العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الرؤيا بشرى من الله سبحانه : لعبد الحكيم البالاني

إنضم
16 مايو 2022
المشاركات
3
الجنس
ذكر
الكنية
ابو غياث الدين
التخصص
اصول الدين
الدولة
العراق
المدينة
السليمانية
المذهب الفقهي
شافعي
الرؤيا بشرى من الله سبحانه : لعبد الحكيم البالاني

ويكون هذا خاص بالأنبياء وبالمقربين والصالحين والمؤمنين الصادقين ، فتكون الرؤيا التي يرونها الأنبياء وحي ولغير الأنبياء من المؤمنين بشرى من الله تعالى بدليل ما تقدم من الأحاديث الشريفة ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ )).([1]) ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(( الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ )).([2])

قال المهلب في شرح هذا الحديث (( الرؤيا الصالحة وهو تفسير المراد بالحسنة هنا أو المراد غالب رؤيا الصالحين وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم ، قال : فالناس على هذا ثلاث درجات : الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير ، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير، وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق ،والأضغاث وهم ثلاثة أقسام : مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم ، وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق، وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جداً، ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(( أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً )).([3])

فتكون الرؤيا مبشرة حسب حال الرائي وحسب قربه ومنزلته عند الله سبحانه فهي جزء من النبوة من حيث صدق وقوعها ويكرم الله بها المؤمنين ببشارات يبشرهم بها كما ورد في الحديث الذي مر عن أبي الدرداء وكذلك عندما سأل عبادة بن الصامت الرسول صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى:}لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {([4])، قال : (( هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ )).([5])

وذكر العلماء في معنى كونها جزءاً من أجزاء النبوة من حيث إنها إطلاع على الغيب بواسطة الملك إن كانت صالحة ([6]) ، أو أنها من أجزاء علم النبوة من حيث أن فيها أخباراً عن الغيب والنبوة غير باقية ولكن علمها باقٍ ، وقيل معناه تعبير الرؤيا كما أوتي ذلك يوسف عليه السلام ([7]) . يؤيد ذلك جواب الإمام مالك عندما سُئل : أيعبر الرؤيا كل أحد ؟ فقال : أبا لنبوة يلعب.([8])

أما كم تمثل الرؤيا من أجزاء النبوة فقد أجمل الإمام النووي الروايات الواردة في ذلك بقوله : (( وفي رواية ] رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ خمس وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ [ ، وفي رواية ] رؤيا الرجل الصَّالِحَ جُزْءٌ مِنْ خمسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ [ ، وفي رواية ]الرؤيا الصالحة جُزْءٌ مِنْ سبعين جزءاً من النبوة [ ، فحصل ثلاث روايات مشهورة ، المشهور ست وأربعون والثانية خمسة وأربعون والثالثة سبعون جزءاً ، وفي غير مسلم من رواية ابن عباس ] من أربعين جزءاً [ ، وفي رواية ] من تسعة وأربعين [ ، وفي رواية العباس ] من خمسين [ ، ومن رواية أبن عمر ] من ستٍ وعشرين [ ، وفي رواية عباده ] من أربعٍ وأربعين [ ، قال القاضي عياض أشار الطبري إلى إن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي ، فالمؤمن الصالح تكون رؤياه جزءاً من ستة وأربعين جزءاً ، والفاسق جزءاً من سبعين جزءاً )).([9]) وقال أبن القيم:(( وقد قيل في الجمع بينهما أن ذلك بحسب حال الرائي ، فإن رؤيا الصديقين من ستة وأربعين ، ورؤيا عموم المؤمنين الصادقة من سبعين)).([10])

وقال أبن عبد البر : (( في عدد أجزاء الرؤيا من النبوة ليس ذلك عندي اختلاف تضاد وتدافع والله أعلم ، لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على ستة وأربعين جزءاً أو أربعة وأربعين جزءاً أو خمسين جزءاً أو سبعين جزءاً على حسب ما يكون الذي يراها من صدق الحديث وأداء الأمانة والدين الحنيف وحسن اليقين ، فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد والله أعلم ، فمن خلصت نيتهُ في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه كانت رؤياه أصدق وإلى النبوة أقرب ، كما أن الأنبياء يتفاضلون والنبوة كذلك والله اعلم )).([11]) وقال الإمام الغزالي :(( إن الاختلاف يرجع إلى اختلاف درجات الرؤية والرائي ولا تظن إن تقدير النبي صلى الله عليه وسلم جرى على لسانه جزافاً واتفاقاً بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق فإنه لا ينطق عن الهوى فهو تقدير تحقيق لكن ليس في قوة غيره معرفة علة تلك النسبة إلا بالتخمين إذ يعلم أن النبوة عبارة عما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم ويفارق به غيره )).([12])

ومن خلال الجمع بين أقوال العلماء ترى أنهم متفقون على إن الرؤيا تكون بحسب حال الرائي ، وإنها من أجزاء النبوة من حيث صدقها مع ترجيحنا بما ذكره أبن القيم في تفسير اختلاف الروايات، وإن هذهِ الرؤيا الصالحة تزداد درجة صدقها ونسبتها من النبوة بازدياد صاحبها صدقاً في حاله ومقاله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً )).([13]) وكلما أزداد المؤمن قرباً من صفات النبوة ازدادت نسبة رؤياه منها ، وقد ذكر أبن القيم : (( أن هذهِ الرؤيا الصحيحة تكون على أقسام منها : إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد وهو كلام يكلم به الربُّ عبده في المنام كما قال عبادة بن الصامت وغيره . ومنها : مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها .ومنها : التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم كما ذكرنا . ومنها : عروج روحه إلى الله سبحانه وتعالى وخطابها له . ومنها : دخول روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك )).([14]) وهذه الأقسام التي ذكرها أبن القيم رحمه الله هي على العموم إكرام من الله تعالى لعبده المؤمن وتشريف له إما بتكليمه كما ذكر ويؤيده حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(( أن رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبد ربه في المنام)). ([15]) وهو أمر يستبشر به المؤمن لكونه يناسب غايته وهي رضا ربه وقربه منه . وإما : بإطلاعه على غيب سيقع أما تبشيراً أو إنذاراً وهي في الحالتين رحمة من الله للمؤمن ورفقاً به ليستبشر بالخير ويستعد للبلاء قبل وقوعه ، وهي لكونها من الله يكون تأويلها موافقاً لما في اللوح المحفوظ.([16]) وإما : ترويحاً لروحه برؤية الأنبياء والصديقين والصالحين أو مشاهدة نعيم الجنة أو ما ينتظره من ثواب الله ونعيمه جزاء على عمله أو برؤية من أقاربه وأصحابه . ومن فوائدها أنها تكون سبباً من أسباب الهداية أو الثبات في الدين.([17])



([1]) صحيح البخاري : 6 /2564 ، ( 6589 ) .
([2]) المصدر نفسه ، 6 /2562 ، ( 6582 ) .
([3]) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي
الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1379 ،رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي ، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب ،12 /362 .
([4]) سورة يونس : الآية 63 .
([5]) سنن أبن ماجة ، 2 /1281 .
([6]) ينظر حاشية السندي على سنن ابن ماجه ، لمحمد بن عبد الهادي التتوي، أبو الحسن، نور الدين السندي (ت: 1138هـ) ، دار الجيل - بيروت، بدون طبعة ، (نفس صفحات دار الفكر، الطبعة - الثانية) ،1 /278 .
([7]) ينظر عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته ، لمحمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي (ت: 1329هـ) ، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت ، الطبعة: الثانية، 1415 هـ ، 13/ 245.
([8]) ينظر تفسير القرطبي ، 9 /126 .
([9]) صحيح مسلم بشرح النووي ، 15 /21 .
([10]) مدارج السالكين ، لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ) ، المحقق: محمد المعتصم بالله البغدادي ، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت ، الطبعة: الثالثة، 1416 هـ - 1996م ، 1/50 .
([11]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463هـ) ، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي , محمد عبد الكبير البكري ، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب ، عام النشر: 1387 هـ ، 1 /283،284 .
([12]) فيض القدير شرح الجامع الصغير ، لزين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (ت: 1031هـ) ، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى – مصر، الطبعة: الأولى، 1356 ، 4 /48 .
([13]) ينظر رياض الصالحين ، لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ) ، المحقق: شعيب الأرنؤوط ، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان ، الطبعة: الثالثة، 1419هـ/1998معدد الأجزاء: 1، ص348.
([14]) الروح ، ص29 .
([15]) ينظر نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، لمحمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، الحكيم الترمذي (ت: نحو 320هـ) ، المحقق: عبد الرحمن عميرة ، الناشر: دار الجيل - بيروت ، 1 /190 .
([16]) ينظر تفسير القرطبي ،9 /83 ،85 .
([17]) ينظر مدارج السالكين ،1 /49 .
 
أعلى