العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تحقيق مخطوط بيدي في “المفهوم والمنطوق”؟!

انضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,687
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وصلَّى الله وسلَّم على معلِّم الناس الخير، سيِّدنا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

فإليكم يا أهيل هذا الملتقى ذكرى من ذكريات مجالس العلم في رحاب كليَّة الشَّريعة بجامعة أُمِّ القرى 1426هـ، أثناء دراستي للماجستير، قبل حوالي 21 عاماً ...

وما أجمل هذه الذكرى، وأطيب أثرها!؛ بتوثيق أمالي العلم في بدايات الطَّلب؛ ولها طعمٌ لا يُنسى، ودفءٌ لا يُشبهه شيء.
ولمَّا وقعت عينيَّ على صفحاتها؛ سارعت في إحيائها ونشرها، فهي تحمل في طيَّاتها علماً ووفاءً وسيرة.
ولولا التَّدوين لضاعت العلوم، ولولا الذكريات لَبَرِدت الأرواح.


ومن خزانة الذِّكريات العلميَّة، حيث دروس أصول الفقه التي عشتها في رحاب كليَّة الشَّريعة بجامعة أُمِّ القرى، وفي عام 1426هـ تحديداً، أُخرج اليوم بين يديكم مخطوطاً متواضعاً، لكنَّه عزيزٌ على نفسي، خطَّته أناملي، ومشقه قلمي في قاعة الدَّرس، وسطَّرته يدي بعجالة أثناء استماعي للدَّرس الأصوليِّ، وتفاعلي مع ما كان يمليه علينا فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور علي بن صالح بن محمَّد المحمادي –حفظه الله، ومتّعه بالصِّحَّة والعافية-.

المخطوط يتناول موضوعاً لطيفاً من موضوعات علم أصول الفقه، وهو “المفهوم والمنطوق”، ذلك الباب الذي تتجاذبه المدارس الأصوليَّة ما بين الحنفيَّة والجمهور، وما بين دلالة العبارة، والإشارة، والاقتضاء، والموافقة، والمخالفة، وغير ذلك من مباحث الدِّلالة.

وهو ليس تحقيقاً علميَّاً بمعاييره الأكاديميَّة الصارمة، وإِنَّما هو إحياءٌ لذكرى علميَّة، بإخراج نصٍّ كاد أن يُمحى، وتسجيلٍ لمجالس علميَّة عشتها بشغف الطَّالب، وعزيمة المتلهِّف، وفتوَّة المتلقِّي، في مرحلةٍ من أجمل مراحل الطَّلب، حين كان للكلمة وقعها، وللقلم حضوره، وللصُّحبة العلميَّة أثرها.

وقد وجدت من الوفاء أن أشارك هذه الأوراق، كما هي، بخطِّها المائل، وتسطيرها المتعجِّل -مع ما لحقها من سطوٍ بشخط الصغار-؛ لتكون تذكاراً ونافذةً لمن أحبَّ هذا الفنَّ، أو من تتبَّع سير المشايخ وطلاَّبهم، أو من أراد أن يرى كيف كانت تُصاغ المعارف في الجلسات العلميَّة، قبل أن تُمليها علينا الشَّاشات والوسائط الحديثة.

المخطوط المرفق يحمل الطَّابع الشَّخصيَّ، مطعَّمٌ بعبارات الشَّرح، ونتف التَّعليق، وبهاء التَّلخيص، وربَّما الاختصار الشَّديد في مواضع، لكنَّه مع ذلك يُظهر شيئًا من المنهجيَّة، ويسجِّل أثرًا من حضور القلب، وسباق الفكر في مجلس العلم.

لمحةٌ سريعةٌ من محتواه:
• تعريف بالدِّلالة وأقسامها: (الطَّبيعيَّة، العقليَّة، الوضعيَّة، اللَّفظيَّة).
• تقسيم الحنفيَّة للدِّلالة: (عبارة، إشارة، نصٌّ، اقتضاء).
• دلالة الإشارة والاقتضاء والفرق بينهما.
• رأي الجمهور في المفهوم والمنطوق.
• تنوُّع الأقوال في تقسيم الدِّلالات عند الأصوليِّين.
• نماذج تطبيقيَّة على الدِّلالات من القرآن الكريم.


ختاماً:
هذه الأوراق ليست للعرض العلميِّ فحسب، بل هي دعوةٌ لإحياء الرُّوح في الدِّراسة، وتأصيل لمعنى “طلب العلم” كما كان، حيث تلتقي القلوب على حبِّ المعرفة، وتشتبك العقول في فهم الدَّليل، وتُضاء الأيام ببركة الشَّيخ والمجلس والكتاب.
أسأل الله أن يبارك في شيخنا الأستاذ الدكتور علي المحمادي، وأن يجزيه عنَّا خير الجزاء، فقد كان لمجلسه وقعٌ لا يُنسى، ولا يزال علمه وآثاره تتردَّد في صفحاتنا وألسنتنا؛ وهذا بلاغٌ لشيخنا بالتَّحيَّة والسَّلام، ووصلٌ بالدُّعاء على الدَّوام، ووفاءٌ لا يلحقه عتبٌ أو ملام.

وأرفق هنا هذا المخطوط الشَّخصي، كما خطَّته اليد، ونقلته العين، ووثَّقته الأيام.
IMG_5735.jpeg
 

المرفقات

انضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,687
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
إليكم النص المحقَّق بدون تعليق:
المفهوم والمنطوق
هل هما من أقسام الدِّلالة؟
الدِّلالة: فهم أمر من أمر.
أقسام الدِّلالة: (طبيعيَّة - لفظيَّة - عقليَّة - وضعيَّة).
طبيعيَّة:
مَنْ به سعالٌ؛ أفهم أَنَّه مريضٌ.
عقليَّة: رأيت دخَّاناً؛ علمت بأَنَّ هناك ناراً.

وضعيَّة:
- لفظيَّة: الألفاظ المتكلَّم بها.
- غير لفظيَّة: كالإشارات والنُّصُب والأعلام، كحدود الحرم دالاً ...
الذي يخصُّنا الدِّلالات اللَّفظيَّة.
طريقة الاستدلال بالألفاظ:
- الحنفيَّة لهم منهج [قسَّموها] إلى 4 أقسام (عبارة - إشارة - نص - اقتضاء).
- المتكلِّمون لهم منهج.


1) دلالة العبارة:
دلالة اللَّفظ على معنىً مقصود لازم للمتكلِّم، سواءٌ أكان صريحاً أم ضمناً، بالذَّات أم بالتَّبع.
جاء محمدٌ؛ لفظٌ دلَّ على مجيئه.
إذا كان المعنى مقصوداً للمتكلِّم.

(فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء مثنى وثلاث ورباع) [النِّساء:3].
دلَّ اللَّفظ بمنطوقه صراحةً على جواز نكاح الاثنتين والثَّلاث والأربع.
ودلَّ بالضِّمن وبالتَّبع على الواحدة؛ فلمَّا أبيح الاثنتين والثَّلاث والأربع دلَّ على إباحة الواحدة.


(وأحلَّ الله البيع وحرَّم الربا) [البقرة:275].
جاء مقصوداً صراحةً للتَّفرقة بين حكم البيع والرِّبا.
التَّفريق بين حكم البيع والرِّبا هو المقصود صراحةً، أمَّا الضِّمن فهو إباحة البيع وتحريم الرِّبا.

2) دلالة الإشارة:
دلالة اللَّفظ على معنىً غير مقصود للمتكلِّم، لكنَّه لازمٌ له.
الغزاليُّ: [يقول:] يستدلُّ منه العاقل على [فهم] معنىً آخر لم يُسَق له الكلام، ولكن يلحظه السَّامع بإشارة الكلام وبمعناه، فكما أَنَّ المتكلِّم يتكلَّم بلفظٍ له معنىً معيَّن قد تلحظ مع إشارة تدلُّ على معانٍ أخر.


(وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) [الأحقاف:15] ... (وفصاله في عامين) [لقمان:14].
معنى إشاري للآية؛ دلَّت مجموع الآيتين على معنىً آخر لم يُسَق [له الكلام]؛ وهو أَنَّ أقلَّ دلالة الحمل 6 أشهر.

(أُحِلَّ لكم ليلة الصِّيام الرَّفث إلى نسائكم) [البقرة:187].
أبيح الجماع في ليالي الصِّيام، المعنى العباريِّ للآية: تشير إلى جواز الإصباح جنباً؛ لأَنَّه من ضرورته (معنىً إشاري).
فائدة: اللُّزوم (ذهني - خارجي) ليس بشرط تطابقهما.
محمَّدٌ خاتم الأنبياء.
الذِّهني: لا نبيَّ بعده.
الخارجي: [قد يوجد من يدَّعي النُّبوَّة كذباً].

3) دلالة النَّصِّ:
(دلالة الدِّلالة) مفهوم الموافقة عند الجمهور.

(فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما) [الإسراء:23].
المعنى العباريُّ: عدم جواز قول أُفٍّ وعدم نهرهما.
المعنى الإشاريُّ: (لازمٌ له(1)) تحريم الضَّرب والشَّتم والقتل، وغيرها من سائر الإيذاء لا يُسمَّى دلالة إشارة؛ لأَنَّها مقصودٌ أولى للمتكلِّم؛ فهو مفهوم موافقة.

4) دلالة الاقتضاء:
دلالة اللَّفظ على معنىً مقصود للمتكلِّم لازمٌ له، يتوقَّف عليه صدق الكلام أو صحَّته عقلاً أو شرعاً.
(اصعد السَّطح): فجاء المأمور ليصعد السَّطح، فكيف يمتثل هذا الأمر؟، بالصُّعود، فلابدَّ له أن ينصب سُلَّماً ليصعد.
نصب السُّلَّم والصُّعود عليه من لوازم امتثال هذا الأمر.
من [أمثلة] لوازمه: ما لا يتمُّ الواجب إِلَّا به فهو واجبٌ.


مثال: (واسأل القرية ...) [يوسف:82].
لو حملنا القرية على البيوت لتعذَّر السُّؤال، فكان من لوازمه تصحيح المعنى من: (القرية)، هو: (أهل القرية).
اقتضى النَّصُّ زيادة نصٍّ حتَّى يصحَّ عقلاً.

(أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) [الشُّعراء:63]؛ أي: فاضرب.

(مريضاً أو على سفر فعِدَّةٌ من أيام أخر) [البقرة:184].
(مريضاً أو على سفر) "فأفطر" (فعِدَّةٌ من أيام أخر).

• الفرق بين دلالة الإشارة والاقتضاء:
اللَّازم في دلالة الإشارة متأخِّر، أَمَّا الاقتضاء فمتقدِّم.
الإشارة: نتيجةُ كذا يحصلُ كذا.
الاقتضاء: انصب السُّلَّم حتَّى تصعد.
اقتضاء النَّصَّ.

- المتكلِّمون اختلفوا في تقسيم الدِّلالات:
1) أبو يعلى والكلوذاني والزَّركشي وابن السُّبكي والباجي قسَّموها إلى 3 أقسام:

دلالة المنظوم - غير المنظوم – المفهوم.
- دلالة المنظوم: هو المنطوق، دلالة العبارة عند الحنفيَّة، أو دلالة المنطوق الصَّريح عند الجمهور.
- دلالة غير المنظوم: (الاقتضاء والإشارة والإيماء).
ابن السُّبكي أخرج دلالة الإيماء.
القاضي أبو يعلى لم يُبْقِ إِلَّا الاقتضاء.


2) الآمدي قسَّم الدِّلالة [إلى] (منظوم - غير منظوم).
المنظوم: العبارة عند الحنفيَّة، والمنطوق الصَّريح عند الجمهور.
غير المنظوم: الإشارة، والاقتضاء، والإيماء، ودلالة المفهوم.


3) مذهب الرَّازي والبيضاوي قسَّموها إلى قسمين:
- دلالة منطوق: (المنظوم، العبارة عند الحنفيَّة، الصَّريح عند الجمهور).
- دلالة مفهوم:
1. ما يلزم من الألفاظ المفردة: (الإشارة، الاقتضاء، الإيماء).
2. ما يلزم من الألفاظ المركَّبة: (مفهوم موافقة، مخالفة).


4) جمهور المتكلِّمين قسَّموها إلى قسمين:
- المنطوق:
1. صريح: دلالة العبارة.
2. غير صريح: الإشارة، والاقتضاء (الإضمار والحذف)، والإيماء (التَّنبيه).

- المفهوم:
1. موافقة.
2. مخالفة.



----------------------------------------------------
(*) غير منطوق به، والنَّصُّ يشير إليه، لكنَّه أولى من المنطوق.
 

المرفقات

أعلى