبيانها قد تتدارك من ضعف المعلم ما لا يتداركه المعلم الجيد من ضعف التآليف. فإن قوة الكتاب تجبر المعلم على الارتقاء إلى مستواه، بينما يؤدي ضعف الكتاب إلى ضياع جزء من وقت المعلم الجيد في تصحيحه وتدارك أغلاطه.

ثم ختم البحث بخاتمة ذكر فيها أهم النتائج ومنها:

أن من المهمات الأولى في سبيل إصلاح الحياة بالفقه إصلاح الفقيه الذي يتولى هذه المهمة الجليلة، والفقيه إن لم يكن صحيح التصور مؤهلاً مالكاً لأدوات الإصلاح فقد عنه الفساد باسم الصلاح، والزلة إذا كان الفقيه مصدرها فإن آثارها تتفاقم.

من ضرورة الحديث عن "إصلاح الفقيه" أن يعلم الفرق بين مفهوم (الفقيه) بمعناه المتخصص عند المتأخرين، و(الفقيه) بمفهومه العام عند السلف الأول الذي يقابل العالم العامل البصير بالشريعة القادر على إصلاح الحياة بهداها، ومن تمام إدراك هذا المعنى أن تعلم وظائف الفقيه وواجباته، لئلا يجري الخلط في هذه الوظائف بتخليه عن بعضها أو إضافة ما ليس منها إليها.

التأكيد على أهمية الاعتناء بالفقيه المقتدر على القيام بأعباء تلك الوظائف بشكل منهجي من خلال إصلاح التعليم الذي يتخرج الفقيه من خلاله، وإصلاح التآليف الفقهية التي تكون في الكثير من الأحوال المؤثر الأكبر في صلاح التعليم أو في فساده، ومن خلال التأكيد على أهمية التزام الفقيه بمنهجية علمية منضبطة.

إن من الواجب على الأمة أن يكون "إصلاح الفقيه" من أولوياتها تأهيلاً وتعليماً وإعداداً وتزكية، ومن الواجب عليها أن تعلم أن التساهل في تأهيل الفقيه سيعود عليها بالضرر الوخيم، وأن وقوع الخلل في أداء الفقيه لوظائفه لا يتحمله الفقيه وحده، بل يتحمله المحيط والمجتمع والبيئة التي تساهلت مع ضعيف الإعداد أو ضعيف النفس والتزكية الإيمانية حتى تسنم ذرى هذا المقام العالي.

فالكتاب من الكتب القيمة التي ينبغي على العلماء وطلاب العلم والباحثين المتخصصين في الفقه الإسلامي وأصوله العناية به ودراسته دراسة جيدة والاستفادة منه في إصلاح الفقيه والفقه الإسلامي، وذلك من خلال هذه الأمور المهمة في هذه الدراسة، والتي من شأنها أن ترتقي بالفقه والفقيه والدراسات الفقهية والتأليف الفقهي والتعليم بصفة عامة.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل

كتبه

د: أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن

جامعة الأزهر الشريف
 
أعلى