العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فقه تلقين المحتصر

إنضم
31 مايو 2024
المشاركات
9
الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أيمن
التخصص
أصول الفقه - فقه
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر العاصمة
الحمد لله وبعد:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِﷺ: [ لَقِّنُوا مَوْتاكُمْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ](1).

#في هذا الحديث دليل على مشروعية تلقين الميت، وهذا حتى يكون آخر ما ينطق به كلمة التوحيد، لما رواه أبو داود وغيره من حديث معاذ بن جبل مرفوعاً: [ من كانَ آخرُ كلامِهِ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ دَخلَ الجنَّةَ ](2).
#ومعنى تلقين الميت: تذكيره بكلمة التوحيد، وإفهامه إياها.
#لكن هل يكون ذلك بصيغة الأمر، أو يتلفظ بها عنده ليسمع ذلك فينطق بها؟؟، فيه خلاف:
-فقيل: بأنه يتلفظ بها عنده.
-وقيل: بأنه يؤمر بذلك.
-وقيل بالتفصيل، وهو قول الفقيه ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال: "ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻝ اﻟﻤﺮﻳﺾ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻗﻮﻳﺎ ﻳﺘﺤﻤﻞ، ﺃﻭ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻓﺮا ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺆﻣﺮ ﻓﻴﻘﺎﻝ: ﻗﻞ: ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، اﺧﺘﻢ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﺑﻼ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺫﻟﻚ.
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﺿﻌﻴﻔﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺆﻣﺮ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻤﻊ ﻓﻴﺘﺬﻛﺮ، ﻭﻫﺬا اﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻣﺄﺧﻮﺫ ﻣﻦ اﻷﺛﺮ، ﻭاﻟﻨﻈﺮ.
ﺃﻣﺎ اﻷﺛﺮ ﻓﻸﻥ اﻟﻨﺒﻲﷺ [ﺃﻣﺮ ﻋﻤﻪ ﺃﺑﺎ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻨﺪ ﻭﻓﺎﺗﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ:ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ:ﻳﺎ ﻋﻢ ﻗﻞ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ(3).
ﻭﺃﻣﺎ اﻟﻨﻈﺮ: ﻓﻸﻧﻪ ﺇﻥ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﺧﻴﺮ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻘﻠﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻓﺮ، ﻓﻠﻮ ﻓﺮﺽ ﺃﻧﻪ ﺿﺎﻕ ﺻﺪﺭﻩ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻠﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﺑﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﻟﻢ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ، ﻭﻛﺬا ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﻤﻦ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﻓﺈﻥ ﺃﻣﺮﻧﺎﻩ ﺑﻬﺎ ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺿﻌﻴﻔﺎ ﻓﺈﻥ ﺃﻣﺮﻧﺎﻩ ﺑﻬﺎ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻪ ﺭﺩ ﻓﻌﻞ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻀﻴﻖ ﺻﺪﺭﻩ، ﻭﻳﻐﻀﺐ ﻓﻴﻨﻜﺮ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻓﺮاﻕ اﻟﺪﻧﻴﺎ"(4)اه‍ كلامه.
#والتلقين مشروع بالإجماع(5)، والجمهور على أنه سنة(6)، وذهب جماعة وهو قول لبعض الحنفية إلى أنه واجب(7)، لظاهر الأمر الوارد في الحديث، وهو ما استظهره العلامة المحدث آدم الإثيوبي رحمه الله(8)، والله أعلم.
#والتلقين من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، يقول القاضي عياض رحمه الله: "وفي أمر النبىﷺ بذلك (أي التلقين) دليل على تعين الحضور عند الميت لاحتضاره، لتذكيره وإغماضِه، والقيام عليه، وأن ذلك من حقوق المسلم على المسلمين، ولا خلاف فى ذلك"(9).
#والمشروع في التلقين أن يكون برفق ومن غير إكثار أو موالاة، وذلك لئلا يضجر المحتضر بضيق حاله وشدة كربه، فيكره ذلك بقلبه، ويتكلم بما لا يليق(10)، وإذا قالها فلا يكرر له ذلك، اللهم إلا إذا تكلم بكلام آخر فإنه يعاد تلقينه على النعت الذي ذكرناه، وهذا ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله، وقد روي عن ابن المبارك: "أنَّهُ لَمّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: "إذا قُلْتُ مَرَّةً فَأنا عَلى ذَلِكَ ما لَمْ أتَكَلَّمْ بِكَلامٍ"(11).
#ويكتفى في التلقين بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، ولا يشترط ذكر ضميمتها: محمد رسول الله، وقوفا على لفظ الحديث، لأن المحتضر مسلم، ولأن المقصود من تلقينه موته على الإسلام، وختم كلامه بلا إله إلا الله، وخالف في هذا آخرون فقالوا بتلقينه الشهادتين، لأن الأولى لا تقبل إلا بالثانية(12)، والأول أقرب، والله وأعلم.
لكن يستثنى من ذلك الكافر، فلا بد أن يلقن الشهادتين لخبر اليهودي.
والعلم عند الله تعالى.
وهذا آخر ما تيسر جمعه، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
________________
1)- رواه مسلم(٩١٧) وغيره.
2)-أخرجه أبو داود(٣١١٦) واللفظ له، وأحمد(٢٢٠٣٤)، والحاكم
(٥٠٣/١) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي، وصححه الألباني في"صحيح أبي داود"(٣١١٦).
3)- ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ(١٣٦٠)، ﻭﻣﺴﻠﻢ(٢٤).
4)- الشرح الممتع(٢٤٧/٥). وانظر في المسألة: الاختيار(٩١/١)لابن مودود، شرح الخرشي(١٢٢/٢)، شرح الزرقاني(١٦٧/٢)، روضة الطالبين(٢/٩٧)، المفهم(٥٦٩/٢).
5)- أنظر: شرح مسلم(٢١٩/٦) للنووي.
6)- أنظر: بدائع الصنائع(٢٩٩/١)، بداية المجتهد(٢٣٨/١)،روضة الطالبين(٩٧/٢)، الشرح الكبير (٣٠٤/٢).
7)- أنظر: رد المحتار(١٩٢/١)، مجمع الأنهر(١٧٩/١)، مرقاة
المفاتيح(١١٦٦/٣).
8)- أنظر: شرح مسلم(١٣٥/١٨) له.
9)- إكمال المعلم(٣٥٧/٣)، وانظر: المفهم(٥٧٠/٢).
10)- أنظر: المجموع(١١٥/٥)، المغني(٣٣٥/٢).
11)- ذكره الترمذي(٢٩٨/٣).
12)- أنظر الخلاف في المسألة: رد المحتار(١٩٠/٢)، شرح الزرقاني(١٦٧/٢)، مغني المحتاج(٥/٢)، المبدع (٢١٩/٢).
 
أعلى