أبو أيمن أمين الجزائري.
:: متابع ::
- انضم
- 31 مايو 2024
- المشاركات
- 21
- الإقامة
- الجزائر العاصمة
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو أيمن
- التخصص
- أصول الفقه - فقه
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- الجزائر العاصمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فقد تقاطرت أقوال أهل العلم في تقرير أن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وأنها وضعت لمصالح العباد، يقول العلامة العز بن عبدالسلام -رحمه الله-:"والشريعة كلها مصالح، إما بدرء مفاسد، أو بجلب مصالح، فإذا سمعت الله يقول: {ياأيها الذين آمنوا} فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إﻻ خيراً يحثك عليه، أو شرا يزجرك عنه، أو جمعا بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض اﻷحكام من المفاسد، حثا على اجتناب المفاسد، وما في بعض اﻷحكام من المصالح، حثا على إتيان المصالح"اه(1).
-هذا، وقد جاءت عدة نصوص تبين ذلك وتجليه، منها:
-قوله تعالى:{ وما أرسلناك إﻻ رحمة للعالمين}.
-ومنها: النصوص التي وردت في تعليل اﻷحكام تعليلا يحقق مصالح العباد، فقال تعالى بعد آية الوضوء: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم}، وفي الصيام قال:{كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، ونحو ذلك من النصوص الواردة في تعليل اﻷحكام التي تتحقق بها مصالح العباد كالنصوص الواردة في تقرير التوحيد، والواردة في الصلاة والقصاص وغير ذلك.
■والمصلحة في اللغة: تطلق على الخير والصواب، وهي ضد الشر والفساد.(3).
وأما في اﻻصطلاح: فهي وصف للفعل يحصل به الصلاح، أي النفع منه دائماً أو غالباً للجمهور أو للآحاد.(4).
■ثم إن المصالح منها ما هي معتبرة، ﻻعتبار الشارع لها، وهذا كاﻹسكار، فإنه وصف مناسب لتحريم الخمر لتضمنه مصلحة حفظ العقل.
-ومنها ماهي ملغاة، ﻹلغاء الشرع لها، وعدم اعتباره لها، كالدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث بادعاء العدل، وكمن يرون أن إقامة الحدود مفسدة منافية للمصلحة!!.
-ومنها ما لم يشهد ﻻعتبارها دليل خاص، وﻻ ﻹلغائها دليل خاص، وهذه هي المصلحة المرسلة وتسمى أيضا:"اﻻستصلاح"(5)، وهي موضوع بحثنا في هذا المقال.
■ومعنى المصلحة المرسلة: "أنها التي لم يشهد الشرع ﻻعتبارها وﻻ ﻹلغائها بدليل خاص"(6).
-وسميت "مصلحة" ﻻشتمالها عليها، وسميت "مرسلة" ﻷنه لم يرد في الشرع ما يدل على اعتبارها وﻻ إلغائها.
■وهذه المصلحة تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي
7)
-اﻷول: مصلحة درء المفاسد، وهي المعروفة بالضروريات، وهي ستة: الدين والنفس والعرض والمال والعقل والنسب.
-الثاني: مصلحة جلب المصالح، وتسمى الحاجيات.
-الثالث: مصلحة الجري على مكارم اﻷخلاق ومحاسن العادات، وتسمى: التحسينيات، أو: التتميميات.
▪والمصلحة المرسلة -كما ذكرت- هي التي لم يأت في الشرع ما يدل على اعتبارها أو إلغائها، فهي مطلقة غير مقيدة بدليل إلغاء أو بدليل اعتبار، ويمثل لها القائلون بها بالمصلحة التي اتخذت ﻷجلها السجون، وضربت لها النقود، وجمع الصحابة للقرآن في مصحف واحد، ونقط المصحف وتشكيله...الخ.
-فإذاً: المصلحة المرسلة هي تشريع حكم لواقعة ﻻ نص فيها وﻻ إجماع، لتحقيق مصلحة لم يرد التنصيص عليها من الشريعة، فهي محض اجتهاد ليس إﻻ.
-وقد نص أئمة اﻹسلام على أن الشريعة اﻹسلامية لم تهمل مصلحة قط، وكل مصلحة ﻻ بد وأن تكون مذكورة في كتاب أو سنة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وما ظنه العباد مصلحة فأيضا ﻻبد وأن تكون مذكورة في شريعتنا، أما ما لم تعتبره الشريعة مصلحة فلا يصح أن توصف كذلك، بل هي موهومة ومظنونة، يقول شيخ اﻹسلام: "والقول الجامع أن الشريعة ﻻ تهمل مصلحة قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم لنا النعمة..."اه كلامه(8)، قلت: واﻷدلة في ذلك أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، وكلها تدل على أن الشريعة لم تهمل مصلحة قط، والرسولﷺ قد بين ﻷمته كل ما فيه صلاح لها، ولوﻻ ضيق المقام لسردت جملة طيبة من تلك النصوص الدالة على ذلك.
■ وإذا عرفت هذا، فلتعلم أن العلماء قد اختلفوا في حكم اﻻحتجاج بالمصلحة المرسلة على أقوال(9)، وﻻ يتسع المجال لذكرها، فحسبنا أن نقول:
-المصلحة المرسلة إما أن تكون في العبادات أو المعاملات:
▪أما في العبادات فلا يصح العمل بها أصلا، ﻷن فيه فتحا لفساد كبير وشر مستطير، وتشريعا في الدين ما لم يأذن به الله، وهذا واضح وجلي، فإن العبادات سبيلها التوقيف، وﻻ يجوز فعل أي عبادة إﻻ بنص، وإﻻ كانت مردودة غير مقبولة. والله سبحانه قد أكمل لنا الدين، وأتم لنا النعمة، ورضي لنا اﻹسلام ديناً آخر اﻷديان، فكل من فعل عبادة ولم يدل عليها دليل فإنه يكون بذلك مستدركا على الشرع، وقد قال تعالى:{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، وقالﷺ: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد](10)، أي: مردود غير مقبول، فكل عمل لم يدل عليه دليل فهو مردود.
وﻻ يصح التذرع في ذلك بالمصلحة المرسلة، ﻷن ذلك متعذر، ووجه ذلك أن كل عبادة وما يتعلق بها قد ورد التنصيص عليها في كتاب الله وسنة رسولهﷺ، فاﻹحداث في الدين ليس فيه مصلحة، بل فيه من المفاسد ماالله به عليم، فلا وجه للإحداث فيه باسم المصلحة المرسلة، ﻷن فيه افتراء على الشريعة وعلى المشرع، وهذا عظيم جدا، ولهذا ذكر العلماء -رحمهم الله- ضابط الفرق بين البدع والمصالح المرسلة ليبينوا أنه ﻻ وجه للتوسع فيما لم يتوسع فيه رسول اللهِﷺ، يقول شيخ اﻹسلام: "فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول اللهِﷺ موجودا لو كان مصلحة ولم يفعل يعلم أنه ليس بمصلحة، وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق فقد يكون مصلحة "(12)اه كلامه.
▪قلت: فبان بهذا أن القول بجواز العمل بالمصلحة المرسلة في باب العبادات خطأ محض، فالواجب على المكلف أن يقنع بما ثبت وروده عن الشارع، فإن الخير في ذلك، وما يضاده شر مستطير، وبالله التوفيق.
■هذا في باب العبادات، أما في باب المعاملات فإن العلماء يختلفون في جواز العمل بالمصلحة المرسلة في المعاملات، وكل له أدلته، وعلى القول بالجواز فإنه ينبغي أن يكون ذلك في دائرة ضيقة، ﻷننا نعلم أن الشارع قد استكمل مصالح الخلق، فلم يترك شيئاً مما فيه مصلحه إﻻ وبينه أتم بيان، يقول العلامة محمد اﻷمين الشنقيطي في معرض كلامه عن حكم اﻻحتجاج بالمصلحة المرسلة: "التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر، حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها، أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال"اه(13).
قلت: والذين قالوا بالجواز، اشترطوا لذلك شروطا، ووضعوا له ضوابط ﻻبد من مراعاتها، وهذا حتى ﻻ تتعارض تلك المصالح مع مقاصد الشريعة، وحتى ﻻ تعود عليها بالهدم، والله أعلم.
■ فحاصل الكلام ومجمل المرام أن هذه المسألة ينبغي إمعان النظر فيها، وعدم التساهل في اﻻسترسال معها، وينبغي أيضا أخذ الحيطة والحذر في العمل بها حتى تتحقق صحة تلك المصلحة وتتحقق سلامتها مما هو أرجح منها أو مساو لها، وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.
وكتب:
جامعه: أبو أيمن أمين الجزائري.
__________________________
1)قواعد اﻷحكام(١٤/١)، وانظر له: القواعد الصغرى(ص١٠٨).
2)-أنظر:الموافقات(٢٦٢/٢).
3)-المصباح المنير(ص٥٤٣).
4)-مقاصد الشريعة(ص٦٥) ﻻبن عاشور، وعنه: نظرات في أصول الفقه(ص٢٢٢) للأشقر.
5)-أنظر:روضة الناظر(٤٧٨/١)،لباب لمحصول
(ص٤٥٣)، شرح الكوكب المنير(٤٣٣/٤)، التحبير (٣٨٣٤/٨)، المذكرة(ص٣٠٢).
6)-أنظر: روضة الناظر(٤١٣/١)، المذكرة(ص٣٠١).
7)-أنظر: المستصفى(٢/٤٨٢)، روضة الناظر (٤٧٩/١)، شرح مختصر الروضة(٢٠٦/٣)، المذكرة(ص٣٠٣)، المصالح المرسلة للشنقيطي (ص٦).
8)-مجموع الفتاوى(٣٤٤/١١).
9)-أنظر:البحر المحيط(٧٦/٦)، روضة الناظر (٤٨٢/١)، شرح الكوكب المنير(١٦٩/٤)، شرح مختصر الروضة(٢١٠/٣)، نهاية السول(٣٨٦/٤) للأسنوي.
10)-أخرجه البخاري(٢٦٩٧)، ومسلم(١٧١٨).
11)-إقتضاء الصراط المستقيم(ص٣١١)، وانظر: مجموع الفتاوى(١٧٢/٢٦).
12)-المصالح المرسلة(ص٢١) للشنقيطي.
فقد تقاطرت أقوال أهل العلم في تقرير أن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وأنها وضعت لمصالح العباد، يقول العلامة العز بن عبدالسلام -رحمه الله-:"والشريعة كلها مصالح، إما بدرء مفاسد، أو بجلب مصالح، فإذا سمعت الله يقول: {ياأيها الذين آمنوا} فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إﻻ خيراً يحثك عليه، أو شرا يزجرك عنه، أو جمعا بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض اﻷحكام من المفاسد، حثا على اجتناب المفاسد، وما في بعض اﻷحكام من المصالح، حثا على إتيان المصالح"اه(1).
-هذا، وقد جاءت عدة نصوص تبين ذلك وتجليه، منها:
-قوله تعالى:{ وما أرسلناك إﻻ رحمة للعالمين}.
-ومنها: النصوص التي وردت في تعليل اﻷحكام تعليلا يحقق مصالح العباد، فقال تعالى بعد آية الوضوء: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم}، وفي الصيام قال:{كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، ونحو ذلك من النصوص الواردة في تعليل اﻷحكام التي تتحقق بها مصالح العباد كالنصوص الواردة في تقرير التوحيد، والواردة في الصلاة والقصاص وغير ذلك.
■والمصلحة في اللغة: تطلق على الخير والصواب، وهي ضد الشر والفساد.(3).
وأما في اﻻصطلاح: فهي وصف للفعل يحصل به الصلاح، أي النفع منه دائماً أو غالباً للجمهور أو للآحاد.(4).
■ثم إن المصالح منها ما هي معتبرة، ﻻعتبار الشارع لها، وهذا كاﻹسكار، فإنه وصف مناسب لتحريم الخمر لتضمنه مصلحة حفظ العقل.
-ومنها ماهي ملغاة، ﻹلغاء الشرع لها، وعدم اعتباره لها، كالدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث بادعاء العدل، وكمن يرون أن إقامة الحدود مفسدة منافية للمصلحة!!.
-ومنها ما لم يشهد ﻻعتبارها دليل خاص، وﻻ ﻹلغائها دليل خاص، وهذه هي المصلحة المرسلة وتسمى أيضا:"اﻻستصلاح"(5)، وهي موضوع بحثنا في هذا المقال.
■ومعنى المصلحة المرسلة: "أنها التي لم يشهد الشرع ﻻعتبارها وﻻ ﻹلغائها بدليل خاص"(6).
-وسميت "مصلحة" ﻻشتمالها عليها، وسميت "مرسلة" ﻷنه لم يرد في الشرع ما يدل على اعتبارها وﻻ إلغائها.
■وهذه المصلحة تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي
-اﻷول: مصلحة درء المفاسد، وهي المعروفة بالضروريات، وهي ستة: الدين والنفس والعرض والمال والعقل والنسب.
-الثاني: مصلحة جلب المصالح، وتسمى الحاجيات.
-الثالث: مصلحة الجري على مكارم اﻷخلاق ومحاسن العادات، وتسمى: التحسينيات، أو: التتميميات.
▪والمصلحة المرسلة -كما ذكرت- هي التي لم يأت في الشرع ما يدل على اعتبارها أو إلغائها، فهي مطلقة غير مقيدة بدليل إلغاء أو بدليل اعتبار، ويمثل لها القائلون بها بالمصلحة التي اتخذت ﻷجلها السجون، وضربت لها النقود، وجمع الصحابة للقرآن في مصحف واحد، ونقط المصحف وتشكيله...الخ.
-فإذاً: المصلحة المرسلة هي تشريع حكم لواقعة ﻻ نص فيها وﻻ إجماع، لتحقيق مصلحة لم يرد التنصيص عليها من الشريعة، فهي محض اجتهاد ليس إﻻ.
-وقد نص أئمة اﻹسلام على أن الشريعة اﻹسلامية لم تهمل مصلحة قط، وكل مصلحة ﻻ بد وأن تكون مذكورة في كتاب أو سنة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وما ظنه العباد مصلحة فأيضا ﻻبد وأن تكون مذكورة في شريعتنا، أما ما لم تعتبره الشريعة مصلحة فلا يصح أن توصف كذلك، بل هي موهومة ومظنونة، يقول شيخ اﻹسلام: "والقول الجامع أن الشريعة ﻻ تهمل مصلحة قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم لنا النعمة..."اه كلامه(8)، قلت: واﻷدلة في ذلك أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، وكلها تدل على أن الشريعة لم تهمل مصلحة قط، والرسولﷺ قد بين ﻷمته كل ما فيه صلاح لها، ولوﻻ ضيق المقام لسردت جملة طيبة من تلك النصوص الدالة على ذلك.
■ وإذا عرفت هذا، فلتعلم أن العلماء قد اختلفوا في حكم اﻻحتجاج بالمصلحة المرسلة على أقوال(9)، وﻻ يتسع المجال لذكرها، فحسبنا أن نقول:
-المصلحة المرسلة إما أن تكون في العبادات أو المعاملات:
▪أما في العبادات فلا يصح العمل بها أصلا، ﻷن فيه فتحا لفساد كبير وشر مستطير، وتشريعا في الدين ما لم يأذن به الله، وهذا واضح وجلي، فإن العبادات سبيلها التوقيف، وﻻ يجوز فعل أي عبادة إﻻ بنص، وإﻻ كانت مردودة غير مقبولة. والله سبحانه قد أكمل لنا الدين، وأتم لنا النعمة، ورضي لنا اﻹسلام ديناً آخر اﻷديان، فكل من فعل عبادة ولم يدل عليها دليل فإنه يكون بذلك مستدركا على الشرع، وقد قال تعالى:{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، وقالﷺ: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد](10)، أي: مردود غير مقبول، فكل عمل لم يدل عليه دليل فهو مردود.
وﻻ يصح التذرع في ذلك بالمصلحة المرسلة، ﻷن ذلك متعذر، ووجه ذلك أن كل عبادة وما يتعلق بها قد ورد التنصيص عليها في كتاب الله وسنة رسولهﷺ، فاﻹحداث في الدين ليس فيه مصلحة، بل فيه من المفاسد ماالله به عليم، فلا وجه للإحداث فيه باسم المصلحة المرسلة، ﻷن فيه افتراء على الشريعة وعلى المشرع، وهذا عظيم جدا، ولهذا ذكر العلماء -رحمهم الله- ضابط الفرق بين البدع والمصالح المرسلة ليبينوا أنه ﻻ وجه للتوسع فيما لم يتوسع فيه رسول اللهِﷺ، يقول شيخ اﻹسلام: "فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول اللهِﷺ موجودا لو كان مصلحة ولم يفعل يعلم أنه ليس بمصلحة، وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق فقد يكون مصلحة "(12)اه كلامه.
▪قلت: فبان بهذا أن القول بجواز العمل بالمصلحة المرسلة في باب العبادات خطأ محض، فالواجب على المكلف أن يقنع بما ثبت وروده عن الشارع، فإن الخير في ذلك، وما يضاده شر مستطير، وبالله التوفيق.
■هذا في باب العبادات، أما في باب المعاملات فإن العلماء يختلفون في جواز العمل بالمصلحة المرسلة في المعاملات، وكل له أدلته، وعلى القول بالجواز فإنه ينبغي أن يكون ذلك في دائرة ضيقة، ﻷننا نعلم أن الشارع قد استكمل مصالح الخلق، فلم يترك شيئاً مما فيه مصلحه إﻻ وبينه أتم بيان، يقول العلامة محمد اﻷمين الشنقيطي في معرض كلامه عن حكم اﻻحتجاج بالمصلحة المرسلة: "التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر، حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها، أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال"اه(13).
قلت: والذين قالوا بالجواز، اشترطوا لذلك شروطا، ووضعوا له ضوابط ﻻبد من مراعاتها، وهذا حتى ﻻ تتعارض تلك المصالح مع مقاصد الشريعة، وحتى ﻻ تعود عليها بالهدم، والله أعلم.
■ فحاصل الكلام ومجمل المرام أن هذه المسألة ينبغي إمعان النظر فيها، وعدم التساهل في اﻻسترسال معها، وينبغي أيضا أخذ الحيطة والحذر في العمل بها حتى تتحقق صحة تلك المصلحة وتتحقق سلامتها مما هو أرجح منها أو مساو لها، وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.
وكتب:
جامعه: أبو أيمن أمين الجزائري.
__________________________
1)قواعد اﻷحكام(١٤/١)، وانظر له: القواعد الصغرى(ص١٠٨).
2)-أنظر:الموافقات(٢٦٢/٢).
3)-المصباح المنير(ص٥٤٣).
4)-مقاصد الشريعة(ص٦٥) ﻻبن عاشور، وعنه: نظرات في أصول الفقه(ص٢٢٢) للأشقر.
5)-أنظر:روضة الناظر(٤٧٨/١)،لباب لمحصول
(ص٤٥٣)، شرح الكوكب المنير(٤٣٣/٤)، التحبير (٣٨٣٤/٨)، المذكرة(ص٣٠٢).
6)-أنظر: روضة الناظر(٤١٣/١)، المذكرة(ص٣٠١).
7)-أنظر: المستصفى(٢/٤٨٢)، روضة الناظر (٤٧٩/١)، شرح مختصر الروضة(٢٠٦/٣)، المذكرة(ص٣٠٣)، المصالح المرسلة للشنقيطي (ص٦).
8)-مجموع الفتاوى(٣٤٤/١١).
9)-أنظر:البحر المحيط(٧٦/٦)، روضة الناظر (٤٨٢/١)، شرح الكوكب المنير(١٦٩/٤)، شرح مختصر الروضة(٢١٠/٣)، نهاية السول(٣٨٦/٤) للأسنوي.
10)-أخرجه البخاري(٢٦٩٧)، ومسلم(١٧١٨).
11)-إقتضاء الصراط المستقيم(ص٣١١)، وانظر: مجموع الفتاوى(١٧٢/٢٦).
12)-المصالح المرسلة(ص٢١) للشنقيطي.
