العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تلخيص كلام ابن زياد في تبرع المدين

انضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,273
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد

منذ أن أتحفنا الشيخ عبد الحميد بالمساجلة العلمية بين الشيخين ابن حجر الهيتمي وابن زياد في موضوع تبرعات المدين وأنا أدير النظر فيها وأبحث في كلام أئمتنا الشافعية فيما يتعلق بها، فأحببت أن ألخص كلام ابن زياد.

فأقول :

تبرعات المدين
ذهب ابن زياد الزبيدي رحمه الله إلى أن تبرع المدين بالمال وهو لا يرجو وفاءاً من جهة ظاهرة غيره لا يجوز وأنه إن فعل فتبرعه باطل، والمال رد عليه.
وذلك لأن التبرع حينئذٍ حرام لما فيه من تفويت حق الغير، فيحرم تسليمه وما حرم تسليمه بطل في أصح الوجهين.

حجبته:
وليس التعليل المتقدم هو حجته، فإنه كان أقر ابن حجر أنهما قاصران عن رتبة الاجتهاد والترجيح إلا تبعاً، فحجته كشأن غيرهم من محققي المذهب المتأخرين إنما هو النقل عن محققي المذهب، ثم النظر في كلامهم استدلالاً وتعليلاً، فأسند قوله إلى تخريج ابن الرفعة لحكم مسألة هبة الماء ممن يحتاجه لوضوءه في الوقت.
ثم أتبعه بمن أقره وتابعه من محققي المذهب فذكر جملة ووجدنا غيرهم، فنقل تقريره عن الزركشي في (الخادم) و(شرح التنبيه) و(المنثور) والأذرعي في (القوت) و(التوسط) والولي العراقي في (مختصر المهمات) وابن قاضي شهبة في (شرح المنهاج الكبير) والدميري في (النجم الوهاج) وابن الملقن في (عجالة المحتاج) والناشري في (الإيضاح) والكمال الرداد في (كواكبه) وعمر بن محمد الفتى في (فتاويه) والشيخ زكريا الأنصاري في (أسنى المطالب) بل حتى ابن حجر نفسه في شرحيه على الإرشاد (الإمداد) و(فتح الجواد) وسيأتي الكلام عليهما. وثم غيرهم رحمهم الله.
ثم ذكر أن محققي المذهب جعلوا ذلك قاعدة فيما يحرم تسليمه ناقلاً عن (المنثور) للزركشي و(الأشباه والنظائر) للسيوطي ، أقول : وقد وافقهما ابن الوكيل وابن الملقن والحصني في (قواعدهم) وسبق الجميع أبو محمد الجويني في (الفروق) وكلهم نص على أنه إذا حرم التسليم ففي بطلان العقد وجهان الراجح منهما البطلان، وذكروا من فروعها هبة الماء في الوقت ممن يحتاج إليه في وضوئه، وزاد بعضهم فذكر هبة المال ونحوه.

ودليل تخريج ابن الرفعة هو ترجيح الشيخين في مسألة هبة الماء بطلانَ الهبة وتعليلها بحرمة التسليم.

ثم أورد على نقل الشيخين أن الإسنوي نقل عن (المجموع) تصحيح هبة المديون المال وعتق من توجهت عليه كفارة بعتقٍ للرقبة عن غير جهة الكفارة.
ورده بأن نقل نص النووي في (المجموع) وبين أنه حاكٍ عن الشاشي قياسه هبة الماء على هبة المال والعتق المذكورين ولم يقره.
وذكر أن الاعتراض بأن سكوته إقرار غير مسلم لأمور: منها: نقله عن التاج السبكي في (الترشيح) أن السكوت في مثل هذا لو سلم لا يفيد إقراره به فضلاً عن جزمه به. وعبارته كما في (الترشيح) ص631 : "لا وثوق بما يقع أثناء التعليل والحجاج لا سيما في غير المظنة، ... وما يقع في الذهن من أنه إن علل شيئاً ـ وإن كان ضعيفاً ـ بعلة سكت عليها دل على صحتها عنده، وأن أحد المتناظرين لا يعتل بما لا يوافقه خصمه عليه ، ليس بمستمر" وقد نقل ابن زياد عبارته بتمامها فراجعها فإنها مفيدة. واعترض عليه بعضهم بأن هذا لا ينفي الظهور، وهو مردود بقول السبكي أولاً : (لا وثوق) إذ كيف يجتمع الظهور في الموافقة مع عدم الوثوق بحصول الموافقة؟
ومنها : أن النووي لم يسكت عن قياس الشاشي بل أتبعه بقوله : (والظاهر ما صححناه أولاً) وهو إنما صحح البطلان معللاً بحرمة التسليم وهي علة تقتضي بطلان التصرف في المال وبطلان العتق المذكورين في قياس الشاشي. بل وأتبعه بقياس الإمام والغزالي لهبة الماء على الشيء يُعطى للوالي على سبيل الرشوة وأنه يجري فيه الوجهين من أبطله تعلل بالتحريم ومن صححه تعلل بصحة تصرفه، وقد تقدم معك أن النووي صحح في التعليل بتحريم التسليم، كما أنهم مصرحين بأن الأصح في هبة الوالي المذكورة ببطلانها وعدم تصحيح ملك الوالي، فهذا منه تصريح ببطلان قول الشاشي أولاً ومعارضة قياسه بقياس غيره.
ومنها : أنه على فرض التسليم بسكوت النووي فإنه تكلم عن أصل المسألة في موضع آخر هو كتاب البيوع عند كلامه على شرط القدرة على التسليم.
ومنها : أن النووي رجح في عامة النظائر التي تكلم فيها البطلان، كالتفريق بين الأمة وولدها وبيع نصف معين من سيف وبيع السلاح لأهل الحرب وهبة المال للوالي على سبيل الرشوة، والشاشي يصحح كل ذلك طرداً لأصله، فهذا منه جري على خلاف قياس الشاشي.
وبقي وجه نسيته الساعة.

إذا اتضح هذا بطل الاحتجاج بنص (المجموع) على إقرار النووي للشاشي فضلاً عن جزمه بقوله.

فإن أبيت فلا أقل من أنه فت في عضد الظهور المزعوم، فنرجع إلى محققي المذهب فنراهم جروا على تخريج ابن الرفعة وأقروه.

ثم أورد على نفسه تفرقة بعض محققي المذهب بتعين الماء لفرض الطهارة وعدم تعين المال في مسألة المديون مع رضا الدائن بذمته.
ورده بثلاثة أوجه: الأول: أن الماء لا يتعين للوضوء، وإنما تعين في مسألة الباب لضيق الوقت وعدم غيره، وهذا حاصل في تبرع المديون بالمال، فيتعلق الوفاء به كتعلق الأداء بعين الماء.
الثاني: أن معاوضة الماء بما يتأدى به فرض الوضوء جائز، ولو تعلق الوضوء بعين الماء لم يجز، لكنه لم يمثل له فعسر على بعضهم تصوره، وصورته أن يعاوضه من يملك ماءاً طهوراً لا يصلح للشرب لنحو ملوحة مثلا بمائه الصالح للشرب لصنع نحو قهوة، فإنه يجوز ، ولو كان تعين ماؤه للوضوء لم تجز هذه المعاوضة.
والثالث: أن كل من فرق بالتعين في الماء دون المال، عاد في (صدقة التطوع) وقطع بتخريج الرافعي، فعلم أنهم إنما ذكروه احتمالاً لا جزماً، وجزمهم بمقابله يفيد ضعفه، فحتى ابن حجر رحمه الله فإنه في (الإمداد) جرى على تخريج ابن الرفعة وحكم ببطلان الصدقة، ثم أبرز الفرق المذكور، لكنه في مختصر الإمداد (فتح الجواد) اقتصر على القول بالبطلان، وأسقط الفرق.
ويجوز عندي زيادة وجه رابع، هو: أن النووي أتْبَعَ قياسَ الشاشي بقياس الإمام الجويني والغزالي لمسألة هبة الماء بهبة الوالي مالاً على سبيل الرشوة، وقد زعم المخالف أن سكوته على قياس الشاشي إقرار، فسكوته على قياس الإمام والغزالي أولى بكونه إقرار، لأنه الموافق لتصحيحه البطلان في هبة الماء، وتعليله بالتحريم، فهو أقرب إلى كونه استدلالاً بهذا القياس من كونه مجرد إقرار.

أما ما نقل من نصوص الشافعي في صحة تصرفات المديون قبل الحجر فرده بثلاثة أوجه: الأول: نقله عن ابن حجر أن مثلهما ليس له أن يستدل بنصوص الشافعي لأنها في حقهم كنصوص الشارع. والثاني: بأنها معارضة بالنص على منعه من التصرف. والثالث : بأنها محمولة على التصرفات الجائزة، والكلام في التصرف المحرم؛ إذ قد نصوا على أن تصدق المديون الذي لا يجد وفاءً حرام.

أما نصوص المحققين في صحة تصرف المفلس، فردها بوجهين: الأول أن لهم نصوص تخالفها. والثاني: حمل النصوص المصححة للتصرف بما إذا رجا وفاءً، والمبطلة بما إذا لم يرجوه.

فإذا لم يكن ثم نقل عن أئمة المذهب ومحققيه فلا يصلح اعتماد كلام ابن حجر رحمه الله بمفرده اعتماداً على نظره، كما لا يصح العكس.

هذا وقد وجدت نصاً لبعض أصحاب الوجوه في إبطال سريان العتق بل وإبطال تنجيزه متى كان فيه إضرار بأصحاب الديون.

والله أعلم
 
انضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,687
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
جزاك الله خيراً يا شيخ وضاح على هذه المدارسة العميقة التي تنقلها لنا بين علمين متعاصرين، وجبلين من جبال الفقه الشافعي، مكي ويماني.

ولعل هذه الخلاصة نافعة لاختصار رأي ابن زياد الزبيدي -رحمه الله-:

حيث يرى أن تبرع المديون بماله بلا رجاء وفاءٍ لا يجوز، وأن تبرعه باطل والمال مردود؛ لأن في ذلك تفويتاً لحق الغرماء، وما حرم تسليمه بطل. استند إلى تخريج ابن الرفعة في مسألة هبة الماء مع الحاجة إليه للوضوء، ووافقه كبار الشافعية كالزركشي، والأذرعي، والولي العراقي، وغيرهم، بل حتى ابن حجر نفسه في بعض كتبه. وردَّ احتجاج المخالفين بنقل النووي في المجموع، وبيَّن أن سكوت النووي ليس إقراراً، بل صرح في مواضع أخرى بالبطلان. كما أبطل التفريق بين الماء المتعين والمال، وذكر وجوهاً متعددة لذلك. أما نصوص الشافعي في صحة تصرفات المديون، فحملها على التصرفات الجائزة لا المحرمة. وخلاصة قوله: أن المذهب المعتمد عند المحققين هو بطلان تبرع المديون بلا وفاء ظاهر، حماية لحقوق الغرماء.
 
انضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,273
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
ما شاء الله
هذا تلخيص جملي رائع
وفي نفسي تلخيص كلام الإمام ابن حجر أيضا مع عرض مستنداته ثم تذييل ذلك ببعض التعليقات، فيها ما أظنه وارد على كل منهما أو دليل له.
لكن يعوقني عن الإسراع فيه عوائق، نسأل الله تعالى أن ييسر لنا.
 
أعلى