العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل تقدم الركبتان على اليدين عند الخرور إلى السجود ؟

إنضم
31 مايو 2024
المشاركات
5
الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أيمن
التخصص
أصول الفقه - فقه
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر العاصمة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذا كلام مختصر يتعلق بمسألة فقهية حصل فيها خلاف بين العلماء الأفاضل، ونزاع بين الأئمة الفطاحل، وهي مسألة :"هل تقدم الركبتان على اليدين عند الخرور إلى السجود أو العكس"؟، حيث اكتفيت بذكر ما اطمأن إليه القلب، وانشرح له الصدر، مع الإلماح على أدلة القول المخالف، ثم الإجابة عنه، والله أسأل أن يوفقنا جميعا لاتباع السنة، إنه سميع قريب، فأقول:
-إن الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة، ومقتضى الأصول، وكلام أهل اللسان، هو سنية تقديم اليدين قبل الركبتين عند الخرور إلى السجود، وذلك لما يلي:
#أولا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:[إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه](1).
#ثانيا: [ يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل ](2)، وقد عرفنا من خلال حديث أبي هريرة أن الجمل يقدم ركبتيه عند البروك، فيفسر هذا الحديث بحديث أبي هريرة، والله أعلم.
#ثالثا: وعن ابن عمر رضي الله عنه قال :[كان رسول اللهِﷺ يضع يديه قبل ركبتيه](3).
■ قلت: فدل ما سبق أن السنة عند الهوي إلى السجود هي تقديم اليدين على الركبتين، وبهذا قال الأوزاعي ومالك وأحمد في رواية، ونقله ابن أبي داود عن أصحاب الحديث، وبه قال ابن حزم(4).
-وأما ما احتج به المخالفون وهو حديث وائل بن حجر قال:[رأيت النبيﷺ إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه](5)، فيجاب عنه بما يلي:
-أولا: أنه حديث قد ضعفه أهل العلم.
-ثانيا: أنه لو صح فإنه حديث فعلي، وهو معارض بحديث أبي هريرة السالف وهو قولي، والمقرر في علم الأصول أن القول مقدم على الفعل حال التعارض، ثم إنه قد اتفق القول هنا -وهو حديث أبي هريرة- مع الفعل -وهو حديث ابن عمر- فيكون ذلك -من زاوية أخرى- مقدما على ما دل عليه حديث وائل بن حجر.
-ومما يقوي هذا، أن السنة عند السجود "مجافاة اليدين على الجنبين"، وهذا لا يتصور في حديث وائل، فتنبه.
■ يبقى الكلام عن موضع ركبتي البعير، فإن المعروف بالضرورة والمشاهدة أن ركبتي البعير في يده، وبهذا جزم صاحب "لسان العرب" تحت مادة "ركب" حيث قال: "ﻭﺭﻛﺒﺔ اﻟﺒﻌﻴﺮ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ. ﻭﻗﺪ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﺬﻭاﺕ اﻷﺭﺑﻊ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻭاﺏ: ﺭﻛﺐ. ﻭﺭﻛﺒﺘﺎ ﻳﺪﻱ اﻟﺒﻌﻴﺮ: اﻟﻤﻔﺼﻼﻥ اﻟﻠﺬاﻥ ﻳﻠﻴﺎﻥ اﻟﺒﻄﻦ ﺇﺫا ﺑﺮﻙ، ﻭﺃﻣﺎ اﻟﻤﻔﺼﻼﻥ اﻟﻨﺎﺗﺌﺎﻥ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ﻓﻬﻤﺎ اﻟﻌﺮﻗﻮﺑﺎﻥ. ﻭﻛﻞ ﺫﻱ ﺃﺭﺑﻊ، ﺭﻛﺒﺘﺎﻩ ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻪ، ﻭﻋﺮﻗﻮﺑﺎﻩ ﻓﻲ ﺭﺟﻠﻴﻪ"اه‍(6).
قلت: فتبين لنا بهذا أن ركبتي البعير في يده، وأنه إذا أراد البروك قدم ركبتيه، فأمرنا رسول اللهِﷺ بمخالفته بأن نقدم اليدين قبل الركبتين عند الخرور إلى السجود، يقول الإمام الطحاوي -رحمه الله: "إن البعير ركبتاه في يديه وكذلك في سائر البهائم، وبنو آدم ليسوا كذلك، فقال: لا يبرك على ركبتيه اللتين في رجليه، كما يبرك البعير على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يبدأ فيضع أولا يديه اللتين ليس فيهما ركبتان، ثم يضع ركبتيه، فيكون ما يفعل في ذلك بخلاف ما يفعل البعير... "اه‍(7).
وهذا التحقيق في المسألة، والله أعلى وأعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
____________________
1)- رواه أحمد(٢/‏٣٨١)، وأبو داود(٨٤٠)، والترمذي(٢/‏٥٧-٥٨)، والنسائى(١/‏١٤٩)، والدارمى(١/‏٣٠٣)، والدارقطني(١٣١) والبيهقى
(٢/‏٩٩-١٠٠)، وغيرهم.
والحديث سكت عنه أبو داود، وقد أعل بتفرد الدراوردي به عن محمد بن عبد الله، ومحمد هذا تفرد به عن أبى الزناد.
أقول: أما هذان فقد وثقا، والدراوردي ممن يحتج به، وهو من رجال مسلم، وقد توبع كما في الحديث الذي بعده، وجود إسناد الحديث النووي فى"المجموع"(٣/‏٤٢١)، وابن سيد الناس في
"النفح الشذي"(٤٨٣/٤)، والزرقانى في"شرح المواهب"(٧/‏٣٢٠)، وقواه الحافظ في "البلوغ"(٣٠٨)، وقال العيني في "نخب الأفكار"(٣٩٥/٤): بعد أن ذكر له إسنادين: هذان إسنادان صحيحان، وصححه السيوطي في"الجامع الصغير"(٦٦٨)، وقال أحمد شاكر في "تحقيق المسند"(١٢٩/٤): إسناده صحيح، وقال الألباني في"الإرواء"(٧٨/٢): وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات... .
2)- رواه أبو داود(٨٤١)، والترمذي(٢٦٩)، والنسائي(١٠٩٠)، والبيهقي(١٠٠/٣) وغيرهم.
والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حديث غريب، لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه...اه‍.
وقد ورد الحديث من طريق عبد الله بن نافع وهو ثقة ومن رجال مسلم، ولهذا قال الألباني في "الإرواء"(٧٩/٢): "فهذه متابعة قوية، فإن ابن نافع ثقة أيضا من رجال مسلم كالدراوردى"اه‍.
والحديث قال عنه المباركفوري في"تحفة الأحوذي"(١٢٠/٢): صحيح أو حسن لذاته رجاله كلهم ثقات، وصححه الألباني.
3)- روه الدارقطني(٣٤٤/١)، والبيهقي(١٠٠/٢)، والحاكم
(٣١٨/١-٣٤٩)، والطحاوي في"شرح المعاني"(٢٥٤/١).
والحديث صححه ابن خزيمة(٦٢٦)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وحسن إسناده العظيم آبادي في"عون المعبود"(٤٣/٣)، وصححه الألباني في "الإرواء"(٧٧/٢).
4)- أنظر: الأوسط(١٦٥/٣)، حاشية الدسوقي
(٢٥٠/١)، المغني(٣٧٠/١)، المحلى(٤٤/٣)، زاد المعاد(٣٨٣/٢).
5)- رواه أبو داود(٨٣٨)، والنسائى(١/‏١٦٥)، والترمذى(٢/‏٥٦)، وابن ماجه(٨٨٢)، والدارقطنى
(١٣١-١٣٢)، والحاكم(١/‏٢٢٦) وغيرهم من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل به.
والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك".
أقول: الحديث مختلف فيه، ومداره على شريك القاضي، وهو مع كونه ثقة صدوقا عابدا عاقلا ومن رجال مسلم والأربعة إلا أنه تكلم فيه، فقد كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه، وضعف حديثه جدا ويقول: ما زال مخلطا، وقال أبو حاتم الرازي: له أغاليط، وقال أبُو زرعة: صاحب وهم. وقال البيهقي: "لم يحتج به أكثر أهل العلم بالحديث".
أنظر: الضعفاء الكبير(١٩٣/٢)، الضعفاء والمتروكين(٣٩/٢) لابن الجوزي، السنن الكبرى(٣٠٠/٢١) للبيهقي.
ثم إن شريكا تفرد به، وهذا مما نص عليه الأئمة كالبخاري والترمذي والبيهقي وغيرهم، وهذه علة أخرى للحديث، قال الدراقطني(١٥٠/٢): تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به، والله أعلم".
وهذا إذا تفرد، فكيف إذا خالف غيره من الثقات ؟؟.
والحديث ضعفه الألباني في "الإرواء"(٧٦/٢).
6)-لسان العرب(١٤٣/١)، وانظر: تهذيب اللغة (١٢٣/١٠)، تاج العروس(٥٢٧/٢).
7)- شرح معاني الآثار(٢٥٤/١).
 
أعلى