أبو أيمن أمين الجزائري.
:: متابع ::
- انضم
- 31 مايو 2024
- المشاركات
- 21
- الإقامة
- الجزائر العاصمة
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو أيمن
- التخصص
- أصول الفقه - فقه
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- الجزائر العاصمة
-مقال:
نور المصابيح
في
مشروعية الزيادة في ركعات التراويح
الحمد لله وبعد:
فهذا بحث مختصر لطيف حول مشروعية الزيادة في عدد ركعات صلاة التراويح، أحببت نشره بغية الإفادة، والله أسأل التوفيق والسداد.
#فأولا: لا شك ولا ريب أن الأفضل والأكمل والأحسن هو الاكتفاء في صلاة التراويح وفي غيرها بإحدى عشرة ركعة، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: [ما كانَ رَسولُ اللَّهِﷺ يَزِيدُ في رَمَضانَ ولا في غيرِهِ على إحْدى عَشْرَةَ رَكْعَةً](1)، ولأنه هو الذي اختارهﷺ لنفسه.
-إلا أن التأسي والاقتداء التام إنما يحصل بموافقتهﷺ في الصفة والكم والعدد، لا في العدد فقط، فليتنبه !!.
-بيد أن ذلك لا يعني عدم مشروعية الزيادة على ذلك العدد، وذلك لأدلة صريحة في ذلك، وهي السنة والإجماع والآثار، ودونك البيان:
#أولا- من السنة:
-قولهﷺ: [صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنى مَثْنى](2)، حيث أطلق ولم يقيده بعدد، ثم إنه وقع جوابا عن سؤال، فلو كان مقيدا بعدد لبينهﷺ للسائل.
#ثانيا: الإجماع:
فقد قال حافظ المغرب ابن عبد البر -رحمه الله- بعد كلامه عن مشروعية ثلاث وعشرين ركعة: "ﻭﺭﻭﻱ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺭﻛﻌﺔ ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﻭﺷﺘﻴﺮ ﺑﻦ ﺷﻜﻞ ﻭﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﻭاﻟﺤﺎﺭﺙ اﻟﻬﻤﺪاﻧﻲ ﻭﺃﺑﻲ اﻟﺒﺨﺘﺮﻱ...ﻭﻫﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺧﻼﻑ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ"(3).
-وقال أيضا: "ﻭأجمع اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺻﻼﺓ اﻟﻠﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺪ ﻣﺤﺪﻭﺩ، ﻭالصلاة ﺧﻴﺮ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻓﻤﻦ ﺷﺎء اﺳﺘﻘﻞ ﻭﻣﻦ ﺷﺎء اﺳﺘﻜﺜﺮ"(4).
-وقال الفقيه علاء الدين الكاساني الحنفي -رحمه الله-: "ﺭﻭﻱ ﺃﻥ ﻋﻤﺮ -ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ- ﺟﻤﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪﷺ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ، ﻓﺼﻠﻰ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺭﻛﻌﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﺃﺣﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺇﺟﻤﺎﻋﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ"(5).
قلت: وهذا الإجماع يعبر عنه أصوليا بالإجماع السكوتي، وهو حجة عند جمهور الأصوليين.
-وقال الإمام ابن الملقن -رحمه الله-: "ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زيدت زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعلهﷺ وما اختاره لنفسه(6).
#ثالثا- الآثار:
-فعن السائب بن يزيد -رحمه الله- [كانوا يقومونَ على عهدِ عمر بن الخطابِ -رضي الله عنه- في شهرِ رمضانَ بعشرينَ ركعة](7).
-وروى ﻣﺎﻟﻚ ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺭﻭﻣﺎﻥ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: [ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺑﺜﻼﺙ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺭﻛﻌﺔ](8)، وله شواهد.
#قلت: على أنه ثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه [ أمر أبيَّ بنَ كعبٍ وتميمًا الداريَّ أن يقوما للناسِ بإحدى عشرةَ ركعةً](9)، فظاهرهما التعارض، لكن قال الحافظ البيهقي -رحمه الله-: "ﻭﻳﻤﻜﻦ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻭاﻳﺘﻴﻦ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺈﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓ، ﺛﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ بعشرين، ﻭﻳﻮﺗﺮﻭﻥ ﺑﺜﻼﺙ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ"(10).
قلت: وهذا الذي نحا إليه الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- حيث قال: "ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﻘﻴﺎﻡ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻋﻤﻞ ﺑﻪ ﻋﻤﺮ بإﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓ ﺭﻛﻌﺔ، ﺛﻢ ﺧﻔﻒ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻃﻮﻝ اﻟﻘﻴﺎﻡ، ﻭﻧﻘﻠﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺪﻯ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺭﻛﻌﺔ، ﻳﺨﻔﻔﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺮاءﺓ ﻭﻳﺰﻳﺪﻭﻥ ﻓﻲ اﻟﺮﻛﻮﻉ ﻭاﻟﺴﺠﻮﺩ"اه، وحكاه أيضا أبو بكر الطرطوشي وشيخ الإسلام والحافظ -رحمهم الله-(11).
-ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي شيبة عن عطاء قال: "أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر"(12).
وهو اﻟﺬﻱ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﺃﻛﺜﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ كما يقول شيخ الإسلام (13)، بل قال: "ﻭﻣﻦ ﻇﻦ ﺃﻥ ﻗﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻋﺪﺩ ﻣﻮﻗﺖ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲﷺ ﻻ ﻳﺰاﺩ ﻓﻴﻪ، ﻭﻻ ﻳﻨﻘﺺ ﻣﻨﻪ ﻓﻘﺪ ﺃﺧﻄﺄ"(14).
-وعليه:
فإن ما يفعله بعض الناس في الحرم من الانصراف بعد إكمال العشر ركعات فهو فعل لا ينبغي، لأنه لا يستند إلى دليل شرعي، بل هو مخالف لما أرشد إليه رسول اللهِﷺ بقوله: [ مَن قام مع الإمامِ حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ](15)، والمراد: حتى يفرغ من صلاته، يقول الإمام الكبير ابن خزيمة -رحمه الله-: "دلالة على أن القارئ والأُمِّي إذا قاما مع الإمام إلى الفراغ من صلاته، كُتِب لهما قيام ليلتهما"(16)، فلا داعي إذن لهذا الانصراف، ولأنه مخالف لهدي الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، يقول فقيه عصره العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "ومن انصرف إذا أتم الإمام عشر ركعات وانصرف لأنه لا يريد الزيادة على إحدى عشرة ركعة، فقد خالف هدي الصحابة، فإن الصحابة تابعوا عثمان بن عفان حيث زاد الصلاة الرباعية على ركعتين في منى.."(17).
والله الهادي.
قال جامعه -عفا الله عنه-:
وبعد، فهذا ما أردت كتابته في هذه العجالة اليسيرة، وقد تبرهن للمنصف بعد قول من قال بعدم مشروعية الزيادة على إحدى عشرة ركعة، وأبعد منه قول من قال ببدعية ذلك، وما ذكرته يرد على هذا وذاك.
وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.
وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
_____________________
1)- أخرجه البخاري(١١٤٧).
2)- أخرجه البخاري(٩٩٠)، ومسلم(٧٤٩).
3)- الاستذكار(٦٩/٢-٧٠).
4)- المصدر السابق(٩٨/٢).
5)- بدائع الصنائع(٢٨٨/١)، وانظر لزاما: المغني (١٢٣/٢).
6)- الإعلام بفوائد عمدة الأحكام(٥٤٥/٣).
7)- أخرجه ابن الجعد في"المسند"(٢٨٢٥) مختصراً، والفريابي في"الصيام"(١٧٦)، والبيهقي(٦٩٨/٢) واللفظ لهما.
قال النووي في"المجموع"(٣٢/٤)، والعيني في "عمدة القاري"(٣٨٩/٥)،والقسطلاني في "إرشادالساري"(٤٢٦/٤)، وابن العراقي في"طرح التثريب(٩٧/٣)، والأرنؤوط في"تخريج السير(٤٠١/١): إسناده صحيح.
8)- ﺃﺧﺮﺟﻪ مالك(٢٨١) رواية ﺃبي ﻣﺼﻌﺐ اﻟﺰﻫﺮﻱ.
9)- أخرجه مالك(٣٧٩)، والنسائي في"الكبرى"(٤٦٨٧)، والبيهقي(٦٩٩/٢)، وهو صحيح.
10)- سنن البيهقي(٦٩٩/٢).
11)- الاستذكار(٦٨/٢)، وانظر: الحوادث والبدع (ص٥٨)، مجموع الفتاوى(١١٣/٢٣)، فتح الباري (٢٥٣/٤).
12)- المصنف(١٦٣/٢).
13)- أنظر: مجموع الفتاوى(٢٧٢/٢٢).
14)- المصدر السابق(١١٣/٢٣).
15)- أخرجه أبو داود(١٣٧٥)، والترمذي(٨٠٦)، والنسائي(١٦٠٥)، وابن ماجه(١٣٢٧)، وأحمد(٢١٤١٩) باختلاف يسير.
والحديث قال عنه الألباني في"الإرواء"(٢/١٩٣): إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.
16)- صحيح ابن خزيمة(١٠٥٧/٢).
17)- اللقاء الشهري(٤٠/٨).
نور المصابيح
في
مشروعية الزيادة في ركعات التراويح
الحمد لله وبعد:
فهذا بحث مختصر لطيف حول مشروعية الزيادة في عدد ركعات صلاة التراويح، أحببت نشره بغية الإفادة، والله أسأل التوفيق والسداد.
#فأولا: لا شك ولا ريب أن الأفضل والأكمل والأحسن هو الاكتفاء في صلاة التراويح وفي غيرها بإحدى عشرة ركعة، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: [ما كانَ رَسولُ اللَّهِﷺ يَزِيدُ في رَمَضانَ ولا في غيرِهِ على إحْدى عَشْرَةَ رَكْعَةً](1)، ولأنه هو الذي اختارهﷺ لنفسه.
-إلا أن التأسي والاقتداء التام إنما يحصل بموافقتهﷺ في الصفة والكم والعدد، لا في العدد فقط، فليتنبه !!.
-بيد أن ذلك لا يعني عدم مشروعية الزيادة على ذلك العدد، وذلك لأدلة صريحة في ذلك، وهي السنة والإجماع والآثار، ودونك البيان:
#أولا- من السنة:
-قولهﷺ: [صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنى مَثْنى](2)، حيث أطلق ولم يقيده بعدد، ثم إنه وقع جوابا عن سؤال، فلو كان مقيدا بعدد لبينهﷺ للسائل.
#ثانيا: الإجماع:
فقد قال حافظ المغرب ابن عبد البر -رحمه الله- بعد كلامه عن مشروعية ثلاث وعشرين ركعة: "ﻭﺭﻭﻱ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﺭﻛﻌﺔ ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﻭﺷﺘﻴﺮ ﺑﻦ ﺷﻜﻞ ﻭﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﻭاﻟﺤﺎﺭﺙ اﻟﻬﻤﺪاﻧﻲ ﻭﺃﺑﻲ اﻟﺒﺨﺘﺮﻱ...ﻭﻫﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺧﻼﻑ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ"(3).
-وقال أيضا: "ﻭأجمع اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺻﻼﺓ اﻟﻠﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺪ ﻣﺤﺪﻭﺩ، ﻭالصلاة ﺧﻴﺮ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻓﻤﻦ ﺷﺎء اﺳﺘﻘﻞ ﻭﻣﻦ ﺷﺎء اﺳﺘﻜﺜﺮ"(4).
-وقال الفقيه علاء الدين الكاساني الحنفي -رحمه الله-: "ﺭﻭﻱ ﺃﻥ ﻋﻤﺮ -ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ- ﺟﻤﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪﷺ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻲ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ، ﻓﺼﻠﻰ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺭﻛﻌﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﺃﺣﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺇﺟﻤﺎﻋﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ"(5).
قلت: وهذا الإجماع يعبر عنه أصوليا بالإجماع السكوتي، وهو حجة عند جمهور الأصوليين.
-وقال الإمام ابن الملقن -رحمه الله-: "ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زيدت زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعلهﷺ وما اختاره لنفسه(6).
#ثالثا- الآثار:
-فعن السائب بن يزيد -رحمه الله- [كانوا يقومونَ على عهدِ عمر بن الخطابِ -رضي الله عنه- في شهرِ رمضانَ بعشرينَ ركعة](7).
-وروى ﻣﺎﻟﻚ ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺭﻭﻣﺎﻥ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: [ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺑﺜﻼﺙ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺭﻛﻌﺔ](8)، وله شواهد.
#قلت: على أنه ثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه [ أمر أبيَّ بنَ كعبٍ وتميمًا الداريَّ أن يقوما للناسِ بإحدى عشرةَ ركعةً](9)، فظاهرهما التعارض، لكن قال الحافظ البيهقي -رحمه الله-: "ﻭﻳﻤﻜﻦ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻭاﻳﺘﻴﻦ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺈﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓ، ﺛﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ بعشرين، ﻭﻳﻮﺗﺮﻭﻥ ﺑﺜﻼﺙ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ"(10).
قلت: وهذا الذي نحا إليه الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- حيث قال: "ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﻘﻴﺎﻡ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻋﻤﻞ ﺑﻪ ﻋﻤﺮ بإﺣﺪﻯ ﻋﺸﺮﺓ ﺭﻛﻌﺔ، ﺛﻢ ﺧﻔﻒ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻃﻮﻝ اﻟﻘﻴﺎﻡ، ﻭﻧﻘﻠﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺪﻯ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺭﻛﻌﺔ، ﻳﺨﻔﻔﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺮاءﺓ ﻭﻳﺰﻳﺪﻭﻥ ﻓﻲ اﻟﺮﻛﻮﻉ ﻭاﻟﺴﺠﻮﺩ"اه، وحكاه أيضا أبو بكر الطرطوشي وشيخ الإسلام والحافظ -رحمهم الله-(11).
-ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي شيبة عن عطاء قال: "أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر"(12).
وهو اﻟﺬﻱ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﺃﻛﺜﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ كما يقول شيخ الإسلام (13)، بل قال: "ﻭﻣﻦ ﻇﻦ ﺃﻥ ﻗﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻋﺪﺩ ﻣﻮﻗﺖ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲﷺ ﻻ ﻳﺰاﺩ ﻓﻴﻪ، ﻭﻻ ﻳﻨﻘﺺ ﻣﻨﻪ ﻓﻘﺪ ﺃﺧﻄﺄ"(14).
-وعليه:
فإن ما يفعله بعض الناس في الحرم من الانصراف بعد إكمال العشر ركعات فهو فعل لا ينبغي، لأنه لا يستند إلى دليل شرعي، بل هو مخالف لما أرشد إليه رسول اللهِﷺ بقوله: [ مَن قام مع الإمامِ حتى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ](15)، والمراد: حتى يفرغ من صلاته، يقول الإمام الكبير ابن خزيمة -رحمه الله-: "دلالة على أن القارئ والأُمِّي إذا قاما مع الإمام إلى الفراغ من صلاته، كُتِب لهما قيام ليلتهما"(16)، فلا داعي إذن لهذا الانصراف، ولأنه مخالف لهدي الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، يقول فقيه عصره العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "ومن انصرف إذا أتم الإمام عشر ركعات وانصرف لأنه لا يريد الزيادة على إحدى عشرة ركعة، فقد خالف هدي الصحابة، فإن الصحابة تابعوا عثمان بن عفان حيث زاد الصلاة الرباعية على ركعتين في منى.."(17).
والله الهادي.
قال جامعه -عفا الله عنه-:
وبعد، فهذا ما أردت كتابته في هذه العجالة اليسيرة، وقد تبرهن للمنصف بعد قول من قال بعدم مشروعية الزيادة على إحدى عشرة ركعة، وأبعد منه قول من قال ببدعية ذلك، وما ذكرته يرد على هذا وذاك.
وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.
وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
_____________________
1)- أخرجه البخاري(١١٤٧).
2)- أخرجه البخاري(٩٩٠)، ومسلم(٧٤٩).
3)- الاستذكار(٦٩/٢-٧٠).
4)- المصدر السابق(٩٨/٢).
5)- بدائع الصنائع(٢٨٨/١)، وانظر لزاما: المغني (١٢٣/٢).
6)- الإعلام بفوائد عمدة الأحكام(٥٤٥/٣).
7)- أخرجه ابن الجعد في"المسند"(٢٨٢٥) مختصراً، والفريابي في"الصيام"(١٧٦)، والبيهقي(٦٩٨/٢) واللفظ لهما.
قال النووي في"المجموع"(٣٢/٤)، والعيني في "عمدة القاري"(٣٨٩/٥)،والقسطلاني في "إرشادالساري"(٤٢٦/٤)، وابن العراقي في"طرح التثريب(٩٧/٣)، والأرنؤوط في"تخريج السير(٤٠١/١): إسناده صحيح.
8)- ﺃﺧﺮﺟﻪ مالك(٢٨١) رواية ﺃبي ﻣﺼﻌﺐ اﻟﺰﻫﺮﻱ.
9)- أخرجه مالك(٣٧٩)، والنسائي في"الكبرى"(٤٦٨٧)، والبيهقي(٦٩٩/٢)، وهو صحيح.
10)- سنن البيهقي(٦٩٩/٢).
11)- الاستذكار(٦٨/٢)، وانظر: الحوادث والبدع (ص٥٨)، مجموع الفتاوى(١١٣/٢٣)، فتح الباري (٢٥٣/٤).
12)- المصنف(١٦٣/٢).
13)- أنظر: مجموع الفتاوى(٢٧٢/٢٢).
14)- المصدر السابق(١١٣/٢٣).
15)- أخرجه أبو داود(١٣٧٥)، والترمذي(٨٠٦)، والنسائي(١٦٠٥)، وابن ماجه(١٣٢٧)، وأحمد(٢١٤١٩) باختلاف يسير.
والحديث قال عنه الألباني في"الإرواء"(٢/١٩٣): إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.
16)- صحيح ابن خزيمة(١٠٥٧/٢).
17)- اللقاء الشهري(٤٠/٨).
